إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: رَدَّ فلانٌ القول
ولا تقل: رّدَّ (فلانٌ) على القول
ويقولون: رددت على قول فلان، وذلك خطأ فإنه يقال “رد على فلان قوله” فالقول مردود وفلان مردود عليه. قال الأمام علي (ع) في كتاب له الى الحارث الأعور الهمداني: “ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به فكفى بذلك جهلاً” ولم يقل: ولا ترد على كل ما حدثوك به.
وقال يزيد بن عبد الملك يوماً لمعبد: “يا أبا عباد إني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن ترده علي فقد أذنت لك”.
وقال أبو واثلة الهذلي لعمرو بن العاص: “كذبت والله، لقد صحبت رسول الله (ص) وأنت شر من حماري هذا. وقال عمرو: والله ما أرد عليك ما تقول: وأيم الله لا نقيم عليه”.
وقال رجل مدني لإبراهيم الحراني نديم موسى الهادي بن محمد المهدي: “واحرباه أترد على رسول الله (ص) قوله: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة؟”.
ومن الكتب الوارد ذكرها في كشف الظنون “رد الإنتقاد للبيهقي” لا “الرد على الإنتقاد”، و “رد القول الخائب في القضاء على الغائب” لأبن قطلويغ، و “رد القول القبيح في التحسين والتقبيح” لسليمان الطوفي. هذا هو التعبير الصحيح الفصيح، وهذه شواهد على صحة ما قلت، تبدأ بكلام الأمام علي ابن أبي طالب (ع) وتنتهي بالقرن التاسع للهجرة. (م ج)
قل: هذا ردّ ردّ، أو ردّ على رادّ، وهذا ردّ نقد، أو ردّ على ناقد
ولا تقل: هذا ردّ على ردّ، ولا هذا ردّ على نقد
وذلك لأنك تقول “رددت الكلام القبيح على صاحبه” ولا تقل “رددت على الكلام القبيح” فالكلام هو المردود لا صاحبه فينبغي أن يتعدى الفعل اليه وتستعمل “على” لصاحب الكلام المردود لأن في الرد نوعاً من الأذى، ألا ترى أنه يقال في الأذى: “رددت عليه قوله” وفي النفع “رددت إليه ماله وحقه المسلوبين”. قال تعالى في قصة موسى عليه السلام “فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون”.
وإذا قلنا: هذا رد على رادّ دلت العبارة على المعنى المراد وذلك لأن التقدير هو ردّ على رادّ فعلى تصحب الإنسان دائماً في مثل هذه العبارة نحو “رد على ناقد” أي “رد نقد على ناقد” وتأتي رد بمعنى عطف كقول الشاعر “ردوا علي شوارد الأظعان” أي اعطفوها علي، فلذلك جاز استعمال “على” وهو تعبير خاص بالأظعان وأمثالها. (م ج)
قل: كنا في مناحَة
ولا تقل: كنا في مأتم
وكتب إبن قتيبة في أدب الكاتب: ” ومن ذلك: ” المأتمُ ” يذهب الناس إلى أنه المصيبة، ويقولون: كنا في مأتمٍ، وليس كذلك، إنما المأتم النساء يجتمعن في الخير والشر، والجمع مآتم، والصواب أن يقولوا: كنا في مَنَاحة، وإنما قيل لها مَنَاحة من النَّوائح لتقابلهن عند البكاء، يقال: الجبَلان يتنَاوحان، إذا تَقَابلا، وكذلك الشَّجرُ، وقال الشاعر: (أبو عطاء السندي)
عشيَّةَ قامَ النَّائحاتُ وشُقِّقتْ … جيوبٌ بأيدِي مَأْتَمٍ وخدود
أي: بأيدي نساء، وقال آخر:
رَمَتْه أناةٌ مِنْ رَبيعةِ عامرٍ … نَؤومُ الضُّحا في مَأْتَمٍ أيِّ مأتمِ”
وكتب الجوهري في الصحاح في شرح بيت ابي العطاء السندي:
“أي بأيدي نساء والجمع المآتم وعند العامة: المصيبة، يقولون: كنا في مأْتَمِ فلان، والصواب أن يقال: كنّا في مَناحَةِ فلان”
واضاف إبن فارس في مقاييس اللغة شاهداً آخر في قوله:
“وقال رؤبةُ:
إذا تَدَاعَى في الصِّمادِ مأتمُهْ
أحَنَّ غِيراناً تنادى زُجَّمُه
شبّه البُوم بنساءٍ يَنُحْنَ.”
قل: صادره على المال أو استصفى أمواله أو استنظف أمواله أو استولى عليها أو استحوذ عليها، وصادره على السلاح
ولا تقل: صادر أمواله وسلاحه
وذلك لأن الفعل “صادر” مشتق من الصدر وهو أعلى مقدم الإنسان ويستعار لغيره كما ان “ساعد” مأخوذ من الساعد، و “عاضد” مأخوذ من العُضد، و “ظاهر” مأخوذ من الظهر، و “باطن” مشتق من البطن، فمعنى صادره عندي: وضع صدره بإزاء صدر الغريم، يداقه الحساب، ويناقشه إياه. ومن اللغويين من يعد “المصادرة” من الصَّدر وهو اسم من قولك “صدر فلان عن الماء وعن البلاد” أي خرج، فمعنى صادره عنده: غالبه في الصدور. قال مؤلف لسان العرب: “ومن كلام كتاب الدواوين أن يقال: صُودر فلان العامل على مال يؤديه، اي فُورق على مال ضمِنه”، انتهى قول صاحب اللسان.
وأيا كان أصل الفعل “صادر” فأثره يقع على الإنسان حين استعماله في الجملة الصحيحة التركيب المفيدة المعنى، أعني أن الإنسان هو الذي يُصادِر من جهة الفاعلية ويُصادَر من جهة المفعولية، ولا يُصادر الإنسان على مال كائناً ما كان، إلا إذا كان مطالباً بدين سابق، أو محتجناً لمال من أموال الدولة، أو مديناً لها فيحاسب على ذلك ويُصادر عليه ويعترف به وبالإعتراف تتم المصادرة ويبدأ الإستئداد والإستيفاء والإستنظاف والإستنضاض.
ومما قدمت من الشرح يعلم أن المصادرة هي غير استصفاء الأموال واستنظافها اي الإستيلاء والإستحواذ عليها، ولو كان ذلك بالقهر والغلبة وبغير شرعي أو شبه شرعي. وقد ذكر عز الدين بن أبي الحديد في سيرة عمر بن الخطاب (رض) في شرح نهج البلاغة، أن عمر كان يصادر المختانين من العمال أي الولاة، فصادر أبا موسى الأشعري وكان عامله على البصرة، وقال له” بلغني أن لك جارتين وأنك تطعم الناس من جفنتين، وأعاده بعد المصادرة الى عمله. وصادر أبا هريرية وأغلظ عليه وكان عامله على البحرين، فقال له” ألا تعلم أني استعملتك على البحرين وأنت حافٍ لا نعل في رجليك” وقد بلغني أنك بعت أفراساً بألف وستمائة دينار. وصادر الحارث بن وهب أحد بني ليث، وقال له: ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار؟. وفصل الكلام ابن أبي الحديد في المجلد الثالث من الطبعة المصرية الأولى في المصادرة. توسع المتأخرون فاستعملوا المصادرة بمعنى الإستصفاء والإستيلاء، والفصيح هو ما ذكرت.
فقل: صادره على أموال
ولا تقل: صادر الأموال (م ج)
قل: رأيته ذا مساء وذا صباح
ولا تقل: رأيته ذات مساء وذات صباح
وذلك لأن العرب لم تستعمل مع الصباح والمساء كلمة “ذات” بل استعملت مذكرها “ذا”. قال الجوهري في الكلام على “ذي” من الصحاح: “وأما قولهم ذات مرة وذا صباح فهو ظرف زمان غير متمكن، تقول: لقيته ذات يوم وذات ليلة وذات غداة وذات العشاء، وذات مرة وذا صباح وذا مساء، بغير تاء فيهما، ولم يقولوا ذات شهر ولا ذات سنة”. وجاء في مادة (م ك ن) من لسان العرب، قول مؤلفه ناقلاً من الصحاح أيضاً في الكلام على الإسم غير المتمكن: “وإنما يؤخذ سماعاً عنهم وهي ذا صباح وذا مساء…..الخ”.
وكثير من الكتاب المشاهير يظنون أنه لا يقال إلا “ذات صباح وذات مساء” في استعمال الظرف قياساً على غير ذلك من الظروف، مع أن اللغة في مثل هذا سماعية لا قياسية، والأمر بالعكس فلا يقال في الظرفية إلا “ذا صباح وذا مساء” كما تقول: خرجت ذا مساء من الدار ولقيت ذا صباح فلاناً في الطريق، والتذكير في الحقيقة أولى من التأنيث لأن الزمان والوقت والدهر واليوم والأوان والحين والعصر هي من الأسماء المذكرة، وعلى ذلك يكون التقدير “خرجت وقتاً ذا مساء، أو زماناً ذا صباح، أو حيناً ذا مساء، أو عصراً ذا صباح”، أما ذات فعلى تأويل آخر وتقدير آخر وهما من العسر بمكان. (م ج)
قل: شتان ما هُما
ولا تقل: شتان ما بينهما
وكتب إبن السكيت في إصلاح المنطق: “ويقال: شتان ما هُما، وشتان “ما” عمرو وأخوه، قال الأصمعي: ولا يقال شتان ما بينهما، قال: وقول الشاعر: (ربيعة الرقي)
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
يزيد سليم والأغر بن حاتمِ
ليس بحجة، إنما هو مولد، والحجة قول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها
ويوم حيان أخي جابر
معناه: تباعد الذي بينهما، وشتان مصروفة عن شَتُت، والفتحة التي في النون هي الفتحة التي كانت في التاء، والفتحة تدل على أنه مصروف عن الفعل الماضي، وكذلك وَشْكَان وسرعان ذا خروجاً، أصله وَشُك ذا خروجاً، وسَرِع.”
وأصل شتان كما أورد إبن فارس في مقاييس اللغة هو “شت” في قوله:
“الشين والتاء أصلٌ يدلُّ على تفرُّق وتزيُّل، من ذلك تشتيت الشيء المتفرّق، تقول: شَتّ شَعْبُهم شَتَاتاً وشَتّاً، أي تفرَّقَ جَمْعُهم. قال الطرِمّاح:
شَتَّ شَعْبُ الحيِّ بعد التِئامْ وشَجَاكَ الرّبعُ رَبعُ المُقامْ”
قل: عهد إلي في كذا
ولا تقل: عهد إلي أمر كذا
وكتب إبراهيم اليازجي في لغة الجرائد: “فيستعملون عهد متعدياً بنفسه والصواب تعديته بفي قال في لسان العرب يقال عهد الي في كذا أي أوصاني…. ومنه قوله عز وجل “ألم أعهد اليكم يابني آدم”، يعني الوصية”.
ومنه حديث عليّ، كرم الله وجهه: “عَهِدَ إِليّ النبيُّ الأُمّيُّ” أَي أَوْصَى.
قل: هذا العمل يقتضي كذا من النفقة
ولا تقل: هذا العمل يقتضي له كذا من النفقة
وكتب إبراهيم اليازجي: “ومن هذا القبيل قولهم هذا العمل يقتضي له كذا من النفقة وقد جمعت له الأموال المقتضية فيستعملون هذا الحرف لازماً بمنزلة يجب وهو لا يستعمل كذلك البتة لأن اقتضى هنا بمعنى طلب يقال افعل ما يقتضيه كرمك أي ما يطالبك به كما في الأساس. فالصواب أن يقال هذا العمل يقتضي كذا من النفقة باستعمال الفعل متعدياً مسنداً الى ضمير العمل وقد جمعت له الأموال المقتضاة بصيغة اسم المفعول”.
قل: قَوَّمَ السلعةً تَقويما
ولا تقل: قَيَّم السلعة تقييما
وكتب عدنان النحوي: “الفعل: قَوَّمَ، ولها معنيان:
قَوَّمَ السلعة: قَدَّر قيمتها. وقَوَّمته: أي عدلته فهو قويم ومستقيم. والقيوم: الذي لا نِدَّ له. ومصدر قَوَّم في جميع الحالات تقويم فلا يوجد تقييم فنقول:
قَوَّم السلعة تقويما، وقوَّم الأمر أي عدله تقويما. فكلمة تقييم خطأ لا يجوز استعماله.”
إلا أن الدكتور عبد الهادي بو طالب كتب في “معجم تصحيح لغة الإعلام العربي”:
“تقييم وتقويم: فعلا الكلمتين هما قيَّم، وقوَّم. وقوَّم تفيد إعطاء قيمة أو ثمن للشيء. ويأتي فعل قوَّم بمعنى أصلحَ المعوجَّ أو عدَّله ليصبح أو يعود مستقيما لا عِوَجَ فيه. ومصدره تقويم.
وجاء في القرآن الكريم: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ ثم رددناه أسفلَ سافلين”.
وفي خطبة عمر جاء قوله: “إن رأيتم فيَّ اعْوِجاجاً فقوِّموني”. وردَّ عليه من قال: “والله لو رأينا فيك اعْوِجاجا لقوَّمناك بسيوفنا”.
والمعاجم الحديثة تعطي لكلمة التقويم (بالواو) معاني شتى:
فهو “سجلّ يبين أيام السنة موزعةً على شهورها، مع ذكر أيام العطل وأوقات الصلاة إلى غير ذلك”. فنقول: “التقويم الميلادي، والتقويم الهجري”. والتقويم الجغرافي هو خريطة للأقطار يُعنَى فيها خاصة بذكر طول البلدان وعرضها وخصائصها الجغرافية.
والمعاجم مُحدَثها وقديمها مُجمِعة على أن قيَّم (بالياء) يعني قدَّر القيمة. ومصدرها التقييم.”
وهذه الجملة الأخيرة فيها خطل. ذلك لأني لم أجد في المعاجم العربية القديمة أية إشارة للفعل “قيم” أو للمصدر “تقييم”. فكيف نص الدكتور “بو طالب” على إجماعها على وجود هذا الفعل؟ وحبذا لو أنه دلنا في أي من معاجم اللغة جاء هذا النص؟ فلم أجده لا في لسان العرب ولا الصحاح ولا القاموس المحيط ولا العباب الزاخر ولا مقاييس اللغة، وهي أمهات المعاجم القديمة.
إن واجب من يكتب دوماً هو تحري الدقة في النقل وهذا الواجب يصبح أكثر ضرورة عند الكتابة في العربية في هذا الزمن الذي تمر فيه اللغة في وقت عصيب طغت فيه الجهالة والعجمة. فالقارئ حين يقرأ ما كتبه رجل ذو إختصاص مثل أستاذنا “بو طالب”، وهو يتحدث بثقة، ليس له من خيار سوى التصديق.
أما إذا أراد الأستاذ الفاضل القول أن أحد المعاجم الحديثة قد استعمل “قيم” و “تقييم” فذلك ليس حجة، لأن ما دخل في عدد من المعاجم الحديثة لا أساس له في العربية وبعضها قد أفسد اللغة. وقد سبق أن علق أستاذنا المرحوم مصطفى جواد على الضرر الذي ألحقه “المنجد” بقواعد الصرف.
قل: تم قتله بطريقة وحشية
ولا تقل: تمت تصفيته بطريقة وحشية
ومما شاع إستعماله في الإعلام العربي لفظ آخر يعكس الواقع البائس لإعلامنا العربي وتردي الإلمام باللغة. فقد استشرى التفكير باللغات الأوربية بين الإعلاميين حتى أصبحوا يفكرون بها ويتجرمون الأخبار حرفياً غير آبهين بما لكل لغة من خصوصية. فقد استعاروا لفظة “Liquidation” الإنكليزية أو الفرنسية وترجموها حرفياً على أنها “تصفية” وهم يريدون بها القتل. فهم يكتبون عن عمليات “تصفية” واسعة أو ان فلاناً قد تمت “تصفيته” بطريقة وحشية. ورغم ان اللفظة لم تدخل قواميس اللغة الإنكليزية، والتي تُحَدَّثُ بشكل منتظم؟ لتعني القتل إلا أنها تستعمل في الفرنسية لتعطي هذا المعنى وهكذا دخلت للإعلام العربي الذي يفكر بلغة أعجمية ويكتب بلغة أكثر عجمة!
غير أن هذا لا يعنينا قدر ما يعنينا إستعمال العرب للفعل “صَفَّى يُصَفّي تَصْفيةً”. فاذا بحثنا في معاجم اللغة عن الفعل لوجدنا ما يلي.
فقد كتب الجوهري في الصحاح في باب “صفا”:
“الصَفاءُ ممدودٌ: خلاف الكدَر. يقال: صَفا الشراب يَصفو صَفاءً، وصَفَّيْتُهُ أنا تَصفيَةً”.
وجاء في لسان العرب: “واسْتَصْفَيْتُ الشيء إذا اسْتَخْلَصْتَه”.
ولم يرد في معاجم العربية أي استعمال للفعل “صفى” و “تصفية” تقترب من معنى “قتل”. فما سبب إستعمال المغلوط؟ إن الاقتباس والتجديد في اللغة لا شك مطلوب لما يمكن أن يكون فيه من إبداع ولكن أي إبداع يلد من الخلط بين الصفاء والكدر الناتج عن القتل؟
فقل: وقعت عمليات قتل
ولا تقل: وقعت عمليات تصفية
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
10 كانون الثاني 2014