صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” – 5 تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني ترجمة: د. طارق العاني

حكم اللواء قاسم

بينما كان نوري يعد العراقيين بأن داره آمنة كان عدد من الضباط العراقيين قد اجتمعوا وقرروا العمل من أجل تخليص البلاد من حكامها وإقامة عراق ثوري. كانت هذه النواة الصغيرة من الضباط الأحرار تتكون من رجال من خلفيات مختلفة. وبرز منها ضابطان رئيسان هما العميد عبد الكريم قاسم (1914-1963)1 والعقيد عبد السلام عارف (1921-1966)2. وقد جاء كلاهما من خلفيات متواضعة حيث كان قاسم صورة للنجاح العراقي المشرق متميزاً على كل مستوى التعليم والتدريب من المدرسة الابتدائية إلى كلية الأركان العسكرية. وتم اختيار قاسم من قبل الضباط الأحرار لرئاسة اجتماعهم حيث كان أعلاهم رتبة.

شنت حركة الضباط الأحرار بقيادة قاسم في صباح يوم 14 تموز/ يوليو 1958، وقبل ساعات قليلة فقط من موعد وصول الملك فيصل الثاني ومساعديه إلى تركيا في زيارة رسمية، انقلاباً أطاح بالنظام الملكي وقتل أفراد العائلة المالكة ورئيس الوزراء ونجله وعدد قليل من المسؤولين الآخرين3.

كانت في العراق كتلتان سياسيتان قويتان رئيستان الشيوعيون والقوميون العرب. وكانت هناك تجمعات سياسية أخرى مثل الديمقراطيين والإخوان المسلمين والمجموعات القومية العربية الأصغر خاصة الناصريين لكنها لم يكن لها تأثير يذكر بين عامة الناس. كان الحزب الشيوعي العراقي الأقدم والأفضل تنظيماً مستفيداً من خبرة الحركة الشيوعية الدولية وتمكن من حشد المزيد من الناس وراءه في الأشهر القليلة التالية لانقلاب تموز. وحيث إن معظم الأحزاب الشيوعية في العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين تم إلحاقها بموسكو فإنه لم يكن لديها سوى القليل من الحرية في السياسة أو القرار. كان خط موسكو بعد الحرب العالمية الثانية هو أنه يجب دعم أية حكومة تشكلها البرجوازية الطبقة الوسطى الوطنية وكان نظام قاسم يمثل هذه الحكومة واضطر الشيوعيون العراقيون إلى دعمها. وهكذا كان على الشيوعيين دعم النظام الذي اضطهدهم وسجن أعضاءهم وكان عليهم في اليوم الذي سقط فيه في 8 شباط/ فبراير 1963 أن يخرجوا إلى الشوارع ليقاتلوا من أجله.

أرادت موسكو التأكد من أن الحكومة العراقية الجديدة ستقيم روابط قوية مع الاتحاد السوفييتي وكان شعار الشيوعيين العراقيين منذ اليوم الأول هو الصداقة السوفيتية. وأراد القوميون العرب بقيادة البعثيين اتحاداً فورياً مع جمهورية مصر العربية وسوريا. ولم يكن الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة ولا الصداقة الوثيقة للغايةمع السوفييت لتناسب قاسم الذي أراد عراقاً مستقلاً قادراً على الثبات في وجه الضغوط. كان قاسم يؤمن بالقومية العراقية وبحث عنها في تاريخ العراق. وعندما اختار علماً جديداً للجمهورية فإنه اختار الشمس البابلية كرمز. كانت رؤيته تفتقر إلى العقيدة النظامية وتتعارض مع الحكمة السياسية الراسخة السائدة في العراق ولم يتم حتى فهم تلك الرؤية أو تقديرها من قبل الجماهير التي دعمته بصدق.

وكان قاسم عندما برز النزاع مع رفيقه في الانقلاب عبد السلام عارف، مدعوماً من قبل ضباطه القاسمين المؤمنين وجميع الضباط الشيوعيين في الجيش العراقي والقوات الجوية والذين كان عددهم كبيراً. وانحاز البعثيون وغيرهم من الضباط القوميين العرب إلى جانب عارف. وعزل عارف من منصبه كنائب لرئيس الوزراء وحكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم لاحقاً إلى السجن المؤبد ثم وضع تحت الإقامة الجبرية. وعنى هذا تعزيز موقف الضباط الشيوعيين والمتعاطفين معهم في جميع صنوف القوات المسلحة. وخشي القوميون العرب في القوات المسلحة وبعضهم من مؤسسي حركة الضباط الأحرار أن يتم تحويل العراق بعيداً عن المسار القومي العربي المفترض فقاموا في آذار/ مارس 1959 بتمرد مسلح في حامية الموصل بدعم من وحدات الجيش الأخرى في بقية العراق فأخمده قاسم بمساعدة الحزب الشيوعي وضباطه. ولم يكن أمام قاسم بديل سوى التوقيع على مذكرات الإعدام للمتمردين إذ كان ذلك سيعزز سلطته. وارتكب بهذا أكثر الجرائم الرئيسة التي لا تغتفر في أية لثورة ألا وهي قتل القائد لرفاقه. وتم في 20 أيلول/ سبتمبر 1959 إعدام حوالي عشرين ضابطاً عراقياً كان من بينهم مؤسس أول خلية للضباط الأحرار: رفعت الحاج سري. وأعادت عمليات الإعدام ذكرى أحكام الإعدام الصادرة بحق ضباط المتمردين الأربعة في 6 كانون الثاني/ يناير 1942 4 وإعدام الحكم الملكي لهؤلاء الضباط الأربعة وقائد مدني واحد 5. أحدث إعدام قاسم للضباط الذين كان بعضهم يحظى باحترام كبير ضرراً لا يمكن إصلاحه.

أشار قاسم في خطاب كبير افتتح فيه كنيسة مسيحية في بغداد في 19 تموز/ يوليو 1959 إلى الشيوعيين العراقيين على أنهم فوضويون وتبع ذلك في مؤتمر صحفي في 29 تموز/ يوليو دعا فيه الشيوعيين إلى التوقف عن نشر الشائعات الخبيثة حول مؤامرة رجعية وشيكة ضد النظام6.

كان أعظم إرث لقاسم هو إصدار القانون رقم 80 لعام (1961)7. ويمكن تلخيص القانون في أن 99٪ من العراق الذي يمتلك احتياطيات نفطية ضخمة معروفة قد عاد إلى أيدي العراقيين 8. وهذا ملخص قصير:

قصة النفط

 على الرغم من أن العراق هو واحد من أغنى المناطق في العالم في الهيدروكربونات فإن نفط العراق هو سبب واحد ولكنه ليس الأهم وراء مهاجمته وغزوه واحتلاله مرتين خلال قرن واحد.

منح العثمانيون في حزيران/ يونيو 1914 لشركة النفط التركية المملوكة لبريطانيا (TPC) امتيازات التنقيب في ولاية الموصل من خلال خطاب نوايا. وأعاد اتفاق سان ريمو للنفط لعام 1920 ترتيب المساهمة في شركة (TPC) التي قسمت حقوق النفط العراقي إلى 70٪ لبريطانيا و25٪ لفرنسا و5٪ للسيد غولبنكيان الأرمني الذي عمل وسيطاً لصفقة الامتياز. وأصبحت (TPC) في عام 1929 شركة نفط العراق (IPC). وعمل الاستكبار الأمريكي الذي بدأ يتشكل كقوة بعد الحرب العالمية الأولى طاقته لاستغلال نفط العراق. وتمت بحلول عام 1928 إعادة ترتيب أسهم (IPC) مرة أخرى بحيث سيطرت بريطانيا على 47.5٪ وفرنسا على 23.75٪ والولايات المتحدة على 23.75٪ واحتفظ غولبنكيان بنسبة 5٪. ومنحت الحكومة العراقية شركة (IPC) عام 1931 امتيازاً لمدة 75 سنة.

لم تتوقف المشكلة عند اغتصاب ثروة العراق في توزيع الأسهم وحدها بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في تسعير النفط. ويرجع ذلك إلى أن نمط العلاقات بين العراق وكذلك الدول الأخرى المنتجة للنفط وشركات النفط التي تستغل الموارد النفطية كانت تنظمها اتفاقيات الامتياز. وقد حصلت شركات النفط المملوكة للأجانب وفقاً لأحكام الامتياز على حق حصري في تطوير النفط العراقي وتصديره وكانت الجهة الوحيدة المحددة لمستوى إنتاج النفط وتصديره ومن حقها تحديد سعر النفط. أي أنه باختصار لم يكن لدى الحكومة أية مساهمة في تطوير أو تسعير ما أصبح أهم سلعة في الاقتصاد الوطني بل كان دورها سلبياً وأصبحت متلقية لمبلغ ثابت لكل وحدة تصدير.

لم يكن من المقرر إلى جانب ذلك أن يتم تشغيل شركة النفط العراقية (IPC) كشركة مستقلة لتحقيق الربح. فقد كانت في الأساس اتحاداً احتكارياً لإنتاج وتقاسم النفط الخام بين شركات النفط الفردية التي تمتلكه. وقامت على هذا النحو كل شركة بسحب ونقل وتسويق حصتها المؤسسية من الخام المنتج. ولا شك أن هذا الترتيب كان مثيراً للجدل وفتح الباب فعلاً أمام التلاعب بتسعير النفط الخام ونقله وتسويقه الأمر الذي كان سيؤدي إلى ضعف في دفع العوائد إلى خزائن الدولة المضيفة.

خلق تأميم إيران للنفط في عام 1951 على الرغم من فشله لأحقاً مناخاً فرض مفاوضات جديدة بين شركات النفط والمنتجين لتقاسم الأرباح والتي بلغت ذروتها في اتفاقية عام 1952. وحيث إن شركات النفط وحدها كانت لديها القدرة على إصلاح أسعار النفط فقد بدأوا سلسلة من التخفيضات في الأسعار. كانت حركة خفض الأسعار هذه سبباً رئيساً في قيام البلدان المنتجة للنفط بإنشاء منظمة البلدان المنتجة للنفط (أوبك) التي ناضلت لسنوات عديدة من أجل استقرار أسعار النفط. لكن ذلك كان عبثاً حيث تجاهلت شركات النفط دعواتها لإعادة أسعار النفط إلى مستوياتها في 1960.

تباطأ التنقيب عن النفط في العراق بعد حفر البئر الأول في كركوك عام 1927 خلال الحرب العالمية الثانية لكنه استؤنف بعد انتهائه بوقت قصير. واكتشفت (IPC) العديد من حقول النفط الكبيرة بين عامي 1948 و1954 من بينها الحقول العملاقة في غرب القرنة والرميلة ومجنون. وقد منحت اتفاقية الامتياز غير العادلة شركات النفط الإذن بالاستكشاف في أي مكان في العراق لمدة 75 عاماً دون أن يكون للعراق أي رأي في الأمر أو أن يكون له الحق في ترتيب إعادة الشراء. وخلقت هذه الحقائق شعوراً بالاستياء بين العراقيين عموماً في الحكومة والمواطنين. ولهذا تلقى اللواء قاسم دعماً كاملاً بما في ذلك من أعدائه السياسيين عندما أصدر في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1961 القانون رقم 80 الذي حرم شركة (IPC) من حوالي 99.5 ٪ من امتيازها وهي الأراضي العراقية التي لم يتم استكشافها حتى ذلك التأريخ.

تم في عام 1964 تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية (INOC) لتطوير جميع احتياطيات النفط العراقي. وواصلت شركة النفط الوطنية العراقية (INOC) الدخول في العديد من اتفاقيات الخدمة مع شركات النفط السوفيتية والفرنسية واليابانية والإيطالية والبرازيلية التي استكشفت النفط في العراق تحت سيطرة شركة النفط الوطنية العراقية. وكان النفط بمجرد اكتشافه يتم تسليمه لشركة النفط الوطنية العراقية ويتم بيع النفط المنتج لهذه الشركات بخصم متفق عليه. وقد أثبت نجاح شركة النفط الوطنية العراقية (INOC) من خلال قدرتها على رفع الطاقة الإنتاجية للعراق من 1.5 مليون برميل يومياً في عام 1968 إلى 3.5 مليون برميل يومياً في عام 1979. وبحلول عام 1979 كان العراقيون ينتجون نفط العراق بالكامل تحت سيطرة شركة النفط الوطنية العراقية.

ليس من الصعب أن نرى كيف استنتج الاستكباريون أنهم وصلوا إلى طريق مسدود مع قاسم. فقد كانت من أولى علامات التخلي عن قاسم التحريض الاستكباري ودعم التمرد العسكري للأكراد في شمال العراق. عاد الزعيم الكردي مصطفى البارزاني من المنفى في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1958 بدعوة من قاسم واستقبل استقبال الأبطال. ولم يعد الأكراد قادرين، تحت حكم قاسم، مثلما كانوا تحت حكم نوري قبله أن يجادلوا بأنهم مضطهدون. لكنه في 21 أيلول/ سبتمبر 1961 أعلن مصطفى البرزاني انتفاضة مسلحة ضد بغداد تلا ذلك قتال متقطع بين المتمردين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد واستمر عبر حكم قاسم وما بعده 9.

في صباح يوم 8 شباط/ فبراير 1963 تقدمت بعض الدبابات إلى مكتب قاسم الرئيس في وزارة الدفاع بجانب البوابة الوسطى لبغداد القديمة وطار عدد قليل من طائرات (ميغ) في الجو لمهاجمة الوزارة. تم اغتيال كبار القادة في منازلهم في ما كان خطة دبرت بذكاء بقيادة البعثيين بشكل أساس وبدعم من القوميين العرب والإسلاميين في الجيش العراقي. حارب قاسم وجنوده المؤمنين بشجاعة لكن ذلك كان مصيره الفشل في غياب أية مساعدة من أية وحدة أخرى خارج الوزارة. وألقي القبض على قاسم في 9 شباط/ فبراير 1963 مع عدد قليل من ضباطه الأكثر ولاءً في قاعة الاحتفالات بجوار الوزارة وتمت محاكمته وإعدامه بإجراءات مختصرة. لم تكن أحداث 14 رمضان (8 شباط) في الواقع مجرد عمل عسكري من قبل ضباط الجيش بل كانت ثورة شارك فيها حزب البعث المدني وحلفاؤه. ولولا العمل المدني في القضاء على بعض الشخصيات البارزة في الجيش العراقي والقوات الجوية ربما لم تكن العملية سوف تنجح.

أصدر الحزب الشيوعي العراقي منذ الساعة الأولى للعمل العسكري بياناً دعا فيه الشعب العراقي إلى مقاومة الثورة. وخرجوا إلى الشوارع بقيادة شخصية من سلام عادل الأمين العام للمكتب السياسي. وتبع ذلك اضطهاد دموي بالقتل والتعذيب والسجن على نطاق لم يشهده العراق من قبل. جادل المؤرخون، وسيستمرون بلا شك في الجدال، حول ما إذا كان مصيراً أقل دموية سيصيب الشيوعيين لو لم يقاوموا ثورة البعث عام 1963.

حكم الأخوين عارف

مر حزب البعث في العراق بعد محاولة الاغتيال الفاشلة لقاسم في عام 1959 بمرحلة إعادة ترتيب تم فيها تنصيب قيادة جديدة من قبل القيادة القومية للحزب. كان الأمين العام الجديد الذي محل فؤاد الركابي هو علي صالح السعدي والذي على الرغم من كونه شخصية جذابة كان يفتقر إلى مهارات الأمين السابق فؤاد الركابي التنظيمية والقدرة على فرض السلطة 10. وما أن تعامل البعثيون مع الشيوعيين حتى بدأوا يتآمرون ضد بعضهم البعض 11.

جادل البعض منذ ذلك الحين عند موازنة عارف بقاسم انه في حين أن قاسم أعفى عارف من حكم الإعدام عندما أدين بمحاولة اغتياله فإن عارف إما طالب بإعدام قاسم في 9 شباط/ فبراير 1963 أو إنه لم يفعل شيئاً لوقف الإعدام عندما كان رئيساً ولديه السلطة للقيام بذلك. على الرغم من إعلان عارف في تموز/ يوليو 1958 أنه يريد اتحاداً فورياً مع ناصر في مصر إلا أنه لم يكن متحمساً جداً لهذا الاتحاد عندما أصبح رئيساً للعراق في عام 1963. وبدا أنه صار يمتلك رؤيته الخاصة بشأن دوره في التاريخ واعتقد بسذاجة أنه كان يمكن أن يكون منافساً أو خلفاً لعبد الناصر. لقد كانت سيطرته على العراق بسبب الوضع السياسي السائد وليس بسبب مهاراته السياسية الخاصة. كان البعث قد انهار12 وكان الشيوعيون في حالة من الفوضى بحيث يمكن اعتبارهم غير موجودين.

كان عارف بحاجة إلى دعم القوميين العرب الآخرين بعد عزل البعثيين من السلطة. لكنه سرعان ما واجه مؤامرة ضده من قبل عدد من الضباط الناصريين أثناء زيارته لمصر لكن المحاولة فشلت على الفور وهرب قادتها إلى مصر 13. تميزت فترة حكم عارف بسمتين رئيستين جديرتين بالملاحظة. أولاهما هي أن عارف قلد ناصر بإدخال شكل من أشكال الاشتراكية ومنحها الاسم الغريب الاشتراكية الرشيدة لإبعاد نفسه عن الاشتراكية الشيوعية ولتجنب الانتقادات، وهو مصطلح يمكن أن ينسب إلى المفكر البلجيكي هيبولايت كولينز14. وثانيتهما ولعلها الأهم هي أن حكم عارف شهد تصاعد المعارك في الشمال بين الجيش العراقي والتمرد الكردي التي بدأها مصطفى البارزاني في أيلول/ سبتمبر 1961. ويمكن أن يعزى تصعيد القتال جزئياً إلى محاولة البارزاني الاستفادة من الفوضى في المعسكر القومي العربي في بغداد وجزئياً لتعصب عارف القومي وكرهه للأكراد.

قتل عبد السلام عارف في 13 نيسان/ أبريل 1966 مع عدد من وزرائه في تحطم طائرة سمتية أثناء زيارته للبصرة وما يزال موته لغزاً. تسببت وفاة عارف المفاجئة في خلق فراغ سياسي سعى العديد من الضباط من حوله إلى استغلاله لصالحهم. ومرت ساعات متوترة قبل أن تسود الحكمة حيث تم اختيار شقيقه عبد الرحمن عارف رئيساً جديداً ليؤسس حقبة رئاسة عارف الثانية. ولكي نكون منصفين فإن عبد الرحمن لم يتم اختياره لكونه شقيق عبد السلام. فقد كان عبد الرحمن من أوائل أعضاء نواة الضباط الأحرار في الجيش العراقي قبل انقلاب تموز/ يوليو 1958. وكان ضابطاً محترماً في الجيش وخدم تحت قاسم على الرغم من خلاف شقيقه مع الأخير. كان قومياً عربياً أكثر حكمة من أخيه السابق وكان العديد من القوميين العرب بمن فيهم البعثيون قادرين على التعامل معه. وكان مقبولاً لدى فلول الحزب الشيوعي لأنه لم يكن متورطاً بشكل مباشر في اضطهادهم. وكان عصره حقبة حقيقية لم يشهدها العراق منذ فترة. أعيد معظم الشيوعيين الذين فقدوا وظائفهم في الحكومة وتم إطلاق سراح العديد من المعتقلين السياسيين وكان الناس يناقشون علانية القضايا السياسية ويشهرون معارضتهم.

عندما بدأت هذه الحرية تتغلغل في المجتمع العراقي بدأت الأحزاب السياسية في إعادة تنظيم نفسها. إلا أن مثل هذا التوجه كان مدعاة تخوف للاستكباريين في واشنطن ولندن. إن عراقاً حراً قد ينتج دولة قومية حقيقية سيكون نموذجاً معادياً لمخططات الاستكباريين له ولجيرانه. وإن عراقاً حراً مستقراً يسود فيه حكم الشعب سيؤكد نفسه في كل مجال وهذا يتعارض مع المصالح الاستكبارية.

بدأت الولايات المتحدة في البحث عن بعض الحلول لمنع احتمال ولادة عراق حر. وتمكنوا من خلال الجامعي العراقي الموثوق به الدكتور ناصر الحاني من إقامة اتصالات مع بعض الضباط الطموحين حول عارف. وبما أن المال لا يمثل مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة 15 فقد تمكنوا من تمويل الانقلاب ومكافأة هؤلاء الضباط الشباب بوعدهم بمناصب عالية في الحكومة الجديدة شريطة أن يكونوا مطيعين16. فقد قال عبد الرحمن عارف لحنا بطاطو إنه يعرف أنه تم شراء عبد الرزاق النايف من قبل شركات النفط عبر المملكة العربية السعودية ووساطة بشير الطالب الملحق العسكري في بيروت وناصر الحاني سفير العراق في لبنان17 .

انضم البعث إلى المؤامرة ضد عارف وبعد أسبوعين فقط من انقلاب 17 تموز/ يوليو 1968 أطاح البعث بالمتآمرين معه وشكل الحزب حكومة جديدة تتكون فقط من البعثيين. وظل أحمد حسن البكر رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس قيادة الثورة وأضاف إليهما منصب رئيس الوزراء وأصبح صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. وحدد الانقلاب الأصغر في 30 تموز/ يوليو 1968 المجيء الثاني للبعث الذي استمر حتى تمت إزالته في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في آذار/ مارس 2003.

وللحديث صلة….

1 Abdel Karim Qasim, <http://en.wikipedia.org/wiki/Abdul_Karim_Qassim>

2 Salam Arif, http://en.wikipedia.org/wiki/Abdul_Salam_Aref

3 للمزيد عن تسلسل الأحداث راجع: عبد الحق العاني، محاكمة صدام حسين – غزو العراق وبداية الربيع الصهيوني للعرب، دار أمجد للتوزيع، عمان، ص 59-62

4 http://en.wikipedia.org/wiki/Golden_Square_%28Iraq%29

5 تم إعدام يونس السبعاوي والعقيد فهمي سعيد والعقيد محمود سلمان في 5 أيار/ مايو 1942. وتم إعدام العقيد كمال شبيب في 17 آب/ أغسطس 1944 وأعدم العقيد صلاح الدين الصباغ في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1945.

6 راجع: تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه 3، جاسم المطير، الحوار المتمدن، 22 تموز 2008

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=141599

7 عبد الحق العاني، محاكمة صدام حسين – غزو العراق وبداية الربيع الصهيوني للعرب، دار أمجد للتوزيع، عمان، ص 63

8 راجع: Al-Saadi, Sabri Zire, ‘Liberalization Strategy For Iraq›s Oil-Hostage Economy: Alternative To Oil Power Dominance and Neo-Liberal Subordinate Economic Policy (Part 1/2)’, Note 7, Middle East Economic Survey, VOL. XLIX, No 42, 16-Oct-2006. <http://www.mees.com/postedarticles/oped/v49n42-5OD01.htm>

9 Barzani Revolts 1960–1975 and their aftermath.http://en.wikipedia.org/wiki/Iraqi_Kurdistan

10 عبد الحق العاني، محاكمة صدام حسين، ص 62-63

11 المصدر السابق، ص 63-64

12 المصدر السابق، ص 65-67

13 جرت محاولة عارف عبد الرزاق الانقلابية يوم 14 أيلول/ سبتمبر 1965

14 38 يعتقد المؤمنون بـ الاشتراكية الرشيدة” أن الاشتراكية أمر لا مفر منه ليس بسبب لأنها عملية تاريخية ولكن لأن الناس سيأتون في نهاية المطاف إلى إدراك أن الاشتراكية هي نظام أفضل وأكثر عدالة. لقد شعروا أن العقلاء سيدركون ببساطة أن الاشتراكية يمكن أن تقدم أكبر قدر من الحرية والرضا الشخصيين.

http://www.ashbytechnicalwriting.com/battle/battle6.html

15 من الضروري الانتباه إلى أنه في وقت كتابة هذا الفصل كانت الكلفة المباشرة للحرب الامريكية على العراق قد تجاوزت الخمسمائة مليار دولار!

16 نوقشت هذه الأمور في كتاب عبد الحق العاني، محاكمة صدام حسين، ص 69-71

17 Batatu, Hanna, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq, Princeton University Press, New Jersey, 1988, p. 1074.

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image