الصهيونية – ما هي، لماذا تعتدي علينا، من هم الصهاينة اليوم وما العمل؟ (2)

وحين ضعفت أكبر بطون القبائل الجرمانية والسلافية تمدد وقوى بطن واحد منها عرف اصطلاحا بـ “الأنكلوساكسون” وهم القوم الذين يشكلون أغلبية سكان بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزلندا، وهم خمسة الظلم في يومنا هذا! وبين هؤلاء نشأت منذ قرون عقيدة “الماسونية” كسائر البدع الأوربية. وهذه العقيدة أنشأها فرسان المعبد الذي عادوا الى بريطانيا بعد انهيار الدولة الصليبية. وهم يعتقدون بحق التفوق “الأنكلوساكسوني” على الجميع وعلى الأخص أهل منطقتنا ويؤمنون بأنهم موكلون بإعادة بناء الهيكل المزعوم. فأقاموا “المعبد” “Temple” في وسط مدينة لندن وما زال قائماً وهو رمز المعبد الذي يعتقدون أنه كان قائماً في أرض فلسطين ويحلمون بأنهم سوف يعيدون بناءه. وهذه القناعة لم تنشأ، كما يظن من يعتقد أنه فهم أوربا لأنه درس أو عاش فيها، في المؤتمر الصهيوني الأولإنما عمرها سبعة قرون، وقد حان موعد تحقيقها كما يعتقدون.

وتطورت الماسونية لتخرج بعقيدة تبدو غبية لنا لكنها ذكية للعقل الأوربي الذي أعماه الشعور بالتفوق فاقتنع بأنها، أي الماسونية الأنكلوسكسونية،تمثل تزاوج الإرث الشرعي ليهودية السيد المسيح والذي يسميه الكتاب المقدس، والذي لا يعرف أحد من كتبه أو جمعه، أي يسمي السيد المسيح بأنه “ملك اليهود”، فتزاوج هذا الإرث مع نصرانيتهم ليولد عن هذا التزاوج ما يسمونه بالفكر “اليهودي المسيحي” والذي يشير له كتاب أوربا في مناسبة وغير مناسبة، حين يريدون أن يعبروا عن نظرة التعالي بأنفسهم واستصغار الآخرين، دون أن يتمكن أحد منهم أن يشرح لنا ماذا تعنيه هذه العبارة. وهكذا ولدت “الصهيونية” أي بمعنى أدق إن الصهيونية في حقيقتها اليوم هي هيمنة الأنكلوسكسوني المؤمن بقيادة أوربا المتفوقة على بقية العالم وعلى الأخص أرضنا. لذا فإنك تجد نصرانيا من الكاثوليك، والذين كانوا حتى القرن العشرين يعدون اليهود أعداء لهم بسبب قتل السيد المسيح،ينادي بصهيونيته كما فعل الرئيس الأمريكي “بايدن” مراراً.

فالصهيونية هي الوجه المعاصر للمشروع الذي بدأ في الحملات الصليبية ثم ضعف دهراً ثم عاد في أعقاب الحرب العالمية الأولى وزوال آخر دولتين إسلاميتين في الهند وتركيا بتدرج منتظم، ثم استفحل بعد الحرب العالمية الثانية حين تمكن الأنكلوساكسون من كل العالم بشكل شبه تام. فالصهيونية هذه ليست دولة إسرائيل حتى يمكن التمييز بينها وبين الدول الأنكلوساكسونية كما يؤكد لنا من يسمون أنفسهم زورا بالخبراء حين يخدعون المواطن العربي بأن هناك خلافا بين إسرائيل والولايات المتحدة على سبيل المثال!

إنها المشروع السياسي المالي والعسكري للهيمنة علينا. ذراعها العسكري هو حلف شمال الأطلسي وسطوتها الاقتصادية هي في هيمنة أكذوبة الدولار الأمريكي الذي لا سند له وأدوات تسويقها في الإعلام الكاذب ومسرح هوليود المزيف للتأريخ. وهذه الحقيقة الغائبة عن الكثيرين مهمة جدا لفهم الصراع على أرضنا لإسباب عدة منها ما هو مجهول ومنها ما يجري تعمد تزويره لإظهار الصراع وكأنه بين دولة وأخرى. وهو ليس كذلك فنحن العرب، كما سبق وكتبت، لم نختر أعدائنا بل هم الذين اختارونا. فمنذ سقطت بغداد عام 1258 وهي آخر حاضرة للعرب ونحن مثل “كرة القدم” تركلنا الأقوام بأشكالها القبيحة دون تمييز بحجج واهية. منهم من ادعى الإسلام ومنهم من ادعى الحضارة ومنهم من ادعى الإنقاذ من الظلم وكلهم كاذبون!

فقد اختارتنا الصهيونية عدوا لها للسببين اللذين أوردت سابقاً في كونها تعوض في ذلك العداء عن عقدة النقص التي ولدت عن أخذها دينها وفكرها منا، وهي الأسباب ذاتها التي شكل جزء منها أسباب الحملة الصليبية الأولى. ثم أضيف لتلك العقدة سببان جديدان جعلا العداء أشد وأعمق. والسبب الجديد الأول هو إكشاف الصهيونية أن منطقتنا قد تكون واحدة من أغنى مناطق العالم في كونها مصدر الطاقة المطلوبة في النفط والغاز. لكن السبب الجديد الثاني وهو الأهم هو إدراك الصهيونية أن تمكنها من فرض هيمنة رأس المال الصهيوني في أكثر من مكان في العالم بنجاح تعثر أمام الإسلام المناقض في جوهره للرأسمالية الصهيونية. ذلك أن الإسلام في جوهره يمنع تراكم الثروة من خلال قوانين الإرث على سبيل المثال لا الحصر والتي سبقت تشريع بريطانيا بأربعة عشر قرناً فهذه الأخيرة لم تعط المرأة حق الإرث إلا في منتصف القرن العشرين حيث كان أكبر الذكور يرث كل شيء لوحده مما ضمن تراكم الثروة. وهذا ليس وحده الشاهد على تناقض الإسلام مع الرأسمالية فشواهد القرآن كثيرة وليس هذا وقت ولا مكان البحث فيها وهي الشواهد التي أغفلها الفقهاء جهلا أو تعمداً لأنهم كانوا في خدمة السلطان. ولعل من أكبر شواهد القرآن قوله تعالى “وفي أموالهم حق للسائل والمحروم” وهذا حق مطلق وغير محدود وليس كما حاول الفقهاء تفسيره لأنه يختلف عن الحق المحدود الذي قال فيه عز من قائل: “وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم”. فهما حقان مختلفان! وأتوقف هنا حتى لا يصرفنا الحديث عن الإسلام عن القصد من هذا المقال.

فقد اكتشفت الصهيونية أن مشروعها للتحكم بأموال أهل الأرض دون وجه حق بحجة مفاهيم “السوق الحر” أو “الاقتصاد الحر” أو ما شابههما من مفاهيم وعبارات لا معنى لها أكثر مما أرادت الصهيونية أن تعطيه من معان للإستبداد بثروات وأموال الناس، اكتشفت الصهيونية أن هذا المشروع يجد معارضة في جوهر الإسلام مما لم تجده في البوذية أو الهندوسية على سبيل المثال. وحيث إن في الأرض أكثر من ألف ألف ألف مسلم فإن هناك مشكلة حقيقية أمامها حتى إذا كان هؤلاء ليسوا بالضرورة متدينين وحتى إذا كان حكامهم لصوصا وأجراء فهناك دائما خطر حقيقي وخوف من جذور ذلك الدين الراسخ في ضمير هذا الكم الهائل من البشر. والصهيونية لا تحتاج لعبقرية لتكتشف أن أكثر المسلمين يدينون للعرب بدينهم وان التصدي للإسلام لا يتم إلا بالهيمنة على العرب وحيث إن قلب الأمة هو في حوض الأبيض المتوسط في مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين كان لا بد من الهيمنة على هذه الأرض. وليتم ذلك بتقسيمها وحصارها ومهاجمتها وتخريبها وغزوها واحتلالها إذا لزم الأمر.

وهكذا كان وعد بلفور واحتلال العراق وبلاد الشام في أعقاب الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن العشرين، ثم اقتطاع الكويت من العراق لمنعه من الوصول الى المياه العميقة، ثم تقسيم بلاد الشام الى أربع دول ثم إنشاء أكبر قاعدة استيطان عسكرية في فلسطين ومنحها اسم دولة دون حدود مما يتيح لها حق التوسع كما تشاء فمن يعترف بدولة لا حدود لها إنما يعترف بحقها في أن تتجاوز على حدوده، ولا يلومن إلا نفسه!

ثم جاء حصار العراق وتجويعه لإثني عشر عاما ثم غزوه واحتلاله وتسليمه لعصابات من اللصوص الفاسدين التافهين بحجة تحقيق حرية الرأي والكلمة وكأن حرية الإنسان وكرامته محددة في حرية الكلمة حتى إذا كانت تلك الحرية لا تحقق أي شيء ولا تضمن أية كرامة.

ثم جاء خراب سورية واحتلال أجزاء منها على أيدي شذاذ آفاق من البهائم الذين يجهل الكثيرون منهم حتى إلى أي بلد جيء بهم. ثم خربوا ليبيا الآمنة المطمئنة وحولوها الى دويلات عصابات متوحشة، ولم ينسوا وهم يفعلون ذلك أن يرفعوا من شأن الدويلات الوهمية التي أقاموها على سواحل الخليج في شبه جزيرة العرب والتي منحتهم حق التصرف في ثروات وأرض ومياه وأجواء العرب والتي رضيت بالهيمنة الصهيونية عليها للإبقاء على نظم سياسية واجتماعية لم يعرفها التأريخ منذ العصر الحجري.

هذا مثال لقليل مما فعلته الصهيونية بنا في قرن واحد فقط!

وهكذا أصبحنا أكثر من تعاديهم الصهيونية اليوم. ولكي لا ننسى ما سلف نعيد التذكير بأن الصهيونية تعادينا للأسباب التالية بشكل أساس:

1. لأنها أخذت دينها منا وتريد أن ينسى التأريخ ذلك.
2. لأنها ورثت جذور فكرها من أفكارنا وأنكرت ذلك.
3. لأننا نحتضن الإسلام السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي يعيق هيمنة الرأسمالية المطلقة.
4. لأنها ما زالت تريد الطاقة التي في أرضنا والتي تأخذها مجانا حتى حين تدفع كلفتها بالدولار الموهوم.

وللحديث صلة

عبد الحق العاني

22 تشرين أول 2024

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image