الجزء الثالث و العشرون — الإبادة في غزو العراق واحتلاله

الفصل الثامن

 

الدمار مستمر

 

كان الدمار مقصوداً

 

يميل التاريخ إلى عدم تسجيل ما حدث بالفعل – هذا إذا افترضنا أن أحداً ما يعرف ما حدث بالفعل – لكنه يسجل في الواقع ما يعتقد الناس أنه حدث سواء أكان ذلك صحيحاً أم خطأ. وتاريخ البشرية مليء بالأمثلة ومثل هذه اللحظات ويمكن تلخيص الكثير من هذا المنظور في البديهة القائلة بأن من يكتب التاريخ هو من انتصر في الحرب. ولكن هناك أيضاً التاريخ الذي يبقى حياً في الفهم الشعبي للمهزومين والذي يتم تناقله عبر الأجيال. وهكذا يعتقد العراقيون عموماً باستثناء بضعة آلاف ممن جاءوا مع غزاة عام 2003 وأصبحوا من المستفيدين من “الغنائم” العراقية الجديدة أن تدمير العراق كان مقصوداً في غزو عام 2003. نحن نتفهم مدى صعوبة قبول الغربيين لأن الكثير من الناس قد شاركوا في حملة كان هدفها منذ البداية تدمير دولة أخرى وهذا بالضبط ما عبّر عنه البروفيسور توماس ج. ناجي عندما كتب:

 

كثيرون بمن فيهم هذا الكاتب يتراجعون عن التفكير في إمكان قيام ديمقراطية غربية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بارتكاب الإبادة الجماعية. ومع ذلك فإن هذا الاحتمال المؤلم، وحتى المحظور بالتحديد، هو الذي يحتاج إلى الفحص والدراسة

 

تطرق البروفيسور ناجي إلى إحدى المحرمات التي لا يرغب الكثيرون في لمسها وهي أن أولئك الذين نشأوا في الغرب يطورون بشكل لا مفر منه مفاهيم معينة للتفوق تجعل من المستحيل الاعتقاد بأنهم من المحتمل أن يكونوا مجرمين. فعندما تم الاتصال بعدد من النواب في لندن بشأن لائحة اتهام محتملة لتوني بلير بارتكاب جرائم حرب في العراق رد عضو بارز من حزب العمال أنه على الرغم من موافقته على الفكرة إلا أنه لا يمكنه التوقيع على عريضة تنص على أنه من الممكن أن يكون زعيم حزبه مجرم حرب. في هذا السياق نجد أنه من النادر أن يقبل الغربي فكرة أن العراق قد دُمِّر عمداً فما  بالك  بالكتابة عن هذا الموضوع. نحن في المقابل نعتقد أن العراق دُمِّر عمداً بهدف إعادة بناء العراق من جديد حيث سيكون من الأسهل بناء وتشكيل دولة من الصفر وذلك بعد محو ليس فقط مكانته الحالية بل محو تاريخه وتراثه وحتى ذاكرته.

 

لم يكن القصد من غزو العراق مجرد تغيير النظام لأنه لو كان الأمر كذلك لكان يكفي فقط اتخاذ عدد قليل من الإجراءات. ولم يتم في تغييرات أخرى للنظم السياسية تنفيذ أي من الإجراءات المتخذة في العراق. كما أنه من غير المتصور أن الولايات المتحدة التي اتخذت القرار بتنفيذ خطة غزو العراق بعد 11 أيلول مباشرة وأقامت مشروع مستقبل العراق الضخم   لم تضع عدة خيارات عمل لما يمكن أن يحدث بمجرد غزو العراق. كان تدمير العراق سيمنح المحافظين الجدد فرصة لبناء دولة على الصورة الأمريكية لكنه في حالة استحالة تحقيق هذه الرغبة سيترك العراق مدمراً وضائعاً ومشتتاً وفاقداً لذاكرته. وسيكون البديل المثالي وربما يضمن هذا البديل في الواقع تحكماً أسهل في النفط. هناك أدلة وافرة من التصريحات العامة التي تدعم زعمنا بأن التدمير كان مقصوداً منذ البداية بغض النظر عما قد يحدث بعد ذلك ذلك أن مجرد تسمية الغزو بأنه عملية “الصدمة والرعب” كان إشارة إلى طبيعتها التدميرية المقصودة.

 

يعرف أي عقيد يخطط لانقلاب في دولة نامية أنه من أجل السيطرة على البلاد يجب فرض حظر التجول بمجرد القيام بالانقلاب. وتصبح الحاجة إلى مثل هذا الحظر أكثر إلحاحاً في حالة غزو واحتلال بلد شاسع ومعقد مثل العراق. ولم يكن من الممكن أن يفلت من انتباه مخططي الغزو أنه بمجرد اختفاء الجيش العراقي والأمني ​​من شوارع بغداد فإن العديد من الأسباب كانت ستدفع العناصر الفقيرة والإجرامية إلى الوجود في الشوارع لمساعدة أنفسهم على انتزاع كل ما يمكنهم انتزاعه. وهذه ليست ميزة خاصة بالدول النامية مثل العراق بل قد شهدت حتى دول متقدمة مثل الولايات المتحدة مثل هذه الحالة عند انهيار القانون والنظام في مجتمعاتها الفقيرة . فلماذا إذاً لم يعلن الغزاة، في وجود هذه المعرفة المسبقة، حظر تجول لمدة 48 ساعة حتى يتمكنوا من تأمين قوات يتم عرضها بشكل وقائي وفقاً لالتزاماتهم كقوة احتلال؟

 

اعتقد جون أغريستو الذي كان وزيراً فعلياً للتعليم العالي والبحث العلمي خلال حكم بريمر 2003-2004 أن نهب الجامعات العراقية كان فعلًا مرغوباً به لأنه كان سيسمح لمثل هذه المؤسسات بالبدء من جديد بصفحة نظيفة وبمعدات جديدة يتم شراؤها بشكل طبيعي من الولايات المتحدة بالإضافة إلى مناهج جديدة . وقد تكون أفكار أجريستو مفهومة بالنظر إلى خلفيته السابقة كمسؤول عن كلية ثانوية للفنون الحرة في الولايات المتحدة لكن السؤال المهم هو: لماذا تم تعيين مثل هذا الشخص مسؤولاً عن نظام التعليم العالي في العراق بأكمله، فيه حوالي 400000 طالب، ومكلفاً بإدارة الجامعات العراقية وهو نفسه الذي اعترف بأنه لم يكن يعرف شيئاً عن أي شيء ولديه الجرأة لقبول المنصب لأن “هذا ما يفعله الأمريكيون: يذهبون ويساعدون”

 

يضم المتحف الوطني العراقي على عكس المتحف البريطاني ومتحف اللوفر مجموعة أصلية من القطع الأثرية ويتكون من مبنى حديث تم بناؤه في قلب الكرخ في الجانب الغربي من بغداد وعلى مسافة قصيرة من القصر الرئاسي. كان من المتوقع أن تكون وحدات الجيش الأمريكي في المنطقة المجاورة يوم سقوط بغداد في أيدي الغزاة ولم يكن غزو المتحف مفاجئاً أو أخذ الغزاة على حين غرة. فقد قدمت عدة جامعات وأطراف معنية قبل الغزو بأشهر قليلة عرضاً للحكومة الأمريكية حثتها فيه على الحفاظ على تراث العراق وحمايته عند الغزو. وكانت مخاوفهم مسوغة. فبين 10 و 12 نيسان غزا العراقيون والأجانب المتحف العراقي كل منهم يبحث عن شيء ما – كان الإسرائيليون يبحثون عن نسخة قديمة من التوراة وتجار الفن الأوروبيون يبحثون عن ما هو خفيف وثمين، والعراقيون العاديون يبحثون عن أي شيء يمكنهم وضع أيديهم عليها. سار أحد أمناء المتحف إلى الجنود الأمريكيين في مكان قريب وطلب منهم التدخل وكان جواب الضابط المسؤول بعد إجراء الاتصال المناسب للحصول على إذن من المنسق بأنه تلقى أوامر بعدم التدخل . وأعلن في عام 2007 من قبل مسؤول أمريكي أن هذا كان مقبولاً كسياسة الولايات المتحدة. فكشفت “باربرا بودين” سفيرة الولايات المتحدة في ذلك الوقت لتشارلز فيرجسون في شريطه الوثائقي (لا نهاية تبدو/ No End in Sight) أن أوامر مباشرة جاءت من واشنطن تنص على عدم تدخل أحد في أعمال النهب” . رد دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي عند سؤاله عن أعمال النهب والفوضى في العراق أن هذه الأحداث كانت علامات إيجابية على تحرير شعب مقهور

 

ومع ذلك فإن المثقفين الاستكباريين ووسائل الإعلام يصرون على رفض أية فكرة بأن الولايات المتحدة إما كانت عازمة على تدمير العراق أو أنها سمحت بحدوث ذلك بتهور.

 

فنقلت نعومي كلاين عن بيتر ماكفرسون وهو أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لبول بريمر أن جو الفوضى كان جزءاً من عملية التغيير: “اعتقدت أن الخصخصة حدثت بشكل طبيعي [كذا] عندما تولى شخص ما المسؤولية عن سيارة كانت مملوكة للدولة أو بدأ في قيادة شاحنة كانت الدولة تمتلكها وكان كل شيء على ما يرام” .  ومن سياق هذه العقلية للأشخاص المسؤولين عن العراق بعد الغزو يجب النظر إلى مشروع إعادة بناء العراق.

 

لا نعتقد أن نهب العراق الذي عده ماكفرسون بداية للخصخصة كان عفوياً وشخصياً تماماً ولدينا أسباب للاعتقاد بأنه تم تنظيمه وتخطيطه مسبقاً من قبل مجموعة أو مجموعات معينة. فقد احتاج تجريد الوزارات والمعاهد التعليمية والمستشفيات والصناعات الحيوية إلى مزيد من التخطيط أكثر من اندلاع عفوي للجشع البسيط أو الحاجة لبعض العراقيين الفقراء، وتدعم هذا الاعتقاد رواية شاهد عيان. ففي اليوم التالي لسقوط بغداد في أيدي الغزاة في 9 نيسان 2003 قامت حافلتان،  كانت قد تم تحويرهما وأزيلت مقاعدهما، بصدم  بوابة المستشفى النفسي الرئيسي في بغداد حيث كان صهرنا مديراً. قفز الرجال الذين يتحدثون العربية بلهجة غريبة من الحافلتين وعملوا على مدار الساعتين التاليتين على تجريد المستشفى بالكامل من كل شيء بما في ذلك الستائر وحملوها في الحافلتين ثم ابتعدوا. لا يمكن أن يتم ذلك من قبل الناس العاديين دون تخطيط مسبق فمن كان وراء هذه الأعمال؟ والعراق مليء بقصص مماثلة يرويها أناس حقيقيون عاشوا هذه الفوضى.

 

وما أن هدأ النهب حتى شرع بريمر في مكافأة الميليشيات الشيعية لقتالها صدام حسين. ثم تم تشكيل مغاوير الشرطة الخاصة سيئة السمعة (SPC) كما سنوضح لاحقاً في هذا الفصل. بدأت سياسة ضمان تجزئة العراق على أسس طائفية وعرقية مع تعيين مجلس الحكم الذي تم تشكيله على أساس معيارين يقاس بهما المرشحون: 1) الولاء للولايات المتحدة و2) ما إذا كانوا من السنة أو الشيعة أو الأكراد أو ممثلين لأقلية عرقية أو دينية أخرى. وقد أدى ذلك إلى اندلاع أعمال العنف الطائفي بعد عامين والتفجير الطائفي الحالي والتقسيم المعترف به للمراكز العليا في الدولة على تلك الأسس الطائفية والعرقية – أن يكون الرئيس كردياً وأن يكون رئيس الوزراء عربياً شيعياً ون يكون رئيس مجلس النواب عربياً سنّياً – ما يجعله وصفة لكارثة. وبدأت لغة جديدة في الانتشار مخاطبة كيانات مثل “المحكمة الاتحادية” أو “الشرطة الاتحادية” تغرس في أذهان الناس فكرة العراق كدولة اتحادية.

 

حالما أنهت الميليشيات الشيعية مهمتها في قتل أكبر عدد ممكن من المتمردين السنة قررت الولايات المتحدة أن الوقت قد حان لتسليح السنة وأنشأت ما يسمى بقوة (الصحوة). وتم تشكيل جيش جديد قوامه حوالي 100 ألف تدفع لهم أجور مقابل عدم القيام بأي شيء سوى خدمة المصالح الأمريكية والتجسس على إخوانهم السنة. ولا أحد يعرف حقاً عدد أعضاء الصحوة الذين تحولوا إلى القاعدة في السنوات التالية.

 

ليس من السهل استنتاج ما إذا كان بريمر قد أجبر على مغادرة العراق لأن سياساته لم تعمل كما هو مخطط لها أم أنه كان مخططاً له أن يفعل ما فعله ويترك الأمور معلقة كما كانت عندما غادر. لكنه مهما كانت الحقيقة فإن العراق كان، عندما غادره بريمر، دولة بلا قانون وبلا حكومة أو شرطة أو قوات أمن أو جيش ولكن كان فيه مليشيات مختلفة كل منها يقاتل من أجل منطقة ونفوذ أكبر.

 

كان هناك القليل من النشاط السياسي الآخر خلال 35 عاماً من حكم حزب واحد في العراق هو حزب البعث وإن ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية المكونة من بضعة أحزاب صغيرة من الشيوعيين والقوميين العرب لم تكن أكثر من مجرد تزيين نافذة لحكم الحزب الواحد. وهكذا لم يكن هناك عشية الغزو سوى عدد قليل من القوى السياسية المنظمة في العراق. ففي الشمال وافق الحزبان الكرديان الرئيسان الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذان كانا يتمتعان بالحكم الذاتي الكامل منذ عام 1991 وفرض منطقة حظر طيران من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على تقاسم السلطة بالتساوي لدرجة أنه حتى مجلس النواب في كردستان انقسم بالتساوي بين الطرفين. أما في العراق العربي فإن حزب البعث، والذي تم تضخيمه بشكل مصطنع لملايين الأعضاء، كان  غير منضبط وغير منظم ومحبِط.

 

وهكذا عندما تم غزو العراق وإخراج البعث من السلطة نشأ فراغ سياسي. لكن الجماعات السياسية التي حاولت ملء هذا الفراغ جاءت جميعها من نفس الانتماء السياسي أي النزعة المؤيدة للاستكبار الصهيوني وجميعهم تقريباً جاءوا من الخارج – من إيران وسوريا وإنجلترا والولايات المتحدة. وتم تشكيل الحزب الإسلامي وهم الإخوان المسلمون في العراق من فلول الحزب القديم بدماء جديدة تتدفق إليه من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وشبه الجزيرة العربية. وأصبح الشيعة ممثلين بثلاث مجموعات سياسية رئيسة: المجموعة الأولى هي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق التي أسقطت فيما بعد كلمة الثورة لأنها أزعجت الأمريكيين وكانت قد تأسست في إيران وبدعم وتمويل من الإيرانيين. والمجموعة الثانية كانت حزب الدعوة الذي أنشأه في الأصل شاه إيران عام 1959 لكنه غير ولاءه للخميني في عام 1979 مما أدى إلى هجوم شنه حزب البعث في الثمانينيات على حزب الدعوة حتى عدم دوره تقريباً ولم يكن عناك عشية الغزو سوى عدد قليل من أعضاء الحزب يعيشون في لندن ودمشق وطهران. أما التجمع الشيعي الثالث فكان يتكون مما يسمى بالصدريين أي أتباع مقتدى الصدر. وكان هناك عراقيون آخرون خارج هذه الجماعات موالين على قدم المساواة للولايات المتحدة حريصين على أن يكون لهم نصيب في ثروة العراق لكنهم لم يكونوا مستعدين ليكونوا جزءاً من أي من طرفي الانقسام الطائفي. فاختاروا تشكيل اتحاد فضفاض سمي “الوفاق الوطني العراقي”. وتشترك كل هذه المجموعات السياسية في العديد من القواسم المشتركة – فجميعهم حلفاء للولايات المتحدة وليست لديهم برامج سياسية على الإطلاق ويقاتلون من أجل حصة أكبر من ثروة العراق.

 

كان العراق خلال 35 عاماً من حكم البعث شبه خال من الفساد أما اليوم فإن العراق مليء بالفساد. لقد جاءت الطبقة الجديدة من السياسيين العراقيين الذين كان غالبيتهم مفلسين في الخارج إلى العراق بهدف واحد: كسب أكبر قدر من الثروة في أقصر وقت وإيداعها في الخارج خوفاً من أن حكمهم لن يستمر. والأدلة التالية تثبت ادعائنا.

 

1)  ترتيب العراق من قبل منظمة الشفافية الدولية وهي التحالف العالمي ضد الفساد: احتل العراق في تقويمه لعام 2014 المرتبة 170 من أصل 175 متقدماً على السودان والصومال فقط في العالم العربي

 

2) التصريح التالي لحيدر الملا عضو مجلس الحوار الوطني العراقي في مقابلة على قناة السومرية التلفزيونية بثت في 16 كانون الثاني 2013:

 

… دعني أقول لك هذا … كل الطبقة السياسية في العراق وأكرر كل الطبقة السياسية في العراق وأنا أترأس القائمة قد رتبت أموالهم وأموال عائلاتهم حتى لو كان هناك دماء في الشارع فلن يعانوا ولكن العراقي البائس سيفعل….

 

وغني عن القول أن المحاور ابتسم ولم يتابع هذا الخط لأنه كما هو معروف في العراق فإن كل السياسيين فاسدون. وهذا قد يفسر ما يحدث لـ 100 مليار دولار يجنيها العراق كل عام من النفط دون أي تطوير أو تحسين في الخدمات المقدمة للشعب العراقي. فقد أفادت وزارة التخطيط العراقية في عام 2006 أن 40٪ من العراقيين يعيشون في فقر مدقع مما جعل مستوى المعيشة أسوأ مما كان عليه عشية الغزو الذي أعقب 12 عاماً من الحصار الشامل. وأفاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في عام 2006 أن 54٪ من العراقيين كانوا يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم بينما وجد برنامج الغذاء العالمي (WFP) في نفس العام أن أربعة ملايين عراقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي وأن أكثر من ثمانية ملايين كانوا يعيشون بشكل كامل ويعتمدون في بقائهم على الحصص اليومية التي يوفرها نظام التوزيع العام

 

إن الفساد مضر في أي مجتمع ولكنه عندما يصل إلى القضاء يصبح كارثة. فقد أقال بريمر جميع القضاة البعثيين تنفيذا لخطط الولايات المتحدة لإعادة بناء العراق. وهذا يعني أن جميع القضاة المؤهلين في العراق تقريبا فقدوا وظائفهم. ولغرض ملء تلك المناصب عين بريمر خريجي قانون غير مؤهلين للعمل كقضاة ومؤهلاتهم الوحيدة هي أنهم كانوا مناهضين للبعث. كانوا معينين سياسياً أكثر من كونهم خبراء قانونيين. ولن يكون غريباً أنهم غرقوا ببطء في البيئة السياسية الفاسدة حيث كان من الأهم البحث عن الانتماء الطائفي أو السياسي للمتقاضين وقدراتهم المالية بدلاً من عدالة قضاياهم. ولا يوجد ما يحبط أكثر من أن يدرك المواطن أنه لا يقدر أن يلجأ إلى العدالة عند وقوع الظلم. وقد لخصت منظمة هيومان رايتس ووتش هذه الحقيقة عندما نقلت عن مسؤول في وزارة حقوق الإنسان شرح سبب فشل السلطات في وقف الاتجار بالنساء العراقيات والذي سنناقشه لاحقاً في هذا الفصل  قائلة:  إن الإتجار عمل كبير من الأعمال التجارية والمتاجرين بالبشر لديهم النفوذ والصلات السياسية ووسائل رشوة من هم في السلطة. وختم مسؤول وزارة حقوق الإنسان بالقول إن “الفساد في العراق كبير جدا بما في ذلك أعضاء سلك القضاء والمحامين”. 

 

وهذه عينة من التدمير المستمر للعراق الذي تلاه منذ الغزو وزرع الفاسدين العراقيين الذين تم جلبهم من الخارج لتنفيذ السياسات الأمريكية الصهيونية في الشرق الأوسط الجديد.

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image