أجرت قناة روسيا اليوم (RT) ظهر هذا اليوم بتوقيت موسكو لقاءا مع وزير خارجية روسيا (سيرغي لافروف) شاركت فيه قنوات البث بكل لغاتها وتم فيه استعراض عدد من القضايا المهمة في السياسة الروسية، وقد وجدت من النافع للقارئ العربي أن يطلع على أهم ما جاء فيها حسب اختياري لذلك المهم وتعليقي عليها.
كان لافروف كعادته في غاية الأدب والعناية الفائقة في اختيار الكلمة حتى ان المترجمة كانت تجد صعوبة في اختيار الكلمة الإنكليزية للتعبير عن دقته.
وبرغم ان كل ما قاله مهم بالسنبة لي لكني سوف أحصر نقلي وتعليقي في ثلاثة مواضع.
حلف الأطلسي وأوكرانيا
وجه إلى لافروف أكثر من سؤال يتعلق بحلف شمال الأطلسي وسياساته تجاه روسيا وعلاقة ذلك بأوكرانيا وقد رد عليها جميعا بتوسع لكنه لا ضير من دمج تلك الأجوبة كما استخلصتها وذلك كما يلي:
-
لقد قدمنا مقترحاتنا حول تأمين توازن أمني بيننا وبين دول حلف الأطلسي وذلك انه لا يمكن أن يطلب منا تقديم تنازلات تعرض أمننا القومي للخطر كما يريد الأمين العام للحلف والذي يبدو لافروف سعيدا جدا برحيله نهاية هذا العام.
-
عرض الرئيس بوتين هذه المقترحات على دول غرب أوربا والولايات المتحدة حيث ابدت الأخيرة الإستعداد لجدية دراستها.
-
نحن لا يمكن أن ننتظر طويلا كي يرد حلف الأطلسي على مقترحاتنا في الوقت الذي تتم فيه خلق حقائق جديدة عن طريق التقدم البطيء من حدودنا.
-
إن اتفاقية منزك هي الأساس للسلام في أوكرانيا ولا بد من تنفيذها كاملة.
-
إن كلا من فرنسا وألمانيا الضامنتين لإتفاقة منزك قد غيرتا موقفهما. حيث تطلبان من روسا موقفا جديدا ولا تطلبان من أوكرانيا أن تتلزم بتنفيذ الإتفاق.
-
إن الحديث عن تطبيق عقوبات جديدة على روسيا يؤكد النية في عمل معد حيث إن روسيا لم تحرك قواتها خارج حدودها بينما توجد قوات أمريكية وبريطانية وكندية على حدودنا في أوكرانيا وفي البحر الأسود. وقد أوضح الرئيس بوتين ذلك لعدد من زعماء حلف الأطلسي.
-
إن فشل تطبيق اتفاقية منزك يعني ان الناس يموتون في اقليم دومباس شرق أوكرانيا وذلك ما لا يمكن لنا أن نسكت عنه أو أن نتوقف عن تلافيه.
-
نحن لا نريد الحرب لكننا سوف نؤمن حماية أمننا القومي كما صرح بذلك الرئيس يوم أمس.
-
إن حلف الأطلسي والغرب عامة لم يعد ملتزما بالنظام الدولي القائم على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي حيث يخرج عنه حين تكون النتيجة متعارضة مع مصالح الغرب. نحن ندعو للإلتزام التام بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي والعمل بموجبها.
إيران والإتفاق النووي
-
إن الغرب يفعل يالنسبة للإتفاق النووي ما فعله في حدودنا مع أوكرانيا حيث يغلف الحقائق.
-
فإيران انتظرت عاما كاملا لتنفيذ الإتفاق النووي ولم تتخذ أي إجراء خلاف الإتفاق بانتظار تنفيذه.
-
لا أفهم سبب إصرار الغرب على التسريع بقيام إيران بالرد خصوصا وهي قد خرجت من انتخابات وحكومة جديدة. إن بامكان الغرب الإنتظار قليلا فقد انتظرت ايران عاما كاملا.
-
إن إيران مستعدة للعودة للإتفاق الننوي حال عودة الولايات المتحدة له بعد انسحابها الأحادي منه.
-
إن المقترحات التي قدمتها إيران جديرة بأن تدرس.
-
إن مطلب إيران هو أن تعلن الولايات المتحدة، التي انسحبت دون سبب، عودتها للإتفاق قبل بحث أي موضوع ثان.
سورية
-
إن الوجود العسكري الأمريكي في سورية حقيقة واضحة لا تحتاج لإثبات فقد سيطروا على النفط والأراضي الزراعية وشجعوا الكرد على الإنفصال.
-
إن الكرد سيطروا على أراض للعشائر العربية شرق سورية.
-
إن الأمريكيين يفهمون أن سياستنا تقوم على الحفاظ على وحدة سورية وانهم سوف ينسحبون.
-
إن موقف الأمريكيين صعب خصوصا ذلك في معسكر الركبان حيث يتجمع المجرمون والإرهابيون تحت رعاية أمريكية.
-
نتفهم خوف تركيا من أن قوات الأكراد في سورية متحالفة مع حزب العمال الكردستاني.
-
زارنا الأكراد في موسكو وبينا لهم أن موقفنا هو وحدة سورية مع الحفاظ على حقوق الأقليات.
-
إن على الأكراد أن يدركوا أين هي مصلحتهم. فما أن أعلن ترمب رغبته في الإنسحاب من سورية حتى هرعوا الينا طالبين الحوار مع دمشق وحين تخلت أمريكا عن الإنسحاب لم يعد الأكراد يبحثون عن حوار.
-
نحن في حوار مع كل الأطراف بالنسبة لسورية.
التعليق
-
يبدو من خلال تصريحات لافروف ومن حديث بوتين قبل يوم، والموجه للقوات المسلحة الروسية، أنها جاءت لتؤشر بداية مرحلة جديدة يميل فيها الرئيس الروسي لرأي وزارة الدفاع ضد رأي وزارة الخارجية والذي كان يعتمده منذ مدة طويلة.
-
كنت قد كتبت سابقاً ان رأي وزارة الخارجية الروسية هو الرأي المتراكم من مستشارين عملوا سفراء في أوربا الغربية في أيام الإتحاد السوفياتي وتأثر قسم منهم بالصهيونية وانحاز قسم منهم لها. وهؤلاء هم الذي سودوا فكرة محاول تقرب روسيا من الغرب مهما كان الثمن، وهكذا كان.
-
لم يلق رأيي ذلك قبولا عند الكثيرين. لكن الرئيس بوتن اعترف به قبل أيام حين أعلن أنه سوف يقوم بتنظيف الدولة الروسية من عملاء المخابرات الأمريكية الذين تغلغلوا قي أجهزتها! فهل إن وزارة الخارجية ليست في طليعة تلك الأجهزة التي يرغب بوتين في تطهيرها من الخونة.
-
لقد أدى رأي الخارجية الروسية القائم على التهافت للتقارب مع الغرب بأي ثمن أن يضرب عرض الحائط بالتعهد بعدم تمدد حلف الأطلسي الى شرق أوربا حتى حدود روسيا مما أصبح من العسير اليوم تداركه وهو الأمر الذي عبر عنه بوتين بغضب في حديثه الأخير.
-
إن الأمن القومي الروسي لم يكن يوما منذ الحرب العالمية الأولى في هذا الوضع الخطير حيث إن الصواريخ التي يراد وضعها في أوكرانيا ستكون على مرمى حجر من موسكو. فأية عاصمة أوربية في مرمى صواريخ روسيا؟
-
إن كل أجوبة لافروف أعلاه تتعلق بقضية واحدة وان تعددت المواضع واختلف المظهر، ألا وهي الأمن القومي الروسي ومواجهته لحلف الأطلسي الذي يرفض منذ عام 1990 قبول روسيا دولة مستقلة ذات حاجة لحماية أمنها، إن لم نقل مصالحها المشروعة، برغم كل ما قدمته روسيا من تنازلات والذي يمثله السماح بخراب ليبيا أصدق تمثيل.
-
إن الوجود العسكري الأوربي في أوكرانيا وفي سورية والموقف الغربي من إيران وبرنامجها النووي جميعها تتعلق بالأمن القومي الروسي بشكل أو بآخر. فيكون تعامل حلف الأطلسي مع اي منها جزءا لا يتجزأ من موقف الحلف من روسيا.
-
إن بوتين يتحمل قسطا من المسؤولية لوصول الحال لما هو عليه الآن. فاذا كانت روسيا غير قادرة في تسعينيات القرن الماضي على انتزاع تعهد بعدم توسيع حلف الأطلسي نحو حدود روسيا، فإن بوتين لم يفعل شيئا خلال العقد الماضي حين كان يمتلك القوة لمعارضة سياسية الأمر الواقع التي فرضها الحلف.
-
إن مجيء أمين عام جديد لحلف الأطلسي لن يغير شيئا كما أوحى لافروف في حديثه. ذلك أن سياسية الحلف لا يرسمها الأمين العام للحلف وانما تقررها مصالح الرأسمالية العالمية التي تقودها الصهيونية اليوم والتي تقوم على احتواء روسيا وتحجيمها.
-
إن روسيا أوقعت نفسها تلقائيا في أزمة حقيقية حين زودت عضوا في حلف الأطلسي بسلاح لا بد أن يستخدم في أي نزاع مع الحلف ضدها. فإذا كان بوتين يعتقد أن التصعيد الحالي مع الحلف في أوكرانيا يمكن أن يقود لنزاع مسلح فكيف سيمنع تركيا، التي لا خيار لها إلا المشاركة في النزاع، من استخدام منظومة أس 400 ضد روسيا؟ إن من سخرية القدر أن نكتشف أن جاهلا أحمقاً مثل أردوغان استطاع أن يخدع دهاة روسيا! أو أن نكتشف أمراً أخطر من ذلك!
-
لا يمكن لروسيا أن تدعم سياسة حلف الأطلسي القائمة على منع أية دولة في الشرق الأوسط من امتلاك سلاح نووي ما دامت راضية بامتلاك اسرائيل له. إن الموقف الروسي الوحيد الذي سيمزها عن الرأسمالية الصهيونية هو في الدعوة الى معاهدة دولية تقيم شرق أوسط خال من السلاح النووي كما حدث في جنوب شرق أسيا والبحر الكاريبي.
-
إن على بوتين أن يتخلى عن تعهده بحماية أمن المستوطن الروسي في فلسطين ذلك لأن الأمن القومي الروسي لا يتطابق مع أمن دولة إسرائيل والتي يتطابق أمنها مع حلف الأطلسي. إن على بوتين أن يختار بين أمن روسيا وأمن اسرائيل حيث إنهما لا بد مفترقان، إن لم يكن اليوم فغداً.
-
إن على بوتين أن يتعلم من أنور السادات. ذلك انه لن يكون بامكان روسيا الإحتفاظ بقواعد عسكرية في سورية لأمد طويل إذا لم تضمن تلك القواعد أمن وسلامة أرض وأجواء ومياه سورية من اي عدوان.
عبد الحق العاني
22 كانون الأول 2021