الجزء السابع و العشرون — الإبادة في غزو العراق واحتلاله

الأطفال والتعليم 

 

يتعرض الأطفال العراقيون منذ عقدين من الزمن لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقد تحول العراق بسبب عقود من الحروب والاحتلال الأجنبي والعقوبات الدولية إلى أحد أسوأ الأماكن للأطفال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يعيش حوالي 3.5 مليون في حالة فقر ويعاني 1.5 مليون دون سن الخامسة من سوء التغذية ويموت 100 طفل رضيع كل يوم .

 

وعلى الرغم من أن العراق حارب إيران لمدة ثماني سنوات إلا أن الاقتصاد لم يتأثر بشدة ويدرك سكان بغداد أن مستويات المعيشة لم تتغير بشكل ملحوظ. لكن الأمور تغيرت بشكل كيير بعد فرض الحصار الشامل في عام 1990 فانهار الاقتصاد وتبخرت القدرة على إطعام الأسرة بشكل عام وبدأت الضروريات الأساس للحياة تختفي. وعلى الرغم من أن إدخال برنامج النفط مقابل الغذاء (OFF) مكّن الحكومة العراقية من تنفيذ خدمة تقنين جيدة وفرت الحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة إلا أن مشكلة سوء التغذية لم تحل. وسمح برنامج (OFF) للعراق فقط بالاحتفاظ بـ 4 مليارات دولار من مبيعات النفط التي كانت تسمح فقط بـ 160 دولاراً للفرد في السنة. 

 

يمكن تلخيص التأثيرات على الأطفال في العراق تحت العناوين الفرعية التالية:

 

المشاكل النفسية 

إن نصف سكان العراق الـ 30 مليوناً اليوم هم تحت سن العشرين وهذا يعني أن نصف العراقيين اليوم ولدوا بعد هجوم عام 1991 ونشأوا في ظل الحصار والحرب والغزو والاحتلال والإرهاب. وعلى الرغم من أن الضعف الجسدي واضح ويمكن ملاحظة نتائجه بسهولة فإن الأمراض النفسية ليست كذلك. وقد أفاد فريق بحثي من جامعة هارفارد زار العراق في أعقاب الهجوم المكثف عام 1991 أن أطفال العراق “كانوا على الإطلاق أكثر أطفال الحروب تعرضا للصدمات النفسية من بين من وصفوا” وأن “غالبية الأطفال سيعانون من مشاكل نفسية حادة طوال حياتهم”

 

فقد عانى الشعب العراقي عموماً والأطفال على وجه التحديد وعلى مدى عشرين عاماً ظروفاً غير مسبوقة من الهجمات العسكرية والإرهاب والتعذيب وانعدام الأمن، وشهدوا انفجارات وتشويهاً للجثث بشكل يومي مما جعل منظمة أطباء بلا حدود تستنتج أن العديد من العراقيين قد تم دفعهم إلى أقصى حدود تحملهم. وخلص تقرير لمنظمة الصحة العالمية في عام 2005 إلى أن “السبب الرئيس الرابع للاعتلال بين العراقيين الذين تزيد أعمارهم عن خمس سنوات هو الاضطرابات النفسية التي تحتل مرتبة أعلى من الأمراض المعدية “. ووجد مسح أجرته الحكومة العراقية ومنظمة الصحة العالمية عام 2007 أن أكثر من ثلث المستجيبين يعانون من اضطرابات نفسية كبيرة . وقد أجري عدد قليل من المسوحات في العراق لتقويم حجم الاضطرابات النفسية بين الأطفال وكان من إحدى أبرز هذه الدراسات تلك التي أجراها عميد مركز البحوث النفسية في جامعة بغداد الذي خلص إلى أن ما يصل إلى 28٪ من الأطفال العراقيين قد يعانون من آثار اضطراب ما بعد الصدمة ((PTSD . وتعني هذه النتائج أن عدد الأطفال العراقيين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة قد يصل إلى 3 ملايين

 

سوء التغذية 

ترتبط مستويات التغذية ارتباطاً مباشراً بالصحة العامة للأمة. ولسوء التغذية تأثير دائم على السكان لأنه يؤثر على الأطفال أكثر من غيره وأي ضرر جسدي أو عقلي للطفل لا يمكن إصلاحه بشكل عام. ويذكر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 1996 أن الغالبية العظمى من سكان العراق كانوا يتبعون نظاماً غذائياً شبيها بالجوع لسنوات، بينما ذكر تقرير عام 1997 أن ثلث الأطفال العراقيين دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن .  وأفادت Medact في تقرير قدمته إلى اللجنة العراقية في عام 2007 أن الوضع المرجو نظرياً للأطفال العراقيين دون سن الخامسة يتحرك بعيداً عن الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) بدلاً من التقدم نحوها    وتضاعفت معدلات سوء التغذية منذ ذلك الحين إلى مستويات ما قبل العقوبات . وقد رأينا للتو أن ثلث الأطفال العراقيين قد تأثروا نفسياً وأن ثلثهم يعانون من سوء التغذية. يبدو أن السؤال الواضح هو:

 

ما هو مستقبل العراق عندما يبلغ هؤلاء الأطفال، بعد عشرين عاما، سن الرشد؟

 

عمالة الاطفال

بدأ العراقيون منذ عام 1991 يشهدون أطفالا تتراوح أعمارهم بين ستة وخمسة عشر عاماً وهم يمشون بين السيارات يبيعون أشياء صغيرة أو يعملون في تصليح السيارات أو في محلات الحدادة . وقد اضطر الأطفال في معظم الحالات إلى ترك المدرسة والذهاب إلى العمل لأن آباءهم قد اختفوا، فهم إما قُتلوا أو سُجنوا ولم يعد  للأسرة مصدر دخل آخر ولا دعم من الدولة. وقد يكون الأطفال الآخرون قد تركوا المدرسة وذهبوا إلى العمل لمساعدة آبائهم الذين يحاولون تغطية نفقاتهم. بدأ هذا الوضع خلال سنوات الحصار الصعبة ولكن كان يُعتقد أنه في أعقاب الغزو والاحتلال وإنهاء العقوبات واستئناف تدفق أموال النفط أن من الممكن أن ينعكس هذا الاتجاه وتتضاءل عمالة الأطفال. لكن الحقائق تشير إلى عكس ذلك. وفي الواقع بعد تسع سنوات من الغزو وفي عام 2012 ازدادت عمالة الأطفال بدلاً من الانخفاض . وتشير التقديرات إلى أن عمالة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً في عام 2012 تتراوح بين 6٪   و15٪.

 

تعاطي المخدرات

بينما كانت كل من إيران ومصر تعاني من انتشار المخدرات منذ عقود فقد كان العراق تقريباً نظيفاً جزئياً لأسباب ثقافية وجزئياً بسبب معالجة السلطة الصارمة لإدمان المخدرات والاتجار بها. لكن هذا الوضع تغير بعد عام 2003 مع ولادة “الديمقراطية”. ليست لدينا طريقة لمعرفة كيف بدأت المخدرات تتدفق إلى العراق ومن يقف وراءها لكننا لن نتفاجأ إذا تبين أن بعض الأمريكيين كانوا وراء ذلك. وما يعنينا هنا هو التقارير العديدة حول انتشار تعاطي المخدرات بين الأطفال إذ لا أحد يعرف حجم المشكلة حقاً لأن أية سلطة حكومية لم تكلف نفسها النظر في هذا الاتجاه المدمر المحتمل. كانت هناك بعض التقارير عن تصاعد سريع للوضع مع زيادة بنسبة 30٪ في الإدمان بين عامي 2005 و2008 فقط . وليس من الصعب معرفة مدى ضعف الأيتام عندما يقترب منهم تجار المخدرات لحملهم على العمل ناقلي مخدرات مقابل بعض المال وهو الأمر الذي قد يؤدي بهم في النهاية إلى أن يصبحوا مدمنين وسجناء لهذه الرذيلة.

 

التعليم

لقد تناولنا بالفعل نجاح العراق خلال حكم البعث في التعليم والقضاء على الأمية باعتراف من منظمة اليونسكو . وقال مكتب المفتش العام الدول في تقريره إلى الكونغرس في عام 2012:

 

كان نظام التعليم في العراق حتى ثمانينيات القرن الماضي من بين الأفضل في الشرق الأوسط حيث أدى إلى ارتفاع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة. لكن استبداد صدام وحربه المنهكة والعقوبات التقييدية المترتبة على ذلك أغرقت النظام .  

 

لكن ما فاته مكتب المفتش العام وربما الكونغرس أيضاً هو أن ما يسمى “استبداد” صدام بالتحديد هو الذي قضى على الأمية في العراق وكانت ولادة “الديمقراطية” مع الغزو هي التي أعادتها. وتتجلى هذه الحقيقة في اعتراف التقرير بأنه بعد ثماني سنوات من الغزو والاحتلال وجهود الولايات المتحدة والتي يبرزها التقرير “قدرت لجنة التعليم في مجلس النواب العراقي في عام 2011 أن 5 ملايين عراقي كانوا أميين” . لكن مجلس النواب الذي يتألف في الغالب من أشخاص فاسدين وغير كفؤين ليس هيئة يمكن الوثوق بها بسهولة ويميل المرء إلى الاعتقاد بأنه (المجلس) سيقلل من أي مشكلة خطيرة لئلا تكشف إخفاقاته. ونصحنا باحث أمريكي مستقل بأنه “بشكل عام فإن 74.1٪ من السكان أميون وهي خامس أسوأ منطقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” . وإذا قبلنا أن كلا التقديرين غير دقيقين فما يزال بإمكاننا أن نستنتج أن الأمية في العراق اليوم تشمل ما بين 20٪ و70٪ من السكان.

 

لذا فإن العراق غير الديمقراطي الذي حصل عام 1982 على جائزة اليونسكو لمحو الأمية انتهى به الأمر بعد ثلاثين عاماً بالديمقراطية ونسبة ما بين 20٪ و70٪ من سكانه أميون!

 

وقد بدأ هذا النظام التعليمي الأكثر نجاحاً في الشرق الأوسط في الواقع في الانهيار مع فرض الحصار الكامل في عام 1991 عندما لم يُسمح حتى بأقلام الرصاص بدخول البلاد وهكذا بدأ الأطفال في التسرب من المدارس. وأدى نقص الصيانة بسبب نقص الأموال إلى استنفاد المباني المدرسية والمرافق التعليمية مع استمرار الحصار. كان كل العراقيين بعد عام 2003 يتوقعون أنه مع “الديمقراطية” الموعودة ووفرة الأموال ستأخذ الأمور منعطفاً مختلفاً لكن ذلك لم يحدث. بل إن ما حدث كان عكس ذلك تماما: ذلك ان عملية التدمير مستمرة.

 

فقد ترتب أولاً عنى أمر اجتثاث البعث أن آلاف المعلمين المؤهلين فقدوا وظائفهم بين عشية وضحاها وكثير منهم قتلوا أو شردوا أو أجبروا على مغادرة العراق بشكل دائم. وكان العراق قد استثمر المليارات في تدريب هؤلاء الرجال والنساء المؤهلين ولم يكن من الممكن استبدالهم بأفراد من الميليشيات ومعظمهم من الفارين من الجيش ومن غير المتعلمين- على الرغم من أن بريمر اعتقد أنه يجب مكافأتهم على قتالهم البعث. وأدى الصراع الطائفي الذي حرض عليه المحتلون إلى نزوح أكثر من مليوني عراقي داخل العراق وإجبار مليونين على مغادرة البلاد. وتعرض جميع الأطفال في هذا النزوح الجماعي، الذي جاء في المرتبة الثانية بعد نزوح الفلسطينيين في عام 1948، للحرمان وصعوبات التكيف مع المدارس الجديدة – أينما وجدت. وليس من الصعب إدراك أن التأخير أو الانقطاع في التعليم قد يتسبب في آثار دائمة في نمو الطفل.

 

كان نجاح حزب البعث حتى عام 1990 يعني أن ما يقرب من 100٪ من الأطفال العراقيين كانوا يذهبون إلى المدارس الابتدائية. وانخفض ذلك إلى 91٪ في عام 1990 و85٪ في عام 2007 قبل أن ينتعش قليلاً منذ ذلك الحين. وكان 89٪ من الشباب في المناطق الحضرية و77٪ في المناطق الريفية بحلول عام 2010 ملتحقين بالمدارس. وشمل ذلك 87٪ من الأولاد و82٪ من الفتيات .  وأفاد مسح حديث أجرته منظمة تموز للتنمية الاجتماعية في النصف الأول من عام 2011 أن “أكثر من 20٪ من طلاب المرحلة الابتدائية أي حوالي أربعة ملايين طفل يتسربون كل عام وأن ما يصل إلى 65٪ من الأطفال في جنوب العراق لا يذهبون إلى المدرسة ”

 

ويواجهنا السؤال الذي لا مفر منه هو: لماذا يفشل بلد غني بالنفط بلغ دخله العام الماضي 100 مليار دولار (أي ما يعادل 10 سنوات من الدخل أثناء حكم البعث كما كان دخل النفط في عام 1985 يبلغ 10.1 مليار دولار وفي عام 1990 كان 9.5 مليار دولار أمريكي) في تحقيق نسبة التحاق الأطفال بالمدارس الابتدائية بنسبة 100 ٪ والتي كانت موجودة حتى أثناء الحرب العراقية الإيرانية؟

 

يشير القسم المتعلق بالتعليم في تقرير SIGIR مراراً وتكراراً إلى الحاجة إلى “مراجعة الكتب المدرسية” و “الشروع في إصلاح المناهج الدراسية” و “تحديث المناهج الدراسية”. كل هذه العبارات تشير إلى أن الولايات المتحدة شرعت في تحديث مناهج التدريس في العراق لأنها كانت معيبة لكننا من وجهة نظرنا لا نرى عيباً في المنهج. إذ لا ينمو المنهج الدراسي في فراغ ولا يمكن استيراده من أرض بعيدة وغريبة لأنه جزء من التنمية الثقافية والاجتماعية للمجتمع ولا يختلف العراق في هذا الصدد عن الدول الأخرى لأن العراقيين الذين درسوا هذه المناهج برعوا في الدراسات العليا في جميع أنحاء العالم. لكننا من الممكن أن نلاحظ في تقرير المفتش العام الدولي أنه انعكاس للغرض من غزو العراق واحتلاله أي إعادة هيكلة العراق على نموذج “أمريكي” جديد لدول الشرق الأوسط. وكان من المهم للولايات المتحدة أن ترى أن العراقيين يتعلمون عن السوق الحرة والديمقراطية أكثر من القلق بشأن الدقة التاريخية أو كيفية معالجة حقيقة أن العراق قد استنفد من أعضاء هيئة التدريس والقدرات الفكرية أو التأكد مما إذا كان المزيد من المدارس ثد بنيت خلال السنوات العشر منذ الغزو.

 

وهكذا يُعلمنا مكتب المفتش العام SIGIR بأنه تم تدريب 33 ألف معلم جديد   لكن اقتباس هذا الرقم ليس له قيمة في حد ذاته ما لم تتم مقارنته بإجمالي عدد المعلمين في العراق أو عدد المعلمين الذين اعتادوا أن يكونوا مؤهلين كل عام في العراق قبل الغزو. وفي الواقع أفادنا باحث أمريكي مستقل بأن وزير التعليم العراقي صرح بأن “70٪ من المعلمين غير مدربين بشكل صحيح”

 

وعلى الرغم من أن تقرير مكتب المفتش العام الدولي يذهب إلى تحديد مقدار الأموال التي تم إنفاقها على بناء وإعادة تأهيل المدارس خلال السنوات التسع التي أعقبت الغزو فقد نُقل عن وزير التربية والتعليم العراقي في آذار 2012 قوله إن “العراق بحاجة إلى 12000 مدرسة جديدة وإضافة 600 مدرسة كل سنة. وتم منذ عام 2003 بناء 2600 مبنى جديد فقط وقالت الوزارة في العام الماضي إنها تستطيع بناء 200 فقط في ذلك العام. والمشكلة الرئيسة هي نقص التمويل ذلك أن الميزانيات السنوية ببساطة لا تخصص ما يكفي لبناء جميع المدارس المطلوبة ” .

 

لم يتم بناء مدارس جديدة على الرغم من اكتظاظ المدارس الموجودة. وقد نُقل عن أحمد رشيد المستشار التربوي لمجلس محافظة بغداد في عام 2012 قوله: “تم تصميم معظم الفصول الدراسية في بغداد لتسع من 25 إلى 30 طالبا لكنها تضم الآن أكثر من 80 طالباً. وقال إن بعض الفصول الدراسية بها ما يصل إلى 120 طالباً”

 

وحيث إن الأمم المتحدة والبنك الدولي أشارتا إلى أن العراق يحتاج إلى استثمار ما يقرب من 5 مليارات دولار لإعادة تعليمه إلى مستوى الثمانينيات فإن الحكومة تحتاج إلى تخصيص مبالغ ضخمة من الأموال . هذا فقط لإعادة المستوى إلى الثمانينيات وليس لتحسينه. وبدخول متطلبات تقنيات المعلومات الجديدة فقد تكون الحاجة أكبر من المقدرة. ونكرر مرة أخرى أن نصف العراقيين اليوم هم دون العشرين من العمر ويحتاج أي بلد إلى الاستثمار في تعليم أبنائه إذا كان لديه أي أمل في مستقبل مناسب. ويحتاج العراق إلى مزيد من الاستثمار في تعليم الأطفال للفرد الواحد أكثر مما تحتاجه دولة غربية متقدمة. لا ينبغي أن يعاني العراق من نقص في الأموال بالنظر إلى أنه لم يشرع في أي خطط تنموية كما فعل حكم البعث في خطتيه الخمسيتين بين عامي 1970 و1980. فهو ليس لديه جيش يهدر المال عليه كما زعموا أن صدام حسين فعل. فلماذا لا يستثمرون في مستقبل العراق من خلال تربية أبنائه؟ أين تذهب الأموال؟ هل من الممكن حقاً أن الأطفال في كربلاء الحضرية أبلغوا رويترز في عام 2012 أنهم يذهبون إلى الدراسة في خيمة؟    

 

الإعاقة عند الأطفال

 

لقد علقنا أعلاه على الحرمان والاضطرابات النفسية التي يتعرض لها أطفال العراق. فمن المستحيل تحديد حجم الدمار المادي لأطفال العراق لأن الحكومة ليس لديها سجل عن عدد الأطفال العراقيين الذين قتلوا بنيران مباشرة وقت الغزو أو أثناء الصراع الطائفي أو من خلال القصف اليومي في جميع أنحاء العراق العربي هذا إلى جانب عدد أو حجم الوفيات الناجمة عن نقص اللقاحات أو انتشار الأمراض المعدية أو سوء التغذية.

 

لكن أحد الأمثلة على الأضرار الجسدية التي يمكن ملاحظتها ومراقبتها هو الإعاقات التي تسببها الحروب. وكانت الأسباب الرئيسة للإعاقات الناتجة عن الحرب بين الأطفال هي الألغام الأرضية والقنابل العنقودية. وقد تم الإبلاغ عن أن “الإصابات الناجمة عن الذخائر العنقودية الفاشلة ارتفعت بين عامي 1991 و2007 من 5500 إلى 80.000 ، 45.7٪ بين سن 15 و 29 عاماً و23.9٪ من الأطفال دون سن 14 عاماً. ويعتقد أن هذه الأرقام فيها استهانة بالحقائق ” . ويظهر الرابط بين هذه الإعاقات والحروب في الشكل المبلغ عنه أنه في” العقد الماضي نجحت محافظتا المثنى والبصرة في العراق في تجاوز أنغولا للحصول على أعلى نسبة من إجمالي عدد الأطفال المبتورة أطرافهم. ” وقد شهدت كلتا المحافظتين أكبر معارك بين الجيوش الغازية والمقاومة العراقية عام 2003.

 

معدل وفيات الأطفال

لا توجد إحصائيات واضحة حول وفيات الأطفال في العراق بعد عام 2003 لأن السلطات العراقية إما لا توفرها أو لا تجري أية دراسات. ولسنا قادرين على إعطاء أرقام بشكل قاطع لكننا يمكننا إعطاء أمثلة.

 

ففي آب 2002 وبعد 12 عاماً من الحصار الشامل ولد في مستشفى الفلوجة العام 530 طفلًا فيها ستة وفيات فقط وتشوه واحد. وأفاد نفس المستشفى في أيلول 2009 أنه من بين 170 طفلاً ولدوا في ذلك الشهر توفي 24 في المائة خلال الأيام السبعة الأولى كان 75 في المائة منهم مشوهين. ومن الواضح تماماً أن الوضع قد ساء، فقد كان الأطباء في الفلوجة يحذرون النساء من الإنجاب .

 

ولا يختلف الوضع في أماكن أخرى من العراق كثيراً. كان معظم الأفراد الذين ورد أنهم قتلوا على أيدي قوات التحالف من النساء والأطفال. وكان خطر الموت بسبب العنف في الفترة التي أعقبت الغزو أعلى بـ 58 مرة مما كان عليه في الفترة التي سبقت الحرب . كان هذا في عام 2004 قبل أن يبدأ العنف الطائفي المتصاعد ولا يسعنا إلا التكهن بشأن العدد الحقيقي للأطفال الذين ماتوا نتيجة للغزو والمعاناة التي جلبها.

 

بعد تقديم ورقة واحدة من القصة الحزينة لأطفال العراق لا يسعنا إلا أن نتفق مع استنتاج بي كنتان بأن:

 

تتحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن انتهاكات هذه الأحكام والمواثيق المتعلقة بالأطفال. ويجب تحميلهم المسؤولية الكاملة عن الأضرار التي لحقت بأطفال العراق. لقد تعمدوا تغيير النسيج الاجتماعي للبلاد واستخدموا التطهير العرقي لتفكيك وحدة البلاد ودمروا أنظمة تنقية المياه والمرافق الصحية والتعليمية وقصفوا بشكل عشوائي مناطق مكتظة بالسكان مما ترك الأطفال في حالة ضعف شديد على جميع المستويات

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image