صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” – 26
تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني
ترجمة: د. طارق العاني
================================================
الفصل التاسع
العقوبات كإبادة جماعية
عندما يتم وضع بلد تحت الحصار التام لمدة ثلاثة عشر عاماً لا يسمح خلالها بدخول أو خروج أي شيء، فقد كانت حتى الأدوية والمعدات الطبية الأساسية تخضع لقيود، فإن أياً من النتائج الواردة في المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية كانت إما مقصودة من قبل الجناة أو لم يكن لدى الجناة شك في أن أفعالهم ستؤدي إلى هذه النتائج أو كانوا يعرفون أن هذه النتائج ستحدث بالمعنى العادي للأحداث – فإن كلاً منها يرقى إلى نية محددة بموجب القانون الإنجليزي.
إن من المقبول أن حكومة العراق عدت بين عامي 1990 و2003 وبموجب إملاءات السياسة الخارجية للولايات المتحدة منبوذة ولم يمنح العراق حتى حقه الطبيعي في مخاطبة مجلس الأمن. وربما اعتقد المسؤولون في العراق أنه كان من الممكن أن تكون ممارسة عبث وإهدار الموارد للحكومة العراقية للحصول على رأي أية سلطة قضائية بشأن الحصار الكامل.
ومن المقبول أيضاً أن الحكومات العراقية منذ عام 2003 ليست لديها مصلحة ولا إرادة سياسية لتوجيه الاتهام إلى أسيادهم الذين وقعت معهم ما يسمى بالاتفاقيات الأمنية التي لا تقل شيئاً عن الإذعان للاحتلال.
إلا أنه من غير المتصور أن تستمر هذه الحالة الشاذة إلى الأبد. فستظهر عاجلاً أم آجلاً حكومة وطنية في العراق وستضطر بالإرادة الشعبية إلى السعي للتجريم والتعويض بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبت خلال سنوات الحصار. وقد نمضي أبعد ونزعم أنه بمجرد أن يصبح تأثير استخدام أسلحة اليورانيوم أكثر وضوحاً فإن الضغط سيكون أقوى للحصول على مثل هذا التعويض. ويمكن لهذه الحكومة بمجرد وجودها رفع دعوى ضد المملكة المتحدة أمام محكمة العدل الدولية؛ أو أن تحاول الحصول على قرار اتهام أمام المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من الواضح أن هناك مجموعة من القضايا المتعلقة بالتصديق والولاية القضائية التي ستدخل حيز التنفيذ في الحالة الأخيرة. وقد يحصل العراق في ضوء الاتجاه الجديد الذي يبدو أن محكمة العدل الدولية تتبعه على جلسة استماع أكثر عدالة هناك. ويبقى ممكناً حتى قبل المحكمة الجنائية الدولية مناقشة “النية” بموجب التعريف الأوسع للنظام الأساس على أساس إمكانية التنبؤ والمعرفة. ونحن نقترح على الرغم من ذلك حكماً موضوعياً من المحكمة بشأن المسائل القانونية والواقعية والذي من المرجح أن يتم العثور عليه وفقاً للخطوط الموضحة أدناه.
سوف تجد المحكمة إذا قامت بفحص جميع الأدلة بدقة ودون تحيز أن الإبادة الجماعية قد ارتكبت في العراق حتى عند تطبيق التعريف المقيد للنوايا في مفهوم النية الخاصة. وإذا أردنا أن ننسى الملايين الذين لقوا حتفهم دون داع كما هو مثبت في التقارير الكثيرة الصادرة عن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وقبلنا حادثة واحدة اعترفت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية أولبرايت بوفاة نصف مليون طفل 1 وهي تشرح في نفس الوقت أنه وفقاً لها فإن وفاتهم كانت ثمناً مقبولاً فعندها يمكن للمحكمة أن تجد أن الإبادة الجماعية ارتكبت باعتراف مرتكبيها والذين تصرفوا بصفتهم الرسمية مما يثير مسألة تتعلق بمسؤولية الدولة عن أعمال أدواتها خارج حدودها.
ويجب أن تقبل أية محكمة أن النية في الإبادة الجماعية تعني أن الجناة قصدوا عواقب أفعالهم إذا علموا إلى درجة من اليقين أن عواقب فرض الحصار الكامل على العراق ستؤدي إلى تدميره بغض النظر عما إذا كانوا سعوا عمداً لتحقيق تلك العواقب. فقد أثبت كل تقرير دولي من تقرير المبعوث الخاص للأمم المتحدة السيد أهتيساري إلى تقرير اليونيسف لعام 2003 أن تدمير العراق كان يحدث.2 ولا يمكن أن يكون هناك أدنى شك في أن جميع أعضاء مجلس الأمن كانوا يعرفون أن الإبادة الجماعية كانت تحدث. والأرقام وحدها كافية لإثبات ذلك – فهي تقزم جميع الأرقام في أي حالات مقبولة أخرى للإبادة الجماعية.
ويبدو من الواضح أن الشروط التي يمكن أن يقال إن فرض العقوبات كان يؤدي إلى التدمير المادي كلياً أو جزئياً كما هو مطلوب في الفقرة الفرعية (ج) من المادة الثانية قد استوفيت. ونحن نعتقد أن اقتراحات روبنسون متطابقة تقريباً مع الأحداث التي وقعت في العراق مما يعزز الحجة القائلة بأن هذه الأعمال تقع ضمن نطاق الإبادة الجماعية. فقد كتب روبنسون:
إن حالات الإبادة الجماعية التي يمكن أن تندرج في إطار الفقرة الفرعية (ج) هي مثل وضع مجموعة من الناس على نظام غذائي للكفاف وخفض الخدمات الطبية المطلوبة إلى أقل من الحد الأدنى وتقييد أماكن الإقامة الكافية وغير ذلك شريطة أن يتم فرض هذه القيود بنية تدمير مجموعة كلياً أو جزئياً.3
وقد تم فرض الشروط المذكورة أعلاه وأكثر مثل حجب المواد الأساس والمواد الكيميائية لتنقية المياه عن العراق خلال ثلاثة عشر عاماً من الحصار التام بنية يمكن القول بأنها تقع ضمن تلك التي حددها نظام روما الأساس وبالتالي يجب أن تعد أعمال إبادة جماعية ضد مواطني العراق. ومن الواضح أنه كانت هناك نية لإحداث ضرر حيث رفضت الولايات المتحدة / المملكة المتحدة الاهتمام بأي من الدراسات والتقارير بما في ذلك تقارير منظمات الأمم المتحدة التي أظهرت الآثار السلبية للعقوبات. وهكذا عندما تم التأكيد للحكومتين على أن الشروط التي يفرضونها على العراق تؤدي إلى تدمير مواطني العراق في سياق اتفاقية الإبادة الجماعية فإنهما استمرتا على ذلك. من الواضح أنه حتى إذا لم تكن النية واضحة في البداية فإن تجاهل الأدلة المقنعة في سياق الإجراء يساوي تحقق المعرفة بتأثير الإجراءات. وتظهر الأفعال نية تتجاوز مجرد التبصر أو المعرفة المسبقة بالتأثير إلى المعرفة الفعلية. وإذا كانت المعرفة موجودة أثناء فعل قائم ومستمر في المستقبل فقد يتم تضخيم النية ليتم عدها جريمة لم تكن مقصودة فقط في وقت حدوثها ولكنها أيضاً تم التخطيط لها للمستقبل. ولعل ما هو شنيع بشكل خاص هو أنه على الرغم من هذه المعرفة فإنه لم يتم الكف عن الأفعال.
التواطؤ في الإبادة الجماعية
تنص المادة الثالثة من اتفاقية الإبادة الجماعية على ما يلي:
يعاقب على الأفعال التالية:
(أ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
(هـ) التواطؤ في الإبادة الجماعية.
من الواضح أن قصد واضعي القانون طوال الوقت كان معاقبة أولئك المتواطئين لتدمير مجموعة ولهذا تسرد الاتفاقية الإجراءات المذكورة أعلاه. ويجب التأكيد هنا على أن المصطلحات: التآمر والتحريض والمحاولة والتواطؤ قد يكون لها معنى مختلف في ظل أنظمة قانونية مختلفة في العالم مما يعني أنه لا بد من تفسير مختلف للمادة. ونود التركيز على القسم الفرعي (هـ) من بين جميع الفقرات الفرعية المذكورة أعلاه ونود أن نسلط الضوء من خلال العمل الذي قمنا به ومحاولات أحد المؤلفين مقارعة النظام القانوني في المملكة المتحدة على أن أطرافاً أخرى غير الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانت متواطئة في ارتكاب إبادة جماعية في العراق.
وكانت محكمة العدل الدولية قد قررت حول مسألة التواطؤ في الإبادة الجماعية ما يلي:
يبرز السؤال حول ما إذا كان التواطؤ يفترض مسبقا أن الشريك يشترك في النية الخاصة (dolus specialis) مع الجاني الرئيس. ومهما كان الرد على هذا السؤال فلا شك في أن تصرف عضو أو شخص يقدم الدعم أو المساعدة لمرتكب جريمة الإبادة الجماعية لا يمكن التعامل معه على أنه متواطئ في الإبادة الجماعية ما لم يتصرف ذلك العضو أو ذلك الشخص عن علم على الأقل وهذا يعني على وجه الخصوص أنه كان على علم بالنية الخاصة (dolus specialis) للجاني الرئيس. وإذا لم يتم استيفاء هذا الشرط فهذا يكفي لاستبعاد التصنيف على أنه تواطؤ. 4
هناك كيان واحد نعتقد اعتقاداً راسخاً أنه كان متواطئاً في أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبت في العراق وهو مجلس الأمن سواء كان يتصرف باسمه أو باسم لجنة العقوبات. ومع أنه نادراً ما توجه الكتابات في القانون الدولي العام الاتهامات إلى مجلس الأمن بسبب وضعه الرفيع في ميثاق الأمم المتحدة إلا أننا نريد أن نوضح هنا أننا كمحامي ممارس ومعلق وباحث نعتقد أنه لا يوجد أحد – ولا يوجد كيان أيضاً – يمكن أن يكون فوق القانون. ولا ينبغي أن يكون من الممكن للدول أو مجموعات من الدول أن ترتكب جرائم مما هو مصنف تحت القواعد القسرية للقانون الدولي وأن يتم إعفاؤها من الذنب تحت ذريعة أنها تعمل بشكل جماعي في أي شكل – سواء كانت مؤسسات أو معاهدات أو كيانات حكومية دولية أيا كان الكيان الذي يغطيها أو يقوم بها أفراد كمسؤولين في الدول. وهذا يعني بالضرورة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن ينتهك القانون الدولي وبالتالي يجب أن يكون عرضة للسؤال حول قراراته.
ومن الواضح بطبيعة الحال أن هيكل وطبيعة القانون الدولي العام تعني أنه لن يتم رفع دعوى ضد مجلس الأمن طالما أنه لا توجد آلية تحمل حالياً تفويضاً لمعالجة مثل هذه الحالة – هذا الى جانب انه ليس هناك الإرادة لإنشاء مثل هذه المحكمة الدولية. لكن ذلك يبقى مهماً في سياق توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والحق في التعويض عن الأعمال الإجرامية التي يجب النظر فيها ضد الدول الأعضاء التي شاركت في فرض الحصار الشامل على العراق وإبقاءه. وتبقى أسئلة أخرى تحتاج إلى معالجة ولم يتم تناولها في عملنا وهي تلك المتعلقة بمدى ارتباط معايير المسؤولية الجماعية بأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومدى إمكانية التقاضي الجماعي ضد مجموعة من الدول.
وبالعودة إلى البحث المحدد عن العراق لا بد من التأكيد مرة أخرى على أن الغرض الأصلي من فرض العقوبات على العراق كان إخراج الجيش العراقي من الكويت. وقد نوافق جدلاً على ذلك القرار على الرغم من اعتقادنا أن الحصار التام كما هو موضح أعلاه يشكل إبادة جماعية وهو بحد ذاته معيار قطعي ولا ينبغي استخدامه كوسيلة لإكراه أية دولة على أي عمل. قد يكون لدى أعضاء مجلس الأمن الذين قبلوا طلب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بفرض حصار شامل على العراق حجة وإن كانت ضعيفة استناداً إلى قرارات 1990. لكنه من الواضح وعلى الرغم من هذه الحجج أن استمرار العقوبات وبمجرد إرغام الجيش العراقي على الانسحاب من الكويت ليس له أساس في القانون. إن فرض حصار تام على الدولة من أجل نزع سلاحها هو إجراء انتقامي بشكل عقاب جماعي يتعارض مع مبدأ أساس من مبادئ القانون الدولي وهو أن للدول الحق في الدفاع عن النفس وممارسة هذا الحق في تسليح نفسها. إن الفشل في احترام هذا المعيار ينتهك سيادة الدولة العراقية بما يتجاوز أي إجراءات عقابية تم تناولها في ميثاق الأمم المتحدة ويطعن في أحد المبادئ الأساس للمنظمات متعددة الأطراف: ألا وهو ما إذا كان يمكن لهذه المنظمات انتهاك القانون الدولي والقيام بذلك دون عقاب.
ونحن نرى أن كل دولة وافقت على استمرار العقوبات على العراق عندما كانت جميع الهيئات الدولية تبلغها عن آثار الإبادة الجماعية للعقوبات يجب أن تعد مذنبة بالتواطؤ في الإبادة الجماعية. ويشير الفشل في القيام بذلك إلى إضعاف المعايير القانونية الدولية العامة وإخضاع الانضباط لسياسة السلطة – بل هو في الواقع وفي الأمور الأكثر أهمية يلقي بها من النافذة.
أعطى أعضاء لجنة العقوبات أنفسهم الحق، الذي لم تخوله لهم أية سلطة قانونية، في منع استيراد المواد الحيوية للعراق والضرورية لاستمرار حياة الناس العاديين. ونحن نرى أن أي عضو في لجنة العقوبات شارك في أي قرار في أي مرحلة خلال الثلاث عشرة سنة من العقوبات لحظر الواردات الحيوية إلى العراق (بما في ذلك الإمدادات الطبية الأساس) يجب أن يكون شخصيا عرضة لاتهامه بالتواطؤ في فرض شروط أدت إلى إبادة جماعية في العراق.
وتدعم هذا التأكيد المادة الرابعة من الاتفاقية التي تنص على ما يلي:
يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاماً أو موظفين عامين أو أفراداً.
وكان الغرض من هذه المادة هو تخفيض الحصانة الممنوحة لرؤساء الدول والطعن في الالتماس المتعلق بـ “أعمال الدولة” مقابل عمل الفرد والتشكيك في الالتماسات المتعلقة بسلسلة القيادة و“الأوامر العليا” عندما يتعلق الأمر بالتهرب من التورط في جريمة الإبادة الجماعية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ممثل الاتحاد السوفيتي اقترح تعديلاً على اتفاقية الإبادة الجماعية كان من شأنه أن يضيف أن “لا يعطي الأمر القانوني أو الأوامر العليا المسوغ للإبادة الجماعية.” 5 لكن عددا من الدول رفضت هذا التعديل، بغض النظر عن مبادئ نورمبرغ التي كانت قد قبلت وشكلت معلما بارزا، وذلك مدعية الخشية أن يكون من الصعب على تلك الدول الحصول على التصديق من مؤسساتها الدستورية لأنها قد تتعارض مع بعض التشريعات المحلية. وتتطلب المادة بصيغتها المعتمدة النية من الجنود على سبيل المثال الذين يقومون بتنفيذ أوامر عليا. لكن الإحتجاج بالأوامر العليا لا يمثل دفاعاً في حالة أعضاء لجنة العقوبات لأنهم لم يكونوا أدوات بسيطة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن إذ انهم كانوا بصفتهم أعضاء في المجلس يتمتعون بحرية العمل والتفسير ويكونون لهذا مسؤولين في التواطؤ في فرض الإبادة الجماعية على العراق والاعتراض على شراء السلع الأساس. إن حجة كونهم تحت قيود الضغط من قبل دول أخرى يجب ألا يكون لها أثر أكبر من تلك التي كانت على الأفراد المسؤولين فيما يتعلق بالضغوط من سياسات حكوماتهم وذلك كما قررت محكمة نورمبرغ في أنهم ليسوا ملزمين بها.
تحد كبير لشرعية قرارات مجلس الأمن: حكم المحكمة الأوروبية
عدت قرارات مجلس الأمن لفترة طويلة جداً مقدسة تقريباً: لم يتم الطعن فيها أو حتى مناقشتها. وقبل الجميع أن المادة 103 من الميثاق تعني فعلياً أنه مهما قرر مجلس الأمن فإنه مقبول. وأنكرت حتى محكمة العدل الدولية نفسها الاختصاص القضائي حتى لو كانت القضية معروضة عليها بمجرد أن ينظر مجلس الأمن في الأمر. 6 واحتاج الأمر إلى هيئة قانونية أكثر استقلالية من محكمة العدل الدولية في ذلك الحين لمحاولة تغيير هذا الوضع غير المقبول. وجاء ذلك في حكم محكمة العدل الأوروبية في قضية “القاضي” 7 التي لا تتصل بالعراق لكنها على الأقل تتعلق بالعقوبات.
فقد رفع السيد “قاضي” وآخرون إجراءات قانونية ضد لوائح مجلس الاتحاد الأوروبي التي جمدت أصولهم في تنفيذ لقرار لمجلس الأمن يهدف إلى تجميد أصول مؤيدي بن لادن وطالبان. ورفضت المحكمة الابتدائية الطلبات التي قدمها أصحاب المطالبات لكنها وجدت أنها على أي حال مخولة بالتحقق بصورة غير مباشرة من قانونية قرارات مجلس الأمن فيما يختص بالأحكام الآمرة. 8
واستأنف المدعون وطعنت المملكة المتحدة في مسألة حق الطعن في قرار مجلس الأمن فيما يتعلق بالأحكام الآمرة. وأبطلت محكمة العدل الأوروبية حكم المحكمة الابتدائية وأصدرت حكمها على الطلبات. إلا أن محكمة العدل الأوروبية لم تتخذ أي قرار بشأن حكم المحكمة الابتدائية أو الاستئناف المتبادل من المملكة المتحدة بشأن السؤال المتعلق بالأحكام الآمرة. ونحن نسلم بأن هذه المسألة ما تزال فاعلة وأن حكم المحكمة الابتدائية يشكل تحدياً خطيراً للرأي السائد بأن قرارات مجلس الأمن فوق “سيادة القانون“.
وكان قرار محكمة العدل الأوروبية في حكمها على حق الاتحاد الأوربي في رفض تنفيذ قرار للأمم المتحدة إذا كان يتعارض مع الحقوق الأساس التي أيدها الاتحاد وكذلك حكمها على عمل لجنة العقوبات بنفس القدر من الأهمية. وقد رأت محكمة العدل الأوروبية بشأن النزاع المحتمل بين قرار مجلس الأمن والحقوق الأساس:
يجب أن تضمن الهيئة القضائية للاتحاد الأوروبي إذن ووفقاً للصلاحيات المخولة لها بموجب معاهدة الاتحاد الأوروبي مراجعة بل من حيث المبدأ مراجعة كاملة لشرعية جميع أعمال الاتحاد في ضوء الحقوق الأساس التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من المبادئ العامة لقانون الاتحاد بما في ذلك مراجعة تدابير الاتحاد التي تهدف مثل اللائحة المعنية إلى تنفيذ القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.9
طبقت محكمة العدل الأوروبية المبدأ أعلاه على عمل لجنة العقوبات ولاحظت أن مسائل مثل (i) عدم قدرة شخص مدرج على قائمة اللجنة على تأكيد حقوقه؛ 10 (2) حق النقض (الفيتو) لأي عضو من أعضاء اللجنة؛ 11 (3) عدم قدرة الشخص المدرج في القائمة على تأكيد حقه شخصياً أو أن يمثله خلال الإجراء من قبل اللجنة للنظر في شطب طلبه من القائمة ؛ 12 و (4) أن اللجنة لا تحتاج إلى الإبلاغ عن سبب أو دليل لإدراج اسم في القائمة ولا تقديم أسباب لرفض طلب إزالة اسم من القائمة 13 كانت جميعها أسباباً للمراجعة بموجب مبدأ التمسك أعلاه بالحقوق الأساس المنصوص عليها في المعاهدة.
إن لجنة العقوبات في قضية “قاضي” مطابقة تقريباً للجنة العقوبات الخاصة بالعراق والمبادئ التوجيهية الخاصة بها متطابقة أيضاً. ونحن نرى أن حكم محكمة العدل الأوروبية في قضية “قاضي” يمكن أي عراقي تعرض لسنوات من هذا الحرمان من الحقوق الأساس لمقاضاة الدولة الأوروبية المذنبة كالمملكة المتحدة مثلاً للحصول على تعويضات على أساس أن التدابير خرقت حقه الأساس كما أيدتها المعاهدة.
وللحديث صلة….
1 Rahul Mahajan, ‘We think the Price is Worth it’, (FAIR, Nov/Dec 2001) <http:// www.fair.org/index.php?page=1084>
2 لعل أفضل أداة بحث متوفرة للباحث في العقوبات على العراق هي العمل الذي قامت به الحملة ضد العقوبات في العراق التي جمعت الكثير من تقارير مؤسسات الأمم المتحدة وهيئاتها والحكومات والمؤسسات المشتركة بين الحكومات والمؤسسات غير الحكومية والهيئات الدينية. وتتوفر كل هذه في الرابط التالي:
<http:// www.casi.org.uk/info/index.html>; Report to the Secretary-General; on humanitarian needs in Kuwait and Iraq in the immediate post-crisis environment by a mission to the area led by Mr. Martti Ahtisaari Under-Secretary-General for Administration and Management, dated 20 March 1991, UN document S/22366, <http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N91/089/88/IMG/ N9108988.pdf?OpenElement>; Report to the Secretary-General dated 15 July 1991 on humanitarian needs in Iraq prepared by a mission led by Sadruddin Aga Khan, Executive Delegate of the Secretary-General UN Document S/22799,
<http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N91/228/18/IMG/N9122818. pdf?OpenElement>; Acherio, Albert and others, ‘Effect of the Gulf War on In- fant and Child Mortality in Iraq’ (1992) 327 New England Journal of Medicine 931 <http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/1513350>; Crossette, Barbara, ‘Iraq Sanctions Kill Children, U.N. Report’s, The New York Times, 1 December 1995,<http://www.nytimes.com/1995/12/01/world/iraq-sanctions-kill-children- un-reports.html>;
Fawzi, Mary C. Smith, Ziadi, Sarah, ‘Sanctions, Saddam and Silence: Child Malnutrition and Mortality in Iraq’, The Washington Report on Middle East Affairs, January 1996 <http://www.washington-report.org/component/con- tent/article/167-1996-january/1776-sanctions-saddam-and-silence.html>; ‘Unsanctioned Suffering: A Human Rights Assessment of United Nations Sanctions on Iraq, Center for Economic and Social Rights’, May 1996, <http:// www.cesr.org/downloads/Unsanctioned%20Suffering%201996.pdf>; Report of the second panel established pursuant to the note by the president of the Security Council of 30 January 1999 (S/l999/100), concerning the current humanitarian situation in Iraq, Annex II of S/l999/356, 30 March 1999, <http://www.casi.org.uk/info/panelrep.html>; The Education Sector: Pre-sanctions to 1995/96 ‘ in UN Office of the Humanitarian Coordinator for Iraq. Special Topics on social conditions in Iraq: An overview submitted by the UN system to the Security Council Panel on Humanitarian Issues (Baghdad, 24 March 1999) <http://www.casi.org.uk/info/undocs/spec-top. html>#11>; The Human Rights Implications of Economic Sanctions on Iraq: Background Paper Prepared by the Office of the High Commissioner for Hu- man Rights for the Meeting of the Executive Committee on Humanitarian Affairs (New York, 5 September 2000), <http://www.cam.ac.uk/societies/casi/ info/undocs/sanct31.pdf.>; Iraq: a decade of sanctions, by the International and Development Affairs Committee of the Church of England’s Board for Social Responsibility, which is available on the Campaign Against Sanc- tions on Iraq <http://www.casi.org.uk/info/churcheng/cofejuly2000.pdf>; UNICEF, 1999 Iraq Child and Maternal Mortality Surveys <http://www. fas.org/news/iraq/1999/08/990812-unicef.htm>; UNICEF press release, Iraq surveys show ‘humanitarian emergency’, 12 August 1999, (CF/DOC/ PR/1999/29) <http://www.unicef.org/newsline/99pr29.htm>; UNICEF press release. Child malnutrition prevalent in central/south Iraq, 29May 1997 (CF/DOC/PR/1997/17) <http://www.unicef.org/newsline/prgva11. htm>; UNICEF press release. Nearly one million children malnourished in Iraq, says UNICEF, 26 November 1997 (CF/DOC/PR/1997/60) <http://www. unicef.org/newsline/97pr60.htm>; UN Food and Agriculture Organization. Assessment of the Food and Nutrition Situation-Iraq (Rome, September 2000 <http://www.fao.org/docrep/005/x8147e/x8147e00.htm> Report of the Secretary-General pursuant to Paragraph 5 of Resolution 1302 (2000) S/2000/1132 (29 November 2000) <http://daccess-dds-ny.un.org/doc/ UNDOC/GEN/N00/760/04/PDF/N0076004.pdf?OpenElement>; Report of the Secretary-General pursuant to Paragraph 5 of Resolution 1360 (2001) S/2001/919 (28 September 2001) <http://daccess-dds- ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N01/549/26/PDF/N0154926.pdf?OpenElement>; Report of the Secretary-General pursuant to paragraph 5 of resolution 1302 (2000) (8 September 2000) S/2000/85 <http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UN- DOC/GEN/N00/280/49/PDF/N0028049.pdf?OpenElement>; Report of the Secretary-General pursuant to paragraph 5 of Security Council resolution 1281(1999)(1June 2000)S/2000/520 <http://daccess-dds-ny.un.org/doc/ UNDOC/GEN/N00/453/72/PDF/N0045372.pdf?OpenElement>; Introduc- tory statement by Benon V. Sevan Executive Director of the Iraq Program at the informal consultation of the Security Council Thursday, 21 September 2000. <http://www.un.org/Depts/oip/background/latest/bvs000921.html>; Report of the Secretary-General pursuant to paragraph 5 of resolution 1360 (2001) (19 November 2001), S/2001/1089 <http://daccess-dds-ny.un.org/ doc/UNDOC/GEN/N01/637/99/PDF/N0163799.pdf?OpenElement>; Humanitar- ian Assistance Capacity in Iraq: Part I/ A Situation Analysis and Literature Review, CARE International and Johns Hopkins University/ Center for International Emergency, Disaster and Refugee Studies, January 2003, <http://www.who. int/disasters/repo/9353.pdf>; Daponte, Beth Osborne and Garfield, Richard, ‘The Effect of Economic Sanctions on the Mortality of Iraqi Children Prior to the 1991 Persian Gulf War’ (2000) 90(4) American Journal of Public Health 546-552
<http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1446193/>; Gordon, Joy, ‘Cool War: Economic Sanctions as a weapon of Mass Destruction’ (Harper’s Magazine, November 2002) <http://www.harpers.org/archive/2002/11/0079384>; For General works see: Graham-Brown, Sarah, Sanctioning Saddam: The Politics of Intervention in Iraq (London: I.B. Tauris, 1999); Arnove, Anthony (ed.). Iraq Under Siege: The Deadly Impact of Sanctions and War (London: Pluto Press, 2000); Conlon, Paul, United Nations Sanctions Managements Case Study of the Sanctions Committee, 1990-1994 (Ardsley, New York: Transnational Pub- lishers, 2000); Cockburn, Andrew and Cockburn, Patrick, Out of the Ashes: The Resurrection of Saddam Hussein (London: HarperCollins, 1999); Cordesman, Anthony H., and Hashim, Ahmed S., Iraq: Sanctions and Beyond (Boulder, CO: Westview Press, 1997); Simons, Geoff, The Scourging of Iraq: Sanctions, Law and Natural Justice (Basingstoke: Macmillan, 1998, 2nd edn); Hoskins, Eric, ‘The Humanitarian Impacts of Economic Sanctions and War in Iraq’ in Weiss, Thomas G., Cortright, David, Lopez, George A., and Minear, Larry, (eds) Political Gain and Civilian Pain: Humanitarian Impacts of Economic Sanctions (Lanham/Oxford: Rowman & Littlefield, 1997); Boone, Peter, Gazdar, Haris, Hussain, Althar, Sanctions against Iraq: Costs of Failure (New York: CESR, November 1997) and Ismael, Tareq Y., and Haddad, William W., (eds) Iraq The Human Cost of History (London: Pluto Press, 2004)
3 Robinson 63-64. Of course the clear backdrop that Robinson had in mind here were the conditions concerning the concentration camps of WWII and the so- called Death March, where Ottoman soldiers marched Armenians into the Syrian Desert to their certain deaths. See. Castellino, Joshua, ‘Death March’ Shelton, D. et al (eds) The Encyclopedia of Genocide (New York: Macmillan Reference 2005) 226-229
4 Case Concerning the Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide (Bosnia and Herzegovina v. Serbia and Montenegro), February 26, 2007, para 421
5 Robinson 72. On the question of ‘command of law’ the matter is easier to comprehend. Domestic law is, as a matter of principle, subservient to international commitments. Thus if a state chose to abide by an international obligation as is indicated by the fact that it ratified it, it cannot invoke domestic law as a defense for non-fulfillment of that obligation. It follows that all people whether citizens of the US, the UK or any other State, who committed the crime of genocide in
any act whether as members of the Sanctions Committee or during the military campaign could not and should not be able to use this defense. This incidentally is precisely what the Supreme Court of the US held in the Abrams v United States, 250 U.S. 616 (1919) where the Court interpreted specific ‘intent’ to mean that the defendants were responsible for the natural consequences of their intended actions even if those actions were motivated by unrelated concerns. Such was the ruling of the British House of Lords in the case of DPP v Smith [1961], in which the House applied a purely objective test to intent in murder asserting the standard of the reasonable man, who would have understood the harmful consequences of his actions.
6 The ICJ held in the Lockerbie case that it could not proceed with a disputed case before it on the application of an international convention once the SC adopted a resolution in the matter. Questions of Interpretation and Application of the 1971 Montreal Convention arising from the Aerial Incident at Lockerbie (Libyan Arab Jamahiriya v. United Kingdom), Preliminary Objections, Judgment, I. C.J. Reports 1998, 9 (Lockerbie Case) paras 39-40.
7 Joined Cases C-402/05 P and C-415/05 P, Yassin Abdullah Kadi and Al Barakaat International Foundation v Council of the European Union and Commission of the European Communities, Judgment of 3 September 2008.
8 Kadi case, para. 87.
9 Kadi case, para. 5.
10 Kadi case, para. 323.
11 المصدر نفسه.
12 Kadi case, para. 324.
13 Kadi case, para. 325.