عممت روسيا الليلة الماضية مشروع قرار لمجلس الأمن بشأن سوريا، وهو في ما يبدو خطوة ذكية جداً. وتكشف القراءة المتأنية لمشروع القرار الغرض منه.
وفي نيتي هنا تسليط الضوء على الملامح الرئيسة للمشروع ، وما أعتقد أن مشروع القرار يسعى لتحقيقه. وليس المقصود تقديم تحليل سياسي ولا مناقشة ماهية خطط السوق (الإستراتيجية) الروسية الجديدة خلال فترة بوتين الجديدة.
أخذ زمام المبادرة
يسعى مشروع القرار لأخذ زمام المبادرة بعيداً عن أيدي الغرب وحلفائهم الإسلاميين (تركيا وقطر). ولن تبدو روسيا بعد الآن مراقباً سلبياً. وتسعى روسيا لتقديم مشروع قرار متوازن يهدف إلى حل الأزمة. وسيضطر الغرب إلى أن يناقش بعناية ما يعتبره عناصر غير متوازنة في القرار.
لكن الأهم من ذلك هو أن مشروع القرار يقوض الجهود المبذولة من اللاعبين الصغار مثل قطر للقيام بدور قيادي في محاولة لمعالجة أزمة عجزت حتى القوى الكبرى عن فهمها. ولن أفاجأ إذا تم تعليق ما يسمى بالمبادرة العربية.
إدانة جميع أعمال العنف
يدين مشروع القرار كل أعمال العنف في سوريا سواء كانت الاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل السلطة أو الهجمات المسلحة التي تشنها الجماعات المتطرفة ضد مؤسسات الدولة وأفراد حفظ القانون. وهذه محاولة تتماشى مع الموقف الروسي الذي يعتبر محاولة الغرب إدانة العنف على اعتبار أنه يأتي من قبل السلطات السورية فقط ، أمراً غير مقبول.
وقف توريد الأسلحة للمتمردين
يدعو مشروع القرار الدول المجاورة لسوريا لوقف توريد الأسلحة بصورة غير مشروعة إلى الجماعات المسلحة في سوريا. ويهدف هذا لدعم احتجاج سوريا بأن قواتها تتصرف دفاعا عن النفس في حماية مواطنيها ومؤسساتها. ولكن بنفس القدر من الأهمية ، فإن مشروع القرار هو اعتراف بأن الدول المجاورة لسوريا شريكة إما في القيام بدور فعال في توريد الأسلحة للمتمردين أو أنها غير مبالية بعمليات التهريب.
الحفاظ على سيادة سوريا
تعلم الروس دروس العقد الماضي بدءاً من العراق ووصولاً إلى ليبيا، ووصلوا إلى حالة من عدم القبول بعد الآن بتغيير أي نظام تحت أية ذريعة. ويؤكد مشروع القرار حول سوريا هذا الإدراك. فهو يدعو الى حماية سيادة سوريا ، وعدم التدخل في شؤونها ، وتطبيق قواعد القانون الدولي. إن إدراج هذه العناصر في أي قرار بشأن سوريا سوف يقضي على خطة تغيير النظام إلى الأبد ، وسيجبر حمد بن جاسم للبحث عن ملجأ خارج منطقة الشرق الأوسط. ولكن الأهم بالنسبة لي هو حقيقة ان روسيا تبدو حقاً حريصة على استعادة ما يسمى بمبادئ القانون الدولي الذي جنحت بصيرة بقية العالم عنه في خضم فوضى الغزوات المتسترة بغطاء التدخل الإنساني.
الإقرار بالإصلاحات في سوريا
حين يتم اعتماد مشروع القرار فإنه سوف يعترف بأن سوريا بدأت عملية الإصلاحات، وإن ببطء، وهو موضع ترحيب وينبغي تشجيعها على التقدم بوتيرة أسرع. ويسلط مشروع القرار الضوء على نقطة واحدة هي أن سوريا قد جرت فيها تواً انتخابات محلية ، وهذا يدعم موقف الحكومة السورية بأنها تنفذ الاصلاحات. كما أن دعوة مشروع القرار من أجل السلام والأمن في سوريا من أجل إجراء الحوار يدعم الموقف السوري القائل بأن الإصلاح السياسي من الصعب تنفيذه في ظل تمرد مسلح.
إعطاء سورية حبل النجاة
إن مشروع القرار هو ، في رأيي ، محاولة مدروسة جيدا من قبل روسيا لأخذ زمام المبادرة بعد سنوات من كونها متفرج بسيط على الأحداث ، والتي خطط لها ونفذها الغرب ، والتي يمكن ان تنتقل بسهولة إلى أراضيها. لكن الهدف الحقيقي هو إعطاء سوريا حبل النجاة. وحين يتبنى مجلس الأمن قراراً وفق هذه الخطوط، فإن سوريا تكون قد نجت. ولن أفاجأ إذا ظهر لاحقاً بأن الروس قد تشاوروا مع القيادة السورية قبل توزيع مشروع القرار.
فمشروع القرار هو المنقذ لسوريا للأسباب التالية:
– أنه يضمن سيادتها ويمنع أي تدخل أجنبي.
– أنه ينقل عبء أمن حدودها إلى الدول المجاورة.
– أنه يفرض حل الأزمة بالطرق السلمية بعيداً عن الخيار العسكري. وهذا الحل لن ينقذ البعث في سوريا فحسب بل سيعزز من قوته بعد فوضى الأشهر العشرة الماضية التي قربت الناس العاديين إليه.
– يؤكد موقف البعث من أن الثبات في وجه الإمبريالية ما يزال خياراً قابلاً للتطبيق بعد ثلاثين عاماً من سقوط الاتحاد السوفيتي.
– سوف ينقذ سوريا من أخطر عواقب الأزمة المتمثلة بالعقوبات الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على سوريا مفاقمة الحالة الاقتصادية السيئة فعلاً.
– سوف يعطي مشروع القرار سوريا الفرصة لإنهاء حالة الفساد المستشري في جميع مستويات الحكومة وبضمنها الأقسام المسئولة عن الوضع الأمني السيئ اليوم والذي كان من أهم مظاهره عجزه عن تقدير الخطة التي جرى الإعداد لها منذ سنوات..