إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: كان عمله مَرضِيّاً وكانت طريقته مَرضِيّة
ولا تقل: كان عمله مُرضياً وكانت طريقته مُرضية
لأن “الرضا” واقع على العمل والطريقة. قال الجوهري في الصحاح: “رضيت الشيء وارتضيته فهو مَرْضي، وقد قالوا مَرضو فجاؤوا به على الأصل” ثم قال: “وعيشة راضية أي مَرْضية….. وأرضيته عني ورَضَّيته بالتشديد أيضاً فرضي وتَرَضَّيته وأرضيته بعد جهد واسترضيته فأرضاني”.
وقال الفيومي في المصباح المنير: “رضيت الشيء ورضيت به رضاً: اخترته….وشيء مرضي أكثر من مرضو”.
وجاء في لسان العرب: “ورَضيتُ الشيء وارْتَضَيْتُهُ فهو مَرْضِيٌّ، وقد قالوا: مَرْضُوٌّ فجاءوا به على الأصلِ…ورضيه لذلك الأمر فهو مَرْضُوٌّ ومَرْضيٌّ”. ثم قال: “ويقال: هو مَرْضِيٌّ، ومنهم من يقول مَرْضُوٌّ لأَن الرِّضا في الأَصل من بنات الواو، وقيل في عيشَةٍ راضِيَة أَي مَرْضِيَّة أَي ذات رضىً”.
فأنت ترى أنهم قالوا: شيء مَرضي لا شيء مُرضٍ، وفسرت عيشة راضية بعيشة مَرضية لا مُرضية. وقالوا “أرضاني فلان ولم يقولوا “أرضاني الشيء” وإن كان باب المجاز مفتوحاً، وباب الإستعارة غير مغلق. وقال تعالى في القرآن المجيد: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”. فالإسىم مَرضي في الآية الكريمة وأوقع الرضا في القرآن الكريم على الإنسان أيضاً. قال تعالى في ذكر اسماعيل (ع): “وكان يأمر اهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مَرْضِيَّا”، وقال عز قائلاً: “يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مَرضية”.
وفي كل ما نقلناه من القرآن العزيز وكلام العرب لم نجد من وصف الشيء وما جرى مجراه بالمُرضي حقيقة ولا مجازاً. حتى أن ما ورد في التنزيل العزيز من عيشة راضية فُسر بعيشة مَرضية، كما نقلت آنفاً. والظاهر أن قولهم “كان عمله مُرضياً وكانت طريقته مُرضية” من باب القراءة الموهوم فيها، لأن الجملتين غير مشكولتين. فقل: كان عمله مَرضيّاً وكانت طريقته مَرضيّة. (م ج)
قل: كَسَرتُ ظُفُرَ يدي
ولا تقل: كَسَرتُ إظْفِرَ يدي
وكتب الكسائي: “وتقول: كَسَرتُ ظُفُرَ زيد، بضم الظاء والفاء معاً. قال الله تعالى “وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظُفُر”.إنتهى
وجاء في الصحاح للجوهري في باب “ظفر”:
“الظُفرُ جمعه أظْفارٌ وأظْفورٌ وأظافيرُ. ابن السكيت: يقال رجلٌ أظْفَرُ بيِّن الظَفَرِ، إذا كانَ طويل الأظفارِ.”
ويبدو أن إستعمال العامة لكلمة “إظفر” كان معروفاً منذ زمن الكسائي وما زال حتى يومنا هذا دون أن يتضح سبب هذا. وربما دخل هذا الإستعمال نتيجة إحدى قراءات الآية الكريمة فقد جاء في لسان العرب:
“الظُّفْرُ والظُّفُرُ: معروف، وجمعه أَظْفارٌ وأُظْفورٌ وأَظافيرُ، يكون للإِنسان وغيره، وأَما قراءة من قرأَ: كل ذي ظِفْر، بالكسر، فشاذ غير مأْنوسٍ به إِذ لا يُعْرف ظِفْر، بالكسر، وقالوا: الظُّفْر لما لا يَصِيد، والمِخْلَبُ لما يَصِيد.”
وهكذا فبسبب قراءة “ظُفُر” على أنها “ظِفْر” أصبح من السهل دخول الألف عليها فتحولت “ظِفْر” إلى “إظفر”. والله أعلم.
قل: عندي وِقْر حطَبٍ
ولا تقل: عندي وَقْرُ حطبٍ
كتب الكسائي: “وتقول: عندي وِقْرُ حَطَبٍ، و وِقْرُ حنطة. وكل ما يحمل فهو وِقْرُ بكسر الواو. قال الله تبارك وتعالى: “فالحاملات وِقْرا”.
وتقول في أذنيه وَقْرٌ بفتح الواو وهو رجل موقور، إذا كان به صَمَمٌ وقال الله تعالى: “وفي آذاننا وَقْرا”.إنتهى
وكتب إبن قتيبة: “و”الوَقْر” – بفتح الواو- الثِّقَلُ في الأُذُنِ، و”الوِقْرُ” الحِمْلُ.”إنتهى
وكتب إبن فارس في المقاييس في باب “وقر”:
“الواو والقاف والراء: أصلٌ يدلُّ على ثِقَل في الشَّيء. منه الوَقْرُ: الثِّقَل في الأُذُن. يقال منه: وَقِرَتْ أذنُه تَوْقَر وَقْراً…والوِقْر الحِمْل…… ويقال نخلةٌ مُوقرَةٌ ومُوقِرٌ، أي ذات حَملٍ كثير…. ومنه الوَقَار: الحِلْم والرَّزَانة.”
قل: أَنَخْتُ البعير فبرك
ولا تقل: أَنَخْتُ البعير فناخ
وكتب إبن السكيت: “وتقول: أَنَخْتُ البعير فبرك، ولا يقال: فناخ.” إنتهى
وفي هذا خلاف. فقد كتب الجوهري في الصحاح:
“بَرَكَ البعيرُ يَبْرُكُ بُروكاً، أي اسْتَناخَ. …. وأَبْرَكْتُهُ أنا فَبَرَكَ، وهو قليلٌ، والأكثر أَنَخْتُهُ فاستناخ.”
أما إبن فارس فقد كتب في المقاييس:
“النون والواو والخاء كلمةٌ واحدة، وهي أنَخْتُ الجَمَل. فأمَّا فِعل المطاوَعة منه فقالوا: أنَخْتُه فبَرَك، وقال آخرون: استناخ……. وجاء في الحديث: “وإن أُنِيخَ على صخرةٍ استناخ”……..وقال الأصمعيّ أنختُه فتَنَوَّخ”. فجاء في الحديث ما يخالف قول الكسائي كما اختلف الأصمعي معه في جواز قوله “فتنوخ”.
قل: هو أخوك بِلِبانِ أمِّه
ولا تقل: هو أخوك بِلَبَنِ أمَّه
كتب الضبي: “تقول: هو أخوك بلِبانِ أُمِّهِ. العامّة تقول: بلبنِ أُمِّهِ. وهو خطأ، إنما اللّبنُ الذي يُؤكلُ، لبن الشاة وغيرها.” إنتهى
وكتب الحنفي: “…….. يجعلون اللّبَنَ لبنات آدم كالبهائم، ويقولون تداويت بلبن النساء، وذلك غلط. إنّما يُقال: لبن الشاة، ولِبان المرأة.” إنتهى
وكتب ابن منظور في لسان العرب:
“ولا يقال بلَبَنِ أُمِّه، إنما اللَّبَنُ الذي يُشْرَب من ناقة أَو شاة أَو غيرهما من البهائم؛ وأَنشد الأَزهري لأَبي الأَسْود: فإن لا يَكُنْها أَو تَكُنْه فإنه، أَخوها غَذَتْهأُمُّه بلِبانِها وأَنشد ابن سيده: وأُرْضِعُ حاجةً بلِبانِ أُخرَى، كذاكَ الحاجُ تُرْضَعُ باللِّبانِ”.
وكتب إبن فارس في المقاييس شيئاً مختلفاً بعض الشيء:
” قال ابن السكِّيت: هو أخوه بِلِبَان أمِّه، ولا يقال بلَبَن أمّه، إنَّما اللبن الذي يُشرَب….. والذي أنكرَه ابن السِّكِّيتِ فغير مُنكر؛ لأنَّ ذلك مأخوذ من اللَّبن المشروب، كأنَّهما تلابَنا لِباناً، كما يقال تقاتلا قتالاً…. كان ينبغي أن يقول: هو من اللَّبَن، ولكنَّه لا يقال بلبن أمّه إنَّما يقال بِلبان أمِّه.ومما يقارب هذا اللَّبَان: الصدر، بفتح اللام….. واللُّبان (بضم الللام) الكُندُرُ، كأنَّه لبنٌ يتحلَّب من شجرةٍ”.
قل: حَرَمَهُ الشيء
ولا تقل: حَرَمَهُ من الشيء
وكتب اليازجي: “ويقولون حرمه من الشيء فيعدونه الى المفعول الثاني بمن والمنقول عنهم حرمه الشيء بنصب المفعولين.”إنتهى
وأضاف خالد العبري على ما كتبه اليازجي فكتب: “نقول في استعمالاتنا للفعل “حرم” (حرمه من الإرث وحرمة من حقه)، فنجعل الفعل “حرم” متعدياً الى مفعوله الثاني باستعمال حرف الجر “من” وهذا خطأ. والصواب أن نقول : حرمه الإرث وحرمه حقه، والشاهد من كلام العرب كثير، ومنه قول جرير:
إن الذي حرم المكارم تغلباً جعل النبوة والخلافة فينا
فلم يقل: إن الذي حرم من المكارم تغلبا
وشاهده كذلك ما ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب قوله:
لكن من رُزق الغنى حُرم الحجى ضدان مفترقان أي تفرق
ولم يقل: من رزق الغنى حُرم من الحجى.”إنتهى
قل: هذا سَلِفُ الرجل
ولا تقل: هذا سَلَفُ الرجل
كتب المقدسي: “ويقولون: سَلَفُ الرجل، بفتح اللام. وصوابه: سَلِفُ الرجل، بكَسر اللام.” إنتهى
وكتب الفيروزابادي في القاموس:
“والسَّلِفُ من الرجُلِ: زَوْجُ أُخْتِ امرأتِهِ….. وهُما سِلْفانِ، أي: مُتَزَوِّجا الأخْتَيْنِ….. ج: أسْلافٌ…. والسِلْفَتانِ: المرأتانِ تَحْتَ الأخَوَيْنِ، أو خاصٌّ بالرِجالِ.”
وتوسع إبن منظور في ذلك فكتب في لسان العرب:
” والسَّلِفانِ والسَّلْفان: مُتَزَوِّجا الأَختين…. والجمع أسْلافٌ، وقد تَسالَفا، وليس في النساء سِلْفةٌ إنما السِّلْفانِ الرَّجلانِ؛ قال ابن سيده: هذا قول ابن الأَعرابي، وقال كراع: السِّلْفتان المرأَتان تحت الأَخَوين. التهذيب: السِّلْفانِ رجلان زوَّجا بأُختين كلُّ واحدٍ منهما سِلْفُ صاحبه، والمرأَة سِلْفةٌ لصاحِبتها إذا تزوَّج أَخَوان بامرأَتين. الجوهري: وسَلِفُ الرَّجل زوجُ أُخْتِ امرأَته، وكذلك سِلْفه مثل كَذِبٍ وكِذْبٍ”.
قل: زيد أفضل الأخوة أو أفضل بني أبيه
ولا تقل: زيد أفضل إخوته
وكتب الحريري “ويقولون: زيد أفضل إخوته فيخطئون فيه، لأن أفعل الذي للتفضيل لا يضاف إلا إلى ما هو داخل فيه، ومنزل منزلة الجزء منه، وزيد غير داخل في جملة إخوته، ألا ترى أنه لو قال لك قائل: من إخوة زيد لعددتهم دونه، فلما خرج عن أن يكون داخلا فيهم امتنع أن يقال: زيد أفضل إخوته كما لا يقال: زيد أفضل النساء لتميزه من جنسهن وخروجه عن أن يعد في جملتهن.
وتصحيح هذا الكلام أن يقال: زيد أفضل الإخوة، أو أفضل بني أبيه لأنه حينئذ يدخل في الجملة التي أضيف إليها بدلالة أنه لو قيل لك: من الإخوة أو من بنو أبيه لعددته فيهم وأدخلته معهم.”
قل: أجاء محمدٌ أم أحمد؟
ولا تقل: أجاء محمدٌ أو أحمد؟
وكتب عبد الهادي بوطالب: لا تُستعمل كلمة “أو” بعد أداة الاستفهام (هل) وهمزة الاستفهام (أَ) : “هل جاء فلان أو فلان؟”، أو “أَجاء فلانأو فلان؟” بل الصواب هو : “هل جاء فلان أَمْ فلان؟” و” أَجاء محمد أمْ أحمد ؟” و”أَحضَر إدريس أَمْ رشيد ؟” و”هل الساعة التاسعةُ أَم العاشرة ؟”. أمْ هذه هي حرف للمعادلة بين شيئين وحرف عطف متصل. وفي القرآن : “أَقريب أَمْ بعيد ما تُوعدون”. وأيضا: “هل يستوي الأعمى والبصير أَمْ هل تستوي الظلمات والنور”.
قل: هذا بَخُورٌ طيب
ولا تقل: هذا بُخُورٌ طيبٌ
كتب الحنفي: “قال الإمام عبد الرحمن الجوزي: العامة تقول: بُخور، بضم الباء، والصواب فتحها. قلتُ: وكذلك السُحور، بضم السين، فإنّه بفتحها اسمُ ما يُتَسحّرُ به.” إنتهى
وكتب إبن فارس في المقاييس:
“الباء والخاء والراء أصلٌ واحد، وهي رائحةٌ أو ريحٌ تثُور. من ذلك البُخار، ومنه البَخُور بفتح الباء، وكان ثعلبٌ يقول: على وزن فَعُول مثل البَرُود والوَجُور.”
وكتب إبن منظور في اللسان:
” والسَّحُور: طعامُ السَّحَرِ وشرابُه. قال الأَزهري: السَّحور ما يُتَسَحَّرُ به وقت السَّحَرِ من طعام أَو لبن أَو سويق وضع اسماً لما يؤكل ذلك الوقت؛ وقد تسحر الرجل ذلك الطعام أَي أَكله، وقد تكرر ذكر السَّحور في الحديث في غير موضع؛ قال ابن الأَثير: هو بالفتح اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب، وبالضم المصدر والفعل نفسه، وأَكثر ما روي بالفتح؛ وقيل: الصواب بالضم لأَنه بالفتح الطعام والبركة، والأَجر والثواب في الفعل لا في الطعام؛ وَتَسَحَّرَ: أَكل السَّحورَ.”
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
16 تموز 2014