صفحات من ترجمة كتاب “الإبادة في حصار العراق” –7 تأليف: د. عبد الحق العاني و د. طارق العاني ترجمة: د. طارق العاني

الغزو العراقي الخاطئ لإيران يؤدي إلى انحدار البعث

إن من السهل دائمًا إعادة النظر في الأمور ولوم الآخرين على ما حل بك. ولهذا فإنه من المقبول على نطاق واسع بين المدافعين عن صدام حسين القول بانه تم إقناعه أو تشجيعه من قبل السعوديين لغزو إيران. وعلى الرغم من أنه ليس لدينا شك في أن هذا قد حدث إلا أننا ما زلنا نعتقد أن صدام حسين كان مسؤولاً عن الخطأ الفادح الذي كلفه حياته في نهاية المطاف وجعل العراق مستحيل الإصلاح. كان صدام حسين مسؤولاً لأنه كان تهوراً منه أن يسير إلى الفخ الذي وضعه له البدو الذين رأوا في الحرب أفضل طريقة لإضعاف كل من إيران والعراق لصالحهم ولصالح أسيادهم في الغرب. والأسوأ من ذلك فيما لو كان قد رأى بالفعل تلك المؤامرة ضد العراق وإيران واستمر في السير نحو الحرب. أما الكيفية التي بها أقنع صدام حسين نفسه بأنه سيواصل السير على وفق هذه الأسس ويبقى وفيا ً لمثل البعث فإنه يبقى لغزاً بالنسبة لنا. ويمكن أن يكون التفسير هو في ثقته المفرطة التي عززها نجاح خطة التنمية. وربما كان يعتقد أن بإمكانه الدخول في اتفاق مع بدو الجزيرة العربية لهزيمة إيران التي كانت ستضمن الدعم العام من الغرب وسيسطر بمجرد تحقيق ذلك على المنطقة ويخضعها. فإذا كان يعتقد أن ذلك ممكن كما أشارت بوضوح كارثة الكويت لاحقاً أنه فعل ذلك فإنه لم يفهم الاستكبار الصهيوني على الاطلاق. ويبدو أنه على الرغم من أنه كان مستمعاً جيداً إلا أن ثقته المفرطة إلى جانب سذاجة المحيطين به غير المعقولة زادت من تعقيد الأمور.

شارك ضباط الشاه رؤية ملكهم لجيش إمبراطوري كبير يمكنه في يوم من الأيام إعادة تأسيس الإمبراطورية الفارسية التي تم القضاء عليها من قبل الجيش الإسلامي الغازي في عام 637 م. وهكذا بمجرد أن عبر الجيش العراقي الحدود انتظم معظم كبار ضباط جيش الشاه خلف الخميني لحماية الوطن.

أما الخميني من ناحية أخرى فقد كان معاديا العرب لسبب مختلف. فقد كان من رجال الدين الشيعة الذين يعتقدون أن الإسلام عالمي وبالتالي ليس للعرب حق تلقائي في حكم الأمة المسلمة. وكان سيشير مع آخرين إلى حقيقة أن العثمانيين حكموا العرب في إمبراطورية إسلامية لعدة قرون استجاب لها العرب بشكل طبيعي. ولم يتعامل الإسلاميون العرب اليوم مع هذه الحقيقة وهم الذين يتحدثون عن تهديد فارسي وشيك.

كانت جاذبية الخميني للجماهير المضطهدة استثنائية. وهكذا عندما وعدهم الخميني بالجنة في الشهادة لم يكن لديهم ما يخسرونه وربما سيكسبون كل شيء. وتم استخدام هذه الجماهير لكبح حركة الجيش العراقي بأي ثمن أثناء إعادة بناء الجيش النظامي في أعماق إيران بعيداً عن الهجمات الجوية والصواريخ العراقية.

فبعد مرور عام على تلك الحرب الدموية وإدراكا منه أن العراق لم يكن فقط يخسر بل أن التجربة المريرة كانت تهدد وجود العراق ذاته حاول صدام حسين كل ما في وسعه لوقف الحرب. لكن الخميني لم يكن ليسمح لصدام حسين بالخروج من مأزقه بعد كل قسوة تلك الحرب ومعاناتها وأضرارها الآن بعد أن هزمه وهزم فكر البعث. وحشد الغرب سواء بناء على طلب سعودي أم من خلال إدراكهم الخاص لما قد يعنيه انتصار الخميني لخططهم ومصالحهم لدعم العراق فصدرت بريطانيا التقنيات العالية وسيرت فرنسا الطائرات المقاتلة لصالح العراق وزودت الولايات المتحدة العراق بالمعلومات الاستخبارية ورفعت العلم الأمريكي على ناقلات النفط الكويتية1. وكان هناك فهم واضح أن ذلك كله كان يتم لتمكين العراق إن لم يكن من الفوز فعلى الأقل أن لا يخسر. كان ينبغي أن يكون الثمن واضحا لأي مراقب — التزام العراق بما يتماشى مع خطط الولايات المتحدة للشرق الأوسط بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل.

ويكفي إلقاء نظرة على موقع إيران والعراق اليوم ليستنتج المرء أن إيران كسبت الحرب. انتهت ثماني سنوات من إراقة الدماء والدمار وعانت البنية التحتية للعراق بشكل كبير مع توقف التنمية تقريباً؛ وانخفضت عائدات النفط العراقي بحلول عام 1986 إلى 6.9 مليار دولار من 26.3 مليار دولار في 1980 2. وأصبحت للعراق ديون كبيرة. كان هذا على الرغم من حقيقة أن المملكة العربية السعودية والكويت اتفقتا على إنتاج وبيع حوالي 300 ألف برميل من النفط من حقولهما النفطية نيابة عن العراق3.

لعل أفضل طريقة لقياس حجم كلفة الحرب على الاقتصاد العراقي هو ربطها بعائدات النفط. فقد بلغت عائدات النفط التراكمية بين عامي 1931 عندما تلقت الحكومة الدفعة الأولى لتصدير النفط من شركات النفط العاملة في العراق وعام 1988 مبلغ 179.3 مليار دولار. وقياساً بخسائر الحرب البالغة 462.6 مليار دولار فإن هذا يعني أن نظام البعث نجح في إنفاق 254 في المائة من جميع عائدات النفط التي تلقاها العراق في سبع وخمسين سنة 4. ويمكن أيضاً قياس الخسارة بواسطة ربط الكلفة الاقتصادية للحرب بالناتج المحلي الإجمالي للعراق خلال الفترة 1980-1988. فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للعراق خلال هذه الفترة 433.3 مليار دولار أو 48.1 مليار دولار في السنة. وبما أن الكلفة الاقتصادية للحرب تقدر بنحو 452.6 مليار دولار أو 50.2 مليار دولار في السنة فقد بلغت الكلفة السنوية للحرب 104 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق خلال فترة التسع سنوات 1980- 1989 5. وكان مجرد التفكير في إمكانية أن يكون العراق مديناً غريباً على الاقتصاد العراقي بشكل عام وكان هذا الدين هو سبب الخيبة في الكويت. لكن النتيجة الأكثر تدميراً في الحرب الإيرانية العراقية هي أنها أضعفت العراق بشكل حاد وأخرجته من الصراع العربي الصهيوني الذي يعده معظم العرب الحرب الوحيدة التي تستحق القتال لأنها مسألة بقاء.

النتيجة الأولى للغزو العراقي لإيران

يبدو أن صدام حسين لم يفهم أنه بينما كان يخطط لهزيمة إيران وإخضاع البدو فإن هؤلاء كانوا يفعلون في الوقت نفسه كل ما في وسعهم لضمان ألا يكون العراق مرة أخرى دولة قوية ذات سلطة قادرة على إخضاعهم. ودفعوا لهذا الغرض مليارات الدولارات لدعم المجهود الحربي العراقي.

وجدت الكويت في عام 1988 أفضل فرصة لها لإذلال العراق وتوقعاته باستعادة منفذه الطبيعي للخليج في يوم من الأيام. وكانت قادرة على القيام بذلك لأنه كان لديها بعض النفوذ على العراق من خلال الأموال التي دفعتها مقابل المجهود الحربي العراقي. كان الاستكباريون قد أشاروا بوضوح إلى بداية حملتهم للإطاحة بالبعث في العراق وكان العراق في ظروف عدائية مع جاريه الرئيسين في إيران وسوريا ولم يكن في علاقة ود مع عضو الناتو في تركيا.

ولن نبحث هنا ما فعلته الكويت أو لم تفعله لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن صدام حسين أخذ العراق إلى الفخ المحدد له – وهو الفخ الذي لم يخرج منه العراق بعد واحد وعشرين سنة. ونجد مؤشرين كافيين لإقناعنا بأن كل ذلك كان مخططًاً له. فقد تم الكشف عن أول الأمر في تصريح السفيرة أبريل غلاسبي لصدام حسين بأن الخلاف مع الكويت لم يكن أمراً ستتدخل فيه الولايات المتحدة 6 ومن غير المتصور أنها لم تكن تعرف ما هو الموقف الحقيقي للولايات المتحدة بشأن هذا الأمر الذي جعل بيانها محاولة واضحة لإغراء صدام حسين للعبور إلى الكويت وبالتالي خلق عذر لنزع سلاح العراق. أما المؤشر الثاني على المخطط فهو أن هدف الإطاحة بحزب البعث في العراق بدأ يتجلى في الظهور العلني للعديد من معارضي النظام الذين عاشوا في أوروبا والذين لم يجرؤوا على التحدث في السابق خوفاً من الانتقام. ونستطيع تسمية عدد منهم لكن ذلك لن يكون من المفيد القيام به هنا. لكن لدينا تأكيدات من أحد هؤلاء المعارضين في لندن والذي لم يجرؤ على انتقاد صدام حسين على الإطلاق بأن الولايات المتحدة أبلغت جماعات المعارضة بأنها ستستمر حتى يتم إسقاط النظام بالحرب أو بوسائل أخرى.

لا شك في أن الاستكباريين كانوا سيجدون سبباً لمهاجمة العراق عام 1991 ولكن من الصحيح أيضا أن صدام حسين كان يمكن أن يحد من الأضرار ويحيد العديد من الفاعلين في الصراع. فقد كانت بعض الأنظمة العربية على سبيل المثال ستجد صعوبة في الانضمام إلى الهجوم لو انسحب الجيش العراقي من الكويت بعد أن أوضح أن الكويت وغيرها لن يسمح لها بمعاملة العراق بهذا الاحتقار بعد كل ما فعله من أجلهم. كما أن المشروع الأمريكي في الأمم المتحدة لم يكن ليمر بسهولة في الجدال الذي استطاعت الولايات المتحدة به من إكراه الدول على المشاركة كحلفاء لإقناع أنفسهم بأنهم يعملون على أساس قانوني دولي سليم.

بدأت المؤامرة الصهيونية ضد العراق في لندن بقضية بازوفت 7 مثلما بدأت جميع الأنشطة الصهيونية منذ بلفور 8. [كان فارزاد بازوفت مجرماً مداناً أرسل إلى العراق كصحفي من قبل صحيفة الأوبزرفر في لندن. وتم القبض عليه وهو يتجسس على الصناعة العسكرية العراقية واتهم بالتجسس لصالح إسرائيل وأدين وأعدم. كان قد أخفق في الدراسة في الكلية وكان بدون تعليم ولم يكن قد عاش في المملكة المتحدة سوى عامين أمضى أحدهما في السجن.] كانت مارجريت تاتشر هي التي أقنعت جورج بوش في عام 1990 بأن هناك خطة مناسبة لتغيير النظام. وهكذا بدأت الحملة ببطء وبذكاء من خلال وسائل الإعلام الغربية التي شوهت فيها صدام حسين ونظامه وكل العراق. وكانت الحملة ناجحة جداً لدرجة أنه لم تكن هناك حاجة إلى الكثير من الإقناع للرأي العام سواء للانضمام أو القبول بتدمير العراق عام 1991. ولم يكن للهجوم على العراق عام 1991 علاقة تذكر بإخراج الجيش العراقي من الكويت واستبداله بوحدات الجيش الأمريكي التي تمركزت منذ ذلك الحين في الكويت. كان من المفترض أن يضعف العراق إلى نقطة ينهار فيها من الداخل مما يسمح بتثبيت نظام صديق للاستكباريين الصهاينة. ومن الواضح أن هذا الهجوم الضخم الذي استهدف البنية التحتية العراقية البعيدة عن حدود الكويت وصولا للحدود التركية على بعد 1000 كيلومتر من حدود الكويت يدعم هذه القناعة.

جرت المحاولة العراقية لاستعادة الكويت في أسوأ عام ممكن من القرن العشرين. ففي عام 1990 لم ينهار الاتحاد السوفياتي فقط بل كان بقاء روسيا على المحك. كانت الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على إملاء أي شيء تختاره بشكل فعال. وأصبحت الأمم المتحدة بفضل هذا الواقع ختماً مطاطياً لقرارات الولايات المتحدة. وتمت صياغة القرارات المتعلقة بالعراق في واشنطن وأحياناً في لندن وأقرها مجلس الأمن دون مناقشة تذكر أو حتى معدومة. ويظهر ذلك بوضوح عدد ومحتويات وسرعة اعتماد القرارات بين آب/ أغسطس 1990 وكانون الثاني/يناير 1991 (وبعد ذلك في 2003). كانت الدولة الوحيدة التي يمكن لها الاعتراض عليها هي الصين لكن الصين كانت مشغولة ببناء قاعدتها الاقتصادية والعسكرية وكان العراق ثمناً صغيراً يجب دفعه لتوطيد تلك القوة دون استعداء الأميركيين. ولو كان صدام حسين قد حاول إيجاد سنة أسوأ للدخول إلى الكويت، خلال 35 سنة من حكمه لما وجدها.

وظل مجلس الأمن في جلسة متواصلة تقريباً يصدر قراراً بعد قرار. ولا يسع المرء إلا التوقف قليلاً للسؤال عن عدد القرارات التي تم تمريرها عندما وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى بيروت عام 1982 ولماذا لا؟ لماذا كان كل قرار بشأن العراق منذ عام 1990 خاضعاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولم يتخذ قرار واحد ضد إسرائيل بموجب الفصل السابع على الرغم من أن الأخيرة كانت منذ إنشائها تشن حرباً واحدة على الأقل كل عشر سنوات؟ ويمكن الفصل السابع مجلس الأمن أو بعض أعضائه الأقوياء من فرض إرادتهم على الدولة التي صدر ضدها قرار باستخدام جميع الوسائل المتاحة من العقوبات الاقتصادية إلى استخدام القوة العسكرية. ويجب أن نتذكر هنا أن العراق حتى كتابة هذا الفصل في عام 2012 ما يزال تحت الفصل السابع على الرغم من تحريرهوالتمتع بالديمقراطيةلأكثر من تسع سنوات.

إن من الواضح أن الاستكباريين وجدوا في استعادة العراق للكويت في الوقت غير المناسب فرصة لتنفيذ خطة للشرق الأوسط تم التطرق إليها في مناسبات عديدة لعلها أكثر وضوحاً خلال أيام هنري كيسنجر في السلطة 9. كانت الخطة هي صياغة الشرق الأوسط في كونفدرالية صممتها الولايات المتحدة من دويلات طائفية صغيرة لتجعل من إسرائيل بالتالي كياناً طائفياً شرعياً وإلى حد بعيد العنصر الأقوى والأكثر هيمنة في ذلك الاتحاد. ووجد التحالف غير المقدس بين الصهاينة والمسيحيين الأصوليين موطنه الطبيعي في عائلة بوش. ونود أن نستشهد بمثالين على سبب اعتقادنا بأن ما حدث في عام 1991 ليست له علاقة تذكر بالكويت ولكن له علاقة كبيرة بتنفيذ الخطة الجديدة للشرق الأوسط الذي يهيمن عليه الصهاينة.

وأول دليل على ذلك يمكن ملاحظته في تحويل هدف قرارات العقوبات من إخراج العراق من الكويت إلى السعي إلى مستوى من نزع السلاح يخالف بوضوح الحق المقدس لكل دولة في تسليح نفسها للدفاع. كان هذا القرار الجديد هو الذي استخدم الكويت كذريعة لفرض عقوبات شاملة على العراق ومكن من إبقاء العقوبات ضد العراق حتى الوقت الذي يمكن للعراق أن يثبت أنه ليس لديه أسلحة. كان ذلك مستحيلاً، لأن العراق كان مطالبا بأن يثبت أنه ليس لديه أي شيء بدلاً من أن يضطر مجلس الأمن إلى إثبات أن العراق يمتلك هذه الأسلحة. كان هذا افتراض الذنب وطلب إثبات البراءة في تناقض مع جميع القواعد القانونية. وسنرى لاحقاً كيف أدى ذلك إلى إبادة جماعية من خلال العقوبات. والدليل الثاني واضح حتى اليوم. فقد قيل لنا أن العراق وضع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لأنه ارتكب عملا يهدد السلام والأمن في العالم. فإذا كان هذا هو الحال فلماذا ما يزال العراق اليوم، بعد سنوات من القضاء الأمريكي الوحشي على البعث، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟

فشل البعث: بعض التخمينات

ليس هناك شك في أذهاننا كمراقبين أن معركة البقاء بين حركة القومية العربية التي يقودها البعث والصهيونية كانت في قلب كل صراع في الشرق الأوسط العربي منذ الحرب العالمية الثانية. فقد تم تدمير العراق لخدمة التصميم الصهيوني لتفتيت العالم العربي من خلال نزع سلاحه وإخضاعه. ولا يستطع دارسو التاريخ والسياسة تجنب ملاحظة أن البعث في سورية الذي يشترك في نفس المثل العليا لحزب البعث العراقي قد نجا حتى عام 2011 من هذا المصير على الرغم من محاربته إسرائيل ثلاث مرات خلال فترة حكمه. إلا أنه منذ أن تمكن الإسلاميون في تركيا، حلفاء الاستكبار الصهيوني، من إقناع الصهاينة بنسختهم عن الإسلام السياسي بدأت حملة جديدة ضد سوريا تم فيها تمويل السلفيين السوريين (ومعظمهم تم تشريبهم بالفكر أثناء العمل في شبه الجزيرة العربية) مسلحين ومنظمين لحمل السلاح ضد البعث.

عندما حاول ميشيل عفلق المسيحي السوري الأرثوذكسي والعضو المؤسس لحركة البعث في أوائل الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي تقديم نظرة ضبابية لما يمثله البعث كان حريصاً على الإشارة إلى أن البعث استمد شرعيته من الإسلام العربي في حين أنه ليس إسلامياً وبالتالي الحفاظ على هويته العربية الإسلامية بينما يبقى علمانياً 10. لم تكن عملية موازنة سهلة لكنها نجحت وبقي البعث علمانيًاً وحارب الأصوليين الإسلاميين في سورية والعراق.

لم ينشأ صدام حسين مثل معظم أعضاء حزب البعث كمسلم متدين. فقد ولد في عائلة مسلمة وفهم الإسلام كما يفعل معظم العرب كحقيقة حياة نادراً ما يتم التشكيك فيها. ولهذا فإن الخطأ أن نحاول تصوير صدام حسين على أنه سني متعصب مضطهد للشيعة. كان المقياس الذي تم قياس الناس من خلاله بالنسبة له هو الولاء للحزب الذي أصبح فيما بعد الولاء لنفسه. وهكذا كان حوله الشيعة العرب والعرب السنة والأكراد السنة والعلويون والأكراد الشيعة والمسيحيون دون تمييز طالما أنه يعتقد أنهم مخلصون. كان هذا نجاح البعث خاصة بين الأقليات التي رأت فيه حماية من تجاوزات الأصولية الإسلامية.

كان العراق قد حكمه السنة لقرون منذ الإمبراطوريتين العثمانية والعباسية قبل أن يتسلم البعث السلطة. ويعتقد الشيعة الذين أصبحوا تدريجياً الأغلبية في عرب العراق بشكل عام أنه تم ظلمهم في حرمانهم من فرصة حكم العراق. وقد تم التأكيد على هذا الشعور بالظلم من خلال حقيقة أن الحكومات المتعاقبة في العراق لم تحاول بصدق تصحيح الوضع. إلا أن الواقع هو أن الشيعة استبعدوا أنفسهم طواعية من الحكومة والجيش في عشرينيات القرن العشرين وتركوها بذلك حصرياً في أيدي السنة. ومن الخطأ في الوقت نفسه السماح لهذا الشعور بالظلم أن يتحول إلى مشاعر معادية للقومية العربية يمكن أن تخدم فقط الطموحات الفارسية في العراق مباشرة والصهيونية بشكل غير مباشر. ويمكن رؤية الأول في إنشاء حزب الدعوة أو على الأقل دعمه وتمويله من قبل شاه إيران بينما تجسدت خدمة الصهيونية بشكل واضح في الدعم الإسلام السياسي الشيعي المؤسف لغزو واحتلال عام 2003.

إن عجز صدام حسين عن فهم طبيعة العراق والقوى المحتملة العاملة فيه منعته من فهم أو تقدير أهمية إحساس الشيعة بالظلم. لكن صدام كان محاطا أيضا بمستشارين بعضهم شيعي لا بد وأنهم قللوا من الشعور بالظلم. ومن الصعب التأكيد على ما إذا كان حزب البعث كحزب فشل بنفس القدر لأنه سمح لصدام حسين بالعمل بمفرده في كل مستويات السياسة منذ عام 1979 وكان الحزب لهذا شريكاً في ذلك الفشل سواء أحب ذلك أم لا.

وتم استخدام المرجعية بشكل فعال للغاية جزئياً كمناهضة للقومية العربية وجزئياً لمجرد المصلحة الرأسمالية والانتماء والمنفعة. وقد ناشد العملاء الاستكباريون في داخل المرجعية، إلى جانب الحرمان الاقتصادي، المشاعر الأساس للجماهير الشيعية في العراق مبرزين حقيقة أن النظام منع الشيعة من مراعاة أيام حزنهم الدينية التي تحدث طوال السنة. وبالنسبة للشيعة وحتى أولئك الذين نشأوا في عائلات علمانية فإن مآسي وفاة الإمام علي وابنه الحسين هي في صميم الإيمان بشكل أساس وليست هامشية. إن حرمان الشيعة من ممارسة هذه الطقوس يرقى إلى حرمانهم من عقيدتهم.

وكان على صدام حسين وبدلاً من حرمان الشيعة من هذا الحق نزع فتيل هذه القنبلة الموقوتة ليس بالسماح للناس بممارسة هذه الطقوس فحسب ولكن من خلال دعمهم وتسهيلها لهم. وكان سينزع سلاح أعدائه بسلاح مميت ويفوز بتعاطف جماهير الشيعة الذين شكلوا أكثر من 60٪ من سكان بغداد عشية الغزو.

وبإضافة الإهانة إلى الضرر سمح صدام حسين بشن حملة خطيرة عام 1995 تحت شعار الحملة الإيمانية حيث أطلق في ظل هذه الحملة عدد من رجال الدين السنة المتعصبين وشبه المتعلمين حملة نحو إحياء المعتقدات السنية القديمة وجعلها قلب الدولة. ولا يمكننا التفكير في مخطط أسوأ. إذ كيف يمكن للعراق الذي يديره فكر البعث العلماني وشعور الأغلبية الشيعية بإحساس شديد بالظلم اقتصادياً ودينياً أن يسمح بتحديد وظائفه من خلال حفنة من رجال الدين الوهابيين الذين يكرهون الشيعة بل يكرهون كل أهل الأرض وحتى أنفسهم؟

عندما يفقد زعيم ما دعم الجماهير من حوله فإنه سيجد صعوبة في الحكم. ولكن عندما يتم تحريض الجماهير ضده فإنه لا يستطيع الاعتماد عليهم عندما يتم غزوه. وهكذا عندما مرت الدبابات الأمريكية عبر بغداد في 9 نيسان/ أبريل 2003 شعر الكثير من الشيعة في بغداد أنها ليست معركتهم. كان فشل البعث في فهم حقائق العراق والتعامل معها بشكل صحيح هو السبب الرئيس لفشله في البقاء في السلطة في العراق عندما نجح رفاقهم عبر الحدود في سوريةا في مواجهة كل الصعاب وان اختلفت الظروف.

وللحديث صلة….

1 Statement by former NSC official Howard Teicher to the U.S. District Court, Southern District of Florida <http://www.webcitation.org/5flvP0UgC>

see also: <http://en.wikipedia.org/wiki/French_support_for_Iraq_during_the_ Iran_Iraq_war> and <http://en.wikipedia.org/wiki/British_support_for_Iraq_ during_the_Iran-Iraq_war>

2 Alnasraw, Abbas, op cit, p. 86

3 المصدر السابق.

4 Alnasrawi, Abbas, op cit, p. 100

5 المصدر السابق.

6 “But we have no opinion on the Arab-Arab conflicts, like your border disagree-ment with Kuwait. I was in the American Embassy in Kuwait during the late ‘60s. The instruction we had during this period was that we should express no opinion on this issue and that the issue is not associated with America. James Baker has directed our official spokesmen to emphasize this instruction….”<http:// has directed our official spokesmen to emphasize this instruction….”<http:// en.wikipedia.org/wiki/April_Glaspie>

7 <http://www.cvni.net/radio/e2k/e2k007/e2k07article.html>.

8 The Balfour Declaration http://www.mideastweb.org/mebalfour.htm

9 اعتقدت مجموعات مؤثرة من المخططين الصقور في السياسة الخارجية في واشنطن منذ السبعينيات من القرن الماضي أنه يجب على الولايات المتحدة من أجل ضمان هيمنتها العالمية أن تسيطر على الشرق الأوسط ونفطه.

Dreyfuss, Robert, ‘The Thirty-Year Itch’, Mother Jones, March-April 2003 <http://motherjones.com/politics/2003/03/thirty-year-itch>

10 كتابات ميشيل عفلق

For writings of Michel Aflaq, see:<http://albaath.online.fr/English/index-English. htm>

اترك تعليقاً


CAPTCHA Image
Reload Image