صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” – 13

صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” – 13

تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني

 

ترجمة: د. طارق العاني

 

================================================

الفصل الرابع

السياسات الاجتماعية والسياسية التقدمية لحزب البعث

نظرت حكومة البعث بعد عام 1968 إلى الإصلاح الاجتماعي من منظور عقيدة البعث وحاولت تغيير المجتمع بطريقة تجعل العمال والفلاحين وغيرهم من الطبقات الفقيرة يتمتعون بفوائد التنمية. ولا يختلف أحد في رأينا بأن حكومة البعث كانت ملتزمة حقاً ببناء أمة قوية ذات اقتصاد قوي وجيش قوي. وسواء نجح البعث في فعل ذلك أم لا فهو أمر يحكم عليه المؤرخون.

ألا أنه من الإنصاف أن نقول إن العراق كان قبل أزمة الخليج عام 1990 دولة حضرية في الغالب ولديها بنية تحتية اجتماعية حديثة وكان يتقدم نحو التصنيع بشكل مطرد. وكان استثماره في بنيته التحتية الاجتماعية والاقتصادية واضحاً في الخدمات التي قدمها للسكان. فقد كان 93٪ من العراقيين قبل حرب الخليج عام 1990 يحصلون على الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب. وكان التعليم مجانياً وكان توفر السعرات الحرارية يعادل 120 ٪ من المتطلبات الفعلية، وكان نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي أكثر من ضعف قيمته لعام 1976.

 

عندما تسلمت حكومة البعث الجديدة السلطة عام 1968 كان عليها معالجة مشكلتين رئيستين – مستقبل التنقيب عن النفط والمشكلة الكردية. وكانت كلتا القضيتين بحاجة إلى حل إذا كان لإعادة بناء الأمة أن تنجح. كانت عائدات النفط ضرورية لدفع ثمن خطط التنمية لكن الاستقرار والأمن كانا أساسين قبل أن تتمكن الحكومة من التفكير في الشروع في أي تطوير وتنمية.

 

انحدرت المشكلة الكردية إلى الأسوأ خلال حكم عارف مع اشتداد القتال وتزامن بعضه وليس بالصدفة مع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. وكان البعثيون على عكس ما كانت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تريدنا أن نصدق يريدون حقاً حلاً سلمياً للمشكلة الكردية. وبعد أشهر من المفاوضات بين الجانبين صدر قانون الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق رقم 33 في 11 آذار/ مارس 1974. كان القانون ثورياً بأي معيار إذ منح أكراد العراق ثاني أكبر مجموعة عرقية حقوقاً سبقت بسنوات ضوئية ما حصل عليه الأكراد في الدول المجاورة مثل إيران وتركيا حيث يعيش غالبية الأكراد.

 

ومن المهم التذكير هنا أنه بعد 40 عاماً تقريباً ما زالت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والساعي إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، ترفض الاعتراف باللغة الكردية التي اتخذها العراق لغة رسمية في عام 1974.

 

كان أكراد العراق في الواقع يتمتعون باستمرار بحقوق وطنية أكثر من أي بلد مشترك آخر. فقد سمحت الحكومات العراقية باستخدام اللغة الكردية في التعليم الابتدائي (1931) واعترفت بالقومية الكردية (1958) وطبقت الحكم الذاتي الكردي (1974). ونحن إذ نقول هذا نعتقد أن الأكراد قد تعرضوا للقمع بشكل عام وحرموا من حقوقهم الوطنية بدرجات مختلفة في وطنهم.

 

الجبهة الوطنية التقدمية

 

سعت حكومة البعث إلى توفير منتدى للمشاركة السياسية لغير البعثيين فأنشأت لهذا الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1974 لتحالف البعث مع الأحزاب السياسية الأخرى التي عدت تقدمية. وكان أساس هذا التعاون ميثاق العمل الوطني الذي أعلنه الرئيس البكر عام 1971 حيث دعا البعث “جميع القوى والعناصر الوطنية والتقدمية” للعمل من أجل عراق “ديمقراطي وثوري وحدوي” من خلال المشاركة في “أوسع تحالف بين جميع القوى الوطنية والقومية والتقدمية”.

 

جرت المناقشات بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي بشكل دوري على مدى ثلاث سنوات قبل أن يتم دفع الأخير للانضمام إلى الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1974. كان الحزب الشيوعي العراقي مثل حزب البعث حزباً نخبوياً دعا إلى البرامج الاشتراكية لفائدة الجماهير وهو ما جلب المثقفين اليه في المقام الأول. وكان البعثيون يميلون إلى الاعتقاد بأن الشيوعيين يلتزمون بولاء مطلق لقوة أجنبية، أي الاتحاد السوفيتي، بدلاً من الأمة العربية، على الرغم من أن البعثيين أنفسهم عدوا الاتحاد السوفييتي دولة صديقة وتقدمية بعد عام 1968.

 

سمح للحزب الشيوعي العراقي مقابل المشاركة في الجبهة الوطنية والتقدمية بترشيح أعضائه لبعض المناصب الوزارية الصغيرة والقيام بالأنشطة السياسية والدعاية علناً. ولكن كان على الحزب الشيوعي العراقي أن يوافق على عدم السعي لضم أعضاء من بين القوات المسلحة وقبول سيطرة البعث على مجلس قيادة الثورة. كما اعترف الحزب الشيوعي العراقي بالدور القيادي لحزب البعث في الجبهة الوطنية التقدمية: فقد تم حجز ثمانية مناصب لحزب البعث في المجلس الأعلى الذي تم تشكيله لتوجيه الجبهة والمكون من ستة عشر عضواً وخمسة لأحزاب تقدمية أخرى وثلاثة فقط للشيوعيين.

 

قد يكون من الممكن الجدل حول مدى صدق نية البعث في دعوة الشيوعيين ليكونوا جزءاً من الحياة السياسية في العراق إلا أنه لا يمكن إنكار أن الجبهة الوطنية التقدمية كانت حقبة جديدة وضعت حداً لعقود من العداء بين الشيوعيين والبعثيين في العراق والتي شهدت بعض الوقائع الحزينة من إراقة الدماء التي يعود تاريخها إلى عام 1959 وعام 1963.

 

قوانين العمل الجديدة: دور كبير في تطوير العدالة الاجتماعية والاقتصادية

 

تم سن قوانين جديدة خلال 1970-1971 تهدف إلى تحسين ظروف العمال من خلال تنظيم علاقات العمل وتوسيع فوائد الضمان الاجتماعي. واستمدت هذه القوانين من المبادئ المكرسة في تعاليم حزب البعث والمبادئ التوجيهية الواردة في ميثاق العمل الوطني الذي اعتمده البعث والحزب الشيوعي في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1971. ويمكن تلخيص هذه المبادئ كما يلي:

 

1. القضاء على البطالة.

 

2. الضمان الاجتماعي مكفول لجميع المواطنين.

 

3. إقرار وصيانة الحد الأدنى للأجور.

 

4. توفير الرعاية الصحية والطبية المجانية.

 

5. توفير التعليم المجاني.

 

6. محو الأمية.

 

7. توفير الوحدات السكنية في جميع أنحاء البلاد مجهزة بالمتطلبات العامة للصحة والأمن والاتصالات والتعليم.

 

8. منح المرأة فرصاً متساوية.

 

تم سن ثلاثة قوانين رئيسة في 1970-1971 لتسهيل تنفيذ بعض هذه المبادئ. فقد تناول الأول الذي صدر في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1970 مشاكل العمل. وقدم القانون الثاني الصادر في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1970 مبادئ توجيهية ولوائح عامة للتعاونيات والنقابات. وخص القانون الثالث الصادر في 9 آذار/ مارس 1971 التقاعد والتأمين للعمال. ونص القانون الثالث أن يشارك الموظفون بنسبة 5٪ في الصندوق العام ويشارك أرباب العمل بنسبة 12 إلى 15٪ بينما تشارك الحكومة بنسبة تصل حتى 30٪ ويدفع منها للعمال تأميناتهم وتقاعدهم. كما نص القانون على دفع تأمين للعمال في حالة الإصابة أثناء العمل.

 

دور مميز في تحرير المرأة في العالم العربي

 

كان للعراق سجل مختلط في معاملته للنساء. فقد تمتع النساء في ظل نظام البعث العلماني نسبياً بامتيازات وفرص أكثر بكثير مما كانت عليه في ظل بعض الأنظمة التقليدية التي تفرض المبادئ الإسلامية بشكل أكثر تقييداً.

 

وأشرف عصر البعث على ثورة اجتماعية وفرت للنساء وظائف حكومية وصناعية رفيعة المستوى ومنحتهن حريات إضافية. فألغت قانون الشريعة القديمة. وكان العراق البلد الوحيد في منطقة الخليج الذي لم يحكم وفقاً لما عد على أنه الشريعة الإسلامية كونه كان قانوناً يتعامل فقط مع الأخلاق الجنسية العائلية / الشخصية ولكنه يتجاهل المبادئ الإسلامية للعدالة والكرامة الإنسانية وحرية الاختيار والتعبير. وورد المبدأ الأساس لمساواة المرأة في الدستور العراقي المؤقت الذي صاغته حكومة البعث عام 1970.

 

وتنص المادة 19 (أ) من ذلك الدستور على أن “المواطنين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو الدم أو اللغة أو الأصل الاجتماعي أو الدين”.

 

ونقلت عملية تسجيل النساء والفتيات في المناطق الريفية في مراكز محو الأمية بموجب قانون محو الأمية لعام 1979 النساء في العراق إلى مستوى جديد من التعليم والعمل والتوظيف. وسمحت الفرص في قطاع الخدمة المدنية ومنافع الأمومة والقوانين الصارمة ضد التحرش في مكان العمل للنساء العراقيات إلى جانب قوانين التوظيف الأخرى بمزيد من المشاركة في بناء وظائفهن. وكان العراق من أوائل الدول التي صدقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

 

وبالرغم من أن النساء لم يكن يخضعن للتجنيد الإلزامي إلا أن أولئك الحاصلات على درجات جامعية في الرعاية الصحية كان يمكنهن أن يخدمن في القوات المسلحة في تخصصاتهن. وأدى نقص اليد العاملة في مؤسسات الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 إلى السماح للنساء بالعمل في الفروع الأخرى للجيش كذلك. وسنت الحكومة وفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول ممارسات حقوق الإنسان قوانين لمساواة حقوق المرأة في الطلاق وملكية الأراضي والضرائب والتصويت المباشر. وخطت النساء خطوات كبيرة في التعليم؛ فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة التحاق الإناث بالمدارس الابتدائية من 34٪ إلى 95٪ بين 1970 و1980. وساعدت البرامج الحكومية لتحسين وضع المرأة على زيادة فرص العمل للنساء.

 

وشكل النساء في الثمانينيات نسبة 46٪ من جميع المعلمين و29٪ من الأطباء و46٪ من أطباء الأسنان و70٪ من الصيادلة و15٪ من عمال المصانع و16٪ من الموظفين الحكوميين.

 

موقف فريد من الحرية الدينية في العالم العربي

 

كان العراق حتى غزو عام 2003 مجتمعاً متسامحاً للغاية ويتبع سياسات مسؤولة للغاية بشأن الحرية الدينية. ونشأ الناس في أحياء مختلطة ليس فيها فصل بين الطوائف أو الأديان.

 

فقد نشأنا في منطقة في بغداد يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب دون أي مشكلة. ودرسنا كلانا في مدرسة الجمعية اليسوعية (كلية بغداد) والتي كان يديرها الآباء اليسوعيون من الولايات المتحدة وكانت تلك مدرسة تعلم المسيحية وليس الإسلام كديانة. وكانت تحتوي على خليط من جميع الأديان الثلاثة الرئيسة وغيرها من الديانات الأصغر.

 

أصدر حزب البعث قانوناً يمنح كل موظف الحق في الاستمتاع بأعياده الدينية المدفوعة بالكامل بالإضافة إلى الاستمتاع بالعطلات الرسمية للدولة. وللقارئ أن يتصور رد الفعل في أوروبا لو طالب المسلمون بالاستمتاع بالعطل في أعيادهم. وقام المسيحيون بإدارة المعاهد وتلقى الأطفال المسيحيون تعليماً دينياً في المدارس الحكومية ذات الأغلبية المسيحية وكان للفاتيكان علاقات دبلوماسية مع العراق وأرسل رئيس أساقفة كانتربري القس كانون أندرو وايت وهو قسيس إنجيلي إلى بغداد في عام 1998. ويحق للقارئ أن يتساءل عن عدد العواصم الأوروبية التي مارست مثل هذا التسامح. فعندما قررت سويسرا منع بناء مسجد لجأوا إلى استفتاء للادعاء أنه كان قراراً “ديمقراطياً” ما يثبت فقط أن الأغلبية كانت غير متسامحة في أمر الحرية الدينية.

 

بلغ عدد السكان المسيحيين في العراق حوالي 149000 بعد تعداد عام 1947 أي ما يقرب من 3.7 في المائة من سكان البلاد. وكان هناك في عام 1987 حوالي مليون مسيحي في العراق من أصل 18.5 مليون نسمة أي أكثر من 5 في المائة من السكان. وعزز البعث سياسة التعايش الديني والتسامح على حساب إخضاع الأفكار الأصولية.

 

ولتوضيح ذلك فإن من المهم الإشارة إلى أن حكومة البعث كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي كان فيها مسيحي نائباُ لرئيس الوزراء لفترة طويلة من الزمن. فقد كان طارق عزيز مسيحياً كلدانياً على الرغم من أنه ربما كان علمانياً مسيحياً مثلما كان صدام حسين مسلماً. وأبلغ آفاك أسادوريان رئيس أساقفة الأرمن في العراق صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في 21 نيسان/ أبريل 2003 قائلاً: “تمتعنا بحرية دينية كاملة ولم يكن هناك تمييز ديني في عهد صدام.” فكم هو عدد الدول الأوروبية التي كان فيها وزير مسلم على الرغم من حقيقة أن نسبة المسلمين في بعض هذه البلدان تساوي نسبة المسيحيين في العراق؟

 

يمكن رؤية أهمية هذه الحقيقة منذ الغزو. فقد قدمت الحملة الصهيونية لشيطنة البعث، والتي لعبت فيها وسائل الإعلام الغربية دوراً نشطاً للغاية، البعث كحركة قومية متطرفة متعطشة للدماء كان لا بد من اقتلاعها من أجل احلال نظام “حكم الشعب”. لكن ما حدث في الواقع هو أن أول عمل قامت به الولايات المتحدة في العراق كان تفكيك الجيش العراقي العلماني واستبداله بالميليشيات الدينية التي أنشئت لمحاربة البعث على أساس طائفي. وقد أدى ذلك – كما هو مقصود – إلى تنشيط القوى الطائفية المختلفة التي قد تسهل تفكيك العراق وهو الأمر الذي خطط له والذي كان من نتاجه ربما استهداف غير مقصود للمسيحيين مما أدى إلى نزوح جماعي لم يشهده العراق من قبل.

 

لم يكن التوتر الحقيقي في العراق في الثمانينيات الأخيرة بين السنة والشيعة كما يراد لنا أن نصدق. بل كان التوتر بين عدد من السكان من السنة والشيعة الذين كان للمعتقد والممارسة الدينية أهمية كبيرة بالنسبة لهم وبين البعثيين والعلمانيين من السنة والشيعة والمسيحيين. وحقق الشيعة تقدماً كبيراً في المجالات التعليمية والتجارية والقانونية. ويعتقد المراقبون أن الشيعة كانوا في أواخر الثمانينيات ممثلين على جميع مستويات حزب البعث بنسبة متناسبة مع تقديرات أعدادهم في عدد السكان. فقد كان على سبيل المثال من بين القادة العراقيين الثمانية الكبار الذين جلسوا في أوائل عام 1988 مع صدام حسين في مجلس قيادة الثورة ثلاثة من الشيعة العرب (أحدهم شغل منصب وزير الداخلية) وثلاثة من العرب السنة ومسيحي عربي واحد وكردي واحد. وتمت خلال الحرب مع إيران ترقية عدد من الضباط الشيعة ذوي الكفاءة العالية إلى قادة فيالق وكان الجنرال الذي رد الغزو الإيراني الأولي للعراق عام 1982 شيعياً. وهذه ليست منة لكنها يجب أن تفهم في ظل حقيقة أن نسبة الضباط الشيعة في الجيش العراقي واطئة بسبب رفض المرجعية الشيعية في مطلع القرن العشرين المشاركة في الدولة.

 

وحقق الشيعة تقدماً جيداً في المجال الاقتصادي أيضاً خلال الثمانينيات. ولاحظ المراقبون أن العديد من الشيعة هاجروا من المناطق الريفية وخاصة في الجنوب إلى المدن بحيث أصبح الشيعة الأغلبية في المدن الكبرى مثل البصرة وبغداد ونجح العديد منهم في الأعمال والمهن والصناعة وقطاع الخدمات. فأصبح أولئك الذين يعيشون في المناطق الأكثر فقراً في المدن بشكل عام أفضل حالاً مما كانوا عليه في الريف. ولم يكن المستوى التعليمي للشيعة في المناطق الريفية أيضاً مختلفاً عن مستوى نظرائهم السنة.

 

فكر البعث في قطاع التعليم: التعليم المجاني للجميع على جميع المستويات

 

ثبت النظام الداخلي لحزب البعث لعام 1947 أن التعليم له أهمية قصوى لبناء جيل عربي جديد مسلح بالتفكير العلمي وقادر على تحقيق أهدافه التنموية. وشدد تقرير المؤتمر القطري السادس الصادر عن الحزب على أن “نهضة الأمة وتحقيق أهدافها لا يمكن أن تتحقق دون إعطاء المواطن تعليماً اشتراكياً وعلمياً يخلصه من كل الروابط الموروثة والمقيدة والمتخلفة من أجل خلق إنسان عربي جديد لديه عقل علمي منفتح وأخلاق اشتراكية جيدة ويؤمن بالقيم المشتركة”.

 

وأولى قادة البعث بعد صعود الحزب إلى السلطة اهتماماً كبيراً بالمؤسسات التعليمية وحاولوا للمرة الأولى ربط الخطط التعليمية بخطط التنمية الوطنية الشاملة.

 

أكدت المادة 27 من الدستور المؤقت لعام 1970 التزام الدولة بما يلي:

 

• مكافحة الأمية

 

• ضمان الحق في التعليم المجاني على جميع المستويات – الابتدائية والثانوية وما بعد الثانوية والجامعة – لجميع مواطنيها

 

• جعل التعليم الابتدائي إلزامياً

 

• التوسع في التعليم الفني والمهني في المدن والمناطق الريفية

 

• تشجيع المدارس المسائية للسماح للمواطنين بالعمل والدراسة

 

• ضمان حرية البحث العلمي

 

خططت حكومة البعث في خطتي التنمية الخمسية لعامي 1970 و1976 لمحو الأمية على مرحلتين حيث يتم في المرحلة الأولى تخفيضها بشكل كبير بين جيل الشباب ثم تمحى في غضون عقد من الزمان بعد إطلاق الخطة الخمسية الثانية. وتمت زيادة المرافق التعليمية من حيث الكم كما يتضح من عدد المدارس والمعلمين والمختبرات والمرافق الأخرى؛ وتم تحسين مستوى الجودة كثيراً وفقاً للمعايير السابقة. وتم إلغاء الرسوم الدراسية في جميع المؤسسات التعليمية بما في ذلك الجامعات في عام 1974 وتم تلبية جميع احتياجات الطلاب – من الكتب المدرسية والقرطاسية وما إلى ذلك مجاناً في جميع المدارس والكليات وعلى جميع المستويات. ولا بد أن العراق تحت حكم البعث كان في رأينا الدولة الوحيدة التي حققت ذلك.

 

وهكذا أدى هذا الاستثمار في التعليم إلى تقدم كبير في محو أمية الكبار والالتحاق بالمدارس وتدريب المعلمين. وسن قانون “الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية الإلزامي” في عام 1978 وكان نقطة انطلاق حملة واسعة النطاق لمكافحة الأمية. كان على كل مواطن في الفئة العمرية 15-45 سنة التسجيل في مراكز محو الأمية لإكمال ما يعادل الصف الرابع في القراءة والكتابة والرياضيات. وكان من نتائج ذلك أن الأمية في الفئة العمرية 15-45 انخفضت من 48.4٪ في عام 1978 إلى 19.9٪ في عام 1987. وحصل العراق نتيجة لكفاءة هذه الحملة على خمس جوائز من اليونسكو. وارتفعت معدلات معرفة القراءة والكتابة لدى الكبار من 52٪ عام 1977 إلى 89٪ عام 1985.

 

بلغ الإنفاق الحكومي على التطوير التعليمي في عام 1988/1989 مبلغ 690 مليون دينار عراقي (حوالي 2.2 مليار دولار أمريكي) أي ما يمثل 6.4٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي و238٪ أكثر من الإنفاق التعليمي في عام 1976. وكان التخصيص لأجزاء هذه القطاعات كما يلي: 1٪ لما قبل – التعليم الابتدائي و47٪ للتعليم الابتدائي و27٪ للتعليم الثانوي و20٪ للتعليم الجامعي.

 

أكد المؤتمر القطري السادس لحزب البعث الذي عقد في بغداد عام 1974 على نية إعادة تشكيل النظام التعليمي بما يتناسب مع أهداف فلسفة البعث للتربية الوطنية. وذكر أن “الحقبة القادمة ستشمل إعداد مناهج لجميع المراحل من رياض الأطفال وحتى التعليم العالي وأن هذه المناهج يجب أن تكون متماشية مع المثل الديمقراطية والاشتراكية لحزب البعث والثورة. وهذا يتطلب القضاء التام على الأهداف الرجعية والبرجوازية القديمة للنظام القديم.”

 

كان الوضع التعليمي في العراق قبل عام 1990 يعد من أفضل الأوضاع في المنطقة. وقد أثرت الحرب مع إيران في الثمانينيات بشكل كبير على الموارد المتاحة لكن العراق استمر في الحفاظ على نظام تعليمي مجاني على جميع المستويات ووفر جميع المواد التعليمية اللازمة. وكانت نسبة الالتحاق الإجمالية في المرحلة الابتدائية 100٪.

 

المدارس الابتدائية والثانوية

 

ارتفع عدد طلاب المدارس الابتدائية بين عامي 1976 و1986 بنسبة 30 في المائة وارتفعت نسبة الطالبات 45 في المائة أي 35 إلى 44 في المائة للمجموع. وارتفع عدد معلمي المدارس الابتدائية بنسبة 40 بالمائة خلال هذه الفترة. وفي المرحلة الثانوية ارتفع عدد الطلاب بنسبة 46 في المائة وزاد عدد الطالبات بنسبة 55 في المائة أي من 29 إلى 36 في المائة للمجموع. كان لبغداد التي تضم حوالي 29 في المائة من السكان 26 في المائة من طلاب المرحلة الابتدائية و27 في المائة من طالبات المرحلة الابتدائية و32 في المائة من طلاب المرحلة الثانوية.

 

وارتفع عدد المدارس الابتدائية التي تم بناؤها بمقدار 6802 من 4907 في عام 1968 إلى 11709 في عام 2001. وكانت نسبة الطلاب إلى المعلمين 28 في عام 1980 و25 في عام 1991 و21 في عام 2000.

 

الجدول 4.1

 

تطور المدارس الابتدائية

 

عدد المدارس المجموع التلاميذ

 

الذكور عدد

 

الإناث

 

عدد المعلمين السنة

 

4907 990718 698320 292398 45201 1967-68

 

11324 2609142 1434693 1174449 92603 1979-80

 

11320 3238283 1804642 1433642 138728 1989-90

 

الجدول 4.2

 

المدارس الثانوية

 

عدد المدارس المجموع الطلاب

 

الذكور عدد

 

الإناث

 

عدد المدرسين السنة

 

757 254033 193081 60952 8602 1967-68

 

1774 897001 627967 629034 27987 1979-80

 

2585 1016870 618527 398343 44664 1989-90

 

التعليم المهني

 

عانى العراق مثل العديد من البلدان النامية دائما من نقص التقنيين الفنيين. فقد يكون هناك عدد كاف من المهندسين ولكن عدد قليل فقط من الرجال التقنيين المهرة للقيام بالمهمة الوسطى بين التصميم الهندسي والعمالة غير الماهرة. وكانت لدى البعث سياسة لمعالجة هذا النقص. وتلقى التعليم المهني في العراق المعروف بقصوره اهتماماً رسمياً كبيراً في الثمانينيات وارتفع عدد الطلاب في المجالات التقنية ثلاثة أضعاف منذ عام 1977 إلى أكثر من 120090 في عام 1986.

 

التعليم العالي

 

شهد العراق تحت حكم البعث قفزة نوعية في عدد الجامعات والتعليم العالي. فقد كانت في العراق خمس جامعات في عام 1968. وأزداد عددها بحلول عام 1990 ليصبح 11 جامعة موزعة على محافظات العراق. وتم إلى جانب هذه الجامعات والكليات إنشاء 9 كليات فنية و38 معهداً تقنياً داخل لجنة التعليم الفني إلى جانب كليات أخرى في ميسان والمثنى والفلوجة وسامراء وكليات إعداد المعلمين.

 

وتم إنشاء جامعات وكليات أخرى لخدمة الفروع المختلفة للقوات المسلحة وهي: جامعة البكر للدراسات العليا العسكرية وكلية القوات الجوية وكلية الدفاع الجوي وكلية الأركان العسكرية وكلية الشرطة وكلية الهندسة العسكرية.

 

كما ازداد بشكل كبير عدد الطلاب الذين يسعون إلى متابعة التعليم العالي في الثمانينيات. ويوضح الجدول أدناه قفزة كبيرة عندما نرى أن عدد الجامعات زاد بأكثر من 220٪ وزاد عدد الطلاب بأكثر من 570٪ وزاد عدد المعلمين بأكثر من 560٪ للفترة 1968-1989.

 

اعتاد العراق قبل فرض العقوبات على إرسال الآلاف من خريجي الجامعات إلى أوروبا لإجراء البحوث والحصول على تعليم أعلى. لكنه كان على العراق منذ فرض العقوبات والحرمان أن يعتمد على نفسه في تطوير أبحاثه ودراساته العليا. وشهدت هذه الفترة بعض الابتكارات الذكية عندما أصبحت الحياة الجامعية أكثر ارتباطاً بالصناعة والزراعة والأعمال التجارية.

 

الجدول 4.3

 

الجامعات والمدرسين

 

نسبة الطلبة/ المدرسين الجامعات الطلاب المدرسون السنة

 

22 5 31086 1879 1968-69

 

22 6 58351 2669 1973-74

 

17 7 89197 5207 1978-79

 

17 7 119028 6934 1983-84

 

19 11 179542 10548 1988-89

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image