الصهيونية – ما هي، لماذا تعتدي علينا، من هم الصهاينة اليوم وما العمل؟ (3)

من نحن؟

قد يسأل القارئ: من المقصود بـ “نحن” حين أكتب ولا بد هنا من توضيح قصير. فحين أقول نحن العرب فلست أريد بهذا قوما من أصل أو عرق أو دم واحد. إنما أعني كل الأقوام التي استعربت من كل الذين سكنوا جنوب حوض الأبيض المتوسط الى جانب الذين سكنوا شبه جزيرة العرب بتعريفها الجغرافي لألفي عام في أقل تقدير. وهذه الأقوام تمتد جذورها الى مرحلة تدوين التأريخ المعروف بأديان مختلفة ولغات متآخية وتزاوج وتحالف وتخاصم. جمعتها وورثتها جميعا لغة العرب وهي اللغة الأم لإكتمال حروفها والتي أبقى عليها القرآن. وهؤلاء هم الذين تعاديهم الصهيونية. فهي قتلت الكاثوليك في الموصل كما قتلت السنة في الفلوجة وهي التي تعادي المطران الأرثودوكسي عطا الله حنا كما تعادي الشهيد الشيعي السيد حسن نصر الله. لا فرق عندها لأنها تعادي وجودنا جميعا على هذه الأرض!

من هم الصهاينة اليوم؟

كنت قد أجملت في تعريف الصهيونية في أنها اليوم أعلى مراحل هيمنة راس المال الأوربي على العالم. وهذا يعني أنها تضم أكثر من قوم وهو كذلك. فبرغم أن قادة الصهيونية اليوم هم “الأنكلوساكسون” فإن هذا الحال لا يمنع دولة أوربية أخرى مثل “المجر” أن تكون اليوم أكثر تحمساً للصهيونية من بعض اليهود في نيويورك! كما أن كون “الأنكلوساكسون” قادة الصهيونية اليوم يجب ألا يستر حقيقة أن أكثر من نصف المغتصبين لأرض فلسطين هم من روسيا وجاراتها من الدول السلافية، وان القيادة الروسية منذ إنتهاء الإتحاد السوفيتي (بل ربما قبل ذلك) لم تعلن يوما منفردة أم مجتمعة موقفا سياسيا واضحا مناقضا للصهيونية، بل على العكس من ذلك فهي صادقت على كل قرارات مجلس الأمن الصهيوني المعادية للعراق وسورية وليبيا خلال الثلاثين عاما المنصرمة. فاذا تململ أحد من أصحابي الشيوعيين القدامى الذين يدافعون عن “بوتين” دون مسوغ سوى حبهم لروسيا والذي هو عندي لا يتطابق بالضرورة مع حب “بوتين”، فإني أدعوه أن يأتيني بتصريح واحد أو مقالة واحدة لبوتين، وهو الذي يعقد الندوات السياسية واللقاءات السنوية ليتحدث عن قضايا العالم، أعلن فيها موقفا من الصهيونية أو انتقدها أو أعلن أن للفلسطينيين حق في الأمن والسلام كما يؤكد هو و“لافروف” في مناسبة وغير مناسبة في حق إسرائيل في الأمن وكأن الفلسطينيين هم الذين يحرقون الأطفال اليهود في الأرض المغتصبة منذ سبعين عاما!

إن خلاصة كل هذا هو تأكيد ما بدأت به في أن الصهيونية اليوم هي أعلى مراحل هيمنة أوربا من خلال الشعور الفارغ بحق التفوق، وهذا قد يتحقق على يد “الأنكلوساكسون” اليوم لكن ذلك لا يمنع أن تشارك فيه بقية القبائل الجرمانية والسلافية.

لذا فإني أشعر بضيق كبير حين أشاهد أحيانا (لأني لا أتابع التلفاز كثيراً) عددا من المتعلمين العرب وهم يقضون الساعات في حوار عقيم عما إذا كانت الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا تدعم إسرائيل بالسلاح والمال والسياسة وكأنما عداء الصهيونية لنا منبعه مغتصبة فلسطين وليس الحملة الصليبية الأولى قبل ما يقرب من ألف عام! إن من لا يقدر أن يفهم هذا فلا شأن له في أن يحدث الناس عن معركة الوجود التي يواجهها العرب لأنه يشتت الأفكار ويضيع الجهود. فالمعركة مع الصهيونية ليست بين الفلسطينيين والمغتصبين في فلسطين. إنها كما وصفها الرئيس الأمريكي الذي أعلن أكثر من مرة أنه كاثوليكي صهيوني في قوله “لو لم تقم إسرائيل لكان علينا أن نوجدها”.

وهكذا فليست هناك حرب مع إسرائيل تدعم فيها هذي الأخيرة دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. إن هناك حرباً وجودية مع الصهيونية العالمية التي أوجدت لها أكبر معسكر في قلب أرضنا وسخرت أدواتها في أوربا وأمريكا وأستراليا وغيرها لتنفيذ مشروع الهيمنة على منطقتنا. إن رؤساء أمريكا وأوربا هم موظفون في المشروع الصهيوني يؤدون أدوارهم كما يفعل كل موظف مكلف بواجب، وكل واحد منهم يعرف واجبه ومهمته ولماذا جيء به ويعرف حين ينتهي دوره فيرحل.

لذا فإن السؤال الذي لم يجب عليه أي من الذين سدوا أسماعنا لعقود هو: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطا في صراع هي أحد أدواته؟

بل كيف يمكن أن تكون دول مثل قطر ومصر وتركيا وسطاء وكلها متحالف بالكامل مع الصهيونية؟

وهذا يقودنا للجزء التالي من أسئلتنا وهو من هم الصهاينة اليوم.

وقد تبدو الإجابة إعادة وتكرار لكن هذا مهم جدا بسبب الجهل غير المعقول بين المتعلمين العرب في فهم ذلك وما يؤديه ذلك الجهل الى عدم فهم الصراع وأبعاده مما يقود الى عدم المقدرة على التعامل معه. وأبدأ بكلمة “اليوم” حيث إن تحديد الصهاينة اليوم قد يختلف عما كان عليه الحال قبل قرن وقد يختلف بعد قرن، أي بمعنى أدق إن تسمية الصهيونية ليست واقعا تأريخيا لازما لكل وقت بل تتغير مع الزمان مع الإبقاء على فهم الصهيونية في كونها المشروع الأوربي للهيمنة علينا.

ويمكن تصنيف الصهاينة اليوم كما يلي:

(1) الشعوب والدول المسماة بـ “ألأنكلوساكسونية” (الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزلندا). وحين أقول شعوب هذه الدول فإني أعني أن أغلبية شعوب هذه الدول يؤمنون بتفوقهم وحقهم في الهيمنة والاغتصاب أينما شاءوا ومتى شاءوا. فهو ما فعلوه في التطهير العرقي للقارة الأمريكية وأستراليا فكيف يمكن لهم ألا يرتضوا أن يحدث مرة أخرى؟ فلا يغرنكم خروج مظاهرة معارضة هنا أو هناك. فهم يمتلكون كل الحق في اختيار من يمثلهم فإذا اختاروا مجرما أو سفاحا ليحكمهم فهم مسؤولون عن ذلك. ويكفي شاهد على ذلك أن “توني بلير” الذي غزى العراق وخربه وقتل وشرد مئات الآلاف من أهله حصل على أغلبية أعلى في الانتخابات التي أعقبت غزو العراق. ألا يعني هذا أن شعب بريطانيا كان في أغلبيته مع الإبادة في العراق.
(2) شعوب وحكومات دول حلف شمال الأطلسي والتي تشكل الذراع العسكري الرئيس للصهيونية، وهؤلاء كلهم، مهما لغوا هنا أو هناك، هم جزء لا يتجزأ من المشروع الصهيوني في وضع كل طاقاتهم العسكرية والأمنية والإستخبارية والإقتصادية في خدمة المشروع حيث إن هذه قاعدة تحالفهم, وكل من قال خلاف ذلك فهو كاذب ومنافق.
(3) حكومات أية دولة عربية سمحت بقواعد لحلف شمال الأطلسي على أرضها أو دخلت في معاهدة عسكرية أو أمنية مع أية دولة من دول الحلف. إن الادعاء بأن التحالف مع الولايات المتحدة أو بريطانيا على سبيل المثال لا يعني تحالفا مع إسرائيل بحجة أن هناك خلافا سياسيا بين هذه الدول وإسرائيل والذي يبرز من خلال سيل التصريحات الكاذبة لهذه الدول، إن إدعاءً كهذا هو نفاق مهتوك الستر وإذا أمكن تسويغه سابقا فقد هتك عدوان السنة الماضية ستره.

وقد يسأل سائل: وماذا عن دولة إسرائيل؟ فأقول إن المغتصبة في أرض فلسطين والتي سميت ظلماً وعدوانا باسم نبي الله الأكرم “إسرائيل” هي ليست دولة بل هي مغتصبة جعلها الصهاينة قاعدتهم العسكرية المتقدمة واستوطنوها كما استوطنوا القارة الأمريكية وأستراليا. ألا يكفي العربي ما حدث في العام المنصرم؟

فلو توقف أسطول النقل الأوربي للسلاح والذخيرة الى المغتصبة أسبوعا واحدا لتوقفت الإبادة في غزة ولبنان.
ولو توقف سيل المعلومات من أقمار الرصد وأجهزة التجسس الأوربيةمجتمعة إلى المغتصبة أسبوعا واحدا لتوقفت الإبادة في غزة ولبنان.
ولو توقف الدعم المالي غير المحدود من اوربا لجاع يهود المغتصبة وتوقف صرف الأجور. ولا أخفي عليكم أني أضحك، وهو ضحك كالبكاء كما وصفه المتنبي، حين أشاهد عددا ممن يسمون “خبراء” وهم يقضون الساعات يجادلون على قنوات التلفاز العربية عن أزمة الاقتصاد في مغتصبة فلسطين وكأنها حقا معنية بميزان المدفوعات أو بعجز مالي أو ما شابه من مصطلحات الرأسمالية، وكأن الصهيونية غير قادرة فعلاً على أن تطبع أية كمية من الدولار الأمريكي أو الباون البريطاني وتمد بها المغتصبة لشراء كل حاجاتها بالمجان. إن المعسكرات لا تفكر بميزانية لأن ما تحتاجه يأتيها من قبل الذين أسسوا تلك المعسكرات وهو حال لا يختلف اليوم عما كان عليه حال معسكرات الأوربيين الذين نزلوا القارة الأمريكية حيث كان يأتيهم المال من أوربا بينما كانوا يعملون على التأكد من بقائهم بعد قتل أهل البلاد حتى يصل الباقون من المغتصبين.

فأية دولة هذه حتى أسميها كذلك حين أشير للدول.

فهي كأي معسكر استيطان في التاريخ لا حدود لها.

وأية دولة هذه تتكون قوتها العسكرية الرئيسة في القوة الجوية مثلا من طائرة أمريكية تحمل قنابل خارقة أمريكية وصواريخ ألمانية وتوجهها مواقع الرصد البريطانية في قبرص ويقودها طيار روسي؟

إن أول صفة للدولة هي الديمومة، فقد حوصر العراق ثم غزي وأحتل وخرب لكنه باق كما بقي بعد غزو هولاكو في 1258 م وخربت سورية وقطعت أجزاء لكنها باقية كما بقيت دمشق لآلاف السنين وقد تدمر إيران لكنها لن ترحل لأي مكان. أما هذه المغتصبة فلو أنها امتلكت كل خزائن الأرض من سلاح سوف تزول لأن كل مغتصب فيها يدرك أنه غير أصيل وأن لديه مكاناً آخر يمكن أن يعود إليه. إن معسكرا كهذا لا يمكن له الديمومة ولن يكون دولة مهما أنشأ من مؤسسات وجامعات ومصانع فهي يمكن أن تزول في ليلة وضحاها، وسوف تزول!

وللحديث صلة

عبد الحق العاني

24 تشرين أول 2024

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image