إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: حيث إن الموضوع الأساس لهذه الدورة
ولا تقل: حيث أن الثيمة الأساسية لهذه الدورة
كتب لي صديقي الشاعر: إن “من المضحك المبكي ان اساتذة جامعيين يستعملون كلمة “ثيمة” بدل الموضوع وهي رسم وصوت عربي للكلمة الانجليزية الفرنسية theme.”
وهذه ليست المرة الأولى التي نجد فيها العربية تعاني من جهل المهنيين من العرب بها. ولست أدعو المهنيين ألا يعربوا المصطلح والكلمة الأعجمية فقد يكون أهل الصنعة أدرى بمفرداتها من غيرهم. لكن شرط هذا أن يلم المعرب بلغته فإن لم يفعل فإنه لن يكون أميناً عليها.
وقد أكثر عدد من العماريين العرب استعمال كلمة “ثيمة” نقلاً عن الإستعمال الإنكليزي/الفرنسي/اللاتيني. وحين سألت أحدهم عن سبب استعمال كلمة “تيمة” وليس كلمة عربية مثل “موضوع” رد بأنها لا تعني ذلك لكني حين سألته ما الذي تعنيه “ثيمة” إذن لم يتمكن من شرحها. فإذا كان من يستعمل الكلمة لا يعرف ما تعنيه فكيف للمتلقي أن يفهم ما يريده؟
وهي مشتقة من اللاتينيية “ثيم” والتي جاءت بدورها من الإغريقية واستعملت في اللغتين لتعني (أطروحة أو موضوعاً أو مقترحاً في بحث أو حوار). ثم توسع المعنى لتستعمل اليوم كي تعبر عن الموضوع الرئيس لقطعة موسيقية أو عن الفكرة الجامعة لعمل أدبي أو فني. فاذا كانت اللغات الأوربية أخذت كلمة “ثيم” من اللاتينيية ثم استعملتها عدة استعمالات في البحث والأدب والفن والموسيقى فلماذا سيكون عسيراً على المعمار أو الأديب العربي أن يستعمل كلمة “موضوع” ليعبر عن هذه الإستعمالات في العربية دون أن يكلف المتلقي العربي من الحاجة للبحث عن معنى للكلمة اللاتينيية الدخيلة؟
فاذا رد المتحذلق بان كلمة “الموضوع” لا تعني تماماً ما يريده فإن الإجابة على ذلك هو أن كلمة “ثيم” حين استعملت الإستعمال الفني أو الأدبي في الإنكليزية لم تكن بدورها تعني كثيراً أول مرة. وهذا حال كل اشتقاق أو استعمال جديد في أية لغة.
ولم يكتف معد الخبر الذي أخذنا منه الجملة ” حيث أن الثيمة الأساسية لهذه الدورة” بخطأ واحد بل كشفت الجملة كما في بقية الخبر جهلاً مخزيا ً بالعربية. من ذلك أنه لا يؤتى بعد “حيث” إلا بـ “إن” وليس “أن”. كما انه لا يمكن النسبة في “الأساس” كما لا يمكن النسبة في “الأبيض”، فلو أجزنا اقتباس كلمة “ثيمة” أو “تيمة” لوجب أن تكون الجملة “حيث إن الثيمة الأساس لهذه الدورة” كي تستقيم الجملة ولو قليلاً.
ولعل الأدهى من كل ذلك هو أن كلمة “تيمة” لها استعمال عربي قبل أن يشوهها المتحذلقون في الإستعمال الجديد. فلو كلف أحدهم نفسه عشر دقائق من البحث لوجد “تيمة” تعني كما جاء في القاموس: “والتيمَةُ، بالكسر ويُهْمَزُ: الشاةُ تُذَبُح في المجاعَةِ، والشاةُ الزائدةُ على الأربعينَ حتى تَبْلُغَ الفَريضةَ الأُخْرى، والتي تَحْلُبُها في المنْزِلِ ولَيْسَتْ بسائمَةٍ.”
فأين هذا المعنى مما يريده المعمار المتحذلق؟ أم أنه يا ترى يريد من القارئ أو المستمع العربي الذي يعرف لغته أن يفهم أن المتحذلق حين يستعمل كلمة “ثيمة” فانه يريد بها موضوعاً فريداً وليس الشاة المذبوحة كما عرفتها العرب!
قل: داريت الرجل (إذا لاينته)
ولا تقل: دارأت الرجل (بهذا المعنى)
ونأخذ مما كتب ثعلب في باب ما يهمز من الفعل ما يلي: “دارأت الرجلً إذا دافعته وقد تدارأ الرجلان إذا تدافعا، وداريته إذا لاينته من المداراة وختلته. وبارأ الرجل شريكه وامرأته مبارأة فهو يبارئهما إذا فارقهما، وقد بارى الريحَ جوداً فهو يباريها مباراة دون همز، وكذلك يباري جيرانه إذا عارضهم بفعله. وعبّاتُ المتاعَ والطيب أعبِّؤه عبئاً وعَبَّيتُ الجيش تعبية، كذلك حكي عن يونس والأصمعي، وقال ابن الأعرابي وأبو زيد: كلاهما مهموز. ونكأت القرحة أنكؤُها، ونكيت في العدو أنكي نكاية غير مهموز. ودفؤَ يومنا فهو دفيء، ودفئ الرجل فهو دفآن وامرأة دفأى. ورفأت الثوب أرفؤُه. وقد وبِئَتَ الأرض تَوْبأ وبْئاً فهي وبِئَة وإن شئت قلت مَوبُوءَة. وتقول: إذا ناوأت الرجالَ فاصبر أي عاديت (الرجال)، وهي المناوأةُ وحكي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قال: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله، أي ما عاونت.
قل: قَدِمَ من سفر
ولا تقل: قَدُمُ من سفر
ونأخذ مما جاء في كتاب فائت صحيح ثعلب في “باب فَعِلتُ وفَعُلتُ باختلاف معنى” ما يلي: “سَفِهَ رأيَهُ يَسْفهُ، وسَفُه: صار سفيهاً، وفَقِه: فهم، وفَقُه: صار فقيهاً وساد الفقهاء، وبَعِدَ يَبعَد: هَلَكَ، وبَعُدَ: من البعد والقرب، وقَدِمَ من سفرٍ، وقَدُم الأمر: طال عهده، وعَلِمَ يعلمُ بعد جهلٍ، وعَلُمَ: ساد العلماء.”
قل: في لسانه ظَرْفٌ
ولا تقل: في لسانه حَلاوَةٌ
وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “تقول فلان ظريفٌ اذا كان حسنَ المنطق والجسم، وليس الظرفُ في حسن اللباسِ فالظرفُ في اللسانِ، والحلاوة في العينِ، والملاحة في الفمِ، والجمال في الأنفِ.”
قل: وجدت الشيء المجهول والرقم المجهول فجد ذينك المجهولين
ولا تقل: فأوجد ذينك المجهولين
كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن العثور على الشيء المجهول والوقوف عليه يرادفان وجوده وجدته ووجده ووجدانه، وهي مصادر متقاربة المعاني مختلفة بعض الإختلاف في المباني، لإفادة فروق طفيفة بين تلك المعاني، وكلها مصادر للفعل “وجده” الثلاثي تقول “وجدته تجده جده” كما تقول “وعدته تعده عده، ولدته تلده لده، وردته ترده رده، وصلته تصله صله، وكلته تكله كله” وهلم جرا في كل مثال واوي على وزن “فَعَلَ يَفعِل” متعدياً كان كما مثلت أو لازماً كـ “وفدت تفِد فد، وغلت تغِل غل، ورشت ترِش رش”.
أمّا “أوجد الشيء” فمعناه خلقه وأظهره من العدم الى الوجود، يقال “أوجد الله الشيء يوجده إيجاداً وأوجده يا ربنا لمنفعتنا” ويجوز أن يستعمل الإيجاد للإختراع والإبتداع فيقال: أوجد فلان نور الكهرباء واوجد غيره التلفزيون وأوجد يا فلان شيئاً يخلد ذكرك في المخترعين، ويديم الثناء عليك بين المبدعين.”
قل: ركب سيارة
ولا تقل: إستقلّ سيارة
وكتب مصطفى جواد: “وذلك لأنه بمعنى حملها فيصير الحامل محمولاً والناقل منقولاً. جاء في لسان العرب: “أقلَ الشيء يُقلَه واستقلّه يستقله إذا رفعه وحمله… وأقلّ الشيء واستقله: حمله ورفعه”. وأحسن استعمال لأستقلّ أن يقال “استقل فلان في طائرة وركب سيارة”.
قل: فقأت عينه
ولا تقل: فقعت عينه
وكتب الضبي في باب ما تتكلم به العرب بالهمز، والعامّة تبدل الهمزة بحرف ليس من جنسه، فقأتُ عينَهُ. والعامّة تقول: فَقَعْتُ.
قل: هذا كتاب البُداءة
ولا تقل: هذا كتاب البداية
كتب المقدسي: من ذلك قولهم: ( البِدايةُ ) باليمنى. وصوابه : البُداءة، بضم الباء، والهمز. لأنه من بدأت، فلامه همزة. وعن الأصمعي في مصدر بدأ: بُدْءاً وبُدْأَةً وبَدْأَةً. وزاد أبو زيد: بُدّاءة، على وزن تُفّاحة. وعن أبي زيد أيضاً: بُدَاءة ، على وزن قُلاَمة .
كتب الحنفي: ويقولون: للكتاب المعروف بداية، بياء آخر الحروف بعد الألف. ولم يذكره الجوهري وصاحب القاموس في مصادر بدأ، وإنما هو بالهمزة في القاموس: ولك البَدْءُ والبَدْأَةُ والبَداءَةُ ويُضَمّانِ.
قل: كَسِلتُ عن عمل الشيء في موعده (إذا كنت تستطيعه)
ولا تقل: عَجَزت عن عمل الشيء في موعده
كتب الزبيدي: “يقولون عَجَزت عن الشيء وإن كان يستطيعه والصواب في هذا: كَسِلْتُ عنه.
وحُدِّثت أن بعض الصُّناع بمكة وَعَدَ رجُلاً من أهل العلم بصناعَةِ شيء من عمله وحدَدَ له وقتاً، فأتاه للوقت، فلم يجد ذلك الشيءَ كاملاً، فقال له أعَجَزتَ عن عمل كذا؟ قال: لم أعجَزْ ولكني كَسِلتُ، قال فتَصَاغَرَتْ إليّ نفسي أن يكون الصانع أعلمَ بمواقع الكلام مني.”
قل: هو رجل سأل كثير السؤال
ولا تقل: هو رجل سائل كثير السؤال
كتب الحريري: “ويقولون لمن يكثر السؤال من الرجال: سائل ومن النساء سائلة، والصواب أن يقال لهما سأل وسألة ، كما أنشد بعضهم في الخمر:
سألة للفتى ما ليس في يده ** ذهابه بعقول القوم والمال
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ** حتى تفرق ترب الأرض أوصالي
يعني: أقسمت بالله لا أسقيها، فأضمر لا كما أضمرت في قوله تعالى: “تالله تفتأ تذكر يوسف” أي لا تفتأ.
وأكثر ما تضمر في الأقسام كما قالت الخنساء:
فآليت آسى على هالك ** وأسأل نائحة مالها
أي لا آسى ولا أسأل.
وقد تضمر في غير القسم كقول الراجز لابنه:
أوصيك أن يحمدك الأقارب ** ويرجع المسكين وهو خائب
أي ولا يرجع. وكما أنهم أضمروا لا فقد استعملوها زائدة على وجه الفصاحة وتحسين الكلام، كما قال سبحانه: “ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك“، والمراد به: ما منعك أن تسجد بدليل قوله تعالى في السورة الأخرى:
“ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي”، ومنه قول الراجز:
وما ألوم البيض ألا تسخرا ** إذا رأين الشمط المنورا
أي لا ألوم البيض أن تسخر إذا رأين الشيب.
والأصل في مباني الأفاعيل ملاحظة حفظ المعاني التي تتميز باختلاف صيغ الأمثلة فبني مثال من فعل الشيء مرة على فاعل، نحو قاتل وفاتك، وبني مثال من كرر الفعل على فعال مثل قتال وفتاك، وبني مثال من بالغ في الفعل، وكان قويا عليه على فعول، مثل صبور وشكور، وبني مثال من اعتاد الفعل على مفعال، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكرا ونوبة أنثى وبني مثال من كان آلة للفعل وعدة له، على مفعل نحو محرب ومرجم.
وحكى ابن الأعرابي قال: دفع رجل رجلا من العرب فقال المدفوع: لتجدني ذا منكب مزحم وركن مدعم ورأس مصدم ولسان مرجم ووطء ميثم ، أي مكسر.
وسئل بعض أهل اللغة عن قوله تعالى: “وما ربك بظلام للعبيد”، لم ورد على وزن فعال الذي صيغ للتكثير وهو سبحانه منزه عن الظلم اليسير فأجاب عن : إن أقل القليل من الظلم لو ورد منه وقد جل سبحانه عنه لكان كثيرا لاستغنائه عن فعله وتنزهه عن قبحه، ولهذا يقال: زلة العالم كبيرة، وإلى هذا أشار المخزومي الشاعر في قوله:
العيب في الجاهل المغمور مغمور ** وعيب ذي الشرف المذكور مذكور
كفوفة الظفر تخفى من حقارتها ** ومثلها في سواد العين مشهور”
قل: هم قوم غرباء
ولا تقل: هم قوم أغراب
وكتب اليازجي: “ويقولونهم قوم أغراب يريدون جمع غريب وهذا الجمع غير مسموع في هذا الحرف والصواب غرباء لأن جمع فعيل على أفعال من الجموع السماعية فلا يتعدى المنقول عنهم.”
قل: إقترض منه قرضاً
ولا تقل: إستلف من سلفة
وكتب اليازجي: “ويقولون إستلف منه سلفة بالضم أي إقترض قرضاً وهي من الألفاظ عند عامة مصر ولم يرد استلف في شيء من اللغة إنما يقال استسلف منه مالا وتسلف والإسم السلف بفتحتين وهو القرض بلا منفعة. وأما السلفة فلم تات بهذا المعنى”.
قل: قذف البركان بحُمَمِهُ
ولا تقل: قذف البركان بحِمَمِهُ
وكتب عبد الهادي بوطالب: “يقع الخطأ في ضبط هذه الكلمة عند الحديث عن ثورة البُرْكان وقذْفِه بحُمَمه، فيُنطق بالحاء مفتوحة أو مكسورة والصواب ضمها.
والبُرْكان كلمة معرَّبة مأخوذة من لفظة (Volcan) ويُطلق عليه أيضا جبل النار. وله فوهة تخرج منها مواد متفجرة من بطن الأرض، قد تكون رمادا أو فحما أو مواداً ملتهبة أو غازات أو بخارا.
وعلى هذه المواد يطلق لفظ حُمَم. ومفرده حُمَمَة (بضم الحاء وفتح الميمين).
وجمع الحاء مع الميمين في كلمة واحدة يدل في الغالب على ما فيه حرارة كالحُمَّى والحمَّام والحَمَّة حيث تكون مياهها المعدنية حارة أي ساخنة. وورد لفظ حميم بمعنى ساخن في قوله تعالى :” لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما”.
والفعل هو حَمَّ يَحُمُّ حمَّا الماءَ إذا سخَّنه. واطراد معنى مشترك في المشتقات ذات الأسرة اللغوية الواحدة تختص به اللغة العربية بين اللغات.”
قل: انتظر نُضْجَ الفاكهة
ولا تقل: انتظر نُضُوجَ الفاكهة
كتب خالد العبري: من المصادر التي شاعت في عصرنا، حتى ظن الناس أنها خرجت عن قياس “نُضُوج” مصدراً لـ “نَضَجَ”. وقد غرت بعض كبار الشعراء فاستعملها، يقول أحمد شوقي في وصف طبيب (من الكامل):
لو أتَتْ قبل نُضُوج الطب ما وَجَد التنويم عَوناً فأستعانا
ولم يرد عن العرب أنها استعملت “نُضَوجاً” في شعر أو نثر والصواب أن مصدر “نَضَج”: نُضْجٌ، أو نَضْجٌ، فمن المعروف أن المصدر القياسي لـ “فَعِلَ” – مكسور العين – “فَعَلٌ” كـ : فَرَحٍ و شَلَلٍ.
وقد يجيء مصدره على “فُعْلٍ” كما هو الحال في: نُضْجٍ و بُخْلٍ و حُزْنٍ و سُقمٍ، وقد تُحرك هذه فيقال: بَخَلٌ و حَزَنٌ و سَقَمٌ.
وأما إن دل “فَعِلَ” على معالجة (ويقصد بها محاولة حسية للتغلب على صعوبة ما) وكان الوصف منه على فاعلٍ فإن مصدره يأتي على “فُعُولٍ” كـ “لُصُوقٍ” و “صُعُود” ولا تكون “نَضجَ” من هذا الباب ليخرج منها “نُضُوج” فالنُضْجُ” ليس محاولة حسية للتغلب على صعوبة ما، بل هو عملية يمر بها الثمر ليكون صالحاً للأكل.
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
16 آب 2016
جراك الله خيرًا.