صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” – 20
تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني
ترجمة: د. طارق العاني
================================================
عدم شرعية العقوبات الكلية بموجب القانون الإنساني الدولي
أكد المؤتمر الدولي السادس والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر (4 – 7 كانون الأول/ ديسمبر 1995) أن “أي نظام عقوبات يتم إنشاؤه في سياق النزاع المسلح يحكمه القانون الإنساني الدولي الذي يشترط ضمان السكان المدنيين واحتياجاتهم الأساس“. 1 ويبدو من الواضح أن مؤتمر الصليب الأحمر والهلال الأحمر كان يشير إلى بعض العقوبات المحدودة التي فرضت أثناء النزاع المسلح والتي وجدها المؤتمرون بغيضة إذا حرم السكان المدنيون من احتياجاتهم الأساس. إلا أن ما تجنبه مؤتمر الصليب الأحمر والهلال الأحمر عمداً في أذهاننا هو كيف يمكن أن تتوافق العقوبات الكاملة المفروضة على المدنيين إلى أجل غير مسمى مع القانون الإنساني الدولي.
تم تطوير حماية المدنيين من خلال مبادئ القانون الدولي الإنساني العام وتم إدخالها في المعاهدات والاتفاقيات من خلال اتفاقية لاهاي 1907 وحتى الملحق الإضافي الأول 1977 لاتفاقيات جنيف. كان المبدأ الثابت هو تطبيق مبادئ قانون الأمم المتحضرة والإنسانية وإملاءات الضمير العام في أوقات الحرب. ولن ننظر في مبادئ القانون الدولي العام ولكننا سنلتزم بمبادئ القانون التي تم تضمينها منذ ذلك الحين في معاهدات واتفاقيات القرن العشرين.
تعد لوائح لاهاي (1907) بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية نقطة انطلاق جيدة. 2 إذ تنص المادة 50 من اللائحة على ما يلي:
لا ينبغي إصدار أية عقوبة جماعية مالية أو غيرها ضد السكان بسبب أعمال ارتكبها أفراد لا يمكن أن يكون هؤلاء السكان مسئولين عنها بصفة جماعية.
ومن الواضح أن العقوبات الكلية على العراق كانت خرقاً لهذا المبدأ لأن العقوبة كانت مفروضة على السكان المدنيين الذين لا يمكن اعتبارهم مسؤولين عن أي من أفعال حكومة العراق على افتراض أن الأخيرة كانت على خطأ. فقد كان الشعب يعيش تحت دكتاتورية كما ادعى الغرب نفسه قمعت حريتهم في الاختيار والعمل.
سارع الأوربيون الذين صدموا بفظائع الحرب العالمية الثانية إلى دمج العديد من المبادئ في اتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف. وسوف نتعامل مع اتفاقية الإبادة الجماعية في الفصل السابع. ومن بين اتفاقيات جنيف الأربع التي سننظر فيها هنا هي الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب والملحق الأول (1977) الذي وسع نطاق حماية المدنيين ليجعلها تنطبق على أوقات الصراع الدولي.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية الرابعة 3 تتعامل بشكل عام مع حماية المدنيين إلا أن مادتين فيها جديرتان بالملاحظة هنا. إذ تنص المادة 8 على ما يلي:
لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كلية عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية، أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة السابقة، إن وجدت.
وقد أرست هذه المادة مبدأ أساساً لحظر التنازل أو إلغاء الحقوق المضمونة بموجب الاتفاقية.
أما المادة 33 من ناحية أخرى فهي تتوسع في المبدأ المنصوص عليه في المادة 50 من لائحة لاهاي حيث تنص على ما يلي:
لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب.
السلب محظور.
تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
يبدو من الواضح أن العقوبات الكلية المفروضة على العراق كانت مخالفة بشكل مباشر للمبدأ أعلاه لأنه من الواضح أنها كانت عقاباً جماعياً وانتقاماً ضد المدنيين وممتلكاتهم.
أدرك العالم بعد اعتماد اتفاقيات جنيف أن المدنيين العالقين في النزاعات المسلحة بحاجة إلى مزيد من الحماية. وهكذا تم اعتماد ملحقين إضافيين في عام 1977. وسنتعامل بمزيد من التفصيل مع الملحق الأول. 4
فقد وضع الملحق الأول الذي يشير عنوانه إلى أنه يتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية العديد من مبادئ حماية المدنيين وأدرج العديد من القيود التي ما يزال الكونغرس الأمريكي يرفض التصديق عليها لأنها تحد من حرية الأنشطة الاستكبارية في العالم. وحيث إن الملحق يشير باستمرار إلى مصطلح “الهجوم” فإن نقطة البداية الجيدة يجب أن تكون في تعريف الهجوم وفقاً للملحق وهذا يظهر في المادة 49 كما يلي:
1- تعني “الهجمات” أعمال العنف الهجومية والدفاعية ضد الخصم.
2- تنطبق أحكام هذا الملحق “البروتوكول” المتعلقة بالهجمات على كافة الهجمات في أي إقليم تشن منه بما في ذلك الإقليم الوطني لأحد أطراف النزاع والواقع تحت سيطرة الخصم.
3- تسري أحكام هذا القسم على كل عملية حربية في البر سواء أكانت أم في الجو أم في البحر قد تصيب السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين أو الأعيان المدنية على البر. كما تنطبق على كافة الهجمات الموجهة من البحر أو من الجو ضد أهداف على البر ولكنها لا تمس بطريقة أخرى قواعد القانون الدولي التي تطبق على النزاع المسلح في البحر أو في الجو.
كما نعتقد أن الإضافة الرئيسة للقانون الدولي الإنساني التي قدمها الملحق الأول كانت إلغاء الحاجة إلى الموازنة بين الميزة العسكرية مقابل ما يسمى بالأضرار الجانبية للمدنيين والأهداف المدنية. فقد جعل الملحق الأول من استهداف المدنيين جريمة. وجاء ذلك في المادة 85 التي تنص على ما يلي:
3– تعد الأعمال التالية، فضلاً على الانتهاكات الجسيمة المحددة في المادة 11، بمثابة انتهاكات جسيمة لهذا الملحق “البروتوكول” إذا اقترفت عن عمد، مخالفة للنصوص الخاصة بها في هذا الملحق “البروتوكول“، وسببت وفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة:
-
جعل السكان المدنيين أو الأفراد هدفا للهجوم.
-
القيام بهجوم عشوائي ضد السكان المدنيين أو الأهداف المدنية مع معرفة أن عجوما كهذا سوف يؤدي لخسارة عالية في الأنفس أو جروح للمدنيين أو ضرر بالأهداف المدنية كما عرفت في المادة 57 الفقرة 02) (أ) (3).
-
القيام بهجوم ضد منشآت أو أعمال مدنية تضم قوى خطرة بمعرفة لأن هجوما كهذا سيؤدي لخسارة عالية في الأنفس أو جروح للمدنيين أو ضرر بالأهداف المدنية كما عرفت في المادة 57 الفقرة 02) (أ) (3).
….
5- تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ولهذا الملحق “البروتوكول” بمثابة جرائم حرب وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق هذه المواثيق.
ونحن نرى أن المادة 85 تؤكد أربع حقائق:
1 – يعد جعل المدنيين هدفا للهجوم انتهاكاً جسيماً للملحق.
2 – تعد الانتهاكات الجسيمة للملحق جرائم حرب.
3 – لا مجال لإدخال التوازن في أية ميزة عسكرية يمكن أن تنجم عن هجوم على المدنيين كعامل مخفف أو إبطال في تحديد ما إذا كانت جرائم الحرب قد ارتكبت.
4 – يكون مجلس الأمن قد ارتكب جريمة حرب بفرض عقوبات شاملة على العراق.
لذلك نقترح أن العقوبات المفروضة على العراق تندرج بشكل كامل ضمن التعريف أعلاه للانتهاكات وان أية إشارة إلى هجوم في الملحق يشمل العقوبات كما تطبق على العراق وبالتالي فإن جميع المواد ذات الصلة بالهجوم تنطبق على العقوبات.
تنص القاعدة الأساس الواردة في المادة 48 من الملحق:
تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية.
إن من الواضح لأي قارئ للمبدأ أعلاه أن العقوبات لا تميز بين المدنيين وغير المدنيين وهي لهذا تشكل قضية مشكوك فيها للمدافعين عن العقوبات على أقل تقدير.
يحدد الملحق في المادة 50 معنى “السكان المدنيين” على النحو التالي:
2– يندرج في السكان المدنيين كافة الأشخاص المدنيين.
3- لا يجرد السكان المدنيين من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين.
إن من الواضح أن العراق لأغراض المادة أعلاه هو من السكان المدنيين على الرغم من وجود قوات مسلحة داخله. وينبغي أن تنطبق حماية السكان المدنيين على النحو المبين في المواد على العراق خلال نظام العقوبات تماشياً مع المبادئ الأخرى في الملحق الأول مثل الشرط أنه إذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنياً وأنه عندما يستخدم الجيش والمدني نفس المنشأة فإنه ينبغي أن يفترض أنها هدف مدني. إن الغرض الكامل من الملحق الأول هو رفع حماية المدنيين في اتفاقية جنيف الرابعة إلى مستوى جديد حيث لم تعد الحجة بموازنة الميزة العسكرية ضد الضحايا المدنيين مقبولة. وكان فرض عقوبات على العراق وفقاً للمادة 50 اعتداءً على السكان المدنيين بغض النظر عن وجود أفراد عسكريين في العراق لأن العقوبات لم تستهدفهم وحدهم.
تحدد المادة 51 الحماية التي يكفلها الملحق للسكان المدنيين في النزاعات الدولية ومن بينها:
4- تحظر الهجمات العشوائية، وتعتبر هجمات عشوائية:
أ ) تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد،
ب) أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدد،
ج ) أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو الذي يتطلبه هذا الملحق “البروتوكول“، ومن ثم فإن من شأنها أن تصيب، في كل حالة كهذه، الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.
6- تحظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين.
إننا نعتقد أن العقوبات كانت خرقا واضحا للحماية المضمونة أعلاه وكان العنف موجهاً بوضوح ضد جميع السكان المدنيين في العراق وليس بشكل محدد ضد أهداف عسكرية محددة. وقد جاء بوضوح انتقاماً لما افترض أنه تقاعس الحكومة العراقية عن الامتثال لقرارات مجلس الأمن أو ربما كان هذا مجرد ذريعة.
تغطي المادة 52 حماية الأعيان المدنية في النزاعات الدولية وتنص على ما يلي:
1- لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم أو لهجمات الردع. والأعيان المدنية هي كافة الأعيان التي ليست أهدافاً عسكرية وفقاً لما حددته الفقرة الثانية.
2 – تقصر الهجمات على الأهداف العسكرية فحسب. وتنحصر الأهداف العسكرية فيما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء أكان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.
3- إذا ثار الشك حول ما إذا كانت عين ما تكرس عادةً لأغراض مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك.
وحين نذكر أنفسنا بأن “الهجمات” قد تم تعريفها في المادة 49 على أنها “أعمال عنف ضد الخصم” فمن المؤكد أن العقوبات الكلية المفروضة على العراق كانت هجمات تنتهك المبادئ المذكورة أعلاه.
ولا بد من الإشارة إلى أهمية الفقرة (3) من المادة 52: فقد سمعنا مرارا وتكرارا من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين فيما يتعلق بالعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان عندما تعرضت أهداف مدنية للهجوم بأنهم اعتقدوا أن هذه الأهداف كانت تستخدم لأغراض عسكرية. ويتضح من صيغة الفقرة (3) أن الصائغين توقعوا مثل هذه الأعمال الإجرامية المحتملة وبالتالي تأكدوا من أنه عندما ينشأ مثل هذا الشك يجب أن يكون الافتراض أنها أهداف مدنية وليس غير ذلك. وقد ظهرت قيمة هذه الفقرة مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة خاصة عندما تم إرسال طائرات بدون طيار لمهاجمة أهداف مدنية. فقد أصبح الأمر شبه لازمة عند سماع المسؤولين الأمريكيين وهم يعترفون بأن المدنيين قتلوا فيما اتضح أنه هدف مدني بحت يشتبه في أنه كان هدفاً عسكرياً. 5
تتناول المادة 54 الحماية التي يكفلها البروتوكول للأعيان المدنية التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين. وعلى الرغم من أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمادة 52 إلا أنها تنص أيضاً على ما يلي:
1- يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.
2- يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الإرواء، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر.
قد تعاملنا مع تأثير العقوبات على اقتصاد العراق والسكان المدنيين بمزيد من التفصيل في الفصل 6. لكن علينا أن ندرك لتوكيد الأمر الواضح هنا هو أن العراق قد تم تجويعه من خلال العقوبات بشكل مباشر وغير مباشر. فقد تم تجويعه مباشرة من خلال تقليص قدرة الحكومة على التجارة بحرية وأجبرت على الشراء فقط وفقاً لموافقة لجنة العقوبات وتحت سيطرتها على الرغم من أن قرار مجلس الأمن 661 استبعد البضائع الإنسانية من قيود العقوبات. وكان هناك تجويع بشكل غير مباشر عندما فقد الناس وظائفهم لأن الحكومة بصفتها صاحب العمل الرئيس والتي حرمت من الوصول إلى أموالها الخاصة لم تكن قادرة على دفع الأجور. وأدى فقدان القدرة الشرائية للأسر إلى المجاعة والوفيات غير الضرورية خاصة بين الأطفال.
عنى منع العراق من استيراد قطع الغيار لشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي التي تعرضت هي نفسها للهجوم بشكل غير قانوني خلال غزو عام 1991 حرمان السكان المدنيين من الأشياء والخدمات التي لا غنى عنها لبقائهم. وكانت قضية سد الموصل احدى الأعمال الإجرامية المحتملة التي نتجت عن نظام العقوبات والنشاط غير القانوني للجنة العقوبات. فقد ظهر خلال التسعينات أنه كان هناك بعض التآكل داخل سد الموصل يمكن إذا لم يتم معالجته أن يؤدي إلى انهيار السد وإغراق حوض دجلة على نطاق أكبر من فيضان نوح التوراتي. وتوسلت حكومة العراق إلى لجنة العقوبات للسماح لبعض المستشارين الدوليين بتفتيش السد من أجل الحصول على بعض الإجراءات التصحيحية ولكن تم رفض الطلب على أساس أن العقوبات لم تسمح بذلك. ولم تفعل المجموعات الحاكمة الجديدة منذ غزو العراق في عام 2003 والتي تعمل بشكل مؤقت على بناء ثرواتها الشخصية أي شيء لتصحيح ذلك. وما يزال سد الموصل قنبلة موقوتة. وقد ذكرت وكالة التنمية الدولية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أيار/ مايو 2003 ما يلي:
دعمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومؤسسة المبادرات الانتقالية توفير الدعم الاحتياطي بما يقرب من 3000 طن من الإسمنت الخاص الذي سيعزز أسس سد الموصل والنواة الداخلية لمدة تصل إلى شهرين إلى جانب الحصول على شحنة من زيت العنفات للمولدات وحمض الكبريت لبطاريات غرفة التحكم. ويبلغ إجمالي الدعم اللازم لسد الموصل حوالي 144 ألف دولار. ويعاني سد الموصل الأكبر في العراق من مشاكل هيكلية تهدد سلامته. كما أن مولداته إلى جانب ذلك والتي توفر الطاقة لحوالي 1.7 مليون شخص معرضة لخطر الاحتراق بسبب نقص زيت التشحيم للعنفات. 6
ومن الواضح أن هذه المشاكل الهيكلية لم تظهر إلا بعد الاحتلال. وكان عدم السماح للعراق بتلقي المساعدة لمنع وقوع كارثة ما تزال تهدد حياة وممتلكات مئات الآلاف من الناس عملاً خبيثاً ومتعمداً. وعلى الرغم من أن الكارثة لم تحدث بعد – إلا أنها كانت تلوح في الأفق. ويجب فعلاً أن يشمل التدمير والإصابات والوفيات التي لا داعي لها والتي قد تنسب إلى تطبيق العقوبات تلك التي قد تحدث في المستقبل والتي يمكن فهمها على أنها ناتجة عن الانقطاع القسري لصيانة البنية التحتية اللازمة على مدى عقود.
وكتب البروفيسور توماس ناجي، وهو واحد من الجامعيين الأمريكيين القلائل الذين أظهروا النزاهة خلافاً للمألوف، عن المادة 54 في عرضه للإبادة الجماعية التي ارتكبتها وكالة المخابرات العسكرية الأمريكية (DIA) والتي سنتعامل معها في الفصل 9 .
لا تسمح لغة المادة 54 بالهروب من خلال دلالات القصد أو النية الأقل تحديداً. فالمادة 54 وبدلاً من ذلك تحظر جعل “تجهيزات وإمدادات مياه الشرب” عديمة الفائدة … “مهما كان الدافع” … “لتجويع المدنيين … أو لأي دافع آخر“. ولكن هذا بالضبط ما فعلته حكومة الولايات المتحدة مع الخبث والتعمد. فقد “دمرت أو أزالت أو جعلت عديمة الفائدة” منشآت وإمدادات مياه الشرب في العراق. وتشكل العقوبات المفروضة منذ أكثر من عقد وبشكل شبه كامل بإصرار من الولايات المتحدة انتهاكاً مستمراً لاتفاقية جنيف. 7
ولا يمكن الانتهاء من أحكام الملحق الأول دون إبراز المبدأ الرئيس المتضمن في المادة 57 بشأن التدابير الاحترازية التي يجب أن تتخذها الأطراف في النزاع الدولي. إذ تنص المادة 57 على ما يلي:
أ ) يجب على من يخطط لهجوم أو يتخذ قراراً بشأنه :
أولا : أن يبذل ما في طاقته عملياً للتحقق من أن الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصاً مدنيين أو أعياناً مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة، ولكنها أهداف عسكرية في منطوق الفقرة الثانية من المادة 52، ومن أنه غير محظور مهاجمتها بمقتضى أحكام هذا الملحق “البروتوكول“.
ثانياً : أن يتخذ جميع الاحتياطات الممكنة عند اختيار وسائل وأساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الأضرار بالأعيان المدنية، وذلك بصفة عرضية، وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.
ثالثاً : أن يمتنع عن اتخاذ قرار بشن أي هجوم قد يتوقع منه، بصفة عرضية، أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم، أو الأضرار بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، مما يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.
ونحن نعتقد أن مجرد فرض عقوبات اقتصادية ضد أي سكان مدنيين هو خرق للمبدأ أعلاه. ولا يحتاج المرء إلى تحليل أي مبدأ قانوني أو أخلاقي يتجاوز ملاحظة أن المبادئ المذكورة تنتهك من خلال فرض العقوبات حالها حال الهجمات ضد السكان المدنيين ويصبح فرض عقوبات على المدنيين في النزاعات الدولية هو عمل غير قانوني حتى لو قام به مجلس الأمن.
وسيكون من المناسب فقط أن نذكر أنفسنا قبل مغادرة الملحق الأول بأن الخروقات من خلال العقوبات المخالفة للمواد 48 و51 و52 و54 و83 تم ارتكابها خلال الهجوم العسكري عام 1991 على العراق وكانت العقوبات مجرد استمرار لها.
قانون حقوق الإنسان والعقوبات
يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) 8 المعتمد في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 حجر الزاوية في قانون حقوق الإنسان. فهو يحدد الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساس التي يجب أن يتمتع بها جميع البشر. لقد أنتج الإعلان العديد من العهود التي لم تنشئ التزامات أخلاقية فحسب بل واجبات قانونية على الدول فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان. وسننظر في مدى مطابقة العقوبات مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقات اللاحقة:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) 9 العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR) 10 واتفاقية حقوق الطفل. (CRC) 11
وعندما ينضم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى العهود المذكورة أعلاه يشكل ما يشار إليه عموماً باسم “القانون الدولي لحقوق الإنسان“. 12
ويؤكد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أهمية الالتزامات بموجب قانون حقوق الإنسان في القول:
يضع القانون الدولي لحقوق الإنسان التزامات تلتزم الدول باحترامها. وتتحمل الدول بحكم كونها أطرافاً في المعاهدات الدولية التزامات وواجبات بموجب القانون الدولي لاحترام حقوق الإنسان وحمايتها والوفاء بها. ويعني الالتزام بالاحترام أنه يجب على الدول الامتناع عن التدخل في التمتع بحقوق الإنسان أو الحد منه. يتطلب الالتزام بالحماية من الدول حماية الأفراد والجماعات من انتهاكات حقوق الإنسان. ويعني الالتزام بالوفاء أنه يجب على الدول أن تتخذ إجراءات إيجابية لتيسير التمتع بحقوق الإنسان الأساس. 13
ويسلط مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الضوء في صحيفة الحقائق حول الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على أهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأثره في تحديد سلوك الدول واعتماد القرارات منذ عام 1948. ويذكر التقرير:
وهكذا ظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأكثر من 25 عاماً بمثابة “معيار إنجاز عالمي لجميع الشعوب وجميع الدول“. وقد أصبح معروفاً ومقبولا كسلطة في كل من الدول التي أصبحت أطرافاً في أحد العهدين أو كليهما وفي الدول التي لم تصدق على أي منهما أو تنضم إليه. واستشهد بأحكامه كأساس ومسوغ للعديد من القرارات المهمة التي اتخذتها هيئات الأمم المتحدة؛ وقد ألهمت تحضير عدد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان داخل وخارج منظومة الأمم المتحدة؛ وأثرت تأثيراً مهماً على عدد من المعاهدات المتعددة الأطراف والثنائية؛
وتمت الإشارة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعهد واحد أو كلا العهدين أعلاه كأساس للعمل في العديد من القرارات والمقررات المهمة التي اتخذتها هيئات الأمم المتحدة بما في ذلك الجمعية العامة ومجلس الأمن. 14
وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك بعض من الحقيقة في مثل هذه البيانات إلا أنه يبدو أن المفوض في هذا التقرير قد تجاهل الموضوعية في تسليط الضوء فقط على الآثار الإيجابية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فمن الضروري أن تشير مثل هذه الهيئة المستقلة على نحو متساو إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود التي ولدها قد تم في بعض الأحيان انتهاكها أو على الأقل لم يتم أخذها في الحسبان من قبل بعض الدول الأعضاء وبعض قرارات مجلس الأمن.
وهذا ليس غير متوقع تماماً وهو لا يختلف عن الموقف المختلف للأوروبيين تجاه القتل عندما يرتكب على الصعيدين الوطني والدولي. إن قتل طفل في غابة في إنجلترا هو عمل بغيض يهز الأمة لكن قتل الآلاف من الأطفال العراقيين بسبب نقص الغذاء والدواء أمر قابل للنقاش. وبالمثل يعد المفوض الذي ينتمي إلى نفس الجذور الثقافية الأوروبية إنكار بعض حقوق الإنسان للعراقيين على أيدي الحكومة العراقية انتهاكاً غير مقبول لقانون حقوق الإنسان لكنه لا يجد غضاضة في انتهاك حقوق الإنسان لجميع العراقيين من خلال فرض عقوبات شاملة لأكثر من عقد! نحن نعتقد أنه لن يكون هناك أي تغيير في فوضى الشؤون الدولية والعدوان والحروب مهما كان الأمر حتى يفهم الناس أن قتل طفل جريمة سواء ارتكب في حديقة في لندن بقنبلة إرهابي أو في شارع في الفلوجة أو قرية في باكستان بواسطة صاروخ أمريكي. ويحتاج الناس إلى جانب ذلك أن يفهموا أن انتهاك حقوق الإنسان لا يقتصر على السياسات الوطنية بل قد يتم ارتكابه بالتساوي من خلال السياسات المعتمدة دولياً ويجب رفض كليهما على قدم المساواة.
سننظر في كيفية توافق العقوبات الكلية المفروضة على العراق مع الالتزامات بموجب قانون حقوق الإنسان إن وجدت وإذا لم يكن كذلك كيف تم انتهاك هذه الحقوق. وعند القيام بذلك ولتجنب التكرار سنقوم بالاستشهاد بأي مبدأ مرة واحدة فقط ويتم الإشارة إلى مكان ظهوره في الإعلان أو الاتفاقيات.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته على ما يلي:
لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم،
ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني،….. 15
يبدو من المعقول الاستنتاج أن أي عمل يهدف إلى تقييد أي من هذه الحقوق غير القابلة للتصرف وحرمان أي مجموعة من الناس من كرامتهم المتأصلة وإظهار ازدراء أو تجاهل تجاه الإجراءات القانونية الواجبة يرقى إلى انتهاك العدالة والسلام في العالم. وإذا كان من الممكن إثبات أن فرض العقوبات الكلية يؤدي في الواقع إلى نتائج مثل تلك التي حددتها ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن ذلك يعني أن العقوبات نفسها هي انتهاك لمبادئ العدالة والسلام بدلاً من فرضها كما يروج لها أنصار فاعليتها. وسيكون مجلس الأمن في الواقع مصدر إخلال بالسلام وليس مروجاً له.
يتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من جزأين على الرغم من أنه غير مقسم في الواقع على هذا النحو. تتناول المواد من 4 إلى 21 الحقوق المدنية والسياسية بينما تتناول المواد من 23 إلى 27 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد تم توسيعها وتفصيلها في الاتفاقيات اللاحقة. وفيما يلي بعض الحقوق والمحظورات.
وللحديث صلة…..
1 See Principles and responses in International Humanitarian Assistance and Protection (1995).
2 Convention (IV) respecting the Laws and Customs of War on Land and its annex: Regulations concerning the Laws and Customs of War on Land. The Hague, 18 October 1907.
3 Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War. Geneva, 12 August 1949
4 Protocol Additional to the Geneva Conventions of 12 August 1949, and relating to the Protection of Victims of International Armed Conflicts (Protocol I), 8 June 1977.
5 See for example: ‘US soldiers ‘killed Afghan civilians for sport and collected fingers as trophies’, The Guardian, 9 September 2010; ‘Killings of Civilians in Afghanistan: US Special Forces Covered Up Massacre’, Global Research, 8 April 2010; ‘US ‘killed 47 Afghan civilians’, BBC News, 11 July 2008; ‘US Killed 700 Civilians in Pakistan Drone Strikes in 2009’, Antiwar.com, 2 January 2010.
6 http://www.usaid.gov/iraq/updates/may03/iraq_fs34_051503.pdf
7 Nagy, Thomas J., ‘Safeguarding “Our” American Children by Saving “Their” Iraqi Children: Gandhian Transformation of the DIA’s Genocide Planning, Assessment, and Cover-up Documents’, in Ismael, Tareq Y. and Haddad, William W., Iraq- The Human Cost of History, Pluto Press, 2004, p. 148.
8 Universal Declaration of Human Rights, <http://www.un.org/en/documents/ udhr>
9 International Covenant on Civil and Political Rights,<www2.Ohchr.org/english/ law/ccpr.htm>
10 International Covenant of Economic, Social and Cultural Rights,<www2.Ohchr.org/english/law/cescr.htm>
11 International Covenant on Civil and Political Rights,<www2.Ohchr.org/english/ law/ccpr.htm>
12 International Human Rights, Office of the High Commissioner for Human Rights,<http://www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/internationallaw. aspx>
13 المصدر نفسه.
14 Fact Sheet No.2 (Rev.1), The International Bill of Human Rights,www.ohchr.org/
Documents/Publications/FactSheet2Rev.1en.pdf>
15 https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html