رحم الله الجواهري الذي قال:
لي عتاب على بلادي شديد
وعلى الأطيبين جد شـديـد
عشت في عمان سنوات فعرفت أهلها من أصدق العرب في انتمائهم حتى تمنيت لو أنهم استبدلوا لي جواز سفر عماني بجواز سفري العراقي. وكنت أعرف حتى قبل ذهابي، وهو السبب الذي جعلني أعمل في عمان وليس في أي بلد خليجي آخر، أن شعب عمان هو الشعب الوحيد بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي ثار أهله على الصهيونية البريطانية فلم يكتسب أهله الحرية بتنصيب الصهاينة لحكامه. ووجدت مصداقا لعروية أهل عمان أني كان مرحبا بي أينما حللت لأني من شعب “صدام حسين” والذي يفخر به أكثر العمانيون، برغم عجب اصحابي العراقيين، لأنه كان لهم مثلاُ لتحدي الأمة العربية لأعدائها، ذلك التحدي الذي يبحث عنه كل عربي مستضعف لا حيلة له. ولم أكتشف سراً حيت حدثني أكثر من عماني كريم، وبمرارة، عن القواعد الصهيونية في أرض عمان العربية.
ثم بدأت دول مجلس التعاون الخليجي بالكشف عن وجهها الحقيقي في أنها نظم متحالفة مع الصهيونية تنتظر الوقت الملائم للإفصاح عن ذلك ووضعه موضع التنفيذ، والذي أمكن سهولة القيام به بعد إسقاط الصهيونية لنظام البعث في العراق والبدء بتخريب نطام البعث في سورية لأنهما النظامان السياسيان اللذان كانا يقفان مع الأمة العربية في مواجهة الهجمة الوجودية عليها. وكان سلطان عمان، كعادة العمانيين في التأني في كل شيء، بطيئا وهو يراقب الوضع الداخلي قبل الخارجي. لذلك كان قيام عمان بفتح مركز تجاري لدولة إسرائيل قصير العمر بسبب رفض الشارع العماني، وعلى الأخص نخبة المتعلمين، لذلك.
لكن السلطان قابوس أراد أن يختم حياته السياسية، والتي يعتز بها أكثر العمانيين بوجه حق، بعمل لا يحمل أي مجد، حين دعى رئيس وزراء إسرائيل، والذي كان قد أمر بقتل مئات الفلسطينيين وتشريد الآلاف، لتدنيس مسقط.
يومها شعرت أن أصدقائي في عمان كان لسان حالهم يقول ما قاله ابو الطيب قبل ألف عام:
أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا
فلا أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
وجاء السلطان هيثم وطمعت، وطمع معي عرب كثيرون بمن فيهم إخوتي في عمان، أن يوقف هذا التهالك في تكريم العدو الصهيوني الذي يقتل أبناءنا كل يوم ويستبيح كل الحرمات. لم أكن أتوقع أن يظهر هيثم عداءه الصهيونية لأن هذا غير مسموح به في دول مجلس التعاون الخليجي. لكني تمنيت أن يلزم الصمت كما فعلت عمان لعقود. وحيث إنه ليس مطالبا بسبب الوضع الداخلي أو الخارجي أن يفعل شيئا فالصمت اصدق حال.
لكننا فوجئنا بالأمس باعلان عماني إسرائيلي بأن سلطنة عمان العربية سمحت رسميا للطيران الإسرائيلي بالتحليق في أجواء هذا الجزء العزيز من أرض العرب. وقد يقول قائل وماذا في هذا الأمر البسيط؟ وقد يكون بسيطا في تنفيذه لكنه عميق في مدلوله وتوقيته. فعمان غير ملزمة أن تقدم بالمجان شيئا لمن يقتل الأبرياء العزل من العرب، فلماذا تعطيهم هذا إذا لم يكن جزءاً من مشروع التوسع في تطبيع العلاقات وصولا للإعتراف الرسمي كما فعل النظام المصري والأردني والبحريني والإماراتي والسوداني والمغربي!
أما توقيته فقد تم في اليوم الذي أعقب مجزة نابلس الأخيرة والتي قتل وجرح فيها العشرات بأمر ذلك الجلاد الذي دنس مسقط نفسه. كما ان الإعلان جاء بعد زيارة الرئيس بشار الأسد واجتماعه بالسلطان هيثم وذلك في محاولة رخيصة لمنع إنتقاد العرب من أصدقاء سورية لذلك الإعلان بسبب أن هيثماُ يظهر عطفاً مع سورية ويسعى لعودتها للجامعة العربية. إن أصدقاء سورية من العرب يفضلون أن تبقى سورية خارج الجامعة العربية إذا كان ثمن عودتها التطبيع مع إسرائيل.
فلماذا يا عمان العرب؟
حفظ الله عمان وأهلها.
عبد الحق العاني
لندن في 24 شباط 2023