قل: صَمَدَ العدو وصَمَدَ له صَمْداً
ولا تقل: صَمَدَ له صُمُوداً
وقل: الثبات
ولا تقل: الصمود
وذلك لأن الصّمد هو القصد وهو تحرك وسير ومشي إلى أمام. ولا يجوز إطلاق فعل من افعال الحركة ولا إسم من أسمائها على السكون والوقوف واللبث والمكث. لأن ذلك ضد المعنى المراد، فإذا أريد الوقوف في الحرب على سبيل المقاومة والمواقفة والمناهضة قيل: ثبت في الحرب والقتال والمقاومة ثباتاً. قال الله تعالى في سورة الأنفال “ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون”. والشاهد على أن “صمد صمداً” معناه: تقدم في جميع كلام العرب، ومنه قول علي (ع) وهو يحث أصحابه على التقدم والقتال: “وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربا ثبجه فإن الشيطان كان في كسره، قد قدم للوثبة يداً وأخر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنت الأعلون والله معكمن ولن يتركم أعمالكم”. قال ابن أبي الحديد: “وقوله عليه السلام: فصمدا صمدا أي اصمدوا صمدا. قال صمدت لفلان أي قصدت له”. فالصمد حركة وسير وتقدم.
قال الجوهري في كتابه الصحاح: “وصمده يصمده صمدا أي يقصده، والصّمَدُ بالتحريك لأنه يُصمد إليه في الحوائج…” وجاء في مختار الصحاح “الصمد السيد لأنه يُصمدُ إليه في الحوائج أي يُقصد، يقال صمده من باب نصر أي قصده”.
وقال ابن فارس في كتابه “مقاييس اللغة”: الصاد والميم والدال أصلان أحدهما القصد والآخر الصلابة في الشيء. فالأول الصمد: القصد يقال صمدته صمدا وفلان مصمّد إذا كان سيدا يقصد اليه في الأمور وصمد أيضا، والله جل ثناؤه الصمد للأنه يصمد إليه عباده بالدعاء والطلب”.
وقال الزمخشري في كتابه الفائق في قصة بدر بن عمرو الجموح (رض) أنه قال: نظرت الى أبي جهل في مثل الحرجة (فصمدت له) حتى إذا أمكنتني منه غرة حملت عليه. قال الزمخشري “الصمد: القصد”. وورد الخبر في لباب الآداب (ص 175). وقال في أساس البلاغة: “صمده قصده وصمد صمد هذا الأمر: اعتمده، وسيد صمد ومصمود والله الصمد”.
وقال المطرزي في المغرب: “الصمد: القصد من باب طلب ومه حديث المقداد ما ريأت رسول الله (ص) صللا إلى عود أو عمود إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له صمدا أي يقابله مستويا مستقيما بل كان يميل منه. وقوله: صمد لجبة خز أي قصد بالإشارة اليها”.
وقال الفيروزأبادي في القاموس: “الصمد: القصد.. والمصَمّد كمُعَظّم: المقصود..”
وقال المبارك ابن الأثير في النهاية: ” وفي حديث معاذ بن الجموع في قتل أبي جهل: فصمدت له حتى أمكنتني منه غرة. أي ثبت له وقصدته وانتظرت غفلته. ومنه حديث علي: فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق”. والمبارك ابن الأثير هو العالم الوحيد الذي أضاف “ثبت” الى تفسير حديث معاذ بن الجموح، وقد ناقض نفسه بهذه الإضافة وخالف واقع اللغة العربية فكيف يثبت له ويقصده بفعل واحد وكيف تجتمع الحركة والسكون أو السكون والحركة في فعل واحد؟ وقد روى الزمخشري قبله الحديث في الفائق ولم يزد في شرحه على قوله “الصمد: القصد” فابن الأثير في هذه الإضافة كان واهما وكذلك كل من نقل من كتابه.
جاء في كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقري “وبعث علي (ع) خليداً إلى خراسان فسار خليد حتى إذا دنا من نيسابور بلغه أن أهل خراسان قد كفروا ونزعوا يدهم من الطاعة وقدم عليهم عمال كسرى، فقاتل أهل نيسابور فهزمهم وحصر أهلها وبعث الى علي بالفتح والسبي ثم (صمد لبنات كسرى) فنزلن على أمان” وجاء فيه “ثم بعث علي إلى حنظلة ابن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب – وهو من الصحابة – فقال: يا حنظلة اعليّ أم لي، فقال: لا عليك ولا لك. فقال: فما تريد؟ قال: أشخص الى الرها فانه فرج من الفروج، (أصمد له حتى ينقضي هذا الأمر). وجاء فيه “ولم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم، ولجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إلى عبد الله بن عامر واقفاً”.
وجاء فيه “عبأ معاوية تلك الليلة أربعة آلاف وثلاثمائة من فارس وراجل معلمين بالخضرة أن يأتوا علياً (ع) من ورائه ففطنت لهم همدان فواجهوهم وصمدوا إليهم فباتوا تلك الليلة يتحارسون”.[1]
وقال البلاذري في حصار مسلم بن عقبة المدينة المنورة: “فأمر مسلم بفسطاط عظيم فضرب له ثم زحف إلى أهل المدينة و (صمد) بمن معه صمد ابن الغسيل فحمل ابن الغسيل بالرجال حتى كشف الخيل[2]“.
وجاء في كتاب معقل بن قيس الرياحي إلى الإمام علي (ع) “ورفعنا لهم راية أمن فمالت إلينا طائفة منهم وثبتت طائفة أخرى فقبلنا أمر التي أقبلت وصمدنا إلى التي أدبرت فضرب الله وجوهم ونصرنا عليهم”.[3]
وجاء في كتاب لزياد بن خصفة اليه “ثم زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فقصدونا و(صمدنا صمدهم) فاقتتلنا قتالا شديداً”. وفي أقوال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال يحث على القتال “وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا واذكروا الله لا يسلمن رجل أخاه ولا تتكثروا الإلتفات واصمدوا صمدهم وجالدوهم محتسبين”.
وقال عمرو بن كلثوم:
إذا صمدت حمياها أريبا من الفتيان خلت به جنونا[4]
وجاء في أخبار يوم الربذة “وقدم حبيش بن دلجة فعسكر بالجرف وكان مروان أمره أن لا يعرض لأهل المدينة وأن لا يكون صمده وقصده إلا لمن يوجهه ابن الزبير للمحاربة.”[5]
وقال المبرد: روي عن النبي (ص) أنه نظر الى رجل ساجد إلى أن صلى النبي (ص) فقال: ألا رجل يقتله؟ فحسر أبو بكر عن ذراعه وانتضى السف وصمد نحوه، ثم رجع الى النبي (ص) فقال: أأقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله؟”[6]
وجاء في أخبار الفتوح قول أبي جعفر الطبري ناقلا: ” ولما توجه علقمة الى غزة وتوجه معاوية الى قيسارية وصمد عمرو بن العاص الى الأرطبون زمر بإزائه”.[7]
وقال الواقدي في أخبار بدر: “فاجتمعت بنو مخزوم فأحدقوا بأبي جهل فجعلوه مثل الحرجة وأجمعوا أن يلبسوا لامة ابي جهل رجلا منهم فألبسوها عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة (فصمد له) علي (ع) فقتله وهو يراه أبا جهل ومضى عنه وهو يقول: أنا ابن عبد المطلب.”[8]
وجاء في كتاب عبد الحميد الكاتب الى بعض قادة مروان الحمار “…. متوكلا على الله فيما صمدت له، واثقا بنصره…..ثم اصمد لعدوك المتسمي بالإسلام”.[9]
فهذه شواهد ليست بالقليلة من واقع العربية تدل على أن الصمد هو القصد لا الثبات. (م ج)
قل: يجب عليكم الصَّمد للعدو
ولا تقل: الصُّمود للعدو
وقد ذكرنا أن الفعل “صَمَدَ” معناه قصد، ومصدره “الصَّمد” لا الصمود الذي ابتدعه ذوو الجمود. والسبب في ذلك أن الصمد هو حركة على خط مستقيم نحو المصمود أي المقصود، والمصادر التي تعني هذا المعنى تكون قصيرة لتمثل السير في اقصر الخطوط وهو الخط المستقيم، ولذلك قالت العرب “قصد قصداً” و “نحا ينحو نحواُ” و “رام يروم روماُ” و “عمد يعمد عمداُ” و “هدف هدفاُ” و “سبق سبقاُ” و “أم أماُ” و “صمد صمداُ” و “سار سيراُ”. وهذا من أسرار العربية ومن دقائقها وعجائبها التي لا تحصى، ولقائل أن يقول: ولماذا لم يقولوا: ذهب ذهباُ؟ فنقول له: لأنه لا يتشرط في الذهاب والإياب أن يسير الذاهب و الآيب على أقصر الخطوط وهو الخط المستقيم، ولذلك طال المصدر. والظاهر أن الذي ابتدع “الصمود” حسبه بمعنى “الثبات” فأطال مصدره كالجلوس والقعود والوقوف والثبوت والثبات. وفي قصر مصدر الفعل “صمد” ومشابهته للمصادر التي من النوع الذي ذكرناه دليل على أنه يعني الحركة لا السكون والتقدم لا الوقوف والإقدام لا الإحجام.
والعجيب في اصرار كثير من العرب العصريين المعتزين بالعروبة وهو تركهم ما أمر الله تعالى به في القتال وهو قوله: “ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراُ لعلكم تفلحون” ولم يقل “فاصمدوا”. وقال تعالى: “ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا” ولم يقل “صمدناك” وقال: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة”. ولم يقل: “يصمدهم بالقول الصامد”. وقال: “قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذي آمنوا” ولم يقل “ليصمدهم”. وقال تعالى: ” وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام” ولم يقل “ويصمد به الأقدام”. وقال: “يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” ولم يقل “ويصمد أقدامكم” وقال: “وكلاُ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك” وقال: “كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا” وقال: “ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين” ولم يقل “وصمد أقدامنا”. وقال: “وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين”. وقال: “إذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا”. فما معنى هذه الرغبة عن لغة القرآن؟ فهل هو تجديد في العروبة؟ (م ج)
قل: هذه السياسة تتفق أو تتطابق أو تتلاءم مع السياسة الأمريكية
ولا تقل: هذه السياسة تتقاطع مع السياسة الأمريكية
فقد كثر مؤخراً في وسائل الإعلام إستعمال الفعل “تقاطع” بمعنى مناقض للمعنى الذي عرفه العرب. وقد طغى هذا الإستعمال المغلوط حتى ليوشك المعنى الصحيح للفعل “تقاطع” أن يختفي. ولا يخفي على أحد أن في هذا خطورة لأن المتلقي لا يمكن له أن يعرف ما المراد من استعمال الفعل “تقاطع”، أهو بمعنى “تناقض” أم بمعنى “اتفق” وبين الإثنين فرق كبير.
فهذا ابن فارس في مقاييس اللغة يخبرنا في باب “قطع”:
“القاف والطاء والعين أصلٌ صحيحٌ واحد، يدل على صَرْمٍ وإبانة شيءٍ من شيء. يقال: قطعتُ الشيءَ أقطعه قَطْعاً.
والقطيعة: الهِجران.يقال: تقاطَعَ الرّجُلان، إذا تصارما.”
كما جاء في لسان العرب:
” وتَقَاطَعَ القومُ: تَصارَمُوا”.
فإذا كانت قواميس العرب لم تعرف معنى للفعل “تقاطع” سوى “تصارم” فمن أين جاء أهل الإعلام اليوم بمعنى مناقض تماماً لذلك المعنى؟
لذا لا تقل “تقاطع” إذا أردت أنه اتفق أو تطابق. (ع ع)
قل: ما زال الخلاف قائماً ولم يزل قائماً، ومازلت أقرأ
ولا تقل: لا زال الخلاف قائماً، ولا زلت أقرأ
وذلك لأن أفعال الإستمرار الماضية لا يكون نفيها بحرف النفي “لا” بل يكون بحرف النفي “ما”، تقول: مازال قائماً و مازلت قائماً، فهي كسائر الأفعال الماضية التي لا تكرر معها “لا” وذلك أنك لا تقول: لا جاء محمد فقط بل ينبغي أن تكرر “لا” فتقول: “لا جاء احمد ولا أرسل رسولاً”. فإن لم يكن تكرار وجب أن تقول “ما جاء محمد” وكذلك زال وأخواتها. فليس فيها تكرار. واستثنيت حالة واحدة لإستعمال “لا” من غير تكرار وهي حالة الدعاء والرجاء كأن يقال “لا زال فضلك داراً”، كما يقال “لا خاب سعيك” ويقال “لا برحت محفوظاً” كما يقال ” لا حُرمت ثمرة غرسك”. (م ج)
قل: اعتَزَلَ العرشَ
ولا تقل: تَنَازَلَ عن العرشِ
والسبب في ذلك أن “تنازل” فعل اشتراك في المسموع والمدون في اللغة العربية، ومعناه النزول من الإبل الى القتال بين اثنين أو أكثر منهما. قال مؤلف أساس البلاغة “ونازله في الحرب وتنازلوا” وقال الجوهري في الصحاح “والنزال أن يتنازل الفريقان” وقال مؤلف المصباح المنير “ونازله في الحرب منازلة ونزالا وتنازلا” نزل كل واحد منهما في مقابلة الآخر. وقال مؤلف القاموس “والنزال: أن ينزل الفريقان عن ابلهما الى خيلهما فيتضاربوا. وقد تنازلوا” ويقال في هذا المعنى أيضاُ “انتزل الفارسان وانتزلت الفرسان” أي تنازلا وتنازلوا وموضع الإنتزال هو “المُنتزل” قال ابن الربعي:
وسرابيل حسان شققت عن كماة غودروا في المنتزل
واشتقت العرب من “النُزل على وزن العمر (وهو طعام الضيف فعلاُ) فقالوا تنازل القوم” أي أكلوا عند هذا نزلة وعند ذاك نزلة. وعلى هذا يجوز لقائل أن يقول: إن باب الإشتقاق مفتوح وأنت ممن يذهب اليه، فلماذا لا نقول: “تنازل عن العرش؟” والجواب هو أن القياس ينبغي فيه أن يكون ملائما لطبيعة اللغة العربية و “تفاعل” إذا جاز اشتقاقه للواحد من نزل دل على الرياء والتكلف مثل “تمارض وتماوت وتغافل وتجاهل” فمعنى “تنازل عن العرش” على هذا القياس ” تكلف النزول عنه وخادع به وراءى” مع أن المراد “اعتزاله العرش” وتركه إياه وتنحيه عنه وتخليه، وفي غير العرش يجوز أن يقال “نزل عنه” كقولهم “نزل عن حقه”. قال في أساس البلاغة “وانزل لي عن هذه الأبيات” وفي المصباح المنير “نزلت عن الحق: تركته” فتأمل ذلك. ولا عبرة بما ورد في شرح البسامة لإبن بدرون (ص 20). (م ج)
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
7 حزيران 2013
[1] كتاب صفين (11، 97، 245، 331) طبعة المؤسسة العربية بالقاهرة.
[2] أنسا الأشراف للبلاذري (2:35) طبعة الجامعة العبرية
[3] شرح نهج البلاغة مج 1 ص267 طبعة البابي الأولى
[4] جمهرة أشعار العرب(ص 158) مطبعة الإتحاد. قال مؤلفه: “صمدت: قصدت”
[5] أنساب الأشراف (1: 151)
[6] الكامل في الأدب (3: 129) طبعة المطبعة الأزهرية
[7] تأريخ الأمم والملوك (4: 157)
[8] شرح نهج البلاغة (مج3 ص 337)
[9] جمع الأعشى (1: 209، 210)