تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني
ترجمة: د. طارق العاني
حكم البعث
كانت قيادة حزب البعث عام 1963 تمر بمرحلة مراهقة من النضج السياسي. فكانت مليئة بالرغبات الشخصية في القيادة مكنت شركاءها في الانقلاب من الفصائل الأخرى للحركة القومية العربية من زرع الفتنة التي مكنتهم في النهاية من التخلص من البعث ولو بشكل مؤقت . شهدت فترة حكم الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف التي امتدت من عام 1963 إلى عام 1968 استقراراً أكثر من السنوات الخمس السابقة .
لقد مرت حركة البعث ككل وليس فقط في العراق بمرحلة شبه انهيار مع تغييرات وتحديات كبيرة للقيادة القومية للحزب. وقد مكن الفراغ، الذي أحدثه فشل قيادة البعث في العراق في تشرين الثاني 1963، صدام حسين وأحمد حسن البكر من إعادة هيكلة الحزب بالشكل الذي يريدانه. وعلى الرغم من أن الحزب كان ما يزال ضعيفاً جداً ويخضع لعملية إعادة هيكلة إلا أن أحمد حسن البكر وصدام حسين لم يستطيعا مقاومة إغراء الاستيلاء على السلطة عندما صار معروفاً لهما أن خطة وكالة المخابرات المركزية للإطاحة بالرئيس عارف جارية. ففرضوا أنفسهم على المؤامرين وانضموا إليهم في تقاسم السلطة في 17 تموز 1968 بعد عشر سنوات من الإطاحة بالنظام الملكي مما يشير إلى عودة البعث بعد ما يقرب من خمس سنوات من فشلهم الأول . كان الرجلان كلاهما قد تعلم من أخطاء البعث عام 1963 وتأكدا من عدم تكرارها. ولذلك قاموا وقبل أن يتاح للمؤامرين الذين ترعاهم الولايات المتحدة الوقت ليتحسسوا طريقهم إلى أروقة السلطة بنشر رجالهم الموالين في مناصب قيادية في الجيش وتمكنوا من طرد حلفاء الولايات المتحدة من المؤامرين معهم في 30 تموز 1968 . وضمن هذا النجاح أن يستمر حكم البعث حتى أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بالحزب في 9 نيسان 2003.
نعتقد أن البعث كان يؤمن بصدق بمهمته في بناء عراق قومي قوي من شأنه أن يستمر في توحيد العالم العربي وتحقيق هدف البعث لأمة عربية موحدة تهتدي بالعدالة الاجتماعية والاستقلال الكامل. وتمكن حزب البعث لتحقيق هذه الغاية بين عامي 1970 و1980 من تنفيذ خطة تنمية فعالة لم يتم تحقيق مثلها في العديد من البلدان في العالم النامي، وتتحدث النتائج عن نفسها. لقد تم تحليل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لحزب البعث بالتفصيل في الجزء الأول من كتاب الإبادة الجماعية في العراق ولكن قد يكون من المفيد إعطاء بعض الجداول لتذكير القارئ.
يلخص الجدول التالي مخصصات الناتج المحلي الإجمالي للفترة ما بين 1970-1990 أي الى تأريخالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومجلس الأمن على العراق.
الفترة |
النفط |
الزراعة |
الماء والكهرباء |
الصناعة |
الإنشاء |
1970-74* |
72.3% |
9.7% |
0.2% |
3.1% |
1.8% |
1975-80** |
68.3% |
6.3% |
0.2% |
4% |
5.6% |
1981-85*** |
30.3% |
7.1% |
0.6% |
5.3% |
7.8% |
1986-90**** |
42.6% |
7.1% |
0.8% |
4.1% |
5.8% |
* أدى نجاح تأميم النفط إلى أن يشكل النفط 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
**شهدت هذه الفترة قيوداً على النمو في قطاعي التصنيع والزراعة.
*** تميزت هذه الفترة بانخفاض عائدات النفط بسبب الحرب العراقية الإيرانية. تم توجيه معظم الموارد نحو الجيش. وكان للحرب جانب إيجابي واحد إذ أجبرت السلطات على إيلاء المزيد من الاهتمام بالزراعة.
**** شهدت هذه الفترة مزيداً من التدهور بسبب آثارالحرب.
عائدات النفط، وناتج النفط، والناتج المحلي الإجمالي والسكان 1960-1990
السنة |
عائدات النفط بالمليون دولار |
ناتج النفط بالمليون برميل/يوم بأسعار عام 1980 |
الناتج المحلي الإجمالي |
عدد السكان
|
1960 |
3 |
97 |
8.7 |
6.9 |
1970 |
0.6 |
1.5 |
16.4 |
9.4 |
1980 |
26.3 |
2.6 |
53.9 |
13.2 |
1985 |
10.1 |
1.4 |
31.7 |
15.3 |
1990 |
9.5 |
2.1 |
16.4 |
18.1 |
استثمرت الحكومة بكثافة في القطاع الصناعي العام في محاولة لتقويته. وبحسب الأرقام الرسمية فقد ارتفع الاستثمار السنوي في قطاع الصناعة غير النفطية من 39.5 مليون دينار عراقي (قرابة 130 مليون دولار) عام 1968 إلى 752.5 مليون دينار عراقي (قرابة 2.5 مليار دولار) في عام 1985. ونتيجة لهذه الاستثمارات بلغ الناتج الصناعي في عام 1984 ما يقرب من 2 مليار دينار عراقي (6.6 مليار دولار أمريكي) مرتفعاً من قرابة 300 مليون دينار عراقي (قرابة 990 مليون دولار أمريكي) في عام 1968 وأكثر من 50 في المائة من بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. لكن الإنتاجية بالنسبة للاستثمار ظلت منخفضة .
مؤشرات مختارة في العراق قبل العقوبات 1988-1989
المؤشرات الصحية:
المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية:
كانت لصدام حسين دائماً رؤية مهووسة بالعظمة لدوره المقدر في العالم العربي. لكنه كان في عام 1968 صغير السن وعديم الخبرة وكان هناك العديد من أعضاء الحزب والجيش الأكبر سناً الذين كانوا سيعارضون صعوده إلى القيادة التي كان يعتبرها هو دائما حقه الطبيعي. لكنه تمكن بحلول عام 1979 من تحقيق حلمه وتنظيم الحزب وجهاز المخابرات بما يتناسب مع تصميمه والقضاء على جميع خصومه.
حكم صدام
تحققت سيطرة صدام حسين الكاملة على السلطة بكلفة باهظة للحزب عندما تم إعدام أو سجن قرابة خمسين عضوا في مؤتمر الحزب في تموز 1979 فيما نسميه “مذبحة الحزب“ . ونعتقد أن هذا العمل الوحشي كان بمثابة ناقوس الموت للحزب الذي لم يتعاف منه أبداً. وعلى الرغم من توسعه في عدد الأعضاء إلا أن الحزب أصبح مجرد ختم مطاطي لرغبات صدام حسين.
جاء صعود صدام بعد حدث تاريخي ومؤثر في الشرق الأوسط ألا وهو انتصار آية الله روح الله الخميني على شاه إيران . ويمكن القول إن صدام حسين أحكم قبضته على السلطة لمواجهة التحدي الذي كان الخميني يمثله للعراق بشكل خاص وحركة البعث بشكل عام. كانت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخميني دينية في جوهرها وهي لهذا متعارضة وأية حركة قومية مثل البعث. كانت تتحدث عن “الأمة” أي مجتمع المسلمين الذين يتجاوزون الحدود ويرفضون الدولة القومية وكانت الحماسة الدينية التي سببها الخميني يتردد صداها بالفعل في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وكان صدام حسين يعتقد أن هذا يحدث ويجب مواجهته في العراق وكذلك في الخليج.
كانت لدى صدام حسين ضغينة أخرى ضد إيران اعتقد أن الوقت قد حان لتسويتها. فقد كان عليه في عام 1975 أن يوقع معاهدة مذلة مع شاه إيران تنازل فيها عن أجزاء من سيادة العراق على ممر شط العرب المائي لإيران مقابل إنهاء الأخيرة دعمها للتمرد الكردي في شمال العراق. وكان صدام يعتقد أن نظام الخميني كان ضعيفاً بما يكفي لتمكينه من تحقيق هدفي مواجهة التقدم الديني في العراق والخليج وإلغاء معاهدة الجزائر لعام 1975. ولهذا فقد شن في أيلول 1980هجوماً على إيران استمر لمدة ثماني سنوات أعاد تشكيل الشرق الأوسط لعقود قادمة وأدى إلى بداية مشروع غزو وتدمير العراق بعد عامين فقط من انتهاء حرب ايران.
كان أكبر عيب صدام حسين في السياسة هو عدم قدرته على فهم الاستكبار، فقد كان يعتقد دائما أن رفاقه في البعث لا يعرفون كيف يتعاملون مع الاستكبار. وكان يعتقد أن فكر البعث في مواجهة الاستكبار كانت مضللة وأنها بحاجة إلى نهج جديد يمكن أن ينجح فيه البعث من خلال الإثبات للاستكباريين أن نظام البعث القوي هو الضامن الأفضل للمصالح الاستكبارية في العالم العربي. وأظهر صدام حسين هذا الرأي عندما انحاز إلى فصيل البعث في سورية الذي عارض الفصيل اليساري لصلاح الجديد ورفاقه في عام 1966 . وهو مثل حافظالأسد ، لم يفهم حقيقة ما يعنيه الاستكبار. وقد ظهرت خطة السوق هذه بوضوح عندما نصحه الملك السعودي فهد بأن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لدعمه في مهاجمة إيران. واعتمد صدام على ذلك بسهولة واتجه إلى إيران معتقداً أنه بعد الانتصار على إيران ستتوصل الولايات المتحدة إلى تفاهم معه يسمح له بتقاسم السيطرة على الخليج.
قام عدد من الشخصيات المرموقة من داخل الوطن العربي وخارجه بعد دخول العراق الكويت بزيارة العراق لتحذيره أو شرحه لخطر مواجهة الولايات المتحدة. وكان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي من بين هؤلاء الزوار. عندما حاول أن يشرح لصدام حسين أن الولايات المتحدة عازمة على تدمير العراق رد عليه صدام بأنه متأكد من أن الأمة العربية لن تسمح للولايات المتحدة بتدمير العراق . وبعد أكثر من عشر سنوات عندما كان كل مراقب للعراق والشؤون العالمية على يقين تام من أن العراق سوف يتم غزوه كان صدام حسين ما يزال يأمل في أن تتفاوض الولايات المتحدة معه. وقد أوضح سالم الجميلي رئيس القسم الأمريكي في المخابرات العراقية عشية الغزو في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم باللغة العربية للمشاهدين أن رد صدام حسين على النصيحة الاستخباراتية بأن العراق سوف يتم غزوه هو أنه سيكون عملاً عسكرياً محدوداً من شأنه أن يؤدي إلى المفاوضات . ولا نستطيع إلا أن نشعر بالفزع من هذه السذاجة.
وللحديث صلة…
عبد الحق العاني