ليس عسيراً على المراقب أن يدرك أن عام 2013 هو ليس عام 2006 وان أموراً كثيراً حدثت خلال هذه السنوات السبع وهي تتقلب بشكل مطرد ومتسارع…وعليه فما كان ممكناً قبل سبع سنوات قد لا يكون كذلك اليوم…
فقد أدركت الصهيونية منذ عقود أنها غير قادرة على كسر إرادة هذه الأمة العنيدة من خلال الغزو الخارجي، فحتى حين غزت الصهيونية العراق وأذلت أهله وقهرتهم ونصبت خدمها وأجراءها حكاماً عليه، فإنها لم تستطع قهر الإنسان في العراق حقيقة. فليس ممكناً حتى اليوم للمواطن الأمريكي أن يتجول في شوارع بغداد بحرية وإطمئنان… وحسبي هذا مثالاً على فشل مشروع القهر من الخارج! لذا فإنها فتشت عن سبل جديدة للغزو بديلة عن التدخل العسكري المباشر بجيوشها، فوجدته في الإسلام… ذلك لأن الإسلام الذي كانت الصهيونية تعده عدوها الذي يمكن له نظرياً أن يتحدى النظرية الرأسمالية بل وربما يوقفها من الإنتشار والهيمنة، وجدت أنه يمكن تسخيره لخدمتها إذا أحسنت التسييس. وهكذا وجدت في المشروع الأعرابي العثماني مدخلاً للهيمنة على الأمة…. والبحث في وضع المشروع موضع التطبيق طويل قد يخرجنا عن هدف هذا المقال القصير وقد تكون لي عودة له..
لكنه يكفي القول أنه كان لا بد من خلق ساحة يمكن من خلالها الإعداد لهذه الهجمة .. فتم غزو العراق وهدمت الدولة بكل مؤسساتها وجيء باللصوص لينشغلوا بنقل ما خف وزنه وغلي ثمنه الى القصور الجديدة التي ابتاعوها في لندن وباريس ولوس أنجليس.. ومنذ ذلك اليوم انفتح العراق ساحة لكل من لديه مشروع تخريبي في المشرق العربي… فامتد مال الأعراب وجاءت مخابرات الأرض كلها لتعبث ببلاد الرافدين وبوشر بتنفيذ المشروع من خلال إختراق العراق ونخره بأسس مذهبية ليس عسيراً أن تفجر في العراق بسبب هويته المعقدة، والتي كان البعث مانعاً لتفجيرها….ثم العبور من العراق إلى سورية ولبنان والأردن وفلسطين لإنهاء المشروع القومي العربي في التحرر والوحدة… ذلك لأن الأعراب لا انتماء لهم والمشروع القومي يدور حول إنتماء الإنسان العربي. أما العثمانيون الجدد فهم بحقيقة نواياهم متفقون مع الصهيونية على هدم المشروع القومي العربي ولهم ثأر دفين عمره قرن. هذا كما أن الأعراب وجدوا في التحالف مع الصهيونية والعثمانيين فرصة لا تعوض للتخلص من كابوس المشروع القومي العربي الذي اتعبهم به جمال عبد الناصر وحافط أسد وصدام حسين! فكل الذي يريده الأعراب أن يستمروا في عيشهم المتخلف وهذا أمر لن يسمح به المشروع القومي العربي إذا انتصر لأنه قام أساساً على رفضه لهيمنتهم على ثروة الأمة وإدعائهم ملكها وتحويلهم أرض العرب الى سوق لمنتجات الغرب ومحطة نفط رخيص ومضمون للغرباء!
فحين قاتل حزب الله عام 2006 لوحده دفاعاً عن شرف الأمة لم يكن المشروع الصهيوني الجديد قد اكتمل عوده بل كان في مرحلة الإعداد. لذا فإن الرد السلبي من داخل لبنان وخارجها كان الإستهجان والإدعاء بأن مغامرة حزب الله تهدد أمن الأمة كما قال آل سعود وخادمهم الأمين في لبنان.
أما اليوم فقد اختلف المشهد! فقد تم تسليح الآلاف في لبنان تحت أكثر من مسمى يمتد من القوات اللبنانية الى القاعدة مروراً (بزعران) المستقبل. وامتد وتواصل هذا الجيش الذي يحكم شمال لبنان وشمال شرق لبنان مع تواجد القاعدة المسلح شرق سورية وعلى طول الحدود السورية اللبنانية الممتدة من حمص حتى طرطوس.
ذلك لأن المؤامرة لإسقاط سورية هي في حقيقتها مؤامرة ضد المشروع القومي العربي لأنهاء الصراع الذي أرق الإستكبار الصهيوني وأتعبه رغم تفوقه العسكري والإقتصادي… فقد أصبح متمماً لغزو العراق وتشظيته أن يغزو سورية وينهى وجود حزب الله ثم يتوج المشروع الأعرابي العثماني بتسوية ذليلة للهيمنة على المنطقة مع منح الفلسطينيين قطعة أرض تافهة ليرفعوا عليها علماً ذليلاً ويتقاسموا فضلات موائد الأعراب…..كي تعقد الراية مرة أخرى لمشروع إسلامي في أرض العرب يحكم فيه العثمانيون بخدم من الأعراب…أي العودة قرنين إلى الوراء، فقد أيقن الصهاينة أن الوضع في القرن التاسع عشر كان أكثر ملاءمة لمصالحهم من القرن العشرين… فإذا أمكن إعادته بجيل جديد من جهلة الأتراك والأعراب، فليكن!
وقد أدرك حزب الله، بحنكة قائد متميز في الدهاء، أبعاد هذا المشروع فقرر أن لا يجلس وينتظر أن يغزى في بيته ويذل كما فعل بعث العراق….فخرج لمواجهة القاعدة مع الجيش السوري في معركة القصير وحقق أكثر من نصر… فهو لم ينه الخطر المحدق من الحدود السورية حسب لكنه تعلم دروساً جديدة في فنون الهجوم والقتال خارج معركة الدفاع في جنوب لبنان…
ورغم أن الحزب أظهر مقدرة فائقة على عدم الرد على التهم التي وجهت له من داخل لبنان والتي حركت حتى الأجراء الصغار مثل رئيس الجمهورية على التعليق على قيام الحزب بالدفاع عن نفسه، وهو أي رئيس الجمهورية يرأس جمهورية لا تستطيع أن تعتقل متهما ً بقتل أحد ضباط جيشه!! أقول ان الحزب تصرف في مرحلة تأريخية بشكل يليق بحزب تأريخي في مرحلة مفصلية في عدم الرد على التفاهات التي تحدثت عن أن سلوك الحزب عرض لبنان ومستقبله للخطر. وعذر هؤلاء الأجراء الجهلة أنهم لم يفهموا البعد القومي لحزب الله… ذلك لأن معركة المصير التي تواجه الأمة في صراعها مع الصهيونية تجعل أمن اي قطر سواءً أكان لبنان أم سورية قضية ثانوية فإذا كان تحرير الأمة يقتضي زوال دولة لبنان فليكن… إن هناك فرقاً بين تأكيد حزب الله على رعايته لأمن وسلامة لبنان وبين أن يطلب منه أن يموت من أجل الإبقاء على لبنان كجمهورية “بطيخ” لا يستطيع رئيس جمهوريتها أو رئيس وزرائها أن يسوق متهماً أمام القضاء بسبب عدم “رفع الغطاء السياسي” عن ذلك المتهم!
لكن مكامن الخطر اليوم أصبحت أشد! فرغم أن حزب الله أجهض المشروع القادم من سورية ولو مرحلياً إلا أنه عزز الخطر المهدد له من داخل لبنان وهو الخطر الأكثر تهديداً ليس فقط لمقدرته على المواجهة مع العدو الصهيوني بل الخطر الحقيقي على وجوده والذي يواجهه بهذا الشكل لأول مرة منذ نشأته. وهنا يظهر ما قلته في المقدمة من أن 2013 ليست مثل 2006.
ذلك لأن الحزب يواجه اليوم قوة مسلحة داخل لبنان تعلن صراحة أنها تريد هزم الحزب ونزع سلاحه وتدعمها في ذلك قوى سياسية عديدة تتجاوز ما يسمى بجبهة 14 آذار لتشمل من يسمون بالوسطيين من صغار عملاء الصهيونية.
وإذا ما تجاوزنا كل اللغو الذي يصدر عن سياسيين يدعون دعمهم لخط الحزب المقاوم من أمثال وئام وهاب وطلال أرسلان اللذين يؤكدان دائماً أنه مهما حدث فهم لن يفرطوا “بالجبل” لأن ولاءهم الأول والأخير هو للطائفة مما يعني أنهم لن يقاوموا الصهيوني جنبلاط والذي سيقف مع مقاتليه ضد الحزب عند المواجهة. وإذا أدركنا أن كل الناصريين، ولعمري لا أدري لماذا تحتاج لبنان إلى عشر حركات ناصرية إذا كان عدد الناصريين في لبنان لا يتجاوز بضعة آلاف، أن كل هؤلاء الناصريين لن يمسكوا شارعاً واحداً في كل لبنان….إذا أدركنا كل ذلك تيقنا أن حزب الله سيكون وحده في المعركة المقبلة…
فالحزب اليوم أمام خيارين أحلاهما مر: فهو إذا ترك الوضع على ما هو عليه وقامت المواجهة الحتمية المقبلة مع إسرائيل فإن كل القوى الصهيونية التي ذكرتها أعلاه من القاعدة إلى المستقبل إلى القوات اللبناينة إلى الجنبلاطية وربما بعض فصائل قوى الأمن الداخلي الموالي لأشرف ريفي وبدعم سياسي من وسطي رئيس الجمهورية الحالي، كل تلك القوى سوف تتحرك عسكرياً لطعن حزب الله من الخلف وهو أمر في غاية الخطورة حيث إن الحزب عام 2006 كان مطمئناً الى حد كبير لظهره. أما اليوم فلم يعد كذلك.
أما الخيار الثاني فهو مواجهة خصومه من الآن ونزع سلاحهم بالقوة حتى لو ادى ذلك لحرب أهلية ووضع كل قوة في لبنان أمام مسؤوليتها التأريخية ليتبين من بكى ممن تباكي!
وربما أكون من القلة الذين يعتقدون أنه كان على حزب الله أن يفعل ذلك عام 2006 حين انتصر على اسرائيل فقد كان عليه أن يتحرك ويحجم خصومه ويرتب الوضع السياسي في لبنان كما يجب أن يكون…. وكان ممكناً له وكان واجباً عليه أن يفعل ذلك إن لم يكن لأي سبب فلأن من حق المنتصر في الحرب أن يفرض شروطه على خصومه وحيث إن المستقبل والكتائب والقوات والجنبلاطية خسروا الحرب حين خسرتها حليفتهم إسرائيل فقد كان عليهم أن يدفعوا حقوق النصر بالتسليم لولاية حزب الله…
إن دحر القاعدة في سورية سوف لن يقلل من خطرها على حزب الله في لبنان. بل أعتقد العكس حيث أرى أن كل هزيمة لهم في سورية تزيد من لجوئهم إلى لبنان وتعزيز تواجدهم وحقدهم ومرارتهم وبالتالي زيادة خطرهم على الحزب وعلى مقدرته على مواجهة إسرائيل..
فإلى متى يؤجل حزب الله هذه المواجهة؟ إنها قادمة حتماً.
عبد الحق العاني
13 حزيران 2013
لا فض فوك أخي الكريم
والله أنني لأخشى على هذا الحزب الشريف من أعداءه الأعراب وغيرهم
وادعوا الله ان يحفظ سيد المقاومة والمقاومين البواسل اللذين كان لهم الفضل في رفع راية الأمة عاليا
اتفق معك ان الحزب بعد ٧ايار كان عليه ان يفرض شروطه
لكن التركيبة السياسية في لبنان معقدة إلى حد كبير
بحيث تتطلب حنكة ومهارة
ما أخشاه أكثر على الحزب هو استنزافه في حرب داخل سوريا من اجل إنهاكه وإضعافه لاحقا أمام إسرائيل صحيح ان اثبت للمرة الأولى تفوقا هجوميا إلا ان قرار الولايات المتحدة دعم الجيش الحر سيؤدي لإطالة عمر الأزمة في سوريا
وبالنتيجة استنزاف حزب الله
تحياتي
صقر