واصلت قوات التحالف البرية البريطانية التي كانت تحاول التقدم شمالا مواجهة مقاومة شديدة في منطقتي الناصرية والبصرة مما تسبب في سقوط ضحايا. واستمرت القوات البريطانية في مواجهة مقاومة من القوات شبه العسكرية في منطقة البصرة. وتمكنوا من دخول مدينة البصرة في السادس من نيسان بعد أسبوعين من القتال العنيف الذي اشتمل على ما اعتبره البريطانيون أكبر معركة دبابات لهم منذ الحرب العالمية الثانية.
وقعت معركة شرسة أخرى في النجف حيث خاضت الوحدات المحمولة جواً والمدرعات بدعم جوي بريطاني معركة ضارية مع وحدات الجيش العراقي ووحدات الحرس الجمهوري والقوات الفدائية. بدأت المعركة عندما أصيبت عدة طائرات عمودية أمريكية بأضرار بالغة وأسقطتها طائرات عراقية ثقيلة مضادة للطائرات وأسلحة صغيرة وقذائف آر بي جي. وتمكن العراقيون من تدمير الطائرات العمودية بأسلحة الأفراد على الرغم من أن القوات العراقية وبسبب نقص الأسلحة الموجهة المتطورة لم تتمكن من إسقاط الطائرات. ردت الولايات المتحدة في 26 آذار بوابل من نيران المدفعية وقصف من قبل طائرات F18 لكنها واجهت مرة أخرى هجمات مضادة شرسة من قبل القوات العراقية والفدائية التي اشتبكت معهم في قتال عنيف فوق جسر ذي قيمة سوقية في النجف. وهُزم العراقيون بعد 36 ساعة من القتال ونجحت الولايات المتحدة في عزل النجف عن الشمال.
هاجمت الفرق المحمولة جواً والمدرعات في 29 آذار القوات العراقية في الجزء الجنوبي من المدينة بالقرب من مسجد الإمام علي واستولت على مطار النجف. لم يتم احتلال النجف من قبل الأمريكيين حتى 4 نيسان بعد عدة أيام من القتال العنيف والدعم الجوي المكثف.
لاحظ العراقيون بحلول 25 آذار وجود قوة عسكرية مكونة من ما يقرب من ستين دبابة وعربة مدرعة تتقدم نحو 20 كيلومترا جنوب غربي منطقة الرطبة فيما اعتبره العراقيون محاولة من الأمريكيين لفتح جبهة جديدة من الأردن. كانت هذه حيلة ناجحة لتضليل الجيش العراقي لنشر قوات كبيرة في شمال وغرب العراق تحسباً لتوجهات كبيرة من تركيا أو الأردن والتي لم تحدث قط. وهكذا ركز العراق عن طريق الخطأ على هذه الجبهات مما قلل بشكل كبير من قدرته الدفاعية المحدودة في بقية البلاد وخاصة ضد الهجمات من الكويت والخليج في الجنوب الشرقي . اضطر الجيش العراقي بسبب نقص الأسلحة المتطورة لمحاربة الغزاة والخسائر الفادحة التي تكبدها بحلول أواخر آذار إلى محاولة صد الاندفاعات الرئيسة للتحالف من خلال إلزام حرسه الجمهوري بسلسلة من الاشتباكات الفاشلة مما تركهم معرضين لسلاح الطيران المتفوق للتحالف. كانت القيادة العراقية قد سحبت عناصر من الحرس الجمهوري الخاص من بغداد وتكريت ونشرتهم في تلك المعارك لكن النتيجة كانت عدم تكافؤ وحدات الحرس الجمهوري هذه أمام القوات المهاجمة وقصفها من الجو مما تسبب في خسائر فادحة.
وتم في أواخر آذار تدمير البرج الذي يضم مركز الاتصالات الرئيس في وسط بغداد بقنبلتين موجهتين بدقة ذات غلاف من اليورانيوم المنضب مما أدى إلى قطع جميع وصلات الاتصالات.
إن الهيمنة الجوية لقوات “التحالف” التي لم تواجه قوة جوية عراقية ولا دفاعات جوية كبيرة وبتقنيات جديدة جعلت التقدم أسرع مما كانت القوات العراقية المدافعة قادرة على مقاومته. وبسبب ذلك اضطر الجيش العراقي إلى وقف تقدم قوات التحالف في ما أصبح سلسلة من الاشتباكات التي يمكن أن تهاجمها القوات الجوية للتحالف عند اقترابها مما يجعلها متخلفة بالسلاح ومستهدفة من قبل الوحدات المهاجمة.
عد القادة العراقيون كربلاء ذات أهمية سوقية عالية للدفاع عن بغداد وتم لهذا الدفاع عنها من قبل فرقتين من أفضل وحدات الحرس الجمهوري التي استهدفت بشدة بالهجمات الجوية.
ومع ذلك وسواء كان ذلك بسبب الحسابات الخاطئة أو الافتقار إلى المعلومات الاستخباراتية أو تواطؤ بعض الضباط فقد أمر قصي صدام الذي كان مسؤولاً عن قيادة الوحدات في القطاع الأوسط من العراق القوات العراقية في 2 نيسان بإعادة انتشارها من جبهة كربلاء إلى شمال بغداد معتقدا كما يبدو أن الغزو من الجنوب كان خدعة وأن الزخم الرئيس كان قادماً من الشمال. وعلى الرغم من أن الفريق الأول رعد الحمداني الذي كان مسؤولاً عن الحرس الجمهوري العراقي جنوب بغداد حتى النجف احتج على ذلك وجادل بأن القوات الأمريكية ستصل إلى بغداد في غضون 48 ساعة ما لم يتم نقل التعزيزات إلى منطقة كربلاء على الفور إلا أنه لم يتم الالتفات إلى تقييمه وطلبه . وقد مكن ذلك القوات الأمريكية من التقدم إلى نهر الفرات في بلدة المسيب حيث تمكنوا من عبور نهر الفرات والاستيلاء على جسر القائد الحيوي الذي فشلت فرق الهدم العراقية في تدميره في الوقت المناسب وفقاً للخطة العسكرية .
شن العراقيون هجمات ليلية مضادة لكنها تم صدها بنيران الدبابات وصواريخ المدفعية والطائرات والمروحيات. وانهارت وحدات الحرس الجمهوري تحت قوة النيران الحاشدة مما مكن القوات الأمريكية من التقدم باتجاه بغداد.
وعلى الرغم من أن تركيا حظرت رسمياً على الولايات المتحدة استخدام مجالها الجوي أو أرضها لمهاجمة العراق إلا أنها سمحت للطائرات الأمريكية باستخدام مجالها الجوي لمهاجمة قواعد أنصار الإسلام الكردية بالقرب من حلبجة والتي كانت الولايات المتحدة وتركيا تعدها منظمة إرهابية على صلة بالقاعدة. كما تضمنت المهمات الجوية مهاجمة الوحدات العراقية في الشمال لمنعها من تقديم المساعدة لوحدات أخرى في الوسط والجنوب. وساعدت الوحدات الأمريكية الحزبين الكرديين أي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في مهاجمة الفرق العراقية قرب الموصل وكركوك.
جاء احتلال كركوك في 10 نيسان بعد أسبوعين من المعارك التي شاركت فيها القوات الخاصة الأمريكية والمظلات وفرق (السي آي إيه) شبه العسكرية والبيشمركة الكردية. وتم بعد كركوك نشر المزيد من الوحدات في أربيل ثم الموصل مما سمح لفوج المظلات البريطاني والقوات الخاصة الأمريكية وضباط (السي آي إيه) شبه العسكريين جنباً إلى جنب مع البيشمركة الكردية بالتقدم جنوباً نحو تكريت مما أدى إلى تدمير فرقة عراقية كاملة. وكان هذا أكبر انتشار للقوات الخاصة الأمريكية منذ فيتنام .
تقدمت القوات الأمريكية مع حلفائها صوب بغداد بعد ثلاثة أسابيع من العمليات. وتم الدفاع عن المدينة من قبل وحدات من الحرس الجمهوري العراقي بمساعدة مزيج من وحدات الجيش النظامي وفدائيي صدام والمتطوعين العرب غير العراقيين. ونجحت القوات المهاجمة في تدمير وحدات دفاعية في الأطراف الجنوبية للمدينة وفتحت المجال أمام المهاجمين لدخول المدينة. وتقدمت في 5 نيسان 29 دبابة و 14 عربة مصفحة من طراز برادلي من الجيش الأمريكي باتجاه مطار صدام الدولي وقوبلوا بمقاومة شديدة وتكبدوا خسائر فادحة. وحذر وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف من مفاجأة تنتظر القوات الأمريكية الغازية إذا هاجمت مطار صدام الدولي. وزعم الصحاف في وقت لاحق أن الحرس الجمهوري العراقي ذبح القوات الأمريكية وكان يسيطر على المنشأة بأكملها. ويبدو أن ادعاءاته كانت صحيحة رغم أن أمريكا ردت على ذلك بحملة من المراوغات والتشويهات بينما كانت تستهزئ بالصحاف على أنه “بوب بغداد” .
هذا هو الجزء من الحرب الذي أبقاه الأمريكيون وحلفاؤهم سراً إذ ربما لم يكن العراقيون يكذبون ولا يبالغون عندما قالوا ان الوحدة المتقدمة كلها دمرت وهو ما دفع الأمريكيين إلى استخدام ما وصفه العراقيون بـ “سلاح مروع” قتل الجنود دون الإضرار بأي شيء آخر. كانت هناك تكهنات باستخدام قنبلة نيوترونية وأدلة متزايدة على أن الأمريكيين يريدون التستر على هذه القضية.
قال القائد السابق للحرس الجمهوري العراقي سيف الدين فليح حسن طه الراوي إن القوات الأمريكية استخدمت قنابل نيوترونية وفسفورية خلال هجومها على مطار بغداد قبل الاستيلاء على العاصمة العراقية في 9 نيسان. وأوضح أنه “… كانت هناك جثث محترقة حتى عظامها” وأن القنابل أبادت الجنود لكنها تركت المباني والبنية التحتية في المطار سليمة .
هذا ما قاله النقيب إريك هـ. ماي وهو ضابط سابق في المخابرات والشؤون العامة في الجيش:
الحقيقة هي أن المعركة بدأت في 5 نيسان الليلة التي قال فيها (بوب بغداد) إنهم هاجمونا في مطار بغداد وكان هناك قتال مستمر استمر لعدة ساعات. وأفضل دليل لدي من مصادر دولية ومصادر علمية هو أن موقفنا كان يتعذر الدفاع عنه في مطار بغداد واستخدمنا رأساً حربياَ نيوترونياً واحداً على الأقل. هذا هو السر الكبير في مطار بغداد.
إذا نظر المرء في البيانات الدولية فهناك تقارير عن زيادة الإشعاع عند بعض الماشية وتأثيرات التمثيل الغذائي للإنسان – الموت والمرض وتشرح لماذا حصلنا بعد معركة بغداد على قصص مجزأة لأشياء مثل شاحنات محملة بالتراب يتم نقلها إلى الخارج والداخل. لم يكن لها أي معنى خاص في ذلك الوقت حتى يتم وضعها في منظورها الصحيح كعملية لإزالة التلوث. ومرة أخرى يشرح هذا الجزء من معركة بغداد حقيقة أننا أصبحنا نوويين ويوضح الكثير من الأشياء التي ظهرت بعد ذلك ويوضح أيضاً سبب وجوب التستر عليها. لا يمكنك الذهاب إلى بلد لمحاولة التأكد من عدم محاولة أحد بدء حرب بأسلحة الدمار الشامل ضدك وتستخدم ضده أسلحة الدمار الشامل. إنه وضع محرج للغاية لك.
أعتقد أن بغداد كشفت أننا لم نخض حرباً محدودة على الإطلاق بل كنا في حرب عالمية وكنا مستعدين لاستخدام الأسلحة النووية. وفي المواقع تم من ذلك الوقت تعديل عقيدتنا العسكرية للسماح باستخدام الأسلحة النووية التعبوية في هذا النوع من المواقف ” .
هناك أسباب للإعتقاد بأن الولايات المتحدة استخدمت أسلحة نووية في “ساحة المعركة” في العراق. ويحتاج المجتمع الدولي إلى اتخاذ بعض الإجراءات ضد مثل هذه المناورات السرية الخارجة عن القانون والتي تتحدى أعراف الحرب.
هاجمت في 6 نيسان وحدة مشاة أمريكية أحد القصور الرئاسية داخل بغداد واحتلتها بعد قتال عنيف.
وفي 7 نيسان عبرت دبابتان جسر الجمهورية فوق نهر دجلة وسط بغداد وقصفت وزارة التخطيط والمبنى الذي يضم قناة الجزيرة الفضائية مما أسفر عن مقتل أحد مراسليها. إن عدم وجود أية معارضة لمثل هذا الهجوم الضعيف يشير إلى أن المقاومة قد تبخرت لسبب ما. إن غياب البعثيين الذين يقاتلون من أجل مدينتهم يحتاج إلى بعض التوضيح من الحزب. كانت هناك شائعات بأن البنتاغون وقيادة حزب البعث أبرما “صفقة سرية” لسقوط بغداد والتي ربما تضمنت حزمة من البطاقات الخضراء الأمريكية لكبار قادة الحرس الجمهوري الخاص وعائلاتهم . وقال الفريق تومي فرانكس الذي تولى السيطرة على العراق كقائد أعلى لقوات الاحتلال التابعة للتحالف في أيار 2003 في مقابلة مع أسبوعية الدفاع إن الولايات المتحدة دفعت لقادة عسكريين عراقيين من أجل الانشقاق .
وتم في 7 نيسان أيضا نقل أحمد الجلبي مؤسس مجموعة المؤتمر الوطني العراقي المعارضة والمفضل لدى زمرة ديك تشيني والبنتاغون مع مجموعة من 700 من مؤيديه وجنوده من شمال العراق إلى الناصرية في جنوب العراق. وقال ضابط رفيع المستوى في البنتاغون إن هؤلاء سيشكلون الأساس لجيش عراقي جديد وذكر بيان صحفي صادر عن المجلس الوطني العراقي حول الانتشار أن الوحدة قد تم تصنيفها على أنها كتيبة أولى من القوات العراقية الحرة .
وأصدرت القوات الأمريكية إنذاراً نهائياً للقوات العراقية إما بالاستسلام وإلا ستواجه بغداد هجوماً شاملاً. لكن المسؤولين العراقيين كانوا قد اختفوا وكان الجيش في حالة من الفوضى حيث ترك عدد كبير من أفراده مناصبهم وأسلحتهم وعادوا إلى ديارهم.
واحتلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بغداد رسمياً في 9 نيسان.
وتزعم الولايات المتحدة أنها ما بين 20 آذار و1 أيار وهو اليوم الذي أعلن فيه بوش انتهاء الحرب المتحدة فقدت ما مجموعه 138 قتيلاً .
وخلال عام 2003 بأكمله فقد البريطانيون 53 قتيلًا وأصيب 32 بجروح خطيرة جداً و 14 بجروح خطيرة .
تتوفر خريطة متحركة للعراق توضح تواريخ ومواقع قتلى التحالف وتعمل على إعطاء فكرة عن جغرافيا العراق وأسماء الأماكن .
http://commons.wikimedia.org/wiki/File:Iraq-War-Map.png
ولكن لا يوجد سجل صحيح لعدد القتلى أو الجرحى عندما يتعلق الأمر بضحايا الجيش العراقي وكل ما هو موجود فهو من باب التخمين والتكهنات. ومع ذلك فقد قدر القائد الأمريكي تومي فرانكس بعد فترة وجيزة من الغزو أنه بتأريخ 9 أنيسان 2003 كان هناك 30000 ضحية عراقية . هذا بالطبع هو نفس تومي فرانكس المعروف بتصريحه السيئ السمعة “نحن لا نحسب الجثث” .
عانت القوات الجوية العراقية من نقص الصيانة وقطع الغيار وهي بهذا لم تطر في أي مكان. وفشلت الدفاعات الجوية البرية العراقية التي عفا عليها الزمن في حماية القوات العراقية في الميدان من التقنيات المتقدمة ولا حتى الدفاع عن بغداد ضد الضربات الجوية لقوات التحالف .
وقد فقدت قوات التحالف وفقاً لوثائق الخسائر حتى 18 نيسان 2003 16 طائرة و 16 طائرة عمودية. وتم إلى جانب ذلك تدمير ما يقرب من 30 دبابة واستولى العراقيون على 7 دبابات أبرامز. وتم تدمير عشرين شاحنة من مختلف الأنواع ونحو 30 سيارة جيب ورادار باتريوت .
كان الجيش العراقي مجهزاً تجهيزا سيئاً وبمعدات سوفيتية قديمة لا تضاهي الأسلحة المتطورة للجيشين الأمريكي والبريطاني. ولم يكن العراق قادراً على الحفاظ على معداته العسكرية بسبب نظام العقوبات ودُمرت قوته الجوية إلى حد كبير في حرب الخليج الأولى عام 1991. وقد دُمرت دفاعاته الجوية بالفعل بسبب هجمات القصف التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا في مناطق حظر الطيران. وعملت القوات الجوية الأمريكية وسلاح مشاة البحرية والطيران البحري وسلاح الجو الملكي البريطاني بدون عقاب أو رد في جميع أنحاء البلاد معلنتين التفوق الجوي على جميع أنحاء العراق. لكن العراقيين قاتلوا رغم افتقارهم إلى المعدات والوسائل. لقد دُمرت بغداد، و لم يتم، وبعد عشر سنوات من الاحتلال، إعادة بناء بنيتها التحتية.