الفصل الثاني
من الملكية إلى الاحتلال
العراق من 1916 إلى 2003
نظرة عامة لتاريخ العراق السياسي في القرن العشرين
لا بد لنا من أجل الحصول على بعض الفهم لما حدث في العراق في نهاية القرن العشرين من أن نرى كيف تطور النظام السياسي الذي أدى إلى صعود حزب البعث.
ولعل نقطة البداية الواضحة هي الغزو البريطاني للعراق أثناء الحرب العالمية الأولى. كانت بريطانيا تدرك جيداً سخط العرب على الحكم العثماني خاصة أنه أصبح حكماً قومياً تركياً أكثر منه إسلامياً. وظهر العداء بين القومية العربية والحكم العثماني عندما قام جمال باشا، الحاكم العثماني والقائد العام في سوريا (بما في ذلك فلسطين) من 1915 إلى 1917 بإعدام أحد عشر شاباً عربياً بارزاً من المسلمين والمسيحيين في دمشق وبيروت في 21 آب/ أغسطس 1915 كما أعدم في 6 أيار/ مايو 1916 سبعة رجال في دمشق وثلاثة عشر رجلاً في بيروت 1 بتهمة الفتنة. وعندما صار من الواضح أن الحكم العثماني يقترب من نهايته بدأت بريطانيا تبحث عن حلفاء داخل العالم العربي. وكان من غير المتصور أن تعتمد بريطانيا على القوميين العرب في سوريا الكبرى لأن رغبتهم في تخليص العالم العربي من أي نوع من الاحتلال أو الهيمنة الأجنبية كانت واضحة. ولاحظت بريطانيا في حسين بن علي شريف مكة أداة جيدة بدعوى أنه من نسل النبي محمد (ص) وكان لديه بعض الطموح في أن يصبح حاكماً. وقد وعده البريطانيون في الاتصالات التي تلت ذلك بين حسين وماكماهون2 بأرض عربية مستقلة بمجرد انحيازه ضد العثمانيين. وقام حسين بتعبئة الناس في العالم العربي ضد الحكم العثماني وأعلن في 10 حزيران/ يونيو 1916 تمرداً ضدهم. وبالرغم من أن حجم العمليات التي قام بها أتباع حسين لم تكن كبيرة إلا أنها كان لها تأثير معنوي كبير على العثمانيين. ولم يكن الشريف حسين يدرك أنه لم تكن في نية البريطانيين الوفاء بهذه الالتزامات. وصاغ البريطانيون بالتزامن مع تلك المراسلات مع حسين اتفاقية سايكس بيكو مع الفرنسيين لتقسيم العالم العربي بينهما. وكان الصهاينة إلى جانب ذلك يقتربون من طموحهم في ضمان وعد إعطاء فلسطين لهم والذي تحقق في نهاية الأمر بإعلان بلفور لعام 1917 3 .
كان كل المشرق العربي بحلول عام 1918 وباستثناء شبه الجزيرة العربية تحت الاحتلال العسكري. وأجبر الشريف حسين على الفرار إلى قبرص ثم انتقل للعيش في عمان شرق الأردن حيث كان ابنه عبد الله قد نصب ملكا4 وتوفي هناك عام 1931 فقيراً ويعاني من الكآبة. لم يكن من قبيل المصادفة انه على الرغم من أن فرنسا منحت معظم سوريا الكبرى في اتفاقية سايكس بيكو إلا أن بريطانيا احتفظت بفلسطين. وسبب ذلك هو أن الصهاينة الذين كانت لندن دائماً عاصمة لهم ضمنوا أن مستقبل فلسطين قد تقرر بأيديهم ولن يخضع لجيب صهيوني صغير لا يمكن التنبؤ به في فرنسا. وكان القرار هو منح كل فلسطين لليهود ولهذا تم إنشاء كيان سياسي جديد باسم إمارة شرق الأردن على الضفة الشرقية للنهر كان يتوخى منها أن تصبح للفلسطينيين بمجرد أن يصبح اليهود أغلبية في فلسطين.
أراد المستعمرون الجدد أن يبدو الأمر وكأنهم يظهرون تعاطفهم مع المشاعر العربية وأنهم يكافئون دعمهم لهزيمة العثمانيين المسلمين. وهكذا عينوا فيصل بن حسين ملكاً في سوريا وعبد الله بن حسين أميراً على شرق الأردن. وحقق هذان التعيينان هدفين. فقد أظهرا بعض الامتنان لتمرد حسين على العثمانيين أولاً، وثانياً والأهم من ذلك أكدوا أن فيصل وعبد الله اللذين أحضرا من الحجاز سيعتمدان على البريطانيين لبقائهما وحكمهما. وسرعان ما رفض السوريون فيصل لكن البريطانيين عدوه على الفور مرشحاً جيداً لحكم العراق. وأصبح فيصل الأول في 23 آب/ أغسطس 1921 ملكاً على العراق بموجب إملاء بريطاني مع أن الحاكم الحقيقي للعراق بقي “بيرسي كوكس“ 5.
لا يمكن لدارس التاريخ أو العلاقات الدولية إلا أن يوازن بين ما حدث في العراق خلال الغزوتين في بداية القرنين العشرين والحادي والعشرين. وقد أخبرونا أن الغزوتين تمتا لتحرير العراقيين دون أن يتم إخبارنا ما إذا كان العراقيون قد طلبوا تحريرهم أم لا! فقد وضع الغزو الأول العراق تحت إملاء الكابتن البريطاني بيرسي كوكس بينما جعل الغزو الثاني العراق شركة يديرها السفير الأمريكي بول بريمر. حكم الرجلان بمراسيم لا تعير اهتماماً لأي شيء إسلامي أو عراقي وكانت جميع التشريعات باللغة الإنجليزية وترجمة عربية ويعول على النسخة الإنجليزية إذا حدث خلاف. وضعت عصبة الأمم التي كان يهيمن عليها التفكير الاستعماري بعد الغزو الأول عام 1916 العراق تحت “الانتداب“ البريطاني والتي كانت الكلمة اللطيفة لوصف الاحتلال. وسمحت الأمم المتحدة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة باحتلال العراق وحكمه في أعقاب الغزو الثاني لعام 2003 وفقاً للهيمنة الاستكبارية السرية منذ زوال الاستعمار المفتوح. وأنتجت كل من الغزوتين دستوراً جديداً للعراق قيل انه يعكس إرادة الشعب العراقي. فقد قام بيرسي كوكس في عام 1920 بتعيين جمعية تأسيسية وفي عام 2003 عين بول بريمر مجلس حكم. واستغلت كلتا الغزوتين الانقسام الطائفي بين عرب العراق لتعزيز سيطرته على البلاد. ونتجت عن كل من الغزوتين معاهدات تركت العراق بسيادة محدودة ووضع قوات أجنبية غير محدد في أرضه. ونتجت عن الغزوتين اتفاقيات مفروضة اغتصب فيها المحتل نفط العراق. ولم تتغير حتى التحالفات والولاءات إلا قليلاً. وهكذا انحاز أحفاد علي سليمان الزعيم العشائري في الأنبار الذي انحاز إلى البريطانيين في عشرينيات القرن الماضي إلى الغزاة عام 2003 في حين أن حارث الضاري حفيد الشيخ ضاري الذي قتل العقيد جيرارد ليتشمان في عام 1920 قاد قوة قوية حركة المعارضة. ويمكن باختصار للمراقب أن يستنتج بسهولة أن الأحداث منذ عام 2003 تظهر تشابهاً ملحوظًاً مع أحداث أوائل القرن العشرين. ويبدو الأمر كما لو أن العراق لم يقطع ثمانين سنة من النضج السياسي. ولا يبدو كذلك أن السياسيين العراقيين ولا الغزاة الأنجلوسكسونيين تعلموا دروس التاريخ6.
تتعاون الأقليات السياسية أو الجماعات المضطهدة عادة مع الغزاة وحتى هذه الأقليات تتكون من أقليات أصغر يتعاون كل منها لسبب مختلف لكنها جميعها تفتقر إلى المبادئ بدرجات متفاوتة. ويقف في أسفل سلم المتعاونين أولئك الذين يتطلعون إلى السلطة أو المال أو المركز الاجتماعي الذي لم يكونوا ليكتسبوه أبداً في الظروف العادية. وتوجد مجموعة أخرى من المتعاونين من أولئك الذين عانوا من النظام الحاكم وهم على استعداد للسعي للانتقام بأي ثمن. وهناك البعض من بين المتعاونين يسعون حقاً لصلاح شعبهم لكنهم بسبب إحساسهم بالنقص يعتقدون أن التعاون مع الغزاة سيؤدي إلى أوقات أفضل.
فنرى أن نوري السعيد 7 الذي كان مع ياسين الهاشمي أبرز لاعبين سياسيين عراقيين في النصف الأول من القرن العشرين من هذه الفئة الأخيرة. كان نوري السعيد رئيس وزراء العراق ثماني مرات بين عامي 1930 و1958 عندما قتل بشكل مأساوي على بعد حوالي 50 متراً من مكان إقامتنا 8. وحتى حين لم يكن رئيساً للوزراء فإنه كان يمتلك من السلطة ما يسمح لنا بالاستنتاج بأنه كان الحاكم الحقيقي للعراق لما يقرب من 30 عاماً. ومن الضروري التوقف هنا والتفكير في حقيقة واحدة مهمة تتعلق بنوري السعيد. فقد ولد هذا الرجل كردياً وتلقى تعليمه كتركي. لقد أرهقتنا وسائل الإعلام الغربية غير الواعية أو السيئة النية بالكثير من الدعاية حول اضطهاد الأكراد في العراق حتى أصبحت شبه حقيقة وشعاراً. سوف نتناول هذه الحملة الباطلة في الكتاب لاحقا ولكن يجب التأكيد هنا على أن ليس من الممكن للدولة التي اضطهدت وقمعت الأكراد طوال تاريخهم أن يكون لديها حاكم كردي لمدة ثلاثين عاماً. ولم يكن نوري في الواقع رئيس الوزراء العراقي غير العربي الوحيد في معظم الوقت بين عامي 1921 و1958 بل كان هناك العديد من الآخرين. ومن أبرزهم: جعفر باشا العسكري وهو تركماني (1887-1936) وناجي شوكت وهو تركي قوقازي (1893-1980) 9 وحكمت سليمان وهو تركماني (1889-1964)10 وأحمد مختار بابان وهو كردي (1900–1976) 11 وضباط كبار في الجيش ووزراء أكثر من أن يعدوا. والعراق في الواقع يشبه إلى حد كبير بريطانيا حيث كان الإسكتلنديون مثل الأكراد يحتلون عادة عدداً أعلى من المناصب في الحكومة من النسبة المئوية من الأمة التي كان يحق لهم توليها لو كان هناك أية نية للمحسوبية الوطنية.
حكم نوري السعيد
تخرج نوري السعيد ضابطا في الجيش عام 1906 وخدم في الجيش العثماني. وعلى الرغم من أنه شهد ولادة الحركات الوطنية التركية إلا أنه لم يكن قط قومياً عربياً بل على العكس كان يعارض الحركة كما هو واضح خلال سنواته الأخيرة في السلطة. واعتقد نوري مثل خليفته اللواء قاسم أن العراق يجب أن يكون معزولاً عن تأثير حركة القومية العربية التي كانت تجتاح الشرق الأوسط. وكان كلاهما في رأينا مخطئاً بشكل واضح. وحين رأى نوري زوال الإمبراطورية العثمانية الحتمي وقف إلى جانب الفائز من أجل تحقيق طموحه المبكر لحكم العراق. وعلى الرغم من أنه كان مؤيداً للغرب وكان بحاجة إلى البريطانيين لدعم حكمه إلا أنه أكد استقلاليته في حدود المعقول. وكان أحد الأمثلة على ذلك هو اللقاء الحاد بين نوري والسفير البريطاني في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بشأن طلب أسلحة جديدة12. ويمكن تلخيص إرث نوري السعيد في العراق في أربعة تطورات شكلت الحياة السياسية للعراق خلال النظام الملكي وما بعده وعادت إلى السطح مرة أخرى بعد عام 2003. وكانت هذه: المعاهدة مع بريطانيا ومنح النفط العراقي للبريطانيين وإنشاء حلف بغداد وإنشاء الاتحاد الهاشمي مع الأردن.
قد يكون من الأسهل النظر في كيفية رد فعل نوري على كارثة فلسطين وصعود جمال عبد الناصر لفهم موقفه من القومية العربية وما أدى ولو بشكل جزئي إلى نهايته هو. فلم تكن لدى نوري مثل الكثير من العرب الاستكباريين الموالين للغرب، سواء كانوا متعلمين أو على دراية عالية مثل الدكتور فاضل الجمالي13 أم بدائيين وجاهلين مثل عبد العزيز بن سعود، مشكلة مع الصهيونية السياسية. لكنهم تمنوا بل وحاولوا في بعض الأحيان إقناع رعاتهم الغربيين بتهدئة طموحات الصهاينة إن لم يكن لإطالة بقائهم السياسي الخاص فمن أجل بيع مفهوم التعايش للجمهور العربي. ويقال إن العراق مثله في مؤتمر بلودان الذي عقد في أيلول/ سبتمبر 1937 بشأن فلسطين معتدلون مثل توفيق السويدي ونوري السعيد14. (عندما يشير كتاب غربيون إلى المعتدلين في إشارة إلى العرب فذلك يعني أولئك الذين يوافقون الصهيونية و/ أو الهيمنة الغربية). وقع نوري في عام 1930 وخلال فترة ولايته الأولى كرئيس للوزراء على المعاهدة الأنجلو عراقية التي منحت بريطانيا حقاً غير محدود في وضع قواتها المسلحة في وحدات عسكرية وحق مرورها عبر العراق كما أعطت البريطانيين السيطرة الكاملة على نفط البلاد.
كان المظهر الثاني لرفض نوري القومية العربية هو في معارضته لجمال عبد الناصر قائد مصر. فقد جسد ناصر تطلعات جيل الشباب العربي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى الحرية والاستقلال الوطني وشكل من أشكال العدالة الاجتماعية رافضين في الوقت نفسه الفساد في وسطهم. وكانوا في الغالب مناهضين للشيوعية ولكن السياسات الغربية أجبرت معظمهم على طلب الدعم السوفييتي. ولم يتحول ناصر بهذه الطريقة إلا بعد أن رفض الغرب تمويل سد أسوان العالي الحيوي ورفضه أيضاً تزويد الجيش المصري بالأسلحة اللازمة. وعندما عرض الروس المساعدة قبلها بينما كان يحظر في الوقت نفسه أي نشاط للحزب الشيوعي المصري.
تجسد نفور نوري من ناصر وقوميته العربية إلى جانب نوادر مثل تلك التي دعا فيها أنطوني إيدن لمهاجمة مصر بعد تأميم قناة السويس15 في عمليتين وهما إنشاء حلف بغداد والاتحاد الهاشمي. كانت الثورة المصرية في 23 تموز/ يوليو 1952 علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط وكان ناصر وجماعته من الضباط المصريين الشباب والثوريين مصممين في البداية على تخليص مصر من الفساد المنتشر وبناء مجتمع عادل اجتماعياً. وحتى لو لم يكن ناصر وزملاؤه قوميين عرب عشية 23 تموز/ يوليو 1952 فإنهم سرعان ما أصبحوا كذلك. هز النداء، وصداه في جميع أنحاء العالم العربي، العديد من القادة الموالين للغرب مثلما هز رعاتهم في الغرب. كان نوري عازماً على إقامة حلف خاص به ليس لأنه كان يعد إسرائيل العدو الرئيس16 بل بالأحرى لغرض معارضة مشروع القومية العربية والتي اعتبرها التهديد الرئيس لسلطته ومصالح الغرب. وبعد سلسلة من المفاوضات والإقناع وقع هو وعدنان مندريس رئيس وزراء تركيا في 23 شباط/ فبراير 1955 على المعاهدة التركية العراقية للتعاون المتبادل والتي عرفت لاحقاً رسمياً باسم “حلف بغداد“ بعد انضمام المملكة المتحدة وباكستان وإيران إليها. وكان الدافع وراء الحلف التركي– العراقي وفقاً لأحد تقارير وزارة الخارجية الأمريكية هو الرغبة في “تعزيز الاتحاد العراقي – السوري من خلال إدخال سوريا في الميثاق التركي العراقي“ 17 لكن حلف بغداد لم ينجح في تحقيق ذلك لأن اتفاق الوحدة بين سوريا ومصر الذي عقد في شباط/ فبراير 1958 وحضي بدعم شعبي حول أحلام نوري إلى رماد.
بلغت حركة القومية العربية ذروتها بين 1956-1961 أي الفترة بين عملية السويس الفاشلة، عندما اتفقت بريطانيا وفرنسا على أنه يجب على إسرائيل مهاجمة مصر حتى يتمكنوا هم أنفسهم من استخدام هذا ذريعة لمهاجمة مصر وإسقاط ناصر واستعادة قناة السويس، وبين عملية الانفصال بين سوريا ومصر. وعد الجمهور العربي فشل الاستكباريين الغربيين ومحميتهم إسرائيل أول انتصار على الغزاة الخارجيين منذ نهاية الحروب الصليبية. وعدت الجماهير العربية الاتحاد بين مصر وسوريا إدراكاً في أن العرب قادرون بعد ثمانية قرون من تعرضهم للانقسام والغزوات والاحتلال على الوحدة الحقيقية على عكس المنظمات الزائفة مثل الجامعة العربية التي تم إنشاؤها من قبل البريطانيين للحفاظ على الانقسام.
كان ناصر كل شيء لم يكنه نوري لكنه تمنى أن يكونه. كان ناصر يمتلك جاذبية الزعيم بينما كان نوري يشبه سفاحاً بغدادياً يعلق مسدسين في سرواله وتحيط به عصابة من السفاحين18. كان ناصر خطيباً متمكناً يمكن أن يفتن الناس عندما يتحدث بينما كان نوري متحدثاً سيئاً بحيث أنه لم يكن يستطيع حتى القراءة جيداً من نص معد. ولكن الأهم من ذلك هو أن نوري لم تكن لديه قضية يمكن للناس أن يرتبطوا بها. لم تكن وجهة النظر القائلة بأن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو إقامة تحالفات مع المستعمرين ستحصل على قبول جيد. كان الشعب قد مل من الهيمنة الأجنبية ويريد التغيير. وكانت لناصر من جهة أخرى قضية يمكن أن يتعرف عليه الناس – الانتقال من نظام القهر القديم إلى عالم من الإرادة الحرة والاختيار الحر وهو أمر متناغم تماماً مع الطبيعة البشرية.
وبينما كان السوريون والمصريون يستعدون لإعلان الوحدة بين دولتين نجح نوري في إقناع الملكين أبناء العمومة في العراق والأردن بالدخول في اتحاد فضفاض باسم الاتحاد الهاشمي. وتم الإعلان عن تشكيل هذا الاتحاد في 14 شباط/ فبراير 1958 ووقع الملكان على الاتفاق في 19 أيار/ مايو 1958 وسمي نوري السعيد أول رئيس وزراء للاتحاد19.
انتقل نوري وهو نتاج النظام العثماني إلى جانب البريطانيين وطلب من العراقيين أن يتبعوه لأنه كان أفضل من يعرف. لم يكن لموقفه شرعية كبيرة فقد رفضه الإسلاميون لوقوفه مع الكفار ضد إخوانهم المسلمين. وأراد غير الإسلاميين – نحن نتردد في استخدام مصطلح علماني لأنه لم يكن هناك عراقيون علمانيون – الحرية من الهيمنة الأجنبية تحت أي مسمى. ولم يستطع نوري حتى تشكيل حزب سياسي مناسب ليكون بمثابة قاعدته لكنه قمع كل المعارضة السياسية من الشيوعيين إلى البعثيين. ولا يبدو أن الحزب الوطني الديمقراطي الموالي للغرب كان يعجبه.
إن الشيء الجيد الوحيد في النظام السياسي الغربي هو قدرته على ضمان التبادل السلمي للسلطة بين مختلف الأحزاب والقيادات المختلفة. ويبدو أن السلطة تجلب بنجاحها إحساساً بالعظمة يعمي بمرور الوقت رؤية الحاكم ويشوش إدراكه وفهمه. فقد أخبر نوري السعيد مستمعيه العراقيين في خطابه الأخير الذي ألقاه قرب نهاية ربيع عام 1958 وقبل سقوطه ببضعة أسابيع فقط أن يناموا بشكل سليم لأنه على حد تعبيره: “دار السيد مأمونة“. وبعد بضعة أسابيع فقط تم جر جثته عبر شوارع بغداد.
للحديث صلة…..
1 Beirut’s catastrophes, past and present http://www.yabeyrouth. com/pages/index368.htm,
2 Hussein- McMahon Communications http://www.mideastweb.org/mcmahon.htm
3 Balfour Declaration<http://en.wikipedia.org/wiki/Balfour_Declaration_of_1917>
4 Hussein bin Ali, Sharif of Mecca<http://en.wikipedia.org/wiki/Hussein_bin_ Ali,_Sharif_of_Mecca.
5 عبد الحق العاني، “محاكمة صدام حسين – غزو العراق وبداية الربيع الصهيوني للعرب“، دار أمجد للتوزيع، عمان
“كان السير بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق بعد الحرب العالمية الأولى والذي قام عام 1922 برسم الخطوط في رمال الصحراء محدداً لأول مرة الحدود الوطنية بين الأردن والعراق والكويت والعربية السعودية. وساعد البريطانيون في كل من هذه الدول الحديثة على تأسيس ودعم الملكيات الحاكمة مما مكن طريق المصارف والشركات التجارية وشركات النفط البريطانية للحصول على الاحتكارات. لكن الكويت كانت ولقرون عديدة جزءاً من ولاية البصرة داخل الدولة العثمانية فلم يقبل العراق والعراقيون أبداً بالحدود التي رسمها كوكس. ويؤكد المؤرخون أنه رسم هذه الحدود ليحرم العراق متعمداً من ميناء بحري صالح على الخليج الفارسي. راجع فيليب أغي:
“Producing the Proper Crisis”, http://www.serendipity.li/cia/agee_1.html“
6 Fisk, Robert, Iraq, 1917, http://www.globalpolicy.org/component/content/article/169/36413.html
7 http://en.wikipedia.org/wiki/Nuri_al-Said
8 غادر نوري منزله على متن قارب بمجرد أن سمع بالاضطراب وقبل أن تتمكن أي وحدة من الوصول إليه. وصل إلى منزل عائلة الاسترابادي في الكاظمية وبقي طوال اليوم على أمل أن يأتي أطراف حلف بغداد لإنقاذه. قرر في اليوم التالي البحث عن مخرج من العراق وفكر في الذهاب إلى إيران عبر محافظة العمارة في جنوب شرق العراق. ذهب برفقة امرأة ترتدي عباءة إلى منزل محمد العريبي في حي البتاوييين على الضفة الشرقية لنهر دجلة. كان محمد العريبي شيخ إلبو محمد وهي عشيرة معدان كبيرة جداً في العمارة وعضواً في مجلس النواب. كنا نعيش في نفس الطريق مقابل منزل العريبي. ومع ذلك عندما دق الجرس قيل له إن الشيخ ليس في المنزل. وسواء عرفوه أم لم يعرفوه إلا أنهم لم يروه كرم الضيافة. ذهب شرقا حتى نهاية الطريق. انعطف يساراً ثم انعطف يسارا مرة أخرى إلى طريق آخر على بعد نحو خمسين متراً يمر بالمدرسة الابتدائية المحلية. في نهاية الطريق لاحظ أحدهم بيجامة تخرج من تحت العباءة وتعرف عليه. قام رقيب بالجيش العراقي أثناء مروره بإطلاق النار عليه. وتم في وقت لاحق في 15 يوليو 1958 سحب جثته في شوارع بغداد.
9 Naji Shawkathttp://en.wikipedia.org/wiki/Naji_Shawkat
10 Hikmat Sulayman <http://en.wikipedia.org/wiki/Hikmat_Sulayman>
11 Ahmad Mukhtar Baban http://mobdii.org/pdfs/15/58111230289650pdffile. pdf
12 أصر الفريق عمر علي الضابط الكردي الذي قاد الفوج العراقي في فلسطين عام 1948 حتى وفاته على أن البريطانيين تآمروا للإطاحة بنوري. وفيما يلي سرد لتفسيره كما أخبرني به ابنه. أراد نوري أسلحة جديدة وخطيرة للجيش العراقي لكن البريطانيين كانوا مترددين. وألمح إلى أنه قد يبحث عنها من مصادر أخرى لكن البريطانيين لم يأخذوا تهديده على محمل الجد. وحدث في وقت ما في ربيع عام 1958 جدال ساخن مع السفير البريطاني في بغداد في مكتب الأخير. كان نوري غاضباً من الرفض البريطاني وضرب بيده على طاولة السفير وغادر الغرفة وهو يقسم أنه ذاهب إلى مكان آخر للحصول على السلاح مما يشير بوضوح إلى الولايات المتحدة. لكن المملكة المتحدة مهما كانت قريبة من الولايات المتحدة فإنها لم تكن لتتخلى عن العراق. وكان هذا كما أصر عمر علي طوال حياته هو السبب في أن البريطانيين أمروا ضباطاً في الجيش العراقي بتنظيم انقلاب تموز/ يوليو 1958 وهذا ما يفسر وفقا لعمر علي لماذا قوبل طلب أعضاء حلف بغداد بالتدخل بالرفض من قبل بريطانيا.
13 Muhammad Fadhel al-Jamalihttp://en.wikipedia.org/wiki/Muhammad_Fad-hel_al-Jamali
14 Simon, Reeva S., Iraq between The Two World Wars, Columbia University Press, New York 1986, p. 67.
15 كان نوري السعيد في لندن في تموز/ يوليو 1956 عندما أعلن ناصر تأميم القناة. نصح نوري رئيس الوزراء إيدن على الفور بأن “لديك مسار عمل واحد مفتوح فقط وهو الضرب والضرب الآن والضرب بقوة“. ودعا نوري بعد شهر مرة أخرى إلى عمل بريطاني قوي مع تحديد قضية السويس على أنها “مسألة حياة أو موت للغرب وكذلك لعبد الناصر“. وردد قادة عراقيون آخرون آراء نوري العدوانية حيث حث أحدهم البريطانيين على “إدماء أنف” ناصر وذكر آخر أن “جوهر الأمر هو ما إذا كانت حكومة جلالتها مصممة وقادرة على إسقاط ناصر في غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً.” مقتبس في in James P. Jankowski, Nasser’s Egypt, Arab nationalism, and the United Arab Republic, Lynne Rienner Publishers, London, 2001, p. 84.
16 Seale, Patrick, The Struggle for Syria: A Study of Post-war Arab Politics, 1945-1958, 2nd edn., London, 1987, pp. 199-201.
17 Yesilbursa, Behcet Kemal, The Baghdad Pact: Anglo-American Defence Policies in the Middle East, 1950-1959., Frank Cass, London, 2005, p. 90.
18 Simon, Reeva S., op.cit., p. 63.
19 http://en.wikipedia.org/wiki/Arab_Federation