الفصل الخامس
فشل مجلس الأمن
تم إنشاء مجلس الأمن من قبل المنتصرين في الحرب العالمية الثانية كجزء من إعادة هيكلة الأمم المتحدة بعد فشل عصبة الأمم في منع الحرب. وتم تحديد هيكل مجلس الأمن وسلطته في ميثاق الأمم المتحدة. ونحتاج قبل أن نتطرق إلى فشل المجلس الأمن في العراق إلى إلقاء بعض الضوء على الانحرافات في ميثاق الأمم المتحدة وفي الممارسات التي اعتمدها مجلس الأمن نفسها.
والسبب في ذلك هو أن هناك سوء فهم عام بين عامة الناس – وليس فقط الناس في أرضنا – فيما يتعلق بسلطة وقدرة مجلس الأمن. وقد تعزز هذا المفهوم الخاطئ من قبل السياسيين الذين يستخدمه بعضهم لدفع سياساتهم والبعض الآخر يتظاهر ببساطة بالجهل واللامبالاة. ومع ذلك فإن البعض حتى في العالم الغربي جاهل حقاً. يدور هذا المفهوم الخاطئ حول الاعتقاد بأن مجلس الأمن يمكن أن يمرر أي قرار يريده إلى الحد الذي يمكنه فيه أن يضع نفسه فوق القانون. هذا هو السبب في أن قلة من الناس يتوقفون عن الجدل حول أخلاقية أو شرعية بعض قراراته. قد يُعذر المواطنون العاديون في العالم الأنجلو أمريكي لكونهم غير مبالين باستغلال قادتهم مجلس الأمن لدفع سياساتهم الاستكبارية العدوانية. لكنه لا يمكن تقديم مثل هذا العذر لمن يمارسون مهنة المحاماة والفلاسفة والأخلاقيين والاشتراكيين وما يسمى بالليبراليين بشكل عام. يجب أن يعمل مجلس الأمن في جميع الأوقات في نطاق اختصاصه كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة ويكون ملزماً بمبادئ القانون الدولي. فإذا لم يكن الأمر كذلك فإنه يفترض لنفسه موقعاً تعسفياً في السلطة القانونية بل مستبداً متجبراً بالفعل ما لم تتعاقد عليه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويرجع جزء من سوء الفهم إلى الانحرافات في ميثاق الأمم المتحدة وجزء إلى أن مجلس الأمن افترض بشكل غير قانوني الحق في ممارسات خارج نطاق اختصاصه. سنحاول معالجة هذا أدناه.
عيوب ميثاق الأمم المتحدة
إن من المهم التركيز على تحليل وتقويم الأمم المتحدة وميثاقها ومجلس الأمن لأن كل ما حدث للعراق قد سهلته هذه الأجهزة والأدوات. وتنطبق الأسئلة التي تنشأ حول العراق على صراعات مماثلة في العالم مثل ليبيا وسورية وأوكرانيا. وهناك العديد من القضايا التي تستحق الدراسة في ضوء الأمور التي تمت مناقشتها في هذا المشروع والتي تم تلخيصها في الفقرات السابقة. سننظر في هذه المسألة من زاويتين رغم أنهما مترابطتان ومتلاصقتان – الميثاق وعمل مجلس الأمن.
إن ميثاق الأمم المتحدة هو معاهدة أو اتفاق غريب إذ تُظهر القراءة المتأنية أنه ليس اتفاقاً بين أعضاء الجمعية العامة الذين يشكلون المجتمع الدولي بل هو مستند مكتوب من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس يمكن أن يتحكم في شؤون العالم. ولعل المادة (27) من الميثاق هي أهم مادة فيه بسبب السلطة التي تمنحها. تنص الفقرة 3 من تلك المادة على ما يلي:
- تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت.
ضمنت هذه المادة التي تمت صياغتها بعناية احتفاظ أي من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالحق في “نقض” أي قرار يعترض عليه والذي يعني في الواقع أنه لا يمكن العثور على أي من الخمسة [الدائمين] مخطئين في ارتكاب أية مخالفة.
وهكذا كان فإنه قبل عام من التوغل العراقي في الكويت غزت الولايات المتحدة بنما وقتلت عدة آلاف من شعبها واختطفت رئيسها الشرعي ونقلته بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة حيث ظل في السجن حتى أيلول 2011 وأقامت نظاماً دمية في بنما . لم يتخذ مجلس الأمن أية خطوة لانتقاد العدوان الأمريكي غير المسوغ على دولة بنما الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة. وعندما زحفت الدبابات الإسرائيلية في عام 1982 عبر الحدود اللبنانية وقتلت المئات ودمرت الممتلكات قبل وصولها إلى بيروت اجتمع مجلس الأمن في 6 حزيران لكن قراره لم يتضمن أي إدانة للعدوان . وبالإضافة إلى القتل والتدمير في الطريق إلى بيروت فإن من المهم ملاحظة أنه في سياق ذلك الغزو هناك دليل واضح على الإبادة الجماعية في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين والتي تمت بأمر وإشراف من الجيش الغازي .
أعطى توازن القوى خلال ما سمي بالحرب الباردة مجلس الأمن بعض مظاهر الأداء الوظيفي. ونتج عن توازن القوى بين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك نوعاً من آلية العمل مع الاعتراف المتبادل بمسارات رسم الخطوط. وتحالفت معظم دول العالم بشكل مباشر أو غير مباشر مع أحد المعسكرين وكانت بهذا محمية جزئياً من العدوان السافر. ومع ذلك ومنذ انتهاء الحرب الباردة – والتي كان انتهاؤها كارثة للعالم الثالث – أصبح مجلس الأمن أداة في يد الاستكبار الأمريكي. لقد كان العراق نموذج اختبار لذلك.
ولا تنتهي مشكلة المادة (27) عند هذا الحد. فقد تبنى مجلس الأمن ممارسة تنتهك المادة بشكل صارخ. فعلى الرغم من أنها تدعو إلى تصويت “موافق” لجميع الأعضاء الدائمين إلا أن مجلس الأمن قد وافق على تفسير “الامتناع عن التصويت” بمثابة موافقة. ونحن لا نعرف حجة منطقية أو قانونية واحدة يمكن أن تدعم مثل هذا التفسير للمادة (27). فمن غير المحتمل أن يعني القاضي الذي يحاكم أية قضية أن رفض المتهم الرد على التهمة معناه الاعتراف بالذنب. لقد قيل إن الامتناع عن التصويت ليس “نقضاً” ولكن هذا يضع الحجة رأساً على عقب. والفرضية هي أنه لكي يتم تمرير القرار يجب أن تكون هناك أغلبية مؤيدة بضمنها الأعضاء الدائمين. وإذا رفض عضو دائم الموافقة فلا يجوز تمرير القرار. ولا يوجد في الميثاق في الحقيقة ذكر لكلمة “النقض”. وكل ما تتطلبه المادة 27 هو تصويت بموافقة الأعضاء الدائمين. إن الاستنتاج المنطقي من هذا هو أنه إذا لم يقدم أحد الأعضاء الدائمين “التصويت الموافق” فإن هذا يعني أن المجلس فشل في تمرير القرار ولا ينبغي اعتماده. وقد تم تمرير العديد من القرارات الحيوية والحاسمة لمجلس الأمن بوجود امتناع عضو واحد أو أكثر عن التصويت كما في القرار 678 (1990) الذي مكن من غزو العراق لأول مرة في عام 1991. ونؤكد أن جميع القرارات التي تم تمريرها دون موافقة الأعضاء الخمسة باطلة ولاغية ويجب أن يتحمل الأعضاء الذين التزموا بها المسؤولية الكاملة بموجب القانون الدولي.
ولدينا مثال آخر على عيب آخر في ميثاق الأمم المتحدة وهو المادة (25) . فوفقاً لهذه المادة يقبل جميع أعضاء الأمم المتحدة الالتزام بقرارات مجلس الأمن. وإضافة إلى ذلك يوافق أعضاء الأمم المتحدة كما في المادة (108) على تقييد سلطتهم في تعديل الميثاق طالما أن أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن يرفض القيام بذلك . وهذه حادثة نادرة في القانون لأطراف العقد في القانون المحلي في القبول بنقل سلطتهم إلى جهاز فرعي دون الاحتفاظ بالحق في تقييد هذا الجهاز. ونحن نقترح أن مثل هذه المواد في عقد محلي عادي يمكن أن تفسر من قبل محكمة قانونية على أنها تجعل العقد لاغياً. وإذا اعتبرنا أن المادة (103) من الميثاق تنص على أن التزامات الدول بموجب الميثاق تحل محل أي التزام آخر سواء كان ذلك الاتفاق إقليمياً أو إتفاقاً ثنائياً أو حكماً قضائياً يصبح من الواضح أن الميثاق يمنح مجلس الأمن المنصب السياسي والمجلس العسكري والاقتصادي الأعلى الذي يخضع لحق النقض من أي من الأعضاء الخمسة الدائمين. ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق في رأينا هو حقيقة أنه نزع سلاح محكمة العدل الدولية وإخضاع المحاكم المتخصصة وكذلك حق الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) لسيطرة مجلس الأمن الدولية فإن الميثاق قد حول الجهاز السياسي لمجلس الأمن، والذي ليس لديه بالضرورة الكثير من الخبرة القانونية، بشكل فعال إلى المحكمة العليا في العالم التي لا يمكن استئناف قراراتها. إنه في ضوء هذه الحقائق يجب رؤية ما حدث للعراق.
قرارات مجلس الأمن بشأن العراق قبل غزو 2003
هناك ثلاث سمات رئيسة تميز قرارات مجلس الأمن عقب التوغل العراقي في الكويت عن قرارات مجلس الأمن الأخرى وهي أنها أولاً تم تمريرها بسرعة ونشاط دون محاولة الوصول إلى تسوية سلمية. وثانياً أن مجلس الأمن طبق معايير مختلفة على العراق قياساً بالغزوات الأخيرة. وثالثا والأهم من ذلك أن هذه القرارات انتهكت المبادئ الأساس التي أنشئ مجلس الأمن لدعمها. كما تم تبني القرار 678 (1990) لمهاجمة العراق عن طريق حملة الرشوة والإكراه والابتزاز والتهديد وتم القضاء على معارضة حكومات الشرق الأوسط لاستخدام القوة من خلال “حوافز” معينة. فقد تلقت مصر رشوة بـ 14مليار دولار في إطار “الإعفاء من الديون”. وحصلت سورية على حرية التصرف في لبنان. وتلقت إيران رشوة بالسماح للبنك الدولي بالموافقة على قرض قيمته 250 مليون دولار. وكانت رشوة الاتحاد السوفييتي في غاية الأهمية وقد تحققت من خلال المملكة العربية السعودية التي عرض وزير خارجيتها على جورباتشوف مليار دولار كمساعدات تليها 3 مليارات دولار بمجرد موافقته على القرار . وكان حافز الصين هو إنهاء مقاطعتها الدولية بعد سحقها لاحتجاجات ميدان تيانانمين.
كان الرئيس الفنلندي وقتها “ماونو كويفيستو” قد وعد الرئيس بوش خلال قمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس في تشرين الثاني 1990 بأن فنلندا ستصوت لصالح القرار دون أن يعرف حتى صياغته. وفي اليمن حذر وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من أنه يخاطر بمبلغ 70 مليون دولار من المساعدات الأمريكية السنوية برفضه التعاون مع الولايات المتحدة في مجلس الأمن. ومع ذلك وفي مؤتمر صحفي بعد الاجتماع قدم صالح رفضاً مدوياً للقرار . وقام بيكر بجولة في سبع دول في تشرين الثاني 1990 للحصول على دعم لخطة الولايات المتحدة وفي 28 تشرين الثاني التقى بممثلي الصين وكوبا والاتحاد السوفيتي في الأمم المتحدة. كما لعبت رئيسة وزراء المملكة المتحدة مارغريت تاتشر دوراً في إقناع 16 دولة بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي الداعم للعدوان لإعطاء الهجوم مظهراً من الثقل الدولي.
كانت أصوات الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن حاسمة بالنسبة للإجماع. عُرض على زائير “إعفاءها من الديون” ومعدات عسكرية غير معلنة مقابل السيطرة على مجلس الأمن عندما كان الهجوم جارياً. وبذلك رفضت بصفتها الرئيسة الدورية للمجلس طلبات كوبا واليمن والهند لعقد اجتماع طارئ للمجلس رغم أنها لا تملك سلطة رفض طلب عقد اجتماع بموجب ميثاق الأمم المتحدة .
عندما صوت اليمن ضد القرار 678 قال دبلوماسي أمريكي كبير للسفير اليمني: “كان هذا أغلى تصويت بـ” لا ” تدلي به على الإطلاق”. وفي غضون ثلاثة أيام تم إيقاف برنامج مساعدات أمريكي بقيمة 70 مليون دولار. وفجأة واجه اليمن مشاكل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتم طرد 800 ألف عامل يمني من السعودية .
دخلت القوات العراقية الكويت في 2 آب 1990 واجتمع مجلس الأمن في غضون ساعات واعتمد القرار رقم 660 الذي يدين الغزو. وفرضت في وقت لاحق عقوبات شاملة على العراق بالقرار 661 في 6 آب. ولم يقم مجلس الأمن بأية محاولة دبلوماسية للتوصل إلى تسوية سلمية وفقاً لنص وروح ميثاق الأمم المتحدة. يعطي طول القرار وسرعته وتفاصيله والمظهر الذي تمت كتابته به أنه كان قد قد كتب وتم أعداده بالفعل بانتظار الإجراء. إن قسوة الإجراءات واللغة تعطي الانطباع بأن الهدف منها هو الضغط على صدام حسين لرفض الانسحاب لأنه كان سيبدو وكأنه استسلام لإملاءات الولايات المتحدة. وتم في الفترة بين 2 آب و29 تشرين الثاني تبني ما لا يقل عن 12 قرارا ً بشأن العراق تم تصميمها جميعاً بطريقة تجعل قبولها مستحيلًا بالنسبة لشخص مثل صدام حسين ليكون ضمان أن العمل العسكري أمر لا مفر منه. كان هناك تصعيد تدريجي للمطالب على العراق: أولاً أن ينسحب من الكويت أو يواجه عقوبات وحين وافق العراق أن يشرط ذلك بانسحاب إسرائيل من فلسطين المحتلة تم تجاهل الاتفاقية لكن العقوبات استمرت.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لم يتم تبني قرار واحد من قبل مجلس الأمن في غزو الولايات المتحدة لغرناطة وبنما على الرغم من حقيقة أن أياً منهما لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل أو حتى زعم أنه شكل تهديدًا للولايات المتحدة. إن من الواضح أن مجلس الأمن قد تم إنشاؤه لحماية المنتصرين في الحرب العالمية الثانية في سعيهم للسيطرة على العالم.
فشل مجلس الأمن في التصرف بعد الغزو عام 2003
على الرغم من أن الاستكباريين كانوا قد قرروا غزو العراق بغض النظر عما سيفعله مجلس الأمن إلا أنهم كانوا ما زالوا يرغبون في أن يتم إقناع مجلس الأمن بالسماح لهم بالتصرف تحت ذريعة معينة وبالتالي الظهور على السطح بعدم ارتكاب أي عدوان. وتم استخدام تدابير قسرية مماثلة لتلك التي تم تبنيها في الفترة 1990-2003 من أجل إجبار الدول المترددة على تغيير موقفها من الغزو المحتوم. ويقال أن إحدى هذه الدول التي قيل إنها غيرت وجهة نظرها وتوجهت نحو الولايات المتحدة هي المكسيك. وذكرت صحيفة يو إس إيه توداي أن مسؤولين أمريكيين زاروا المكسيك للضغط على حكومتها لتغيير موقفها ودعم الولايات المتحدة في مجلس الأمن. ونُقل عن دبلوماسي مكسيكي قوله إن المسؤولين الأمريكيين أخبروهم أن “أي دولة لا تتوافق معنا ستدفع ثمناً باهظاً” .
كان قرار مجلس الأمن 1454 (2002) المعتمد في 30 كانون الأول 2002 تحت عنوان “الحالة بين العراق والكويت” هو آخر قرار قبل الغزو. لكنه لم يتطرق إلا إلى التعديلات على قائمة استعراض البضائع ومراجعتها.
وعلى الرغم من حقيقة أن مجلس الأمن اعتبر نفسه وكأنه لا يزال ممسكاً بالمسألة ولم يتخذ أي قرار يتعلق بإضفاء الشرعية على هجوم على العراق إلا أنه لم يتصرف بأي شكل من الأشكال عندما ضربت الصواريخ العراق في 20 آذار 2003 وعبرت القوات إليه من ثلاث دول في واحدة من أكبر الغزوات منذ الحرب العالمية الثانية. يجب أن نذكر أنفسنا بأن مجلس الأمن اجتمع في غضون ساعات من دخول القوات العراقية الكويت في 2 آب 1990 واتخذ القرار رقم 660 على النحو التالي:
قرار رقم 660 – المؤرخ بتاريخ 2 آب 1990
إن مجلس الأمن
إذ يثير جزعه غزو القوات العسكرية العراقية للكويت في 2 آب 1990 وإذ يقرر أنه يوجد خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت وإذ يتصرف بموجب المادتين 39، و40 من ميثاق الأمم المتحدة يقرر أنه:
- يدين الغزو العراقي للكويت.
- يطالب بأن يسحب العراق جميع قواته فوراً ودون قيد أو شرط إلى المواقع التي كانت تتواجد فيها في 1 آب 1990.
- يدعو العراق والكويت إلى البدء فوراً في مفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما، ويؤيد جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد، وبوجه خاص جهود جامعة الدول العربية.
- يقرر أن يجتمع ثانية حسب الاقتضاء للنظر في خطوات الأخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.
وقد استند إجراء مجلس الأمن بشأن الكويت إلى المادة 39 من الميثاق التي تقول:
يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
وكان مجلس الأمن قد خلص إلى أن توغل العراق واحتلاله للكويت يشكل مثل هذا العدوان والتهديد للسلام. لا يمكن تصور أن مجلس الأمن أو أي من أعضائه لم يعتبر أن غزو العراق عام 2003 كان أقل من عمل عدوان وتهديد للسلام من غزو الكويت عام 1990 خاصة في ضوء الهدف المعلن لذلك والذي كان الإطاحة بالحكومة العراقية.
السؤال الأول الذي يحتاج أي مدافع عن حياد أو استقلال مجلس الأمن إلى معالجته هو سبب فشل مجلس الأمن في التصرف في آذار 2003. والتفسير الموضوعي الأكثر ترجيحاً هو أن معظم الدول اعتقدت أنه كان من غير المجدي مقابلة ومناقشة الغزو لأن الولايات المتحدة كانت ستمنع عقد مثل هذا الاجتماع. وفي الحالة الفردية لاجتماع ناجح على الرغم من اعتراض الولايات المتحدة لم يكن من الممكن اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة لأن الولايات المتحدة / المملكة المتحدة كانتا ستستخدمان حق النقض ضده كما ظهر في حالتي غرينادا وبنما. كما أنه مؤشر على الازدراء القاسي الذي تحتجز فيه الولايات المتحدة أعضاء مجلس الأمن الآخرين بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غزتا دون أي تصريح من مجلس الأمن. لم يرغب المعتدون في انتظار التقرير النهائي من فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة التابع للأمم المتحدة حول برنامج أسلحة الدمار الشامل المزعوم للعراق والذي لم يكن موجوداً ربما لأنهم كانوا يعلمون أن اللجنة الخاصة ستعلن امتثال العراق. ونحن نعلم الآن أن منفذي تلك الحرب كانوا يعلمون أنها غير موجودة.
يقتبس أندرو جيليجان مما قاله العميد مايكل لوري رئيس هيئة أركان استخبارات الدفاع البريطانية في عام 2003 ما يلي: “لم نتمكن من العثور على دليل لطائرات أو صواريخ أو معدات تتعلق بأسلحة الدمار الشامل” . يثبت هذا المشهد برمته حجتنا السابقة فيما يتعلق بالإخفاق في ميثاق الأمم المتحدة. ولو تم إنفاذ الميثاق بشكل عادل فمن المنطقي ألا يُسمح لعضو في الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة في هذه الحالة من منع مجلس الأمن الدولي من الجلوس للحكم على تصرفاتها. وحتى إذا تم منح حق “النقض” وهو أمر غير عادل فلا ينبغي السماح لهذا العضو بالتصويت على أي مسألة كان طرفاً فيها ، كما هو منصوص عليه في المادة 27.3.
عندما اجتمع مجلس الأمن في 28 آذار 2003 تبنى القرار 1472 (2003) وكان ذلك بعد ثمانية أيام من بداية الغزو بينما كان العراق يُدمر جواً وبحراً وبراً. وافتقر القرار إلى أية إشارة إلى أي تهديد للسلام أو لوقوع عمل عدواني. وعلى الرغم من أن تحديد ما يشكل تهديداً للسلام قد يكون محل نقاش إلا أن تعريف العدوان ليس كذلك. فقدر عرّف كل من النظام الأساسي المعدل للمحكمة الجنائية الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة العدوان على أنه:
وآخذين بالحسبان أنه لما كان العدوان أفدح صور الاستعمال غير المشروع للقوة وأخطرها……
العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة، وفقا لنص هذا التعريف.
ونحن نشك في أن أي شخص لديه أدنى قدر من الفطرة السليمة سيختلف معنا في أن ما فعلته الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 2003 يندرج ضمن التعريف أعلاه. ولهذا كان تصرف الولايات المتحدة وحلفاؤها (المملكة المتحدة وبولندا وأستراليا ومن معهم) عملاً عدوانياً مخالفاً للقانون الدولي وقابلاً للمقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وإذا أراد أحد تقديم حجة لصالح الإجراءات الأمريكية على أساس أن الولايات المتحدة لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية أو نظام روما الأساس وهي بهذا لا تجد نفسها ملزمة بقراراتها التي تقوم تجريمها فإننا نرد بأن محكمة نورمبرغ أسست على أن العدوان هو أبشع جريمة ووصفها المدعي الأمريكي روبرت إتش جاكسون بقوله:
لذلك فإن شن حرب عدوانية ليس جريمة دولية فقط. إنها الجريمة الدولية الكبرى التي تختلف فقط عن جرائم الحرب الأخرى من حيث إنها تحتوي في حد ذاتها على الشر المتراكم كله .
ولكن على الرغم من وضوح حقيقة أن قرار مجلس الأمن رقم 1472 كان يتعامل مع عمل عدواني فقد أشار بدلاً من ذلك إلى الفصل 55 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب ودعا جميع الأطراف إلى احترام اتفاقيات جنيف والحفاظ على برنامج المساعدة. كما أبقى القرار على سلطة لجنة العقوبات سيئة السمعة. لكن المفارقة في القرار تأتي في التالي:
وإذ يؤكد مجدداً احترام حق شعب العراق في تقرير مصيره السياسي والسيطرة على موارده الطبيعية..
إن من الصعب رؤية كيف تمكن مجلس الأمن من التوفيق بين مثل هذا المبدأ وحقيقة أن العراق كان يتعرض للغزو في الوقت الذي تم فيه تبني القرار. قد يكون أحد التفسيرات هو أن مجلس الأمن كان يردد صدى الدعاية الأمريكية / البريطانية بأن غزوهم كان يهدف إلى إزالة طاغية وتنصيب نظام حكم الشعب ونحن نعلم الآن أنهم قد قاموا بالغزو جزئياً للاستيلاء على تلك الموارد ذاتها وحرمان الشعب من تقرير المصير من خلال فرض دستور كتبه الأجانب لمصلحتهم الخاصة .