ليس هناك شك أن موقف حزب الله الأخير في الموافقة للتمديد لمجلس النواب كان خذلاناً لحليف متين وأمين، فقد وقف تكتل التغيير والإصلاح مع حزب الله في كل الظروف خلال السنوات الأربع الماضية وكان ذلك الموقف مبدئياً وليس انتهازياً لأنه كان مبنياً على قناعة أن العيش المشترك في لبنان يفرض على النصارى أن يتقاسموا المصير الواحد مع المسلمين، وكان الجنرال ميشيل عون وما زال أحد أكثر النصارى في لبنان حرصاً على مصالحهم…
وكان موقف حزب الله مبدئياً وسليماً حين قرر أنه سيقف مع أي قانون إنتخاب يتفق عليه النصارى.. ذلك لأن من الطبيعي في جمهورية “البطيخ” اللبنانية والتي يحكمها الإنتماء المذهبي والطائفي والقبلي والجبلي والساحلي وأي شيء آخر سوى الإنتماء للوطن وأكذوبة “الديموقراطية التوافقية” والتي لا وجود لها في قواميس السياسة، أن يفصل في كل خطوة طبيعة الولاء… وحيث إن قانون إنتخاب الستين وضع في فترة الإضطهاد السياسي للنصارى في لبنان وتم بموجبه التحكم باصواتهم الإنتخابية لخدمة مصالح مذهبية تعيش في جزيرة العرب فقد اصبح من الطبيعي أن أي تحرك للنصارى لتغيير هذا الوضع الشاذ هو في المطالبة بحقهم في اختيار ممثليهم بأنفسهم لا بواسطة عملاء السعودية المتمثلة في الحريري وجنبلاط!
فإذا قائل قائل أن هذا يعزز الفرز المذهبي والطائفي في لبنان فإن القائل لا بد أن يكون نعامة يضع راسه في التراب، لأن الوضع في لبنان قائم على أساس التفاهم الطائفي والمذهبي وإلا لماذا يشترط أن يكون هناك نائب سني عن منطقة وشيعي عن أخرى ودرزي عن ثالثة وماروني عن رابعة وعلوي عن خامسة؟ أليس هذا هو عين الفرز الطائفي؟ إن من يريد أن يضع حداً للمذهبية والطائفية في لبنان لا بد أن يخرج علناً ويعلن أنه يريد انتخاباً حراً ليس فيه شرط واحد أن يمثل أية منطقة نائب من مذهب أو دين معين… عندها فقط يحق لهذا المعترض أن يدعي أن القانون الأرثوذوكسي يعزز الطائفية… أما أن يقول أن مقترح القانون الأرثوذوكسي مقترح طائفي وهو في الوقت نفسه يصر على أنه وحزبه وحده يحق له تمثيل “الجبل” فهو بحاجة لزيارة طبيب ليفحص عقله حقاً لأنه لم يفهم بعد أن الناس ليست جميعها تمتلك عقولاً مسطحة مثل تابعيه الذي يميلون معه كالخراف أينما مال!
وميشيل عون ليس قائداً وطنياً فحسب بل هو من أكثر القادة السياسيين قي لبنان مبدئية… فهو لم يدخل تحالفات على حساب ما يؤمن به ولم يلعب لعبة سياسة لمصلحة مؤقتة… فهو في هذا يختلف عن حزب الله الذي غير تحالفاته خلال عقد من الزمن وهو يختلف كثيراً عن تاجر السياسة الأول في لبنان نبيه بري والذي يدعي أن مصلحة لبنان تكمن في الإجماع لذا فهو لم يطرح مشروع القانون الأرثوذوكسي على التصويت لأنه لم يجد إجماعاً عليه لكنه مع ذلك عرض التمديد وصوت عليه رغم أنه على يقين بأن أكبر كتلة من نصارى لبنان غير موافقة على ذلك… إن سلوك بري جاء ليثبت أن “ديموقراطية” جمهورية البطيخ اللبنانية فريدة في كل شيء، فكيف يجوز لرئيس مجلس النواب أن يقرر وحده ما يجوز عرضه للتصويت وما لا يجوز؟ أليست الديموقراطية هي في السماح لكل ممثل في المجلس أن يعرض ما لديه ويترك للآخرين إبداء الرأي، فإذا ساد راي عُمل به؟ أم أنها بيد “قيصر المجلس” يقرر متى شاء عرض أمر ومتى شاء منعه ومتى شاء التصويت ومتى شاء منع التصويت؟ ومعذرة إذا كنت لم أفهم معنى “الديموقراطية” بعد فقد تابعتها ثلاثين عاماً فما سمعت بهذا في ملة أخرى..
وإذا كان نبيه بري له أسبابه في المساومة مع رجال الصهيونية في لبنان الذين يتقدمهم وليد جنبلاط، والذي أرسل رسالة تعزية لوزير الخارجية البريطاني بمقتل جندي بريطاني في لندن ليؤكد لنا صهيونيته البائسة رغم أن ألف ألف عراقي قتل ظلماً ولم يعز جنبلاط عراقياً واحداً؟ وقد يكون نبيه بري حريص على إرضاء بقية الصهاينة مثل سمير جعجع وفؤاد السنيورة ..أقول قد يكون لتاجر السياسة الأول في لبنان عذره فما هو عذر حزب الله؟
إن انحياز حزب الله لنبيه بري ضد ميشيل عون كان خطأً مبدئياً كبيراً وخلطاً للأوراق السياسية قد يندم الحزب عليها لاحقاً…
تعالوا نراجع ما حدث…. إن ما طلبه ميشيل عون هو الذهاب وفق “الديموقراطية” للمجلس للتصويت على مقترحات القوانين الإنتخابية المعروضة عليه.. فما هو الخلل في هذا؟ إن عدم فعل ذلك هو خلل حقيقي ذلك لأن المجلس النيابي أجاز أن يمدد لنفسه تفويضاً لم يعطه الشعب له… إن مما لاشك فيه أن أكثر من رجل قانون سوف يطلع بتخريجات عدة حول الضرورات… لكن الحقيقة البسيطة والتي يفهمها كل إنسان دون الحاجة لثقافة سياسية أو قانونية هي أن الوكيل لا سلطة له أن يمدد مدة وكالته دون موافقة الموكل…. فمن قال للنواب الذين تسارعوا للتصويت على تمديد سلطتهم أن شعب لبنان يريد ذلك.
لكن الأهم من كل ذلك أن ميشيل عون أدرك أنه الآن في أفضل وضع في الشارع النصراني لكسب الإنتخابات ودحر القوات اللبنانية التي كشف نفاقها أمام الشارع النصراني ودحر الكتائب التي كشف شللها في التعامل مع حقوق النصارى…أي ان عون أدرك أن هذه هي الفرصة الذهبية التي كان سيكتسح فيها أصوات النصارى في لبنان مما كان سيعطيه سلطة كان يحلم بها منذ زمن للإصلاح من خلال تشريع وقوانين صارمة تحارب الفساد الذي يتستر عليه الآخرون لأسباب متعددة لسنا بصدد الدخول فيها.
فكيف لا يكون تخلي حزب الله عن هذا خذلاناً لحليف أمين؟
إن الإحتجاج بان التمديد كان ضرورياً لأن الوضع الأمني مضطرب هو حجة واهية ذلك لأن كا ما يحتاجه أي طرف يطمع في أن يبتز المشهد السياسي اللبناني هو أن يخلق حوادث أمنية كي يمنع ممارسة العمل السياسي… فما عليه سوى أن يبعث عددا من “الزعران” من أتباع الأسير وممن على شاكلته ليهاجموا موقعاً ما ويمكن أن يحدث هذا اليوم أو بعد سنة وفي ظل أي نظام انتخابي. كما ان أحداً لم يقل لنا لماذا سيكون الوضع بعد سنة من الآن أفضل مما هو عليه… هل إن الجميع ينتظرون نتائج الحرب في سورية؟ وهل سينهي التمديد الوضع الأمني المضطرب؟
إن خوف ميشيل عون، وهو خوف مشروع، هو أن خصومه من النصارى سوف يمنحون بهذا التمديد الوقت الكافي لإستعادة توازنهم والتهيؤ لمعركة مقبلة حين كانوا اليوم في أضعف مراحلهم..وكان يمكن له أن يدحرهم مجتمعين…
أما حزب الله فلن يحصل على شيء من التمديد.
أترى سيطلع علينا السيد حسن نصر الله بعد عام ليقول لنا أنه أخطأ في خذلانه لميشيل عون؟ أعتقد أن ذلك قد يحدث، لكني ما دمت أعتقد أن الحرب واقعة قبل ذلك فربما يصبح هذا جدلاً نظرياً لا غير!
والسلام
عبد الحق العاني
31 أيار 2013