تَصَدَّعَتْ دارُنا واغْرَوْرَقتْ مُقَــلُ
فكيفَ؟ كَيفَ نَصيفُ النَّفسِ يَرْتَحلُ
وكَيفَ أقْوى عَلى بُعْـدٍ يُنازِعُني
حُبُّ البَقاءِ، وَشَوْقٌ أنَّني أصِلُ
وكُنْتُ طَمْأنتُ نَفسي في مُحاوَرةٍ
لا شَكَّ قَبلكَ يَوماً سَوفَ أنْتَقِـــلُ
لكِنْ سَبقْتَ، كَما في كُلِّ مَكْرُمَةٍ،
عِندَ الكَريهةِ أنتَ السَّابِقُ الرَّجُلُ
هَلْ أنْهكَ الدَّاءُ مَصدُوراً فأقْعَدَهُ
وظَلَّ ذِهنُكَ، رَغْمَ الدَّاءِ، يَكتَمِـلُ
أمْ زرْتَ هَاشِمَ مُشْتاقاً على عَجَلٍ
ومَنْ يُحِبُّ فلا يُزري بِهِ عَجَـــلُ
وكانَ زَهْو شَبابٍ في نَواظِرِنا
لِقُــرَّةِ العَينِ في أجفانِنا نُـــزُلُ
وحِينَ غادَرَنا صَبَّرتَ قانِطنا
فكَنتُ أسألُ نَفسي: كَيفَ يَحْتمِلُ
رَحماكَ يارَبّ إنّي لَستُ مُشتَكياً
ولا على سَـــنَدٍ إلّاكَ أتَّــــكِلُ
لكِنْ فَقَدْتُ الذي لا شَيءَ يَعْدِلُهُ
وكيفَ يُــعْدَلُ مَنْ لا مِثْلُهُ بَــدَلُ
كانَ العَفيفَ إنْ اشْتَدَّتْ خَصَاصَتُهُ
لا يَسْألَنَّ لكي لا يَفْضَح الخَجَـــلُ
في زُهْدِهِ طّلَّقَ الدُّنيــا وزُخْرفَها
كَجَــــدِّهِ وبَنيِـــهِ، زُهْدُهُمْ مَثَــلُ
كانَ الكَريمَ إذا جَارَتْ عَشيرَتُهُ
نَـالَ الَّلئيِمَ بِهمْ مِنْ عَفوِهِ الجَـــلَلُ
كانَ الصَّدُوقَ بِنُصِحٍ أو مُخَاصَمَةٍ
حَتَّى على نَفسِهِ في الحَقِّ يَعْتَــدَلُ
كانَ الرَّضِيَّ لئٍن ضَاقَتْ وإنْ وَسعتْ
كَـأنَّ في صَبْرِهِ أيُّوب يَمْتَثِـــــلُ
دَعْني أبا هَاشِمٍ والشَّوقُ يَعصرُني
أسْتذْكِرُ الأمْسَ لا أنُسى وأخْتَزَلُ
سِتُّونَ عَامَاً شَهِدْنا مِنْ كَرائِهها
فَلْمْ تَلُمْهَا ولكنْ كُنْتَ تَــعْتَذِلُ
وذِكريات لنا في الكَرْخِ مُؤنِسة
قُرْبَاً، ومُوحِشة إنْ بَاعَدَتْ سُبُـلُ
كُنْتَ الرَّفيقَ إذا ما أقْفَرتْ طُرُقٌ
وكُنتَ مَوْضِعَ سِرِّي حِينِ أعْتَزلُ
خضْنا دُروبَ حَياةٍ غَيرِ واعِدَةٍ
إلّا بِخُلْفٍ، وما في الخُلفِ ما يَصِلُ
لكنْ حَلا في عُيونِ النَّاسِ زَبْرجَها
ورَاقَ ما خَلَّفَتْ، مَقْهُورًةً، أُوَلُ
تَدافَعوا يَحْسبون الخُلدَ زِيِنَتها
ما بَالُ كُلّ الألى مّرُّوا ومّا عَقلوا
فكُلُّ نعْمَاءَ إنْ طَالتْ لزائِلِةٌ
وكُلُّ نَازِلةٍ لا بُـــدَّ تَرْتَحِـــلُ
وعِشْتَ بالله إيمانَاً ومَعْرِفةً
فكيفَ يَخْسرُ مَنْ بالله يَتَّصِلُ
عَرِفْتَهُ عنْ يَقينٍ حَـقَّ مَعرِفَةٍ
فكانَ شُغلَكُ، والدُّنيا لَها شُغُلُ
إيهٍ أبا هَاشِمٍ والمَوتُ باعَدَنَا
وليسَ كُلُّ بَعِيِـــدٍ مَا لَهُ أمَــلُ
غَداً أراكَ على المِيعادِ مُنْتظِراً
فَنحنُ من نَفَسِ الرَّحْمنِ نَنْتَهِـلُ
غَداً أبــا هَاشِمٍ تُنْهى حِكايَتُنا
يُرَدُّ نِصْفٌ الى نِصْفٍ فَتكتَمِـلُ
طُوبى لِنفسكَ في رِضوانِهِ سَكَنَتْ
في أربعينك لَمَّتْ حُزْنَــها المٌقَــلُ
عبد الحق
9 نيسان 2022