الجزء العشرون — الإبادة في غزو العراق واحتلاله

ورثت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ رحيل بريمر الجيش العراقي الجديد المفترض الذي أنشأته ودربته سلطة التحالف المؤقتة. إلا أنه، بعد أحد عشر عاماً ومع إنفاق عشرات المليارات من الدولارات عليه لم يتطلب الأمر سوى خمسمائة من الأصوليين الإسلاميين في عام 2014 لهزيمة ثلاث فرق من فرقهم في الموصل مما أدى إلى انهيار كامل للجيش العراقي. وظهر مؤخراً  دليل آخر على فشل خطة الولايات المتحدة لبناء جيش عراقي عندما أعلنت الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2014 أنها تخطط لتسليح رجال العشائر السنية في العراق للمساعدة في محاربة داعش. ونصت الوثيقة التي أعدها البنتاغون للكونغرس على أن “المشاركة من القبائل السنية أمر بالغ الأهمية لهزيمة داعش على المدى الطويل. وإذا لم يتلق هؤلاء المقاتلون الدعم الذي يحتاجون إليه لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية بالتزامن مع التواصل القبلي التابع لحكومة العراق فلن يكونوا فعالين في محاربة داعش في مناطقهم “. كيف يمكن بناء أمة موحدة عندما يكتشف المحتلون بعد أحد عشر عاماً من الاحتلال أن السبيل الوحيد لبقاء الدولة هو تسليح قبائلها على أسس طائفية؟

 

سيكون من الطبيعي التشكيك في صدق رامسفيلد نيته لتشكيل جيش عراقي جديد. لماذا فشل الأمريكان في تشكيل جيش في العراق استطاع في ظل حكم البعث الاحتفاظ بأحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط وخاض ثلاث حروب في عقدين؟

 

الحكومة الانتقالية

 

كانت القضية السياسية المهمة التالية على جدول أعمال بريمر والتي كانت الولايات المتحدة تعمل من أجلها منذ التسعينيات هي تحويل مؤسسات الحكم في العراق إلى مؤسسات تعكس المصالح الأمريكية وتخضع لها.

 

كلن كلينتون قد وقع في عام 1998 على قانون تحرير العراق وخصص له 98 مليون دولار لتدريب المنفيين العراقيين. وفي تشرين الأول 2002 وافق الرئيس بوش على إنفاق 92 مليون دولار من أموال وزارة الدفاع لتدريب ميليشيات المنفى العراقية والتي قدرت بنحو 5000 مجند لمرحلة تدريب أولية للمساعدة في الإطاحة بالحكومة العراقية . كما سعت الولايات المتحدة إلى مكافأة الحزبين الكرديين الرئيسين في الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني مقابل مشاركتهما في غزوها للعراق. وبحسب ما ورد افترضت الولايات المتحدة أن العراقيين “سيقبلون المنفيين كقادة شرعيين” وأن “البنية التحتية الحكومية العراقية سيتم نقلها بسهولة إلى قيادة جديدة وأن التحول السياسي الشامل سيكون سريعاً وسهلاً نسبياً”

 

فبعد يومين من سقوط بغداد أخبر نائب وزير الدفاع بول د. وولفويتز لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة وشركاءها سيعينون العراقيين في مناصب قيادية مدنية .  وكان مسئولون أمريكيون قد صرحوا بوضوح أن الجيشين الأمريكي والبريطاني “سيلعبان الدور الرائد” في تعيين حكومة عراقية وإعطاء الأمم المتحدة دوراً استشارياً .

 

وفي 5 أيار قال الجنرال غارنر أن حكومة عراقية مؤقتة ستظهر بحلول نهاية أيار وكان من المتوقع أن يكون لديها “ثمانية أو تسعة قادة عراقيين سيصبحون فعلياً رؤساء لجنة ستحكم العراق تحت وصاية الولايات المتحدة لعدة الأشهر حتى يمكن تنظيم نظام سياسي جديد وحكومة لتحل محل حكم حزب البعث للرئيس السابق صدام حسين “. وقد قام على وجه التحديد بتسمية القادة الخمسة الأكثر احتمالاً ليتم اختيارهم وهم أحمد الجلبي من المؤتمر الوطني العراقي ومسعود برزاني من الحزب الديمقراطي الكردستاني وجلال طالباني من الاتحاد الوطني الكردستاني وعبد العزيز الحكيم من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وإياد علاوي من التحالف الوطني العراقي

 

لكن كل شيء تغير مع وصول بريمر. فلم تكن خطة تشكيل الحكومة المؤقتة التي وافق عليها غارنر ومجلس القيادة العراقي بحلول 3 حزيران مقبولة لدى بريمر الذي قرر أنه بحاجة إلى مزيد من الوقت لتشكيل حكومة أكثر تمثيلاً.

 

لخص بريمر لفريقه كيف أصر الرئيس على أنه “بما أنه يجب على الحكومة العراقية المؤقتة كتابة دستور جديد وقانون قضاني والإشراف على الإصلاح الاقتصادي في العراق فإن هذه الهيئة الحاكمة يجب أن تكون ممثلة بالكامل لجميع العراقيين في الشمال والجنوب والسنة والشيعة والأكراد والتركمان والمسيحيين. ولن يحدث ذلك بين عشية وضحاها على الرغم مما يأمله قادة المنفى أو حتى يؤمنوا به ”

 

تبنى مجلس الأمن الدولي في 22 أيار2003 القرار 1483 الذي اعترف فيه بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة كقوتي احتلال وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين ممثل خاص للعراق للعمل مع سلطة التحالف والشعب العراقي “لتسهيل عملية تؤدي إلى حكومة تمثيلية معترف بها دولياً للعراق “وتشكيل” إدارة عراقية مؤقتة كإدارة انتقالية يديرها العراقيون حتى يتم تشكيل حكومة تمثيلية من قبل الشعب العراقي معترف بها دولياً ، وتتولى مسؤوليات السلطة” . عين الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان السفير البرازيلي سيرجيو فييرا دي ميلو (برازيلي) ممثلاً خاصاً للأمم المتحدة. قال دي ميلو في مؤتمر صحفي مشترك مع أنان في 27 أيار 2003: “… عندما أصل إلى الأرض ستكون الأولوية القصوى هي إقامة اتصالات مع ممثلي القادة العراقيين وممثلي وسائل الإعلام والمجتمع المدني – وهناك العديد” . ذهب دي ميلو إلى أبعد من ولايته حيث نقل الانطباع بأن الأمم المتحدة أعطت شرعية للاحتلال بالقول إن “المجتمع العراقي غني وأن الثراء قد تم قمعه بوحشية على مدار الـ 24 عاماً الماضية” .

 

كانت خطة بريمر هي أن تقوم سلطة الائتلاف المؤقتة بتعيين حكومة مؤقتة من حوالي ثلاثين عضواً يختارهم هو ويُزعم أنهم يمثلون جميع الاتجاهات الرئيسية في المجتمع العراقي مطلقاً في نفس الوقت عملية دستورية وإجراء انتخابات وطنية بحلول صيف 2004. وافترض أن بإمكان العراقيين كتابة دستور جديد في غضون ستة أشهر ويمكن بعد ذلك المصادقة عليه .

 

قام فريق عمل بريمر بتجميع قائمة بأكثر من ثمانين عراقياً من جميع أنحاء البلاد عدوهم مرشحين مؤهلين لمجلس الحكم المزمع إنشاؤه . وتضمنت هذه القائمة شيوخ عشائر ونساء وأكراد وأقليات أخرى. وكان من المقرر أن يتم اختيار أسماء 25 إلى 30 رجلاً وامرأة من بين هؤلاء المرشحين لمجلس الحكم الذي كان من المقرر تشكيله بحلول 15 تموز . وأجرى بريمر خلال هذه الأسابيع مناقشات مع العديد من العراقيين لتحديد وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن مجلس الحكم وطمأنتهم جميعاً أن العراقيين سيضعون الدستور بأنفسهم . وغني عن القول إن مثل هذا الوعد لم يتم الوفاء به أبداً فقد تمت صياغة كل من الدساتير المؤقتة والنهائية للعراق من قبل الولايات المتحدة. وكانت لدى بريمر بحلول يوم السبت 12 تموز قائمة تضم 25 عضوًا في مجلس الحكم.

 

مجلس الحكم

 

لم يمر الإعلان عن إنشاء مجلس الحكم دون واحد من العروض المسرحية الأمريكية النموذجية. فقد التقى الأعضاء الـ 25 الذين اختارهم بريمر يوم الأحد 13 تموز 2003 وشكلوا أنفسهم كـ “مجلس الحكم” وبعد ذلك أبلغوا الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأنهم شكلوا ذلك المجلس . والتقى بريمر وزميله البريطاني السفير جون ساويرز والسفير دي ميلو بمجلس الحكم والناطق باسمه المنتخب حديثاً السيد محمد بحر العلوم الذي ألقى خطاباً أعلن فيه عن أول قرارين اتخذهما المجلس: إلغاء كل قرار حول العطل الرسمية المشرعة في حكم البعث بما في ذلك ذكرى ثورة 17 يوليو القادمة والإعلان أن 9 نيسان “يوم التحرير” أصبح عيداً وطنيًا  . وهذا مشابه لإعلان حكومة فيشي في فرنسا في أن  اليوم الذي سقطت فيه باريس في يد هتلر عطلة!

 

شملت الشخصيات الرئيسة في مجلس الحكم  قادة العديد من الفصائل الرئيسة المناهضة للبعث بما في ذلك زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم وزعيم حزب الدعوة ابراهيم الجعفري وزعيم المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي وإياد علاوي والزعماء الأكراد طالباني وبارزاني. كما تضمنت مجموعة مجلس الحكم بعض الشخصيات الغامضة بما في ذلك غازي الياور وهو عضو بارز في عشيرة شمر ورئيس Hicap Technology ومقرها السعودية. ورئيس الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى وآخرون  . أدى عدم القدرة على الاتفاق على القضايا الرئيسة إلى أن يستقر المجلس على رئاسة دورية مما أدى إلى تفاقم عدم فعاليته الواضحة بالفعل : لكن مجلس الحكم لم يجد صعوبة في الإتفاق على مكافأة أنفسهم بكرم. فقد اتفقوا على تقاضي كل عضو أجر قدره 50000 دولار في السنة وهو مبلغ دسم بالنسبة للأوضاع المحلية . وفي 14 آب 2003 تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1500 بأغلبية 14-0 مع امتناع سوريا عن التصويت مرحباً بتشكيل مجلس الحكم كخطوة مهمة نحو تشكيل حكومة تمثيلية ومعترف بها على نطاق واسع . لم يناقش مجلس الأمن تشكيل مجلس الحكم أو الطريقة التي تم بها إنشاؤه فقد تصرف كما فعل لمدة اثني عشر عاماً كختم مطاطي لقرارات الولايات المتحدة.

 

قرر مجلس الأمن في القرار1511 أن مجلس الحكم ووزراءه “هم الأجهزة الرئيسة لـلإدارة المؤقتـة العراقيـة التي تجسد سـيادة دولـة العـراق خـلال الفـترة الانتقاليـة إلى أن يتـم إنشـاء حكومـة ممثلـة للشـعب ومعـترف بها دولياً وتتحمل المسؤوليات المنوطة بالسلطة” بينما أعاد في نفس الوقت تأكيد أن سلطة الإئتلاف المؤقته هي السطة في العراق “الطــابع المؤقــت لاضطـــلاع ســـلطة التحـــالف المؤقتـــة (الســـلطة) بالمســـؤوليات والســـلطات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي المنطبـق والمعـترف بهـا والمنصـوص عليـها في القـرار ١٤٨٣) ٢٠٠٣ ،( والتي ستنتهي عندما يقيم شعب العراق حكومة ممثلة للشـعب معـترف بهـا دوليا تقسم اليمين الدستورية وتتولى المسؤوليات المنوطة بالسلطة”. كما طالب القرار مجلس الحكم بالتعاون مع سلطة الائتلاف المؤقتة وممثل الأمم المتحدة لتزويد مجلس الأمن بحلول 15 ديسمبر 2003 “بجدول زمني وبرنامجـ لصياغـة دسـتور جديـد للعراق ولإجراء انتخابات ديمقراطية في ظل ذلك الدستور؛”

(هذه تحتلف عن النص الموجود عندي في الصفحة 126 من المطبوع!)

 

وبغض النظر عن كل هذه القرارات والكلمات اللطيفة فإن سلطة مجلس الحكم كانت معدومة لأنه لم يكن قادراً على اتخاذ قرارات أو تعيين وزراء من دون موافقة سلطة الإئتلاف المؤقتة. فقد تم تشكيل مجلس الحكم من قبل الولايات المتحدة لإضفاء مظهر من الشرعية في العراق وخارجه على احتلاله وإرضاء السكان وإبعاد الانتقاد لقوات الاحتلال. ولم يعتقد الكثير من العراقيين أن المجلس سينجح في أداء مهامه لأنه يفتقر إلى الشرعية الشعبية سواء بسبب طريقة إنشائه أو بسبب طبيعته غير التمثيلية أو بسبب الانقسام أيضًا بين الجماعات السياسية في المنفى ومجموعات السكان الأصليين وبسبب افتقارهم للسلطة بسبب اتخاذ قوات الاحتلال للقرارات النهائية. والحقيقة هي أنه تم تشكيله دون التشاور مع القطاعات الماهرة والعلمية والجامعية في المجتمع العراقي ولأن الصعوبات التي خلقتها الحرب والاحتلال كانت أكبر من أن تنجح مثل هذه الهيئة الحاكمة الصغيرة في تجاوزها

 

مجلس الوزراء

 

بدأ مجلس الحكم على الفور في تشكيل مجلس للوزراء لإدارة الحكومة. وواجهت هذه المهمة بطبيعة الحال نفس أنواع النزاعات التي كانت موجودة داخل مجلس الحكم: النزاعات المتعلقة بنسب التمثيل وتقسيم الوزارات الرئيسة وتحديد حصة كل مجموعة سياسية في “نهب” العراق. كان الحل الذي تم تحقيقه في النهاية هو أن يرشح كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة ممثلاً واحداً ليتم اختياره باستثناء اعتراضات المجموعات الأخرى لتشكيل مجلس الوزراء. وبهذه الطريقة تم الحفاظ على نفس الانقسامات العرقية والدينية والمذهبية في هذه الحكومة . وكانت النتيجة أن مجلس وزراء تألف من أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة للعمل كوزراء وليس لديهم مبادئ توجيهية بشأن من يجب أن يكونوا مسئولين أمامه: أهو مجلس الحكم أم سلطة الائتلاف المؤقتة أم بريمر .

 

الدستور العراقي الانتقالي

 

زعم بريمر أنه خطط لتشكيل مجلس وإعطائه مهمة تشكيل لجنة تحضيرية لكتابة الدستور الجديد وتعيين أعضاء له بالتشاور مع المجموعات السياسية والاجتماعية كي تُعرض نتائج هذا الدستور للموافقة عليها عن طريق استفتاء.

 

أصبح رجل الدين الشيعي آية الله علي السيستاني منذ الاحتلال آية الله الأبرز في كل العراق. كان السيستاني قبل عام 2003 غير معروف فعلياً للعالم غير الشيعي. كان يُعد “هادئًا” بمعنى أنه لم يكن مهتماً بالسياسة ولا منخرطاً فيها. لكن السيستاني دخل الساحة السياسية العراقية بقوة في 26 حزيران 2003 عندما أصدر فتوى تتحدى الولاية الأساس لسلطة الائتلاف المؤقتة والتي كانت تتمثل في تشكيل حكومة مؤقتة لنقل السيادة إلى الحكومة العراقية. كانت المفارقة أن زعيماً دينياً غير منتخب كان يقول للولايات المتحدة التي يُزعم أنها تجلب الديمقراطية إلى العراق أن خططها للعملية الدستورية في العراق كانت غير ديمقراطية.

 

وأصبح السيستاني بسبب الشعبية الكبيرة التي حظي بها في العراق يمارس الكثير من السلطة السياسية التي تتجاوز السياسة دون الاضطرار إلى أن يكون مسؤولاً سياسياً كما هو متوقع. واختار أن يكون انتقائياً في التدخل أو الابتعاد عن السياسة في العراق. وهكذا اختار عدم الدعوة إلى الجهاد ضد غزو واحتلال الكفار للعراق عام 2003 لكنه دعا إلى الجهاد ضد تقدم الدولة الإسلامية في عام 2014. واختار في عام 2004 معارضة فرض قانون الحكم الانتقالي الذي صاغته الولايات المتحدة لكنه دعا أتباعه عام 2005 إلى دعم الدستور الدائم الذي صاغه نفس الأمريكيين. لقد دأبنا على انتقاد الإسلام السياسي السني أو الشيعي على حد سواء عندما اعتقدنا أنه طرف في الخطة الصهيونية للعراق والعالم العربي. فعندما يزور رئيس العراق السني الكردي ورئيس مجلس النواب السني العربي السيستاني قبل الشروع في أعمال أو زيارات جادة في الخارج فإنهم لا يفعلون ذلك لأنهم من أتباعه ولكن لأنهم يعتقدون أنه يلعب دوراً سياسياً رئيساً في العراق. فما دام يستقبلهم ويرضى بأفعالهم ولا يتنصل فهو متورط في الغابة السياسية التي تسمى العراق ولا يمكن تبرئته من أي خطأ. إنه يتصرف باختياره ويجب أن يتحمل مسؤولية مثل هذا العمل. ونحن لا نعتقد أنه عندما نشير إلى الإخفاقات السياسية للسيستاني فإننا نفعل أكثر من مجرد الإشارة إلى ما يقوله القادة الدينيون الشيعة الآخرون منذ عشر سنوات وليس أقلها تصريح السيد علي خامنئي الذي انتشر على نطاق واسع والذي نكن له احتراماً وإعجاباً كبيرين عندما قال:

 

” يدّعون بأنّ عليا إمامهم ولكنّهم لا يقولون ما يزعج أميركا.”

 

يعرف كل من قرأ التصريح إلى من كان خامنئي، الذي لا يشك في مؤهلاته السياسية والدينية، يشير في هذا. 

إن المعارضة الشديدة لقرار الولايات المتحدة بجعل إنهاء احتلالها مرهوناً بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات وطنية لتشكيل حكومة جديدة أجبرتها على تغيير خططها. ففي 17 تشرين الثاني 2003 أعلن مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة عن خطة لحل كلا الهيئتين وصياغة دستور مؤقت ليتم اعتماده من قبل جمعية تأسيسية منتخبة.

 

القانون الإداري الانتقالي   (TAL)

تم تحديد الموعد النهائي الأول للإنهاء الشكلي للإحتلال في 25 شباط 2004 مع وضع الدستور المؤقت. وكان هذا الدستور المؤقت كما زعم سيضمن حرية الدين والتعبير والتشريع والمساواة في الحقوق لجميع العراقيين بغض النظر عن الجنس والطائفة والعرق .

 

وكان البلد خلال ذلك الوقت سيُحكم بدءاً من 30 حزيران 2004 من قبل جمعية وطنية انتقالية تختارها مؤتمرات حزبية بدلاً من انتخابات مباشرة مما سيؤدي إلى انتخابات وطنية لحكومة دائمة بحلول 31 كانون الأول 2005 بموجب دستور مؤقت

 

لكن الدستور لم تتم صياغته قبل المرور بعملية معقدة من الجدل والخلافات. فقد أرادت الأمم المتحدة أن تكون أكثر انخراطاً في العراق من مجرد استخدامها “للمساعدة في اختيار تسويق مجلس الحكم”  وهو أي مشاركة الأمم المتحدة أمر كانت الولايات المتحدة تكره قبوله. واعتقد مسؤولو الأمم المتحدة أن الجداول الزمنية التي حددتها سلطة الائتلاف المؤقتة ليست واقعية وأن خطة اختيار أعضاء الجمعية الوطنية الانتقالية من خلال المؤتمرات الانتخابية لن تروق للعراقيين . وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أرادت تأسيس العملية والسيطرة الكاملة عليها مع السماح للأمم المتحدة بالتحرك في الهوامش ودعمها إلا أنها استسلمت في النهاية ووافقت على توصيات مستشاريها بأنها بحاجة إلى الأمم المتحدة للمساعدة في عملية الانتقال. وهكذا عُقد في 19 كانون الثاني 2004 اجتماع في الأمم المتحدة في نيويورك حضره الأمين العام للأمم المتحدة وكبار موظفيه وثمانية أعضاء من مجلس الحكم (بقيادة عدنان الباجه جي) وبريمر ونائبه البريطاني جيريمي جرينستوك وميغان أوسوليفان من مكتب الحوكمة والسفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة جون نيجروبونتي ومسؤولون أمريكيون آخرون وناقش الاجتماع رغبة سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم في الحصول على مساعدة الأمم المتحدة.

 

ونتيجة لهذا الاجتماع أرسل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بعثة لتقصي الحقائق إلى العراق في الفترة من 6 إلى 13 شباط 2004 بقيادة المستشار الخاص لأنان الأخضر الإبراهيمي،  ووردت نتائج البعثة في تقرير قدمه كوفي عنان إلى مجلس الأمن في 23 شباط2004  .  توسط الإبراهيمي في تسوية بين السيستاني وبريمر وكلاهما ملتزم بتاريخ 30 حزيران يونيو لنقل السيادة لكن مسألتين رئيستين تركتا دون حل: تفاصيل القانون الإداري الانتقالي وتشكيل الحكومة المؤقتة التي ستحكم العراق لستة أو سبعة أشهر بين تسليم السلطة في 30 حزيران وانتخابات كانون الثاني 2005. ورحب السيستاني بالتقرير في بيان أصدره في 24 شباط 2004  .

 

يشير الأمر 92 الصادر في 31 أيار 2004 بشأن إنشاء “مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة” إلى أنه “ونظراً الى ان قانون الادارة لدولة العراق خلال الفترة الانتقالية يتيح للشعب العراقي اختيار حكومته عبر انتخابات صادقة وموثوق بها، على ان تتم في موعد لا يتعدى 31 يناير / كانون الثاني 2005”

 

وللمفارقة فإن مشكلة قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لا تكمن ببساطة في أن سلطة التحالف المؤقتة ليس لديها سلطة إصدار دستور للعراق المحتل ولكنه لم يتم إصداره مطلقاً. وقد تشرح الحقائق التالية هذا الإستنتاج.

 

  1. أصدر بريمر في 16 أيار 2003 اللائحة 1 التي تتولى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية الكاملة للعراق وأعلن أن قوانين العراق ستظل سارية ما لم يتم تعليقها أو إلغاؤها أو استبدالها بالتشريع الذي أقرته سلطة الائتلاف المؤقتة.

 

2- ظل الدستور العراقي لعام 1970 ساري المفعول حيث لم يتأثر وفقا للمادة 1.

 

3-  لم يصدر أي نظام أو أمر أو مذكرة بين 16 أيار 2003 و 31 مايو 2004 وثيقة بعنوان (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية)  TAL  أو قانون الإدارة لدولة العراق.

 

4- لم يضف الظهور المفاجئ للقانون الإداري الانتقالي على موقع سلطة الائتلاف المؤقتة (<http://www.cpa-iraq.org>   والذي تمت إزالته منذ ذلك الحين!) عليه شرعية لأنه لم يكن هناك أي إشارة إلى السلطة التي بموجبها صدر أو في الواقع من أصدرها إذا كانت مختلفة.

 

  1. لم يُمنح مجلس الحكم العراقي الذي تم إنشاؤه بموجب اللائحة 6 في 13 تموز 2003 أية سلطة تشريعية ومع ذلك تم الاعتراف في ديباجة القانون الإداري الانتقالي بأن لديه “سلطات ومسؤوليات معينة”. منحت سلطة الائتلاف المؤقتة بعض الصلاحيات لمجلس الحكم على مدى أحد عشر شهراً من عمره. لكن سلطة مجلس الحكم محدودة النطاق لدرجة أنه حتى عندما عين نواب الوزراء تدخل بريمر وأزال تلك الوظيفة من مجلس الحكم واحتفظ بها لنفسه حصرياً. ولتحقير مجلس الحكم صدر هذا الإجراء في المذكرة رقم 9 وليس حتى في أمر. إن من السليم  أن نستنتج، كي لا يحاول أي شخص المجادلة، بأن مجلس الحكم الذي لم يستطع تعيين نواب الوزراء لم يكن بإمكانه أن يتولى بشكل جدي سلطة إصدار الدستور.

 

ويترتب على ذلك أن القانون الإداري الانتقالي أو الدستور العراقي المؤقت لم يتم سنه أبداً وبالتالي فإن نشره هو تشويش دستوري آخر يضاف إلى ذلك الذي تم إنشاؤه بالفعل بموجب تشريعات بريمر. ماذا حدث لجميع الإجراءات التي زُعم أنها تستند إلى TAL –مثل قانون الانتخابات (الأمر 96)،  وقانون الأحزاب والكيانات السياسية (الأمر 97 الصادر في 7 حزيران 2004) الذي حاول بريمر من خلاله رسم المستقبل السياسي للعراق؟ إن الإجابة على هذا أمر متروك للمحامين الدستوريين لحله

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image