إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
قل: هو القَطّاع الصناعي
ولا تقل: هو القِطاع أو القُطاع الصناعي
كتب الدكتور مصطفى جواد: “وذلك لأن القطّاع من اصطلاحات الهندسة القديمة وقد استعير للتقسيمات الإقتصادية باعتبار أن مجموع الإقتصاد دائرة والقطّاع يقطع جزءاً منها ويفرزه. قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي الكاتب من أهل القرن الرابع للهجرة: “الشكل القطّاع – بفتح القاف وتشديد الطاء – قطعة من دائرة، راسها اما على مركزها واما على محيطها مثل هذين الشكلين.”
وهذه التسمية من باب تسمية الكل بالجزء كما قالت العرب “الحائط” للبستان مع أن الحائط هو جداره، وكما سمى العصريون عدة أشياء بالمِنطقة من غير أن يشترطوا الإستدارة في الشيء المسمى وذلك خطأ قبيح لأن المِنطقة كالحزام فتستعمل للإستدارة لا للإنبساط، فقولهم “المِنطقة الإستوائية” من الأرض صحيح، لأن الخط دائر مع خط الإستواء كالنطاق وإن كان متصوراً وقولهم “المِنطقة المحرمة” من البلاد خطأ لأنها لا استدارة فيها.
أما القِطاع آلة القطع أو طائفة من الليل والدراهم فلا محل بها في إرادة هذا المعنى.”
وهكذا يتضح أن المذيع الذي ما ينفك يقول “قِطاع غزة” يخطئ لأنه يقول إنه يتحدث عن آلة قطع في غزة في الوقت الذي يىريد بها ذلك الجزء من فلسطين الذي يشكل قَطَّاعاً من دائرة فلسطين الكبرى يسمى غزة. فلماذا لا يستعمل الكلمة الصحيحة وهي سهلة ومعروفة؟
قل هذا هو المشهد السياسي المحتمل
ولا تقل هذا هو السيناريو السياسي المحتمل
وشاع استعمال كلمة “سيناريو” الأعجمية بين الكتاب والمحللين حتى لا تكاد تسمع خبرا سياسيا أو تعليقاً إلا وتذكر فيه الكلمة وكأنها من فصيح لسان العرب أو كأن العرب في السابق لم تشعر بحاجة للتعبير عن ما تعنيه العبارة حتى ذهب أبناؤنا للتعلم في الغرب فتعلموا الكلمة وأدخلوها لغتنا.
والكلمة الدخيلة على العربية هي الإنكليزية (Scenario) والتي أستعملت لأول مرة في الإنكليزية عام 1878 مأخوذة عن الإيطالية باللفظ ذاته والتي هي بدورها مأخوذة عن الكلمة اللاتينية (scenarius) وتعني (مشاهد مسرح). وهكذا يبدو واضحاً أن الكلمة لم تستعمل في الإنكليزية أو الإيطالية أو اللاتينية الأم إلا بمعنى “المشهد”. فما الذي يلجئنا لأن نعدل عن الكلمة العربية السليمة التي تعطي المعنى بالكامل إلى كلمة أعجمية ثقيلة على السمع.
قل: هذا هو المشهد السياسي المرتقب في مصر.
قل: لِدوا وتَوالَدوا
ولا تقل: ألِدوا وتَوالَدوا
كتب الصفدي: “ويقولون: قال النبيُّ عليه السلام: (ألِدوا وتَوالَدوا). والصواب: لِدوا.
قلت: ومنه قول الشاعر:
لِدوا للمَوْتِ وابْنوا للخَرابِ”
(ملاحظة: هذا شاهد واضح على عدم الأمانة في نقل الحديث أو التأليف واختلاق الحديث ونسبه للرسول الكريم (ص) وما أكثره في الحديث المنسوب.)
قل: نَعَشَه اللهُ
ولا تقل: أنْعَشَه اللهُ
كتب الصفدي: “ويقولون: أنْعَشَه اللهُ. والصواب: نَعَشَه اللهُ، أي رفَعَه، قال الشاعر:
كم فقيرٍ نعَشْتَهُ بعدَ عُدْمٍ
ويتيم جَبَرْتَه بعدَ يُتْـمِ
قلت: وبذلك سُمّي النّعْش نَعْشاً لرفع الموتى عليه.”
قل: أُفْلِتُّ من كذا
ولا تقل: انْفَلَتُّ من كذا
كتب الصفدي: “تقول العامة: انْفَلَتُّ من كذا. والصواب: أُفْلِتُّ. قلت: يريد ضم الهمزة وسكون الفاء وكسر اللام.”
قل: المال بين زيد وعمرو
ولا تقل: المال بين زيد وبين عمرو
كتب الصفدي: “يقولون: المال بين زيد وبين عمرو، بتكرير لفظة بين. والصواب أن يقال: بين زيد وعمرو، كما قال تعالى: “مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ”، والعلة فيه أن لفظة بين تقتضي الاشتراك، فلا تدخل إلا على مثنّى أو مجموع كقولك: المال بينهما والدار بين الإخوة. فأما قوله تعالى: “مُذَبْذَبينَ بينَ ذلك” فإنّ لفظة ذلِك تؤدي عن شيئين، ألا ترى أنك تقول ظننتُ ذلِك، فتقيم لفظ ذلك مقام مفعولَيْ ظننتُ.”
قل: شتان ما هما
ولا تقل: شتان ما بينهما
كتب الحنفي: “قال الجوزي: العامة تقول: شتّانَ ما بينهما. والصواب: ما هما.”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
15 شباط 2023