إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)
قل: شّهِدْنا إملاكَ فُلان
ولا تقل: شّهِدْنا ملاكَ فُلان
كتب الكسائي: ” وتقول شّهِدْنا إملاكَ فُلان بالألف. وهذا ملاك الأمر باسقاط الألف.”
وأضاف المحقق: “املاك فلان أي تزويجه وعقد نكاحه، انظر فصيح ثعلب وأدب الكاتب. وملاك هو ما يمسك به. انظر فصيح ثعلب. وفي ادب الكاتب: وهو املاك المرأة ولا يقال ملاك.”
وكتب ابن منظور في لسان العرب: “ومِلاكُ الأمر ومَلاكُه: قِوامُه الذي يُمْلَكُ به وصَلاحُه…… والإمْلاك التزويج. ويقال للرجل إذا تزوّج: قد مَلَكَ فلانٌ يَمْلِكُ مَلْكاً ومُلْكاً ومِلْكاً. وشَهِدْنا إمْلاك فلان ومِلاكَه ومَلاكه؛ الأخيرتان عن اللحياني، أي عقده مع امرأته…… وقد أَمْلَكْنا فلاناً فلانَة إذا زَوَّجناه إياها؛ وجئنا من إمْلاكه ولا تقل من مِلاكِه….. وقال الجوهري: لا يقال مِلاك ولا يقال مَلَك بها (* قوله «ولا يقال ملك بها إلخ» نقل شارح القاموس عن شيخه ابن الطيب أن عليه أكثر أهل اللغة حتى كاد أن يكون اجماعاً منهم وجعلوه من اللحن القبيح ولكن جوزه صاحب المصباح والنووي محافظة على تصحيح كلام الفقهاء.)”
وهكذا نجد مرة أخرى ما عانى منه علماء العربية في تعاملهم مع أقوال الفقهاء. فعدد من هؤلاء الفقهاء لم يجيدوا العربية فجاؤا بقول غير دقيق فوجد علماء العربية صعوبة في ذلك فهم عرفوا خطل تلك الأقوال لكنهم في الوقت ذاته لم يرغبوا في تصحيح كلام الفقهاء كما قال شارح القاموس ردا على ما نقله اللحياني وهو السبب نفسه الذي جعل علماء العربية يترددون في الإستشهاد بالحديث المنسوب للرسول (ص) لضعف لغته.
ولا بد من التذكير بان كلمة “ملكة” بمعنى الزواج ما زالت مستعملة اليوم في عدد من بلدان العرب.
قل: بصُرْتُ بهذا الأمر
ولا تقل: أبْصَرتُ هذا الأمر
وكتب الصفدي: “ويقولون: أبْصَرتُ هذا الأمر قبل حدوثه. والصواب أن يقال: بصُرْتُ بهذا الأمر، لأن العرب تقول: أبصرتُ بالعين، وبَصُرت من البصيرة، ومنه قوله تعالى: “بَصُرْتُ بما لمْ تَبْصُروا بِهِ” وعليه فُسِّر قوله تعالى: “فبصَرُك اليومَ حَديد”، أي: علمك نافذ، ومنه: بصير بالعلم.
وقد علق أبو الثناء الآلوسي في كتابه (كشف الطرة ….) على كلام مشابه للحريري سبق أن عرضناه، فكتب:
“(ويقولون: أبصرت هذا الأمر قبل حدوثهِ، والصواب فيهِ: بصرت بضم الصاد وإسقاط الهمزة؛ لأن العرب تقول أبصرت بالعين، وبصرت من البصيرة، ومنهُ: بصرت بما لم تبصروا بهِ، وعليه فسر “فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ” (ق:22)، فقيل أي علمك بما أنت فيهِ اليوم نافذ، وإلى هذا المعنى يشار بقولهم هو بصير بالعلم) فيهِ أن الأمر ليس كما زعم لاستعمال كل منهما بمعنى الآخر، وقال ابن بري: قوله تعالى “فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ” (القصص:11)، بمعنى: أبصرته، وفي المثل لأرينك لمحًا باصرًا، وفسر باصرًا فيهِ بمبصر، كطائع ومطيع ونائل ومنيل وناصب ومنصب.
وقال أبو عبيد في كتاب المجاز: بصرت بهِ وأبصرته بمعنى، وفي الحديث: فبصر بحماره، أي: أبصره، والتبصر يكون بمعنى التأمل. قال الزمخشري في شرح مقاماته التبصر التأمل وطلب الإبصار، وقال زهير:
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن” |