منح تشكيل حكومة عميلة في العراق مجلس الأمن فرصة لالتقاط الأنفاس لأنه تم إعفاؤه من الاضطرار إلى تبني المزيد من القرارات غير القانونية بمجرد أنه أسبغ دون سلطة شرعية على إدارة غير شرعية لحكم دولة عضو محتلة كانت ذات سيادة. وهكذا فإنه بين حزيران 2004 وكانون الأول 2010 وباستثناء قرار واحد ملحوظ تبنى مجلس الأمن قرارين في المتوسط كل عام مدد فيهما تفويض القوة المتعددة الجنسيات وهو التعبير الملطف لقوات الاحتلال الأمريكية، ومدد تفويض بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومدد إيداع الأموال من بيع العراق للنفط إلى صندوق تنمية العراق تحت إشراف المجلس الدولي للمشورة والمراقبة – وهي تدابير تشير جميعها إلى أن البلاد تحت الاحتلال أو تحت الانتداب.
وكان الاستثناء الوحيد الملحوظ هو القرار 1762 الذي تم اعتماده في 29 حزيران 2007 . فقد أنهى القرار تفويض كل من لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (أنموفيك) والوكالة الدولية للطاقة الذرية في العراق حيث أصبح من الواضح أن العراق كان يقول الحقيقة بشأن نزع سلاحه بنفسه من جميع أسلحة الدمار الشامل وهو عذر استخدمته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للغزو. ومن الصعب عدم عرض السؤال التالي على مجلس الأمن: في ضوء حقيقة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة زعمتا في رسالتهما المؤرخة 8 أيار 2003 أنهما غزتا العراق من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل عنه وفي ضوء وضوح حقيقة أن العراق لم تكن لديه أسلحة دمار شامل فما هو التسويغ المتبقي لاستمرار وجودهم في العراق بدعوة من الحكومة التي فرضوها، ومن المسؤول عن كل عمليات القتل والدمار التي سببها الغزو؟ أليس من اختصاص مجلس الأمن في ضمان السلام والنظام في العالم أن يطالب بأنه عندما تنتهك دولة ما هذا فإنها جب أن تعوض الضرر الذي تسببت فيه؟
تبنى مجلس الأمن في 15 كانون الأول 2010 ثلاث قرارات مهمة بشأن العراق. فقرر في القرار 1956 أن العراق لم يكن ملزماً بعد 30 حزيران 2011 بإيداع عائداته من النفط والغاز في صندوق تنمية العراق. وعلى الرغم من أن هذا يبدو وكأنه تخفيف الانتداب على العراق إلا أنه لم يكن كذلك تماماً إذ أنه في الواقع استمر القرار في وضع العراق تحت إشراف صندوق النقد الدولي ولكن الأمر الأكثر أهمية من ذلك أنه قرر استمرار دفع 5٪ من عائدات العراق في صندوق التعويضات الخاص بالكويت الذي تم إنشاؤه بموجب القرار 687 (1991). وحيث إن القرار لم يضع حداً لدفع التعويضات وترك ذلك للجنة الأمم المتحدة للتعويضات فإن من المحتمل أن تستمر هذه المدفوعات المفتوحة إلى أجل غير مسمى أو حتى تقرر الولايات المتحدة خلاف ذلك. وإذا كان العراق ما يزال يدفع تعويضات للكويت بعد قرابة عشرين عاماً من احتلاله القصير جداً أليس من المناسب عرض السؤال الذي طرحناه سابقاً: من سيدفع تعويضات للعراق عن النكبة التي أعقبت غزوه واحتلاله غير الشرعيين في ظل الذرائع التي ثبت عدم صحتها، وهل يجب على مجلس الأمن معالجة هذا الأمر؟
قرر مجلس الأمن في القرار 1957 (2010) : “إنهاء الاجراءات الخاصة بأسلحة الدمار الشامل والصواريخ والتدابير المدنية المتعلقة بالأسلحة النووية المفروضة” بموجب قرارات سابقة بعد أن أدرك أن العراق قد امتثل بالفعل لالتزاماته بموجب المعاهدات التي صادق عليها. .
ينص القرار 1958 الصادر نفس التاريخ على. :
وإذ يـسلم بأهميـة تمكـن العـراق مـن أن يتبـوأ مكانـة دوليـة مماثلـة للمكانـة الـتي كـان يتبوؤها قبل اتخاذ القرار ٦٦١
واستمر في إنهاء برنامج النفط مقابل الغذاء وتمكين الشعب العراقي من العيش كبشر عاديين مع استعادة بعض حقوقه الإنسانية الأساس. ومع ذلك فإن مجلس الأمن الذي كان ما يزال يواجه عدم شرعية الغزو والاحتلال والذرائع البائسة والحكومة بالوكالة المفروضة قد استمر في ممارسته القديمة المتمثلة في ممارسة حقه في التصرف في الثروة العراقية (مساعدة نفسه بأي مبلغ من المال)) وقرر تفويض الأمين العام بإنشاء حساب ضمان والاحتفاظ بمبالغ مالية عراقية لتغطية المصاريف والتعويضات دون أن يكون للعراق رأي في ذلك. فقد ذهب أبعد من لوم الضحية إلى جعل الضحية يدفع.
تعاملت قرارات مجلس الأمن في عامي 2011 و 2012 مع تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) .
وتجدر الإشارة إلى أنه مجلس الأمن أكد في جميع قراراته من عام 1990 حتى عام 2012 أنه قرر “إبقاء المسألة قيد نظره”. ولكن نظراً لغزو العراق واحتلاله وإنشاء نظام “ديمقراطي” جديد تحت إشراف مجلس الأمن فإنه ما يزال من الصعب معرفة سبب بقاء العراق تحت الفصل السابع حتى عام 2013 وحتى منذ ذلك الحين لم يخرج منه في الواقع. فلماذا يجب أن يظل مجلس الأمن واضعا العراق “قيد النظر”؟ فإما أن الغزو والاحتلال وتغيير النظام قد فشلت في حل مشكلة احتمال بروز القوة المتجددة المحتملة للعراق و/ أو أن الجناة يريدون إبقاء العراق مقيداً لأغراضهم الشائنة ويسهل مجلس الأمن هذا الأمر لهم. وفي كلتا الحالتين فقد مجلس الأمن مصداقيته وألقى بمنظومة الأمم المتحدة بأكملها في حالة مشوهة وانعدام وظيفي للقانون .
إصلاح الأمم المتحدة
تبنى مجلس الأمن بين آب1990 وآذار2003 قرابة 55 قراراً بشأن العراق كان معظمها تحت عنوان “الوضع بين العراق والكويت” على الرغم من حقيقة أن الكويت قد أعيد احتلالها من قبل الاستكباريين في كانون الثاني 1991 ومن المفترض إزالتها من قائمة أي نوع من “الأزمات”. وقد قيل إن جميع هذه القرارات كتبت في الواقع من قبل الولايات المتحدة وتم تبنيها مع القليل من المناقشة أو بدون مناقشة من قبل مجلس الأمن مما يعني بشكل فعال أن مجلس الأمن كان يساء استخدامه كختم مطاط لسياسة الولايات المتحدة .
تبنى مجلس الأمن بين آذار 2003 وتموز 2012 27 قراراً بشأن العراق. وما تزال القرارات بين آذار 2003 وآب2004 تُعتمد تحت عنوان “الوضع بين العراق والكويت”. لم نتمكن من إيجاد علاقة بين غزو العراق واحتلاله عام 2003 والوضع بين العراق والكويت. ويبدو أن لجنة المعايير لم تكن مختصة أو ربما لم يُسمح لها بالتشكيك في عناوين قراراتها ومدى صلتها باعتمادها. ومع ذلك قرر مجلس الأمن في آب 2005 البدء في تبني قراراته بشأن العراق تحت عنوان “العراق”.
وقد انتهك مجلس الأمن الدولي خلال تلك الفترة القانون الدولي بطرق عديدة. فيما يلي ملخص لهذه الانتهاكات فإما انه بدأ في الانتهاك أو كان متواطئاً فيه أو تقاعس عن التصرف عندما كان يتعين عليه التصرف.
مجلس الأمن:
1 – فرض عقوبات شاملة على العراق بعد أربعة أيام من دخوله الكويت دون تمكين أي وسيلة للتسوية السلمية على النحو الذي تقتضيه بوضوح روح إن لم يكن نص الميثاق، إذ تدعو المادة 33 على سبيل المثال “أطراف النزاع … إلى السعي للحصول على حل عن “طريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها” .|
2 – تحويل هدف إجبار الجيش العراقي على الخروج من الكويت إلى حملة تدمير للعراق من خلال تطبيق عقوبات شاملة عليه بناء على الادعاء المزعوم باستئصال أسلحة الدمار الشامل العراقية؛
3- وافق على بقاء العقوبات دائميا بعد فرضها مما تطلب تصويتاً جديداً لإزالتها بدلاً من تصويت جديد لتجديدها وهو ما يعني مرة أخرى أن رفع العقوبات كان معرضاً للرفض بصوت واحد بموجب حق النقض؛
4 – تحويل مطلب إزالة أسلحة الدمار الشامل المزعومة إلى شرط نزع سلاح العراق بالكامل في انتهاك لحق كل دولة ذات سيادة في الدفاع عن نفسها؛
5- إنشاء لجنة العقوبات التي منحت نفسها صلاحيات غير مسبوقة في العلاقات الدولية والتي تجاوزت الصلاحيات القانونية لمجلس الأمن؛
6 – التزم الصمت بشأن الانتهاك الواضح لسيادة العراق في فرض مناطق حظر الطيران غير القانونية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛
7 – التزم الصمت حيال الغارات الجوية التدميرية المنتظمة على أهداف مدنية عراقية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بين عامي 1991 و2003 على الرغم من استسلام العراق بعد وقف إطلاق النار وعلى الرغم من وضع اليد على الوضع في العراق؛
8 – التزام الصمت في أعقاب غزو وتفكيك دولة العراق ذات السيادة عام 2003؛
9 – إضفاء الشرعية على عدوان وغزو واحتلال العراق؛
10 – منح شرعية زائفة في سلسلة القرارات بين أيار 2003 وحزيران 2004 على سلطة الائتلاف المؤقتة بينما كانت هذه الأخيرة تتصرف في انتهاك للقانون الدولي في تفكيك العراق بشكل مخادع وفعال لدرجة أن اللورد (هوب) حكم بأنه لا يستطيع الحكم في قضية انتهاك محتمل للقانون لأنه يعتقد أن السلطات في العراق كانت تتصرف تحت سلطة مجلس الأمن .
تثير الملاحظات الواردة أعلاه سؤالاً جوهرياً تم تجاوزه في الميثاق. ماذا يحدث عندما ينتهك مجلس الأمن القانون الدولي خاصة إذا كانت قاعدة قسرية منةقواعد القانون والأخطر من ذلك ماذا يحدث عندما يرتكب عضو دائم جريمة دولية؟
لا توجد إجابة بسيطة على السؤال أعلاه لأن النظام العالمي القائم اليوم ما يزال أسير القوى التي أوجدته بعد الحرب العالمية الثانية حيث أكد المنتصرون أنهم بقوا خارج نطاق المساءلة. عمل النظام بشكل جيد بين عامي 1945 و1990 بسبب الضوابط والتوازنات بين القوتين العظميين. وكفل هذا التوازن عدم تجاوز خطوط معينة من قبل أي من الطرفين وأعطى بعض الاستقرار في بقية العالم.