صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” –15

صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” –15

تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني

ترجمة: د. طارق العاني

================================================

 

الفصل الخامس

 

تدمير العراق

 

متى بدأ الدمار حقاً؟

 

غزى العراق الكويت في 2 آب 1990. كان الغزو نتيجة لسلسلة من الأحداث والتطورات التي امتدت قرناً. لقد تم التعامل مع الخلفية التاريخية للغزو ورأينا فيه من قبل ولا ننوي تكراره هنا.

 

ألا أنه قد يكون من المفيد أن نلاحظ أن الغزو لم يكن ولا يجب أن يكون مفاجأة للإدارة الأمريكية. فقد استدعى الرئيس العراقي صدام حسين السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي في 25 تموز 1990 وقال لها على الفور: “لقد استدعيتك اليوم لإجراء مباحثات سياسية شاملة معك. هذه رسالة للرئيس بوش.” وكانت أفعال دول الخليج فيما يتعلق بسياسة النفط قد بلغت بالنسبة لصدام إعلان حرب. فقال: “… بينما كنا مشغولين بشن الحرب [ضد إيران] بدأت دولة الكويت في التوسع على حساب أراضينا”. وكان صدام حسين قد قال أثناء شرحه لموقف العراق ومظالمه تجاه السياسة الأمريكية شيئاً متميزاً فات على الكثيرين: “… أخشى أن تقولوا يوماً ما “ستصنعون البارود من القمح.” لكن الحدث الأبرز في الاجتماع بأكمله هو رد غلاسبي: “… ليس لدينا رأي في النزاعات العربية العربية مثل خلافكم الحدودي مع الكويت … فقد وجه جيمس بيكر المتحدث الرسمي باسمنا بضرورة التأكيد على هذه التعليمات …. كل ما نأمله هو أن يتم حل هذه القضايا بسرعة.” كان ذلك بمثابة ضوء أخضر واضح بأن النزاع الحدودي بين العراق والكويت لم يكن يخص الولايات المتحدة.

 

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مارجريت توتوايلر في 24 تموز 1990: “ليست لدينا أية معاهدات دفاع مع الكويت ولا توجد التزامات دفاعية أو أمنية خاصة للكويت”.

 

وفي اليوم التالي منع مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا جون كيلي بث برنامج صوت أمريكا المعد والذي كان سيحذر العراق من التحرك ضد الكويت. لم يكن هناك شيء جديد في ذلك لأن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ روبرت دول الذي كان يزور العراق أكد للزعيم العراقي شخصياً في نيسان/ أبريل متحدثاً باسم الرئيس أن إدارة بوش نأت بنفسها عن إذاعة صوت أمريكا التي بثت انتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان في العراق كما عارض خطوة الكونغرس لفرض عقوبات اقتصادية على العراق.

 

وقال كيلي للكونغرس في 31 تموز: “ليست لدينا علاقة بشكل معاهدة دفاع مع أية دولة خليجية. هذا واضح أننا تجنبنا تاريخياً اتخاذ موقف بشأن النزاعات الحدودية أو بشأن مشاورات أوبك الداخلية.” وعندما سأل النائب لي هاميلتون عما إذا كان من الصحيح القول إنه إذا قام العراق “بالاندفاع عبر الحدود إلى الكويت” فإن الولايات المتحدة “لم يكن لديها التزام بمعاهدة تلزمنا بإشراك القوات الأمريكية” هناك أجاب كيلي: “هذا صحيح.”

 

لكن يبدو أن الولايات المتحدة كان لديها بالفعل موقف رسمي بشأن النزاع الحدودي العراقي الكويتي وهو الأمر الذي ظهر للعيان بعد الغزو عندما وجد العراقيون في ملف استخبارات كويتي مذكرة تتعلق باجتماع في تشرين الثاني 1989 بين رئيس جهاز أمن الدولة الكويتي ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام وبستر.

 

دعت الولايات المتحدة بسرعة، لم يسبق لها مثيل من قبل ولا منذ ذلك الحين، مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد بعد أقل من 10 ساعات من دخول الجيش العراقي الكويت. وتبنت الجلسة القرار 660 – الأول من سلسلة قرارات ضد العراق من شأنها أن تغير وجه ومستقبل العراق بشكل دائم – والذي حدد خرقاً للسلم والأمن الدوليين بموجب المادتين 39 و40 من ميثاق الأمم المتحدة ودعا إلى الانسحاب الفوري للقوات العراقية من الكويت.

 

أدان الرئيس جورج بوش على الفور غزو العراق مشيراً إلى أن الاستيلاء على الكويت والتهديد المحتمل للسعودية يشكلان تهديداً مباشراً للمصالح السوقية الأمريكية. وهكذا أصدر الأمر التنفيذي 1272 “تجميد ممتلكات الحكومة العراقية وحظر التعاملات مع العراق” معلناً أن “سياسات وأعمال حكومة العراق تشكل تهديداً غير عادي واستثنائياً للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة ويعلن بموجب هذا حالة طوارئ وطنية للتعامل مع هذا التهديد.”

 

أثار الرئيس بوش ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في مؤتمر صحفي في 2 آب / أغسطس في وودي كريك في كولورادو احتمال قيام الأمم المتحدة بعمل اقتصادي أو حتى عسكري. كان الرئيس قد قرر كما يبدو القيام بعمل عسكري. فقام بإجراء مشاورات مع قادة أوروبيين وعرب. وطلبت الكويت مساعدة عسكرية أمريكية فور عبور القوات العراقية حدودها وردت الولايات المتحدة عليها في غضون أقل من ساعة وأرسلت اسطولاً بحرياً تقوده حاملة الطائرات انديبندينس من مواقع بالقرب من دييغو غارسيا في جنوب المحيط الهندي إلى موقع في خليج عمان بالقرب من مضيق هرمز. وانتقل اسطول بحري آخر تقوده حاملة الطائرات آيزنهاور إلى شرق البحر الأبيض المتوسط للتحضير للانتشار في البحر الأحمر. وأمرت ناقلتان أمريكيتان من طراز KC-135 كان قد تم إرسالهما بالفعل إلى الإمارات في 23 تموز/ يوليو بالبقاء في المنطقة. وتشير سرعة الرد الأمريكي إلى الاستعداد للانتشار والنية المبكرة وربما الاستعداد للتدخل عسكرياً في النزاع.

 

أصدر مجلس الأمن الدولي، في الأشهر بين استعادة العراق للكويت وبداية الهجمات على العراق في 17 كانون الثاني 1991، ما لا يقل عن اثني عشر قراراً كان أحد عشر منها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وتم بين عامي 1991 و2002 تبني ثلاثة وخمسين قراراً كان ثمانية وأربعون منها تحت الفصل السابع.

 

اعتمد مجلس الأمن الدولي في 6 آب/ أغسطس 1990 القرار 661 الذي فرض عقوبات اقتصادية إلزامية شاملة وتامة على العراق داعياً جميع الدول إلى وقف جميع التعاملات التجارية والمالية مع العراق والكويت مع بعض الاستثناءات – “الإمدادات المخصصة حصرا للأغراض الطبية والمواد الغذائية في الحالات الإنسانية” و “المدفوعات حصراً لأغراض طبية أو إنسانية بحتة ويجب السماح للمواد الغذائية في الحالات الإنسانية “. وقد حرم العراق من جميع الأموال وتم تجميد أصوله في الخارج. وتم في الواقع تطبيق العقوبات بشكل فعال على هذه المواد الإنسانية أيضاً (والتي زعم أنها استثنيت) لأن العراق الذي كان يستورد معظم أغذيته وأدويته منع من الحصول على الأموال لشراء هذه المواد.

 

كان الهدف المعلن للعقوبات هو “ضمان امتثال العراق للفقرة 2 من القرار 660 (1990)” التي طالبت بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية من الكويت و”استعادة سلطة الحكومة الشرعية للكويت”. لكن الأهداف الحقيقية كانت شيئاً مختلفاً تماماً كما سنرى.

 

شكل القرار 661 لجنة تابعة لمجلس الأمن (تعرف باسم لجنة العقوبات) تمثل جميع الدول الأعضاء لرصد التنفيذ والامتثال للعقوبات من قبل أعضاء الأمم المتحدة. وأكد القرار 661 في ديباجته على “الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس فرديا أو جماعيا، وفقا للمادة 51 من الميثاق، ردا على الهجوم المسلح الذي قام به العراق ضد الكويت” لكنه لم ينص على القيام بأي عمل عسكري لتطبيق العقوبات مما يقود إلى افتراض أنه صدر بموجب المادة 41 وليس بموجب المادة 42. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المادة 41 من الميثاق تتعلق بالعقوبات التي يفرضها المجلس ولكن ليس بتطبيقها من خلال القوة العسكرية التي يتحدد التفويض لها في المادة 42. وقد يكون من الممكن أن يكون القرار قد صيغ عمداً بطريقة غامضة وفضفاضة لجعله خاضعاً لتفسيرات مختلفة. وهكذا فعندما نص القرار على إعفاء المواد الغذائية من نظام العقوبات “في الحالات الإنسانية” فسرت الولايات المتحدة ذلك على أنه يعني أنه سيتم إعفاء المواد الغذائية فقط إذا قرر المجلس أن عدم إعفائها قد أصبح ضاراً بسبل عيش السكان. ويرى معظم خبراء القانون أن هذا الحظر على المواد الغذائية هو في حد ذاته انتهاك للقانون الدولي العام. ومن المقبول بشكل عام أن المسؤولين الأمريكيون قاموا بصياغة كل قرار لمجلس الأمن يفرض وهم الذين فرضوا العقوبات على العراق في السنوات العديدة الأولى من نظام العقوبات.

 

أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي في 8 آب 1990 لائحة تهدف إلى ضمان التنفيذ الموحد لقرار العقوبات وتنظيم المنتجات الطبية والمواد الغذائية التي سيتم إعفاؤها من المقاطعة. وتستثني اللائحة الهرمونات والمضادات الحيوية والدم واللقاحات والضمادات وبعض المنتجات الصيدلانية لكنها لم تعف أية أدوات ومعدات جراحية ولا أدوية التخدير والمطهرات والإمدادات الطبية الأساس الأخرى. إن مثل هذه القرارات واللوائح كان لها أثر مدمر على شعب العراق.

 

يمكن أن نرى بسهولة أن هذه الإجراءات وغيرها من الأمور المتعلقة بعدم اهتمام مجلس الأمن بقضية حقوق الإنسان هي ما دفع مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (CESR) إلى اتهام مجلس الأمن بـ “الفشل في الاعتراف بمسؤوليته القانونية لحماية حقوق المدنيين العراقيين الذين يعانون من العقوبات.” كما أشارت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى أن “مجلس الأمن لم ينشئ لجنة أو يخصص تمويلاً لرصد أثر العقوبات على حقوق الإنسان وبدلاً من ذلك يحيط أحياناً بتقارير هيئات الأمم المتحدة الأخرى ومجموعات البحث المستقلة”.

 

وبغض النظر عن التفسيرات والمسوغات التي قدمت للهجوم العسكري على العراق في كانون الثاني/ يناير 1991 فقد بدأ التدمير في الواقع في 6 آب/ أغسطس 1990 وهو اليوم الذي اتخذ فيه مجلس الأمن القرار 661 الذي فرض الحصار الأكثر وحشية على العراق. فلم يحدث من قبل أن تعرضت دولة لمثل هذه الإجراءات الجماعية وهو حصار لا يختلف عن حصار العصور الوسطى والذي منع كل شيء من الدخول أو الخروج من البلاد.

 

التدمير المتصاعد والممنهج:

تقسيم نظام العقوبات إلى مراحل مميزة

 

يبدو أكثر منطقية في رأينا بسبب السياق المتغير لسياسة الولايات المتحدة تجاه العراق فصل نظام العقوبات إلى أكثر من مرحلة واحدة. والسبب الأساس لهذا الفصل للعقوبات هو أن الهدف المعلن للعقوبات قبل الهجمات العسكرية (وهو الانسحاب غير المشروط للقوات العراقية من الكويت) لا علاقة له على الإطلاق بالأهداف الجديدة للعقوبات المفروضة بعد الانتهاء من الهجمات العسكرية (وهي إزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية) هذا الى جانب ما أعقب هذين الهدفين – في تغيير النظام. ويمكن تحديد هذه المراحل على النحو التالي:

 

١ – المرحلة الأولى التي بدأت في 2 آب 1990 وانتهت في 15 كانون الثاني 1991: عقوبات ما قبل الهجوم؛

 

٢ – بدأت المرحلة الثانية التي أعقبت الهجمات العسكرية في 3 نيسان 1991 سعيا لتحقيق اﻻمتثال لقرار مجلس الأمن 687: عقوبات ما بعد الهجوم؛

 

3 – التحول إلى “العقوبات الذكية” من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كان يهدف إلى حرف الانتقادات لنظام العقوبات مع الحفاظ عليه؛

 

4. استمرار فرض عقوبات جزئية بعد الاحتلال من خلال إبقاء العراق تحت الفصل السابع من الميثاق.

 

المرحلة الأولى: العقوبات التي سبقت هجوم 1991

 

كان النهج الذي أعلنته الولايات المتحدة في الأشهر التي تلت غزو العراق وضمه للكويت في آب 1990 هو تأييد حق الكويت في الدفاع عن النفس واستعادة الحقوق السيادية للكويت بالكامل وجعل العراق يدفع تكاليف الضرر من خلال مزيج من الدبلوماسية والعقوبات.

 

وعلى الرغم من أن مجلس الأمن ذكر بوضوح في القرار 661 أن العقوبات قد فرضت من أجل انسحاب العراق من الكويت وكما هو الحال في القرار 660 دعا “العراق والكويت إلى البدء فوراً في مفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما، وأنه يدعم جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد” إلا أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أحبطتا كل الجهود لإيجاد حل تفاوضي. وكان من الواضح تماماً أن الولايات المتحدة لم تكن تسعى حقاً لحل سياسي للنزاع. وكان من الواضح تماماً للجميع أن العراق سوف يستجيب بشكل سلبي لشروط الولايات المتحدة الصارمة وغير المشروطة للانسحاب. وكانت الولايات المتحدة بهذا تمهد الطريق للحرب. وحتى خافيير بيريز دي كويلار الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كان يرى أن اتباع نهج أكثر مرونة ربما كان سيحقق أهداف الأمم المتحدة المعلنة دون حرب. ولكن سرعان ما أصبح واضحاً جداً أن الولايات المتحدة تتجه نحو حل عسكري من شأنه القضاء على العراق كقوة إقليمية وتهديد محتمل لإسرائيل.

 

ورفضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة جميع المقترحات العراقية لحل تفاوضي للأزمة والتي “كان الانسحاب الجزئي العراقي كابوساً لها لأنه كان سيجعل التحالف في حالة من الفوضى ويؤخر الحملة العسكرية ربما إلى أجل غير مسمى”. وأصدر المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية مارلين فيتزواتر بياناً في البيت الأبيض في آب/4 أغسطس قال فيه: “كما ذكرنا من قبل فان جميع الخيارات الأمريكية قيد البحث.”

 

ففي 8 آب 1990 وقبل عدة ساعات من إلقاء الرئيس بوش خطابه المتلفز الذي أعلن فيه زيادة القوات في المملكة العربية السعودية أبلغ السفير الأمريكي لدى الناتو وليام تافت الرابع مجلس حلف شمال الأطلسي بخطط واشنطن وشدد على أهمية الرد العسكري متعدد الجنسيات على التحدي العراقي. وتغيرت حتى عناوين مقالات نيويورك تايمز من “الغزو العراقي” إلى “المواجهة في الخليج”.

 

قال وزير الخارجية جيمس بيكر في خطاب أمام مجلس الشؤون العالمية في لوس أنجلوس في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990:

 

تم في الثلاثينيات استرضاء المعتدين. وأوضح الرئيس موقفنا بوضوح في عام 1990: لن نسكت على العدوان …. يجب أن نكون واضحين بشأن مهمتنا العسكرية. إن أهدافنا العسكرية هي ردع هجوم عراقي على المملكة العربية السعودية وحماية الأنفس الأمريكية وضمان التنفيذ الفعال لقرارات مجلس الأمن. وبدون هذه القوات سيتعرض جيران العراق للهجوم إذا حاولوا فرض عقوبات اقتصادية. إن قواتنا العسكرية موجودة أيضاً لتقديم رد عسكري فعال وحاسم إذا استدعت الحالة ذلك.

 

طور الأردن خلال الحرب العراقية الإيرانية علاقات جيدة للغاية مع العراق وأصبح يعتمد بشكل كامل تقريباً على التجارة مع العراق. واضطر العراق بسبب الهجمات على موانئه أن يعتمد على الأردن من خلال تلقي معظم وارداته عبر ميناء العقبة الذي استثمر العراق أيضا المال في تطويره. واتخذ الرئيس بوش من أجل إحباط أي محاولة من قبل العراق للتهرب من آثار العقوبات عبر ميناء العقبة، وربما استعداداً للهجمات القادمة، إجراءات من جانب واحد في 12 آب 1990 دون أي تفويض من الأمم المتحدة ونصب “حظراً” بحرياً على جميع السفن المتجهة إلى العراق أو الكويت. وأوضحت صحيفة نيويورك تايمز الموضوع كاتبة:

 

يظل مدى الحصار الذي تصفه الإدارة بـ “الحظر” غير واضح.

وقال مارلين فيتزواتر المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي للصحفيين في كينيبانكبورت إنه حتى الطعام والأدوية مغطاة بالحظر على الأقل حتى اقتنعت الإدارة بأن استثناء المواد في هذه الفئات له ما يسوغه لأسباب إنسانية. عند هذه النقطة قال عن الحصار “إن توجيه الرئيس هو المطبق:” الحصار يشمل كل شيء”.

 

وقد انتقد الأمين العام للأمم المتحدة والعديد من أعضاء الأمم المتحدة هذا الحظر المزعوم لأنه في رأيهم لم يتم منح العقوبات الوقت لإثبات فعاليتها وكان هذا الحظر في الواقع “حصاراً” بموجب المادة 42 من الميثاق الذي لا يمكن إلا لمجلس الأمن أن يأذن به.

 

بدأ سريان الحصار في 16 آب عندما أبلغ نائب الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن بأن “القوات العسكرية للولايات المتحدة بناء على طلب حكومة الكويت انضمت إلى حكومة الكويت في إجراءات لاعتراض السفن التي تسعى إلى التجارة مع العراق أو الكويت.” وأن “الولايات المتحدة تتخذ هذه الإجراءات في ممارسة الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس الفردي والجماعي وأن “القوات العسكرية للولايات المتحدة لن تستخدم القوة إلا إذا لزم الأمر وبعد ذلك بطريقة تتناسب فقط لمنع السفن من انتهاك هذه العقوبات التجارية الواردة في القرار 661.”

 

كما أعلن الرئيس بوش عن برنامج “تقاسم الأعباء” الذي كان هدفه “المساعدة في دفع تكاليف الاحتفاظ بعشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في صحراء السعودية و “مساعدة البلدان التي تعاني مالياً من العقوبات الاقتصادية لأنها تخسر تجارتها مع العراق أو الدخل المرتبط بصادرات النفط العراقية أو دخل مواطنيهم الذين يعملون عادة في العراق”. وشاركت جميع دول الخليج المنتجة للنفط في تمويل هذا البرنامج إلى جانب اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها وقدمت المساعدة لمصر وتركيا والأردن والمغرب والهند وبنغلاديش والفلبين وبلدان في أوروبا الشرقية. وأيد الرئيسان بوش وغورباتشوف في البيان المشترك بعد قمتهما في هلسنكي في 9 أيلول 1990 فكرة إخضاع أية واردات غذائية لمراقبة صارمة للتأكد من وصول الغذاء إلى أولئك الذين كان موجهاً إليهم.

 

بدأ الرئيس بوش ومساعدوه مباشرة وخاصة ديك تشيني وبرنت سكوكروفت منذ بداية الأزمة بالاتصال بالقادة الغربيين والعرب فيما يتعلق بالوضع في الخليج. وكما قال وزير الخارجية جيمس بيكر:

 

“إذا استطعنا الحصول على تحالف دولي واسع القاعدة فسيكون الوضع هو أن صدام حسين ضد المجتمع الدولي وليس عملية رعاة البقر من قبل الولايات المتحدة.”

 

أرسل الرئيس بوش وزير خارجيته جيمس بيكر إلى كل من الدول الأربع عشرة الأعضاء في مجلس الأمن الدولي “لوضع الأساس” لعمل عسكري محتمل ضد العراق. ففي حالة فنلندا، على سبيل المثال، كان الرئيس الفنلندي ماونو كويفيستو قد وعد الرئيس بوش بالفعل خلال قمة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في باريس في تشرين الثاني 1990 بأن فنلندا ستصوت لصالح القرار. أما في اليمن فقد حذر بيكر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من أنه يخاطر بـ 70 مليون دولار من المساعدات الأمريكية السنوية برفضه التعاون مع الولايات المتحدة في مجلس الأمن. لكن صالح رد في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع بـ “لا” مدوية ضد القرار. ولم تفقد اليمن بعد التصويت هذه المساعدة فحسب بل واجهت أيضاً مشاكل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتم طرد 800 ألف عامل يمني من المملكة العربية السعودية. وقام بيكر بجولة في 7 دول في 3 تشرين الثاني 1990 للحصول على دعمهم للخطة الأمريكية والتقى في 28 تشرين الثاني بممثلي الصين وكوبا والاتحاد السوفيتي في الأمم المتحدة.

 

أطلع بيكر الرئيس بوش في مذكرتين بتاريخ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 على لقاءاته مع رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر ووزير خارجيتها هيرد وكذلك مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ووزير خارجيته رولاند دوماس. وإن كلا من الطرفين كانوا متفقين مع الرئيس بوش حول مقترحه المعد لقرار مجلس الأمن على الرغم من أن تاتشر كانت متشككة على ما يبدو في الحاجة إلى مثل هذا القرار.

 

تم تبني القرار 678 (1990) من خلال حملة من الرشوة والإكراه والابتزاز والتهديدات. وتم إسكات المعارضة في الشرق الأوسط لاستخدام القوة من خلال “حوافز” معينة. فتمت رشوة مصر بـ 14 مليار دولار من “الإعفاء من الديون” وأطلقت يد سورية في لبنان وتمت رشوة إيران بالسماح للبنك الدولي بالموافقة على قرض بقيمة 250 مليون دولار. وكانت رشوة الاتحاد السوفياتي في غاية الأهمية وقد تم ذلك من خلال المملكة العربية السعودية التي عرض وزير خارجيتها على جورباتشوف مليار دولار تليها 3 مليارات دولار بمجرد موافقته على القرار. وكان حافز الصين هو إنهاء المقاطعة الدولية بعد سحقها احتجاجات ميدان تيانانمين.

 

وكانت أصوات الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن حاسمة. فقد عرض على زائير “إعفاء من الديون” غير معلوم ومعدات عسكرية مقابل السيطرة على مجلس الأمن عندما كان الهجوم جارياً. وهكذا رفضت زائير بصفتها الرئيس الدوري للمجلس طلبات من كوبا واليمن والهند لعقد اجتماع طارئ للمجلس على الرغم من أنها لا تملك سلطة لرفضها بموجب ميثاق الأمم المتحدة.

 

اكتسب القرار 678 أهمية إضافية عندما ننظر إلى كيفية توافقه مع ميثاق الأمم المتحدة. إذ تنص المادة 27 من الميثاق على أن القرارات المتعلقة بالمسائل غير الإجرائية يجب أن تحصل على أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها موافقة الأعضاء الدائمين. وفي حالة القرار 678 امتنعت الصين (العضو الدائم) عن التصويت مما يعني أنها لم تعط تصويتاً مؤيداً للقرار. وهذا لا يمكن أن يعني سوى أن القرار 678 لم يحصل على الأصوات المتوافقة اللازمة لاعتماده وفقاً للمادة 27 وبالتالي فإن أي إجراء يستند إلى هذا القرار يعد انتهاكاً للميثاق. ونحن لا نؤيد الاعتقاد السائد بين العديد من المحامين الدوليين بأن مجلس الأ

من يمكنه تعديل ميثاق الأمم المتحدة من خلال التفسير الفردي للميثاق.

 

 

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image