مجلس الأمن ييسر الجريمة
دخل مجلس الأمن بعد صدور القرار 1472 في حقبة جديدة أصبح فيها ميسراً للجريمة بتبنيه قرارات حاولت إضفاء الشرعية على جريمة العدوان على العراق.
وهكذا عندما أكمل الغزاة المرحلة الأولى من الدمار بعد احتلالهم الكامل للعراق أرسلت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خطاباً إلى مجلس الأمن دعتا فيه فعلياً مجلس الأمن للاجتماع ومنحهما التفويض الحر لحكم العراق على عكس مبادئ القانون الدولي. وتعد الرسالة المؤرخة 8 أيار 2003 والمرفقة نسخة منها في الملحق الثاني، رسالة مهمة للغاية لأنها المثال الأكثر وضوحاً منذ الحرب العالمية الثانية حيث اختبرت دولة عضو القانون الدولي سعياً إلى إضفاء الشرعية على عمل عدواني ضد دولة عضو أخرى. وهكذا وعلى الرغم من أن الرسالة بدأت بالادعاء بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفائهما كانوا يعملون على نزع سلاح العراق – وهو ما لم يكن لديهم بشأنه سلطة على أي حال – فقد عبرت الرسالة بصراحة ووضوح عن الهدف الحقيقي للغزو وهو تغيير النظام حين قالت:
تدرك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وشركاء التحالف الحاجة الملحة لخلق بيئة يستطيع فيها الشعب العراقي تقرير مستقبله السياسي بحرية. وتقوم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وشركاء التحالف تحقيقاً لهذه الغاية بتسهيل جهود الشعب العراقي لاتخاذ الخطوات الأولى نحو تشكيل حكومة تمثيلية على أساس سيادة القانون توفر الحريات الأساس والمساواة في الحماية والعدالة في ظل القانون لشعب العراق بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس.
اجتمع مجلس الأمن في 22 أيار 2003 أي بعد ثلاثة عشر يوماً من استدعائه من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتبنى القرار المهم للغاية رقم 1483 . ولم يفشل مجلس الأمن فقط في واجبه في معالجة العدوان على دولة عضو ذات سيادة واحتلالها ولكن ذهب أبعد من ذلك إلى إضفاء الشرعية على مثل هذه الجريمة عندما ذكر:
وإذ يؤكد من جديد سيادة العراق وسلامته الإقليمية،
كان مجلس الأمن، وهو يعرف أن الاحتلال هو إنكار للسيادة، يحاول إعادة تعريف المصطلحات بموجب القانون الدولي التي كان من الواضح أنها متناقضة مع نفسها. وانحرف القرار عن قاعدة القرارات التي اتخذها جهاز مهم من هذا القبيل في النظام الدولي عندما استخدم لغة أكثر ملاءمة للدعاية السياسية الخادعة مما يجب أن تكون عليه في منتدى قانوني مسؤول عندما نص على ما يلي:
وإذ يشجع الجهود التي يبذلها شعب العـراق مـن أجـل تشـكيل حكومـة تمثلـه اسـتنادا إلى مبـدأ سـيادة القـــانون الــذي يكفــل المســاواة في الحقــوق وأمــام العدالــة لجميــع المواطنــين العراقيين دونما اعتبـار للأصـل العرقـي أو الديـن أو نـوع الجنـس، وإذ يذكـر، في هـذا الصـدد، بالقرار (١٣٢٥) ٢٠٠٠ المؤرخ ٣١ تشرين الأول ٢٠٠٠،
وإذ يرحب بالخطوات الأولى الـتي اتخذهـا الشـعب العراقـي في هـذا الشـأن، ويلاحـظ فـي هذا الصدد بيـان الناصريـة الصـادر في ١٥ نيسـان ٢٠٠٣ وبيـان بغـداد الصـادر في ٢٨ نيسان ٢٠٠٣،
فقد تغاضى مجلس الأمن أولاً عن المبدأ الأساس القائل بأنه لا يحق له التدخل في الشؤون الداخلية للدول حيث تم إنشاؤه للتعامل مع المشكلات بين الدول. وكان من المستحيل ثانياً على مجلس الأمن التحقق مما إذا كان العراقيون قد اتخذوا خطوات لتشكيل حكومة تمثيلية بعد أسبوعين فقط من احتلالهم أم لا. ومن الأرجح أن مجلس الأمن كان يعتمد على الاستعدادات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتولي بعض وكلائها المسؤولية. ثالثًا ودعماً للملاحظة السابقة أشار القرار إلى حوادث غير مهمة ومفتعلة كما لو كانت حدثاً تاريخياً للحظة. لن يشكك القارئ العادي الذي يكن بعض الاحترام لمجلس الأمن في مثل هذا البيان لكنه إذا القى نظرة فاحصة أكثر تصبح مسألة نزاهة مجلس الأمن برمتها موضع شك.
إن حقيقة التصريحات المشار إليها في قرار مجلس الأمن يمكن استخلاصها في ما ورد في البيانات الصحفية للقيادة المركزية الأمريكية: أقلعت في 15 نيسان طائرة C130 من قاعدة العيديد الجوية باتجاه جنوب العراق. كان على متن الطائرة زلماي خليل زاد من مجلس الأمن القومي الأمريكي ورايان كروكر من وزارة الخارجية ولاري ديريتا من وزارة الدفاع والأدميرال جيم روب والجنرال المسؤول عن التخطيط في القيادة المركزية الأمريكية (J5) وجيم ويلكنسون مدير الاتصالات السوقية للقيادة المركزية الأمريكية والسفير ديفيد ليت والمستشار السياسي للفريق تومي فرانكس والسفير السابق في الإمارات العربية المتحدة وعدة موظفين آخرين من وزارة الخارجية والقيادة المركزية الأمريكية. وكان على متن الطائرة ثلاثة دبلوماسيين من الدول الثلاث التي ساهمت بقوات في غزو العراق وعراقيان. كانوا السفير البولندي ريزارد كريستوسيك الذي أدار قسم المصالح الأمريكية في بغداد لمدة ست سنوات حتى عام 2001 والأسترالي بيتر فارغيز والبريطاني إدوارد شابلن وعماد ضياء وهو أميركي عراقي يعيش في ديترويت وانتفاض قنبر ممثل المؤتمر الوطني العراقي في واشنطن العاصمة وممثله في القيادة المركزية. وبعد وصولهم إلى الناصرية عقدوا اجتماعا تحدث فيه عدد قليل منهم وأربعة عراقيين كانوا يعيشون خارج العراق. كان البيان الوارد في قرار مجلس الأمن يشير إلى هذا الاجتماع .
ومع ذلك وعلى الرغم من توفر البيانات الصحفية المعاصرة قدمت وزارة الخارجية الأمريكية الادعاء التالي:
في 15 نيسان اجتمع بالقرب من مدينة الناصرية ما يصل إلى مائة عراقي يمثلون كل جزء من العراق لمناقشة الرؤى التي لديهم لمستقبلهم وأفضل طريقة لرسم مسار نحو حكومة تمثيلية ديمقراطية. كما حضر الاجتماع المبعوث الخاص للرئيس السفير خليل زاد ونائب مساعد وزير الخارجية رايان كروكر ومسؤولون آخرون في الوزارة وممثلو التحالف. وفي نهاية الجلسة صوت المشاركون العراقيون ووافقوا على بيان ختامي يقترح 13 مبدأً لحكومة عراقية مستقبلية .
لا يوجد دليل على وجود 100 عراقي يمثلون كل جزء من العراق يُزعم أنهم حضروا. فقد أفاد البيان الصحفي للقيادة المركزية الأمريكية أن عراقيين قدموا من الخارج وهم بهذا لا يمكن عدهم أنهم يمثلون العراق حقاً. وفي ضوء الحقائق المذكورة أعلاه فإن إشارة مجلس الأمن إلى البيان تدعم ادعاءنا بأن مجلس الأمن كان لفترة طويلة ختماً مطاطياً للقرارات التي صاغتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دون حتى محاولة التحقق من محتوياتها.
يمضي قرار مجلس الأمن في ملاحظاته ليذكر أنه:
- وإذ يؤكد ضرورة المحاسبة على الجرائم والفظائع التي ارتكبها النظام العراقي السابق
وبهذا يؤيد مجلس الأمن عملية تغيير النظام من خلال الاعتراف بأن النظام السياسي في دولة العراق لم يعد موجوداً. ولا يتصرف مجلس الأمن بقيامه بذلك ضد المبادئ التي دعا جميع الأطراف إلى احترامها بل إنه نفسه ينتهك القانون الدولي على النحو المنصوص عليه بموجب القانون الدولي العرفي واتفاقيات جنيف التي تحظر تغيير النظام بعد الاحتلال . وقد أثبت مجلس الأمن إلى جانب ذلك انحيازه بافتراضه دقة التقارير الواردة من مصادر استكبارية عندما علق على الفظائع التي ارتكبها النظام السابق دون إجراء أي تحقيق مستقل خاص به.
وأشار القرار إلى خطاب 8 أيار ووافق على سلطة التحالف المؤقتة التي وضعها المحتلون لحكم العراق لكنه فشل في التشكيك في شرعية مثل هذه السلطة. فإذا افترضنا أن مجلس الأمن كان مقتنعاً بأن الغرض الصحيح من الغزو هو نزع سلاح العراق (وهو أمر مشكوك فيه في حد ذاته في المحتوى العراقي لسنوات من عمليات التفتيش على الأسلحة وبشكل عام من حيث صلته بحق الدول ذات السيادة في الدفاع عن النفس) فإن الطريقة المناسبة لمجلس الأمن للتعامل مع هذه المسألة هي قبول الغزو ودعوة الغزاة إلى الانسحاب بعد نزع سلاح العراق تاركاً الحكومة الشرعية للعراق أن تدير البلاد دون أية حاجة إلى السلطة المؤقتة. كانت الحكومة الشرعية للعراق مختبئة في أعقاب الغزو بقدر ما اختبأت الحكومة الشرعية في فرنسا بعد غزو هتلر لفرنسا. ويجب في هذه الحالة أن يعلن مجلس الأمن عن اعترافه بالحكومة الشرعية للعراق وحقها في محاربة الغزاة.
عززت الفقرة 12 من القرار احتلال العراق وشرعت الخطوة الأولى في السيطرة الكاملة على العراق من خلال السيطرة على عائداته النفطية كما يلي:
12 – يشير إلـى إنشاء صندوق تنمية للعـراق، يوضـع في عهــدة المصـرف المركـزي للعراق، ويقوم بمراجعة حساباته محاسبون عموميون مستقلون يقرهم المجلس الـدولي للمشـورة والمراقبة لصندوق التنمية للعـراق ويتطلـع إلى عقـد اجتمـاع مبكـر للمجلـس الـدولي للمشـورة والمراقبة، الذي سيكون من بـين أعضائـه ممثلـون مؤهلـون علـى النحـو الواجـب للأمـين العـام، وللمدير الإداري لصندوق النقد الـدولي، وللمديـر العـام للصنـدوق العـربي للإنمـاء الاقتصـادي والاجتماعي، ولرئيس البنك الدولي؛
وأهمل القرار الإشارة إلى الجهة التي أنشأت صندوق تنمية العراق (DFI) أو السلطة التي أنشأته بالفعل. وتصبح الصورة أكثر وضوحاً لاحقاً في الفقرة عندما يقال إن المجلس الدولي للمشورة والمراقبة (IAMB) الذي يسيطر بشكل كامل على الشؤون المالية للعراق سيتألف من ممثلين عن رئيس البنك الدولي وممثل العضو المنتدب في صندوق النقد الدولي والأمين العام ومدير الصندوق العربي.
نحن لدينا هنا مجلس للأمن تم إنشاؤه للحفاظ على السلام والنظام لكنه يعمل هنا كعامل للعدوان ويساعد الغزاة والمحتلين على تغيير النظام السياسي في دولة ذات سيادة وتشكيل النظام الاقتصادي بالشكل الذي يراه الغزاة والمحتلون مناسباً لضمان مصلحتهم الخاصة.
تمت صياغة جميع قرارات مجلس الأمن الصادرة في أيار 2003 في شكل وضع العراق تحت تفويض الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن كلمة “انتداب” لم تُستخدم قط في أي قرار فقد تمت صياغة جميع القرارات بشكل فعال على هذا الأساس. وانتهك مجلس الأمن ميثاق الأمم المتحدة وتصرف بشكل غير قانوني عندما تعاون مع الغزاة على خرق سيادة دولة عضو حتى لو كان بعض أعضاء الأمم المتحدة يعتقدون أن زعيم الدولة كان مبغوضاً. لا ينبغي أن يعمل مجلس الأمن خارج نطاق الميثاق أو مبادئ القانون الدولي. أي أنه باختصار لا ينبغي السماح له بإعادة كتابة القانون الدولي. لكن هذا هو بالضبط ما فعله مجلس الأمن في العراق مسهلاً بفعله هذا الجرائم التي ارتكبها الغزاة. ولم يكن العراق دولة ذات سيادة فقط ولا ينبغي أن تكون سيادتها أقل حماية لها من أية دولة عضو أخرى لكنها كانت أيضاً عضواً مؤسساً للأمم المتحدة وواحدة من الدول الخمسين التي وقعت على ميثاق الأمم المتحدة الأصلي في 26 حزيران 1945 قبل بولندا واسبانيا وكلاهما غزا العراق عام 2003!
وهكذا عندما تبنى مجلس الأمن القرار 1500 في 14 آب 2003 فقد تصرف على افتراض أن العراق كان تحت الوصاية الخيرية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأن الإجراءات التي اتخذتها هاتان الدولتان بحاجة إلى مصادقة عليها . يرحب مجلس الأمن الدولي في قراره بتشكيل مجلس الحكم في 13 تموز 2003 من قبل بول بريمر الحاكم الجديد الفعلي للعراق. كان مجلس الحكم مؤلفا من 26 شخصاً معظمهم يحملون جوازات سفر بريطانية أو أمريكية ولم يكونوا قد عاشوا في العراق لبعض الوقت ولهذا لم يكن لديهم سوى القليل من المعرفة أو الاتصال بالعراق. كان الشيء الوحيد المشترك بين أعضاء مجلس الحكم هو ولاؤهم للسياسات الاستكبارية الأمريكية. ومع ذلك وجد مجلس الأمن أنه من المناسب الترحيب بهذا المجلس كخطوة أولى نحو “حكومة تمثيلية تحقق سيادة العراق”.
تطورت المؤامرة ضد العراق والتي كان مجلس الأمن شريكاً كاملاً فيها من وصف مجلس الحكم بأنه “خطوة أولى نحو حكومة تمثيلية” إلى القرار 1511 الذي رحب فيه مجلس الأمن بالعملية التي بدأها مجلس الحكم والتي أدت إلى صياغة مسودة “دستور يجسد تطلعات الشعب العراقي” الذي تم تبنيه في 16 تشرين الأول 2003 . وقد يبدو هذا لنا أسوأ من اعتماد عصبة الأمم للقرار الذي رحبت فيه بالخطوات التي اتخذتها حكومة فيشي المؤيدة للنازية بقيادة المارشال فيليب بيتان لصياغة دستور جديد لفرنسا – وهي حكومة يمكن القول بسهولة أنها ريما كانت لديها شعبية أكثر في فرنسا مما كان لمجلس الحكم في العراق .
لكن الفقرة 1 من القرار 1511 محيرة بشكل أكبر إذ تنص على:
١ – يعيـد تـأكيد سـيادة العـراق وسـلامة أراضيـه، ويشـدد في هـذا الصـدد، علـــى الطــابع المؤقــت لاضطـــلاع ســـلطة التحـــالف المؤقتـــة (الســـلطة) بالمســـؤوليات والســـلطات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي المنطبـق والمعـترف بهـا والمنصـوص عليـها في القـرار ١٤٨٣ ( ٢٠٠٣ ( والتي ستنتهي عندما يقيم شعب العراق حكومة ممثلة للشـعب معـترف بهـا دوليا تقسم اليمين الدستورية وتتولى المسؤوليات المنوطة بالسلطة، بخطوات منها تلك الـواردة في الفقرات من ٤ إلى ٧ والفقرة ١٠ أدناه؛
وبالنظر إلى حقيقة أنه بحلول الوقت الذي تم فيه تبني القرار 1511 كانت سلطة الائتلاف المؤقتة قد أدخلت تغييرات في العراق على شكل تشريع جديد وحل مؤسسات الدولة الأساس والتدابير الاقتصادية والمالية وغيرها من التغييرات التي لا يمكن عكسها فمن المناسب أن نسأل كيف يمكن أن يكون مجلس الأمن غافلاً عن الوضع الفعلي بحيث يتحدث عن الطبيعة المؤقتة للإجراءات التي اتخذتها سلطة الائتلاف المؤقتة؟ لعل مجلس الأمن لم يكلف نفسه عناء التحقق من أي فقرة ظهرت في أي قرار لأنه كان مجرد ختم مطاطي لسياسات الولايات المتحدة وأن هذه القرارات الداعمة تمت صياغتها بالفعل من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟
أعاد القرار 1551 التأكيد على إنشاء المجلس الدولي للمشورة والمراقبة (IAMB) كما تم إقراره في القرار 1483 المؤرخ 22 أيار 2003. ولكن بالنظر إلى أن مجلس الأمن اعتقد أنه من الضروري إنشاء IAMB لمراقبة الطريقة التي يتم بها استخدام الأصول العراقية فإن المرء مجبر على أن يسأل من كان يراقب الأصول العراقية خلال الأشهر الخمسة الماضية ولماذا لم يتم إنشاء المجلس الدولي للمشورة والمراقبة بالفعل؟
حاول مجلس الأمن إضفاء طابع الصحة والسلامة على الاحتلال من خلال الموافقة على تشكيل قوة متعددة الجنسيات (MNF) تحت قيادة الولايات المتحدة لتأمين الاستقرار والنظام في العراق.
كان القرار المهم التالي لمجلس الأمن بشأن العراق هو القرار 1546 الذي تم تبنيه في 8 حزيران 2004. وتنبع أهميته من حقيقة أنه تم تبنيه في الوقت الذي كان من المفترض فيه نقل بعض السلطة الاسمية من المحتلين إلى عملائهم العراقيين في بغداد. صادق القرار على تشكيل “الحكومة العراقية المؤقتة” التي اختارها مجلس الحكم والذي كان بول بريمر قد اختاره بنفسه. كما رحب بطلب رئيس الوزراء المعين من مجلس الأمن الإبقاء على وجود القوات الأمريكية في العراق. بدأت الرسالة المرفقة التي أرسلها رئيس الوزراء المعين بـ:
بناءً على تعييني رئيساً لوزراء الحكومة العراقية المؤقتة
أغفل مجلس الأمن معالجة المشكلة القانونية الأساس المتمثلة في عدم وجود سلطة لتعيين حكومة للعراق الذي كانت لديه حكومة شرعية عندما تم غزوه والتي كان ينبغي أن تظل السلطة الشرعية بموجب القانون الدولي.
والجدير بالذكر هو أن هذا القرار كان الأول منذ الغزو الذي أشار فيه مجلس الأمن إلى استقلال العراق حيث نص:
وإذ يعيد تأكيد استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامته الإقليمية،
أصبح افتقار مجلس الأمن للمعرفة القانونية أو القلق بشأن شرعية أفعاله واضحاً بشكل متزايد حيث خدعته الولايات المتحدة بالموافقة على الإجراءات الأمريكية. ويتجلى ذلك في الفقرة 2 عندما ينص القرار:
٢ – – يرحب بأنه سيتم، بحلول ٣٠ حزيران ٢٠٠٤ أيضا، انتـهاء الاحـتلال، وانتهاء وجود سلطة الائتلاف المؤقتة، وبأن العراق سيؤكد من جديد سيادته الكاملة؛
وهذا يفضح الجهل التام بمعنى الاحتلال بموجب القانون الدولي. ينتهي الاحتلال بموجب القانون الدولي بإحدى طريقتين: إما أن ينسحب الجيش الغازي طواعية أو يتم إخراجه بالقوة وليس هنالك طريق وسط. فلا يمكن القول بأن الاحتلال قد انتهى عندما يكون المحتل ما يزال يحتفظ بوجوده ثم يزعم بعد ذلك أنه يستمد شرعيته من قبل حكومة أقامها. وقد أخطأ مجلس الأمن في الترحيب بنهاية احتلال العراق وهو يعلم أن القوات الأمريكية ستبقى في العراق. ومن المضحك محاولة توضيح أن قوات الاحتلال الأمريكية كانت تقيم في العراق بناءً على طلب حكومة شرعية فلم تكن حكومة إياد علاوي في عام 2004 أكثر شرعية مما كانت عليه حكومة المشير فيليب بيتان في فرنسا عام 1940.