إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)
قل: إذا اجتهدَ الحاكمُ وأخطأ فلَه أجْر
ولا تقل: إذا اجتهدَ الحاكمُ وخطئ فلَه أجْر
كتب الحريري: “ويقولون لمَنْ أتى الذنبَ مُتعَمِّداً: أخطأ، فيُحَرِّفون اللفظَ والمعنى، لأنه لا يقال أخطأ إلا لمَنْ لم يتعمد الفعلَ، أو لمَن اجتهد فلم يُوافِق الصوابَ، وإياه عَنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا اجتهدَ الحاكمُ وأخطأ فلَه أجْر). وإنما أوجبَ له الأجرَ عن اجتهاده في إصابة الحقّ الذي هو نوع من أنواع العبادة، فأما المُتَعَمِّدُ الشيء فيقال له: خَطِئَ فهو خاطِئٌ والمصدر الخِطْء بكسر الخاء وإسكان الطاء، كما قال تعالى: “إنّ قَتْلَهُم كان خِطْئاً كَبيراً”
ولي فيما أنتظم هاتين اللفظتين وأحتضن معنييهما المتنافيين:
لا تخْطُوَنّ الـى خِـطْءٍ ولا خَـطـأٍ
مِن بعدِ ما الشّيبُ في فَوْدَيْكَ قد وَخَطا
وأيُّ عُذْرٍ لمَنْ شـابـتْ مَـفـارِقُـهُ
إذا جرى في مَيادينِ الهَوى َوخَـطا
والخطيئة تقع على الصغيرة كما قال سبحانه إخبارا عن إبراهيم عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين السلام: “والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين” وتقع على الكبيرة كما قال تعالى: “بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”.
وكتب الزبيدي: ” يقولون للكتاب الكثير الخطأ: “مُخْطِئ” والصواب: “مُخْطَأ فيه” تقول أخْطَأ الرجلُ إخْطَاءً، والإسم: الخَطَاءُ بالمد، والخَطَأ بالقصر. وقرأ الحسن: “إنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْئَاً كبيراً”.
ويقال للرجل إذا أتى الذنب متعمدَّاً: قد خَطِئ يَخْطَأ خِطْئَاً، فهو خَاطِئ، والمكان مَخْطُوءٌ فيه. ويقال: لأن تُخْطِئ في الطريق أيسر من أن تَخْطَأ في الدِّين. ويقال خَطِئ الرجلُ، قال امرؤ القيس:
يا لَهْفَ هِنْدٍ إذْ خَطِئْنَ كاهِلا
يعني: أخْطَأن.
وكتب أبو الثناء الآلوسي: ويقولون: اخطأ لمن يأتي الذنب متعمدًا، فيحرفون لأنه لا يقال اخطأ إلَّا لمن يتعمد أو لمن اجتهد ولم يوافق الصواب. والفاعل من هذا مخطئ، والاسم الخطأ. ومنهُ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلّا خطأ. وأما التعمد فيقال فيه خطئ فهو خاطئ والاسم الخطئة وتطلق على الكبيرة والصغيرة والمصدر الخطئ. بكسر الخاء، وسكون الطاء قبل الهمزة. ومنه أن قتلهم كان خطأً كبيرًا.
وعلى هذا المنوال قول سيدي عمر بن الفارض قدس الله تعالى سره ونفعنا ببركاته:
لمّا نَزَلَ الشَّيْبُ بِرَأْسِي وَخَطَا
والعُمْرُ معَ الشَبَابْ ولّى وخَطَا
أصبحتُ بسُمْرِ سمرقندٍ وخَطا
لا أُفَرّقُ ما بَيْنَ صَوَابٍ وخَطَا
وروى هذا الفرق ابن قتيبة ثم عقبه كما قال ابن بري برواية اتفاق خطئ واخطأ في المعنى وكذلك جمهور الرواه المفرقين بينهما عقبوا التفرقة برواية التسوية. وفي الإصلاح قال أبو عبيدة خطئ وأخطأ لغتان. وقال الأزهري الخطيئة والخطأ الإثم. وفرق ابن عرفة بين خطئ وأخطأ ولكن لا بالتعمد وعدمه وذلك أنهُ قال يقال خطئ في دينه إذا أثم وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامداً أو غير عامد. ويقال (خطئ) بمعنى: اخطأ وأنشد له بيتاً لامرئ القيس. والى هذا الفرق نظر الجوهري حيث قال: الخطأ نقيض الصواب. يقال: منه اخطأ، والخطأ الذنب، والاسم الخطيئة على فعيلة. وإذا كانت اسمًا فالعطف في قوله تعالى “ومَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إثْمًا” (النساء: 112)، لكن المشهور فيه أنهُ يختص بالواو كما في إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. والمصحح لهذا النوع اختلاف اللفظ كما أنهُ مصحح للإضافة في مثل كجلمود صخر. وقال ابن مالك أنيبت أو عن الواو في الآية. ورده ابن هشام في شرح بانت سعاد. وقال: يمكن أن يرد بالخطيئة ما وقع خطأ وبالإثم ما وقع عمدًا وبه صرح في عمدة الحفاظ. والله تعالى العاصم من الخِطْئِ والخَطَأ.
قل: نَكَلْتُ عنه
ولا تقل: نَكِلْتُ عنه
كتب الكسائي: ” ويقال نَكَلْتُ عنه بفتح الكاف.”
وكتب ابن فارس في المقاييس:”النون والكاف واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على مَنعٍ وامتناع، وإليه يرجع فروعه. ونَكَل عنه نُكولاً يَنكِل. وأصل ذلك النِّكْل: القَيْد، وجمعه أنكال، لأنَّه يَنْكُل: أي يَمنَع. وقال ابن دُريد: رماه اللهُ بنُكْلِهِ وبِنُكلَةٍ، أي رماه بما ينكِّله. ومن الباب نَكَّلت به تنكيلاً، ونَكَّلت به نَكالاً، وهو ذلك القياس، ومعناه أنّه فَعَل به ما يمنَعُه من المعاودة ويمنع غيرَه من إتيانِ مثلِ صَنيعِه.”
قل: زيد قِرْن عمرو
ولا تقل: زيد تِرْبُ عمرو