صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” – 19

صفحات من ترجمة كتاب الإبادة في حصار العراق 19

تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني

ترجمة: د. طارق العاني

================================================

الفصل السادس

العقوبات والقانون الدولي

سوف ننظر في هذا الفصل في الطريقة التي تتطابق بها العقوبات أو تنتهك المبادئ التي وضعها القانون الدولي سواء القانون الإنساني أو قانون حقوق الإنسان. لكننا قبل القيام بذلك سننظر بإيجاز في الطريقة التي يتعامل بها مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الدول الغربية في قضايا مماثلة باستخدام معايير مختلفة. ونحن نعتقد أن هذا مهم عند مناقشة القانون الدولي لأن القوانين التي لا يتم تطبيقها عالمياً ليست قوانين أو أنها قوانين سيئة في أحسن الأحوال.

قرارات الأمم المتحدة بشأن العراق مقابل قراراتها بشأن إسرائيل:

مثال واحد على المعايير المزدوجة المستمرة في تطبيق الأمم المتحدة للتدابير العقابية

توغلت الدبابات الإسرائيلية عبر الحدود اللبنانية بتاريخ 6 حزيران/ يونيو 1982 ودمرت الممتلكات وقتلت الآلاف من اللبنانيين قبل أن تصل إلى العاصمة بيروت. 1 وورد في عام 2004 أن أسامة بن لادن قال في شريط مصور إنه استلهم مهاجمة مباني الولايات المتحدة من خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 حيث تم تدمير الأبراج والمباني في بيروت في حصار العاصمة. 2 لكن مجلس الأمن وعلى الرغم من الانتهاك الصارخ للقانون الدولي في غزو دولة ذات سيادة أصدر القرار 509 (1982) الذي دعا فيه إسرائيل ببساطة إلى سحب قواتها إلى الحدود المعترف بها دولياً 3 ولم تتم إدانة التدمير والقتل والغزو. ولكن الأهم من ذلك أن هذا القرار، وبما يتماشى مع كل قرار يتعلق بإسرائيل منذ إنشائها، لم يتم تبنيه تحت الفصل السابع الذي يمكن مجلس الأمن من اتخاذ إجراءات عقابية إذا لم يتم تنفيذه. وليس غريباً أن إسرائيل، والتي أخفقت في الالتزام بقرارات سابقة دون عواقب، لم تشعر بالتهديد من هذا القرار الجديد. واستهزأ مجلس الأمن بالقانون الدولي أيضاً عندما أصدر في 29 تموز/ يوليو 1982 القرار 515 (1982) الذي يدعو حكومة إسرائيل إلى رفع الحصار المفروض على مدينة بيروت على الفور للسماح بإرسال الإمدادات لتلبية الاحتياجات العاجلة للسكان المدنيين والسماح بتوزيع المساعدات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية ولا سيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر “. 4 فلم يشر القرار أولاً إلى ما سيفعله مجلس الأمن إذا أخفق الجيش الغازي، الذي يحاصر عاصمة دولة ذات سيادة وعضوة في الأمم المتحدة، في الامتثال. وثانياً، والأهم من ذلك في رأينا، هو أن القرار لم يشر لحكومة دولة لبنان ذات السيادة. ولم يكن هذا الإغفال لذكر حكومة لبنان عرضياً بل قصده الأوروبيون الذين صاغوا القرار من أجل عرض المسألة على أنها نزاع بين دولة إسرائيل وبعض المنظمات الفلسطينية الخارجة عن القانون. وهذا سيخفف في النهاية صمتهم بشأن الجرائم التي ارتكبت أثناء الغزو وبعده.

ومع ذلك فعندما تدحرجت الدبابات العراقية عبر الصحراء في 2 آب/ أغسطس 1990 نحو مدينة الكويت تعامل مجلس الأمن في القرار 660 (1990) مع هذا الإجراء بشكل مختلف تماماً. وهذا يستحق النظر إليه بعناية لأنه يلقي بعض الضوء على ما حدث في العقد التالي. ولفهم هذا التمييز من الأفضل موازنة القرارين على النحو التالي:

الجدول 6.1

مفاضلة بين القرارين 660 (1990) و509 (1982)

القرار 660 (1990) حول غزو العراق للكويت

القرار 509 (1982) حول غزو إسرائيل للبنان

إذ يثير جزعه غزو القوات العسكرية العراقية للكويت في 2 آب/ أغسطس 1990

إذ يساوره شديد القلق للوضع كما يصفه الأمين العام في تقريره إلى المجلس،

وإذ يقرر أنه يوجد خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت

وإذ يؤكد مجدداً الحاجة إلى الاحترام الصارم لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي ضمن إطار حدوده المعترف بها دولياً،

وإذ يتصرف بموجب المادتين 39، و40 من ميثاق الأمم المتحدة

(لا شيء)

يدين الغزو العراقي للكويت.

(لا شيء)

يطالب بأن يسحب العراق جميع قواته فوراً ودون قيد أو شرط إلى المواقع التي كانت تتواجد فيها في 1 آب 1990.

يطلب من إسرائيل أن تسحب جميع قواتها العسكرية فوراً، ومن دون شرط، إلى حدود لبنان المعترف بها دولياً؛

يدعو العراق والكويت إلى البدء فوراً في مفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما، ويؤيد جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد، وبوجه خاص جهود جامعة الدول العربية.

يطلب من الأطراف كافة التقيد الصارم بأحكام الفقرة 1 من القرار 508 (1982) التي دعتها إلى وقف فوري ومتزامن لجميع الأعمال العسكرية داخل لبنان وعبر الحدود اللبنانية – الإِسرائيلية؛

يقرر أن يجتمع ثانية حسب الاقتضاء للنظر في خطوات الأخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.

(لا شيء)

(لا شيء)

يدعو الأطراف كافة إلى أن ينقلوا إلى الأمين العام موافقتهم على هذا القرار في غضون أربع وعشرين ساعة؛

يقرر أن يجتمع ثانية حسب الاقتضاء للنظر في خطوات الأخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.

يقرر أن يبقى ملاحقاً للموضوع.

وعلى الرغم من أن النظر بعناية فيما سبق سيكشف عن قضايا من شأنها أن تصرفنا عن الغرض من هذا الكتاب إلا أنه من الواضح لأي مراقب أن هذين القرارين يطبقان معايير مختلفة واحدة للجرائم التي ترتكبها أوروبا وحلفاؤها وأخرى لأولئك غير المحظوظين في عدم وجودهم في هذا المعسكر. ولا ينبغي أن يكون مفاجأة حين نجد أن الناس في الشرق الأوسط يشعرون بالسخرية عندما يسمعون أي حديث عن القانون الدولي لأن الأشخاص الوحيدين الذين يتحدثون عن القانون الدولي في الشرق الأوسط هم في الحقيقة الحكام الفاسدون!

أصدر مجلس الأمن في الأشهر الستة التي تلت آب/ أغسطس 1990 ما لا يقل عن اثني عشر قراراً فرضت أكثر الحصارات التي عرفها التاريخ وحشية. وتم تبني القرار الأخير قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990. وقد يكون من قبيل المصادفة أنه في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين. ومع ذلك عندما غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق في 17 كانون الثاني/ يناير 1991 ظل مجلس الأمن، على الرغم من أنه كان ما يزال ممسكا بالمسألة، صامتا حتى 2 آذار/ مارس 1991.

قامت الولايات المتحدة بعد أربعة أيام من دخول العراق الكويت وبينما كانت هناك محاولات جارية من قبل العديد من الأطراف، وليس أقلها جامعة الدول العربية، للتفاوض على مخرج سلمي، قامت بجعل مجلس الأمن يتخذ أحد أشد القرارات التي تم تمريرها على الإطلاق والتي تسبب استمرارها في التأثيرات الأكثر تدميراً في وقت السلام على أي دولة في القرن العشرين. واستند القرار 661 (1990) الصادر في 6 آب/ أغسطس 1990 إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنح الدولة التي تتعرض للهجوم حق الدفاع عن النفس فردياً أو جماعياً وبذلك تضع آلية للعمل العسكري في المستقبل ضد العراق. وقررت أن تمنع جميع الدول من: (أ) استيراد أي من السلع والمنتجات التي يكون مصدرها العراق أو الكويت؛ (ب) أية عمليات بيع أو توريد يقوم بها رعاياها أو تتم من أقاليمها أو باستخدام السفن التي ترفع علمها لأية سلع أو منتج، بما في ذلك الأسلحة أو أية معدات عسكرية أخرى سواء كان منشؤها في أقاليمها أو لم يكن ولا تشمل الإمدادات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبية والمواد الغذائية المقدمة في ظروف إنسانيةإلى العراق أو الكويت. بل إن هناك مؤشرات تدل على أن النية الأمريكية الأصلية كانت تضمين الأدوية والمواد الغذائية في الحصار. 5

كما طالب القرار بعدم قيام أية دولة بشكل مباشر أو من خلال مواطنيها بتوفير أي أموال أو موارد مالية أو اقتصادية أخرى للعراق أو الكويت. ودعا القرار جميع الدول بما في ذلك الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة أن تعمل بدقة وفقا لأحكام هذا القرار بغض النظر عن أي عقد تم إبرامه أو ترخيص تم منحه قبل تاريخ هذا القرار. وشكل القرار لجنة من جميع أعضاء المجلس لمراقبة تنفيذ القرار مما يعني أن المجلس كان في جلسة مستمرة. وتم اختيار السفيرة مارياتا راسي التي كانت نائبة الممثل الدائم لفنلندا لدى الأمم المتحدة في الفترة من 1987 إلى 1991 كأول رئيس للجنة العقوبات لمجلس الأمن التابع لمجلس الأمن. وصرحت السفيرة راسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 أنه لا ينبغي السماح للعراق بتلقي الأدوية المسموح بها في القرار 661 لأنه يمكن استخدامها في الحرب الكيميائية والبيولوجية 6 وهو ادعاء تم انتقاده بشدة حتى داخل فنلندا. 7

إن تدمير العراق في السنوات الاثنتي عشرة التي تلت ذلك قد وضع بذرته القرار 661 (1990). كانت المرة الأولى التي يتم فيها وضع دولة تحت الحصار التام الذي لا يسمح فيه لأي شيء بالدخول أو الخروج. فحتى الأدوية والمستلزمات الطبية كما أظهرنا في الفصل الخامس كانت خاضعة للتدقيق والتصاريح. وكان من المقرر السماح بالغذاء ولكن فقط في الظروف الإنسانية. نحن نعتقد أنه كان من المستحيل على دولة صناعية مثل المملكة المتحدة أن تعيش حتى لفترة قصيرة إذا تعرضت لمثل هذا الحصار ومع ذلك تعرضت دولة شبه صناعية مثل العراق لها لمدة اثني عشر عاماً. هذا الحصار الكلي يعني حرمان جميع سكان العراق من أبسط حقوقهم في الحياة. ونعتقد إلى جانب ذلك أنه لا توجد دول لديها مثل هذا الحق في حرمان دولة أخرى من الحق في البقاء بغض النظر عن السبب الذي يعاقب الطرف المذنب. سننظر الآن في معنى الحصار وموقفه بموجب القانون الدولي. فعلى الرغم من أننا نعتقد أن ما فرضه مجلس الأمن على العراق كان حصاراً تاماً إلا أنه يبدو أن الحكمة الأنجلو سكسونية اختارت مفهوم العقوبات المطهرة، وسنقوم مترددين باستخدامها ونستخدمها بالتبادل ولكن فقط من أجل الوضوح.

التذرع بالفصل السابع: إساءة استخدام القانون الدولي

يجب الإشارة هنا بقوة إلى أنه على الرغم من جميع الحروب والتدخلات والاعتداءات التي ابتليت بها العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية فإن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح اتخاذ إجراءات ضد الدولة المخطئة لم يتم التذرع به إلا في حالات نادرة ولم يقم ذلك إلا ضد دول العالم الثالث.8

وقد يكون من المفيد قبل أن نحاول دراسة موقف ونطاق العقوبات بموجب القانون الدولي سرد مواد ميثاق الأمم المتحدة الرئيسة التي تم الاعتماد عليها في تبني قرارات مجلس الأمن والإجراءات اللاحقة ضد العراق:

المادة 39

يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

المادة 40

منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.

المادة 41

لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدةتطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.

المادة 42

إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة“.

المادة 51

ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدةوذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

الشرعية المشكوك فيها للعقوبات الكلية بموجب ميثاق الأمم المتحدة

إن نقطة الانطلاق للنظر في العقوبات بموجب القانون الدولي هي المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق مجلس الأمن في النظر في اتخاذ تدابير مثل العقوبات ضد دولة عضو. وبموجب المادة 39 كما هو مذكور أعلاه يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوانقبل اتخاذ قرار بشأن الإجراء الواجب اتخاذه. وبمجرد أن يقرر مجلس الأمن وجود الشروط المنصوص عليها في المادة 39 فإن جميع التدابير التي اتخذها مجلس الأمن بموجب المادتين 41 و42 يجب أن تتخذ فقط لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه“. إن مجلس الأمن ليس مفوضاً بموجب الميثاق بالحفاظ على التدبير دون أن يقرر في كل مرحلة أن التهديد للسلم الدولي لا يزال قائماً ولا يحق له ببساطة تمديد فرض هذه التدابير على أساس أن مطالبه لم يتم الوفاء بها. إن فرض العقوبات المستمرة على العراق عمل غير قانوني حتى لو لم يقم العراق بنزع سلاحه فعلاً. فقد كان على مجلس الأمن أن يقرر في كل مرحلة من مراحل العقوبات أن الإخفاق في فرضها كان سيشكل تهديداً للسلم الدولي. ومن المسلم به هنا أن مجلس الأمن لم يتخذ هذا القرار قط خلال اثنتي عشرة سنة من العقوبات. وكان من السخف لأي دولة أن تجادل بأن العراق بعد تدميره في عام 1991 كان يشكل تهديداً للسلام الدولي.

إن من الواضح أن الصياغة الذكية للمادة 39 كانت تهدف إلى منع مجلس الأمن من التصرف على أساس دولة واحدة أو مجموعة من الدول التي تسعى إلى تحقيق بعض الأهداف السياسية. وهذا للأسف هو بالضبط ما فعله مجلس الأمن بفرض عقوبات على العراق مما كان يخدم الخطط الأمريكية للشرق الأوسط.

والواقع أن من المسلم به هنا هو أن فرض العقوبات على العراق عندما لم يعد يشكل تهديداً للسلم الدولي كان في حد ذاته عملاً من أعمال الحرب أو العدوان وكان مجلس الأمن بفرض العقوبات نفسه مذنباً بخرق القانون الدولي.

فقد قيل، ونحن نؤيد مثل هذه الحجة، إن المبدأ المنصوص عليه في المادة 22 من اتفاقية لاهاي 1907 التي تنص على أنه ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدوينطبق على الحق في فرض العقوبات. 9 وفي الواقع أنه إذا لم يكن الحق في وسائل إلحاق الضرر بالعدو مطلقاً في أوقات الحرب فمن المنطقي أن يكون هذا الحق في وقت السلم أكثر تحديداً.

إن سلوك مجلس الأمن وخاصة خلال العقدين الأخيرين بعد زوال الاتحاد السوفياتي قد غرس في أذهان الناس بشكل خاطئ تماماً فكرة أنه يحق لمجلس الأمن اتخاذ أي قرار يراه مناسباً. حيث يجب تذكير الناس بأن مجلس الأمن قد تم إنشاؤه بموجب ميثاق الأمم المتحدة الذي هو في حد ذاته عقد بين دول ذات سيادة وهو لهذا ملزم بالميثاق بالإضافة إلى المبدأ الأوسع المتمثل في التزامه بالقانون الدولي.

سننظر أولاً في القيود التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة على مجلس الأمن قبل النظر في القيود الأوسع التي تفرضها مبادئ القانون الدولي.

تنص ديباجة الميثاق على أن شعوب العالم تنشئ الأمم المتحدة:

…… كي ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساس للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية……

ولا نحتاج إلى تحليل كي نرى أن العقوبات الكلية تنتهك قبل كل شيء مبادئ الميثاق والعقوبات الشاملة لا توقف الحروب بل تصبح هي نفسها أعمال حرب ذلك لأنه من خلال حرمان الناس من الحق في العمل والكسب فإنهم يحرمون من الحق الأساس في الحياة وأنه بإجبار الناس على فقدان وظائفهم فإنهم يسلبون كل كرامتهم.

تحدد المادة 1 من الميثاق الغرض من الأمم المتحدة وتعلن أن التدابير المتخذة لمنع وإزالة التهديدات للسلم ينبغي أن تكون متوافقة مع مبادئ العدالة والقانون الدولي. على الرغم من أننا سنتناول لاحقاً كيف تنتهك العقوبات مبادئ القانون الدولي نوضح هنا أن العقوبات غير عادلة لأن مبدأ العدالة الأساس هو أنه لا يجب معاقبة الأبرياء والعقوبات عشوائية في فرض العقاب. وقد يعترض بعض النفعيين في العالم الأنجلو أمريكي على هذا على أساس أن الأبرياء قد يعاقبون إذا ثبت أن المزيد من الخير سيصيب المجتمع من مثل هذه العقوبات. ونحن نعتقد أنه يجب تذكيرهم ببساطة بأن معظم العالم لا يشترك في وجهات نظر صاحب هذه النظيرة وهو الكاتب الإنكليزي (لوك) على افتراض أن لوك كان مفهوماً تماماً من قبل كتاب الفلسفة الأنجلو ساكسون.

تمضي المادة 1 لتعلن أن من بين أغراض الأمم المتحدة إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها. لكن العقوبات تؤدي إلى الاضطراب الداخلي وتحرم الشعب من حق تقرير المصير بجعله رهينة لمجلس الأمن.

وأخيراً وليس آخراً فإن العقوبات الكلية المفروضة على دولة واحدة كما هو الحال في العراق ولكن ليس على دول أخرى مثل إسرائيل بسبب نفس التصرفات ظاهرياً هي خرق للغرض كما هو منصوص عليه في المادة 1 لكي تكون الأمم المتحدة مركزاً لتوازن تصرفات الأمم. وسوف ينظر للعقوبات على أنها تسهل التوازن فقط عندما تفرض بالتساوي على الدول التي تنتهك السلام الدولي.

ومما يعطي المزيد من الدعم لادعائنا بأن مجلس الأمن ملزم بالميثاق الذي أنشأه هو ما نصت عليه المادة 24 من الميثاق التي تتناول وظائف وسلطات المجلس. إذ تنص المادة على أن المجلس في اضطلاعه بواجباته يمنح سلطات تحددها أجزاء مختلفة من الميثاق. وتنص المادة 24 على أن المجلس في اضطلاعه بواجباته ملزم بالعمل وفقاً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة المنصوص عليها في الديباجة وفي المادة 1. وقد جادلنا في أن العقوبات فرضت بما يخالف مبادئ الديباجة والمادة 1 وبالتالي نستنتج أنه بفرض عقوبات كاملة يكون مجلس الأمن قد انتهك المادة 24 من الميثاق.

ويمكن العثور على قيد آخر على فرض العقوبات في المادة 55 من الميثاق التي تتناول غرض الأمم المتحدة في التعاون الاقتصادي والاجتماعي معلنة وظيفة الأمم المتحدة لتعزيز:

أ) تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.

ب) تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.

ج) أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً.

ونحن نقترح هنا أن العقوبات الكلية التي تخفض من مستويات المعيشة وتمنع العمل وتعيق التعاون الثقافي والاقتصادي والتعليمي الدولي السلمي وتطبق معايير مختلفة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات على أعراق مختلفة تنتهك بوضوح المادة 55.

ومن الإنصاف القول إن الجمعية العامة اتخذت في مناسبات عديدة قرارات بشأن العقوبات تدعم بوضوح الميثاق ومبادئ القانون الدولي الأخرى. لكن هيكلة ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنح مجلس الأمن السلطات ويجعل الجمعية العامة متفرجاً جعلت قرارات الجمعية العامة هذه لا تمثل أكثر من موقف أخلاقي – حتى وإن كان تتحدث نيابة عن العالم. 10

1 1982 Lebanon War, Wikipedia <http://en.wikipedia.org/wiki/1982_Lebanon_ War>Retrieved 24 July 2009.

2 ‘Osama Bin Laden Warns America’, CBS news<http://www.cbsnews.com/sto- ries/2004/10/30/terror/main652425.shtml>Retrieved 24 July 2009.

3 Security Council Resolutions, 1982,<http://www.un.org/documents/sc/ res/1982/scres82.html>

4 ? Security Council Resolutions 1982,

<http://daccessdds.un.org/doc/RESOLUTION/ GEN/NR0/435/39/IMG/NR043539.pdf?OpenElement>

5 أ. تم إرسال مشروع القرار (661) بالفاكس من بعثة الولايات المتحدة إلى جميع أعضاء اللجنة الدائمة في نسخة متطابقة تقريباً في الساعة 5.48 مساءً من يوم الجمعة 3 آب/ أغسطس 1990. وجرت محاولة في 6 آب / أغسطس لتسويغ ذلك على أساس أن العراق فشل في تنفيذ انسحاب قواته من الأراضي الكويتية أو بتفسير مختلف التصريحات التي أدلى بها في بغداد يوم الأحد أو ما قاله ممثل العراق. لكن ذلك لم يكن الحقيقة. كانت خطة فرض عقوبات على العراق موجودة بالفعل قبل أن يدخل أعضاء مجلس الأمن إلى هذه المرحلة الجديدة من مداولات مجلس الأمن في وقت لم يعرف فيه أحد حتى البيان الذي أدلت به الحكومة العراقية في 3 آب/ أغسطس أيضاً والذي جاء فيه أنه ستبدأ سحب قواتها من الكويت. (انظر: خطاب الممثل الكوبي في مجلس الأمن في 6 أغسطس 1990 ، في محضر حرفي مؤقت للاجتماع ألف وتسعمائة وثالث وثمانين لمجلس الأمن. <http: // daccess-ods. un.org/TMP/2625531.55422211.html>

ب. عندما فرضت العقوبات لأول مرة على العراق أصرت الولايات المتحدة على جعل استيراد المواد الغذائية مشروطا: لم يستطع العراق استيراد الغذاء إلا في الظروف الإنسانية“. أفادت خدمة أبحاث الكونغرس في غضون أسابيع أن توفر الغذاء في العراق كان في أزمة ، وكرر ذلك مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام وبستر في ديسمبر 1990. ولكن على الرغم من ذلك كانت الولايات المتحدة متعنتة في تفسير الظروف الإنسانيةبأقصى طريقة ممكنة – وذلك بمنع العراق من استيراد الغذاء حتى يقوم دليل دامغ على قيام مراحل متقدمة من المجاعة. وعلى هذا الأساس منعت الولايات المتحدة مستندة إلى قاعدة اتخاذ القرار بالإجماع العراق من استيراد أي طعام بما في ذلك الحليب المجفف للأطفال الرضع لمدة ثمانية أشهر. (Gordon, Joy, Invisible War, Harvard University Pres 2010, pp. 212-213).

ج. على الرغم من أن قرار مجلس الأمن رقم 661 قد أعفى المواد الغذائية والأدوية من العقوبات فقد أعلنت الإدارة الأمريكية أن صادرات المواد الغذائية إلى العراق ستكون خاضعة للعقوبات بشكل كامل. كان الهدف الوحيد من هذه الخطوة هو زيادة معاناة الشعب العراقي. إليكم كيف أوضحت صحيفة نيويورك تايمز المشكلة: “ما يزال مدى الحصار الذي تسميه الإدارة” “الحظرغير واضح. وقال مارلين فيتزواتر المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي للصحفيين في كينيبانكبورت إنه حتى الطعام والأدوية مشمولة بالحضر على الأقل حتى تقتنع الإدارة بأن استثناءاً من المواد في هذه الفئات له ما يسوغه لأسباب إنسانية. . ” (The New York Times, 14 August 1990).

6 The Finnish Daily Helsingin Sanomat Ulkomaat 14 November1990 (in Finnish).

7 راجع مثلاً: Helsingin Sanomat Kotimaa 16 November 1990 and Helsingin Sanomat – Kotimaa – 29 November 1990 (in Finnish)

8 See Johansson, Patrik, “UN Security Council Chapter VII resolutions, 1946- 2002- An Inventory.” Uppsala: Department of Peace and Conflict Research, 2005.<http://www.pcr.uu.se/publications/UCDP_pub/Chapter%20VII%20 Resolutions_050921.pdf>

9 The Bossuyt Report, The Adverse Consequences of Economic Sanctions on the Enjoyment of Human Rights, Commission on Human Rights, Su-Committed on the Promotion and Protection of Human Rights, E/CN.4?sub.2/2000/33, June 21, 2000.

10 On sanctions against South Africa: A/RES/35/206C of 16 December 1981; A/ RES/37/69C of 9 December 1982; A/RES/38/39 [D] of 5 December 1983; A/ RES/39/72 [A] of 13 December 1984; A/RES/40/64 [A] of 10 December 1985; A/RES/41/35 [B] of 10 November 1986; A/RES/42/23 [C] of 20 November 1987; A/RES/43/50C of 5 December 1988; A/RES/44/27C of 22 November 1989; On the trade embargo against Nicaragua: A/RES/40/188 of 17 December 1985; A/RES/41/164 of 5 December 1986; A/RES/42/176 of 11 December 1987; A/ RES/43/185 of 20 December 1988; A/RES/44/217 of 22 December 1989; A/ RES/52/10 of 5 November 1997; A/RES/53/4 of 14 October 1998; A/RES/54/21 of 9 November 1999; A/RES/55/20 of 9 November 2000; A/RES/56/9 of 27 No- vember 2001; A/RES/57/11 of 12 November 2002; A/RES/58/7 of 4 November2003; A/RES/59/11 of 28 October 2004; A/RES/60/12 of 8 November 2005; A/

RES/61/11 of 8 November 2006; A/RES/62/3 of 30 October 2007; A/RES/63/7

of 29 October 2008; A/RES/64/6 of 28 October 2009; and A/RES/65/6 of 26 October 2010. On the US embargo against Cuba: A/RES/47/19 of 24 November 1992; A/RES/48/16 of 3 November 1993; A/RES/49/9 of 26 October 1994; A/RES/50/10 of 2 November 1995; A/RES/51/17 of 12 November 1996.

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image