الجزء السابع عشر — الإبادة في غزو العراق واحتلاله

تحويل العراق من الاشتراكية إلى  السوق الحرة “النيوليبرالية

 

يسعى الاستكبار إلى تحقيق هدفين في العالم العربي، الأول هو ضمان بقاء إسرائيل في موقع الصدارة وأن تقبل جميع الدول من حولها هذا الأمر وتذعن له. والثاني هو أن جميع الدول في العالم العربي يجب أن تتبنى المبادئ الرأسمالية النيوليبرالية للاقتصاد المعولم مما يضمن أن تنتهي كل دولة باقتصاد مستعبد يعتمد بشكل كامل على النظام الرأسمالي الخاضع لسيطرة البنوك الغربية. وينتج عن استعباد النظام الرأسمالي للدول الغنية بمصادر الطاقة ولكن باقتصادات بدائية، والتي تقودها حكومات غيرقادرة على ممارسة أي سياسات لمصالح شعوبها، تحلف تلك الدول في أي جانب من جوانب الحياة سواء كان ذلك سياسياً أو عسكرياً أو ثقافياً أو اجتماعياً. وقد أصدر بريمر بالتوازي مع تفكيك الجيش العراقي والصناعة العسكرية تشريعات كافية لضمان الخصخصة الكاملة للاقتصاد العراقي والتراجع عن توجهه الاشتراكي ومؤسساته وبرامجه وأصدر بريمر أربعة أنظمة وعشرين أمراً لتحقيق ذلك. وتكررت نية التشريع بوضوح في كل منهم. وهكذا كما جاء في ديباجة الأمر رقم 64 أنه:

 

بخصوص الحاجة لتنمية العراق وتحويل نظامه الاقتصادي من نظام مركزي غير شفاف ومخطط اى نظام يعتمد على السوق الحر ويتسم بقدرته على الاستمرار في النمو الاقتصادي عن طريق تأسيس قطاع خاص حيوي، وبخصوص الحاجة لاصلاح المؤسسات والقوانين من اجل تفعيل هذا التحول

 

لم يذكر بريمر أي أساس قانوني لفرضه الحق في تحويل الاقتصاد العراقي الذي كان قائماً على المبادئ الاشتراكية قبل فترة طويلة من وصول البعثيين إلى السلطة وذلك دون معرفة حقيقة  إرادة الشعب العراقي. لم يذكر بريمر السند القانوني  لأنه لم يكن هناك واحد. ويعد تغيير اقتصاد البلدان الواقعة تحت الاحتلال جريمة بموجب القانون الدولي. هكذا لخصها يوليوس ستون:

 

قد يجادل معظم الكتاب الغربيين بأن المحتل لا يستطيع تحويل الاقتصاد الليبرالي إلى اقتصاد شيوعي. ولا شك أن الكتاب السوفييت سيكونون قلقين بشأن التحول العكسي.

 

سنستعرض بعض الملامح الرئيسة للتشريعات في مجالي الاقتصاد والتمويل التي تم إقرارها من أجل تحقيق هذا التحول. ركز التشريع على ثلاثة جوانب مختلفة للتحول: البنوك والاستثمار الأجنبي وتحرير التجارة. لقد ظل رأس المال الغربي يحاول منذ عقود نقل سيطرة البنوك المركزية من الحكومات إلى المؤسسات الخاصة مما أدى إلى سيطرة عائلة روتشيلد وأمثالها على البنوك المركزية في العالم. وقد جعل بريمر الغرض من التشريع الجديد واضحاً في الأمر 56 الصادر في 1 آذار 2004 بعنوان “قانون البنك المركزي” الذي ألغى قانون البنك المركزي العراقي  رقم 64 لعام 1976:

 

ينشئ هذا الأمر بنكاً مركزياً آمناً وقويماً ومستقلا بغية تحقيق الأغراض التالية: استقرار الأسعار في البلاد والمحافظة على استقرارها وثباتها؛ العمل على إيجاد ورعاية نظام مالي يعتمد على السوق وعلى المنافسة ويكون مستقرا؛ تعزيز التنمية المستدامة واستدامة العمالة والرفاهية في العراق.

 

وتجدر الإشارة إلى أن الغرض المذكور أعلاه من إنشاء المصرف المركزي الجديد هو جعله “مستقلاً” عن الحكومة  ويستند إلى مبادئ “اقتصاد السوق” (التي لا دور فيها للاحتياجات والحقوق المحلية). كان هذا خروجاً رئيساًعن الأساس الذي تم بموجبه إنشاء المصارف المركزية في الدول النامية. وقد وضع ذلك المصارف المركزية “المستقلة” تحت سيطرة رأس المال العالمي من خلال قدرتها على التلاعب والسيطرة على تدفق الأموال وعلى القواعد التي تحكم هذا.

 

أكد بريمر في الأمر في قانون المصارف رقم 94 في 6 حزيران 2004 والذي صدر قبل التسليم المزعوم للسلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة أنه تم وضع الأسس لفتح العراق أمام المصارف الأجنبية فيما أصبح التشريع الأكثر تفصيلاً والأطول في عهده إذ يصل عدد صفحاته إلى 70 صفحة. وتم توضيح الغرض بعبارات متوهجة حجبت النتيجة المرجوة: “….. بالحاجة لتنمية العراق وتحويل نظامه الاقتصادي من نظام اقتصادي مخطط مركزياً وغير شفاف الى نظام اقتصادي يعتمد على السوق ويتميز باستمرار التنمية الاقتصادية فيه عن طريق تأسيس قطاع خاص حيوي، والمتعلق كذلك بالحاجة لإصلاح المؤسسات واجراء اصلاحات قانونية بغية تفعيل وتنشيط القطاع الخاص،” تعني بلغة واضحة أن البنوك العراقية المفتوحة ستبتلعها أسماك القرش الدولية المنظمة جيداً.

 

كان بريمر قد استخدم الأمر 76 الصادر في 22 أيار 2004 بشأن “ دمج الشركات العامة لتصفية البنوك الأربعة التالية المملوكة للدولة بشكل فعال:  

 

المصرف العقاري

المصرف الزراعي

المصرف الصناعي

المصرف الاشتراكي

 

وحيث إن عددا من هذه المصارف لم يتم إنشاؤها خلال فترة تولي حزب البعث السلطة فقد أصبح من الواضح أن الإجراء لا علاقة له باجتثاث البعث ولكنه ضربة للدولة  بشكل أعمق مما أدى إلى تحويل العراق إلى نوع من الدولة الضعيفة والقابلة للاختراق كما تنشده الرأسمالية الغربية. وكان قد تم إنشاء هذه المصارف في الأصل في ظل حكومات عراقية مختلفة لتقديم قروض شبه خالية من الفوائد لبناء المنازل والصناعة والزراعة. وقد استفاد معظم العراقيين من هذه المصارف خاصة من خلال توفير منازل لملايين العراقيين خلال الخمسين سنة التي سبقت. لكن المبادئ التي فضلها رأس المال والتي وجهها صندوق النقد الدولي طالبت بإلغاء الدعم الحكومي والتي مكنت عائدات الدولة التي تم سحبها من الإنفاق على الاحتياجات المحلية ليتم تحويلها إلى البنوك الغربية. وكان بريمر يتصرف وفقاً لهذه المبادئ.

 

سن برمر بالتوازي مع تشريع التحول المصرفي قوانين الاستثمار الأجنبي التي فتحت أسواق العراق للهيمنة الأجنبية بعد خمسين عاماً من الاقتصاد الاشتراكي الذي سيطرت عليه الدولة. ففي أمر الاستثمار الأجنبي رقم 39 بتاريخ 19 أيلول 2003 المعدل بالأمر 46   سمح بريمر للأفراد والكيانات الأجنبية بامتلاك ما يصل إلى 100٪ من حقوق الملكية في الشركة العراقية. وذكر بريمر أنه على الرغم من الإطار القانوني الموجود بالفعل في العراق والذي كان يدعم ويحمي التنمية المحلية من خلال منع الاستثمار الأجنبي فإن نيته كانت تطوير البنية التحتية للعراق وتعزيز نمو الأعمال التجارية العراقية وخلق فرص العمل وزيادة رأس المال. إن زيف كل هذا واضح. لقد حقق نظام البعث في العراق نمواً ملحوظاً وعمالة كاملة دون الدخول في مرحلة الديون الوطنية. فهل من المنطقي الاعتقاد بأن الأطراف ذاتها التي لعبت دوراً فعالاً في التراجع عن كل هذا عبر العقوبات وتدمير البنية التحتية لديها الآن مصلحة مخلصة في تنمية البلاد لمصلحتها الخاصة؟

 

لم يكن الأمر رقم 46 الصادر في 29 شباط 2004 أقل أهمية والذي ألغى فعلياً قانون الشركات رقم 21 لعام 1997. ومن بين التغييرات الرئيسة التي أدخلها بريمر على قانون الشركات ما يلي:

  • –  تمكين الشركات الأجنبية من المساهمة في الشركات العراقية


  •  2. إلغاء الحاجة إلى التوافق مع أهداف التخطيط للدولة كشرط للموافقة على تأسيس الشركة


  •  3. إلغاء شرط وجود ممثلين نقابيين في مجالس إدارة الشركات الخاصة 


  • (إزالة الرمز بالنقطة السوداء)

 

وأصدر بريمر قبل رحيله التشريعات التالية لتوطيد إنشاء العراق كمستعمرة أمريكية:

  • الأمر رقم 80 الصادر في 26 نيسان 2004 بشأن تعديل قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957؛ 

 

  1. الأمر رقم 81 المؤرخ 26  نيسان 2004  بشأن قانون براءات الاختراع والنماذج الصناعية والمعلومات غير المفصح عنها والدوائر المتكاملة والاصناف النباتية؛

  • الأمر رقم 83 المؤرخ 29 نيسان 2004 بشأن تعديل قانون حق المؤلف؛

فبالرغم من أن الأمر 80 عدل قانوناً تم تمريره قبل فترة طويلة من وصول البعث إلى السلطة وعلى الرغم من أننا لا نؤمن بقانون حقوق الطبع والنشر من حيث المبدأ فإننا نعتقد أن العنصر الأكثر خطورة في الأوامر الثلاثة المذكورة أعلاه يظهر في الأمر 81 تحت العنوان “الأصناف النباتية”. إليكم كيف وصفه جيريمي سميث: 

 

“تحت ستار المساعدة في إعادة العراق للوقوف على قدميه شرعت الولايات المتحدة في إعادة هندسة أنظمة الزراعة التقليدية في البلاد بالكامل لتصبح شركة تجارية زراعية على غرار الولايات المتحدة. لقد وضعوا قانوناً جديداً – الأمر 81 – للتأكد من حدوثه.”

 

ومضى ليكشف عن الخطة الشريرة التي كانت لدى الولايات المتحدة للزراعة في العراق:

 

“لعل الجزء الأكثر أهمية من الأمر 81 هو فصل جديد يتم إدراجه في “حماية التنوع النباتي” (PVP) الذي لا يتعلق بحماية التنوع الحيوي بل بحماية المصالح التجارية لشركات البذور الكبيرة.

 

ولا بد للتأهل للحصول على (PVP) أن تستوفي البذور المعايير التالية: يجب أن تكون “جديدة ومتميزة وموحدة وثابتة”. وبموجب اللوائح الجديدة المفروضة في الأمر 81 فإن نوع البذور التي يتم تشجيع المزارعين العراقيين الآن على زراعتها من قبل شركات مثل WWWC ستكون تلك المسجلة بموجب (PVP).

 

إن من المستحيل، من ناحية أخرى، أن تلبي البذور التي طورها الشعب العراقي هذه المعايير. فبذورهم ليست “جديدة” لأنها نتاج آلاف السنين من التنمية كما أنها ليست “متميزة”. ويضمن التبادل الحر للبذور الذي يمارس على مدى قرون انتشار الخصائص وتقاسمها عبر الأصناف المحلية وهي لهذا عكس “الموحدة” و “الثابتة” من خلال طبيعة تنوعها العضوي. كما انها يتم تلقيحها مع الأنواع الأخرى المجاورة مما يضمن أنها تتغير وتتكيف دائمًاً.

 

كما أن التلقيح المتبادل هو قضية مهمة لسبب آخر. فقد تمت في السنوات الأخيرة محاكمة العديد من المزارعين بسبب زراعة بذور شركة معدلة وراثياً بشكل غير قانوني. وجادل المزارعون بأنهم فعلوا ذلك دون علمهم إذ على سبيل المثال حملت الريح البذور من مزرعة مجاورة لكنهم ما زالوا يمثلون أمام المحكمة وهذا سوف يطبق الآن في العراق. فإذا تبين بموجب القواعد الجديدة أن بذور المزارع ملوثة بأحد البذور المسجلة في (PVP) فيمكن تغريمه. ربما كان يخزن بذوره لسنوات، بل ربما لأجيال، ولكن إذا اختلطت ببذور مملوكة لشركة قد تخلق هجيناً جديداً ما يعرضه يوماً المحاكمة.

 

يجب أن لا ننسى أن 97 في المائة من المزارعين العراقيين يحتفظون ببذورهم وسيضع الأمر 81 نهاية لذلك. تمت إضافة سطر جديد إلى القانون ينص على: “يُحظر على المزارعين إعادة استخدام بذور الأصناف المحمية أو أي صنف مذكور في البندين 1 و 2 من الفقرة (ج) من المادة 14 من هذا الفصل “.

 

أما الأصناف الأخرى المشار إليها فهي تلك التي تظهر خصائص مماثلة لأصناف بذور (PVP). فإذا طورت شركة صنفاً مقاوماً لآفة عراقية معينة ويقوم مزارع عراقي في مكان ما في العراق بزراعة صنف آخر يقوم بنفس الشيء فمن غير القانوني الآن بالنسبة له حفظ تلك البذور. يبدو الأمر جنونياً لكنه حدث من قبل. فقد حصلت شركة تدعى SunGene قبل بضع سنوات على براءة اختراع لمجموعة متنوعة من عباد الشمس تحتوي على نسبة عالية من حمض الأوليك. لم يقتصر الأمر على براءة اختراع التركيب الجيني ولكنه سجل براءة اختراع الخاصية. وأبلغت، في وقت لاحق،  شركة SunGene زارعي عباد الشمس الآخرين أنهم إذا قاموا بتطوير مجموعة متنوعة غنية بحمض الأوليك فإن ذلك سيعد انتهاكاً لبراءة الاختراع.

 

لذلك ربما كان المزارع العراقي قد انبهر بوعد محصول وفير في نهاية هذا العام لكنه على عكس ما كان عليه الحال قبل ذلك لم يتمكن من حفظ بذوره في المرحلة التالية فقد تم استبدال تقليد عمره 10000 عام بضربة واحدة وذلك باستحداث عقد للتأجير.

 

أصبح المزارعون العراقيون تابعين للشركات الأمريكية. فحقيقة كونهم كانوا يخبزون الخبز لمدة 9500 عام قبل وجود أمريكا ليس له وزن عندما يتعلق الأمر بتحديد من يملك قمح العراق. ومع ذلك فبالنسبة لكل مزارع يتوقف عن زراعة سلالته الفريدة من البذور المحفوظة يفقد العالم صنفاً آخر ربما يكون مفيداً في أوقات المرض أو الجفاف.

 

وباختصار فإن ما فعلته أمريكا ليس إعادة هيكلة الزراعة في العراق بل تفكيكها وسيتعين على الأشخاص الذين أتقن أجدادهم لأول مرة تدجين القمح أن يدفعوا الآن مقابل امتياز زراعته لشخص آخر. وبهذا يصبح أقدم تراث زراعي في العالم مجرد رابط فرعي آخر في سلسلة التوريد الأمريكية الواسعة.”

 

إعادة الهيكلة القانونية والقضائية 

 

عندما كانت تتم صياغة قوانين الحرب لم يغب عن أذهان القائمين بصياغتها أن واحدة من أقوى الأدوات التي ستكون في أيدي المحتل ستكون دائماً السيطرة على السلطة القانونية والسلطة القضائية في البلد المحتل. ولهذا تم التأكيد في القانون الدولي  من التدخل من قبل القوة المحتلة يجب أن يكون محدداً قدر الإمكان وأن لا يستخدم إلا إذا اضطر ذلك أمن وحماية المحتل.

 

إن أهمية هذه الحقائق واضحة لأنه إذا سمح لقوة احتلال مرة واحدة بتغيير القوانين والقضاة في الأرض المحتلة فإنها ستحكم ذلك البلد تحت غطاء حكم القانون وتنجح في كل شيء وربما بذلك تشرع ما ليس شرعياً. وهذا تماماً هو ما فعله بريمر في العراق. فلم تكن أفعاله بخصوص تغيير قوانين العراق والقضاة وليدة لحظتها بل تجد جذورها في تقرير لجنة العمل حول القضاء الانتقالي التي كانت جزءاً من “مشروع مستقبل العراق.”

 

سوف نحاول أولاً أن نتعامل مع التغييرات الرئيسة التي أجريت على قانون العقوبات العراقي والإجراءات ثم نتعامل مع التغييرات الأكثر أهمية في هيكلة المحاكم وتعيين القضاة.

 

أعطى بريمر في الأمر الرقم 7 في 9 حزيران 2003 حول قانون العقوبات التصريح غير القانوني التالي:

 

“يؤدي جميع القضاة ورجال الشرطة والمدعون العامون واجباتهم وفقا لنصوص اللائحة التنظيمية رقم 1 الصادرة عن السلطة الائتلافية المؤقتة بتاريخ 23 أيار عام 2003 ووفقا لأية لوائح تنظيمية أو أوامر أو مذكرات أو تعليمات أخرى تصدرها السلطة الائتلافية المؤقتة”.

 

وقد جعل بريمر نفسه هنا، كما في الأمر الرقم 1 الحاكم المطلق للعراق بسلطة مطلقة. ذلك لأن الأمر 7 هو خرق للقانون الدولي بإخضاع قضاة العراق لسلطته.

 

ومضى بريمر بإلغاء 26 تعديلاً على قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 دون أن يوضح أي قسم منها يمكن أن “يشكل خطراً على أمن القوة المحتلة” بما يعطيه السلطة لإلغائها.

 

وفرض بريمر في الأمر الرقم 31 في 19 أيلول 2003 حول تعديل قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية عقوبات شديدة لبعض الجرائم ومنع الكفالة في أخرى. ومن المهم هنا أن نتذكر أن بريمر الذي لا يمتلك سلطة قانونية لتعديل قوانين العراق كمسألة مبدئية كان قد انتقد الحكومة العراقية  السابقة لأنها كانت قد فرضت عقوبات شديدة لبعض الجرائم لتلائم سياسات نظام البعث.

 

أما ما يخص التدخل في شؤون القضاة فهو أشد أهمية وابعد مدى وتأثيراً من القوانين لأن هذه الأخيرة يمكن تغييرها في أية لحظة، لكن تغيير القضاة وتعيين آخرين محلهم يحمل في داخله تأثيراً أكثر ثقلاً على الإجراءات القانونية والقضائية. ولا يجب أن ننسى أن البعث حكم العراق بين 1968 و2003 وأن معظم قضاة العراق قد نشأوا خلال هذه السنوات الثلاث والخمسين ضمن مبادئ البعث. وقد آمن عدد منهم بهذه المبادئ وعدد منهم  تظاهر بذلك ببساطة. لكن ما لا يمكن الشك فيه هو أن كل قضاة العراق كانوا عام 2003 مرتبطين بحزب البعث بشكل أو بآخر. ولهذا فعندما تتم إزاحة كل القضاة المرتبطين بالبعث فإن ما لا يقبل الشك أيضاً هو أن من سيحل محلهم سيكون أشخاصاً بدون خبرة وبعضهم لم يجلس على منصة القضاء ولم يمر خلال دورة دراسية إلزامية في معهد للقضاة. وتم ملئ الوظائف بخريجي كلية قانون ميزتهم الوحيدة هي معاداة البعث.

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image