بسم الله الرحمن الرحيم
قال عز من قائل في خطابه لإم موسى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ“(القصص/7). فأعلمنا العليم العلام أن أم موسى علمت بعيد ولادته أنه سيكون رسول قومه. ولا يمكن لعاقل إلا أن يستنتج أن أم موسى فعلت ما كانت ستفعله كل أم في أنها أخبرت ابنها بما أوحي أليها من شانه. وهكذا فان موسى كان يعلم أنه رسول قومه حتى اذا افترضنا أنه لم يكن يعلم موعد الرسالة. وقد يفسر هذا سبب عدم ارتعابه حين ناداه مولاه من شاطئ الوادي الأيمن: “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ“(القصص/30).
لكن المسلمين يجمعون على أن نبينا الأكرم (ص) هو خاتم الرسل والنبيين وأنه أشرفهم. فكيف يشرف على موسى وهم يرددون، ومنذ قرون، الحكاية البائسة عن تكليفه فجأة بالرسالة عن طريق جبرائيل؟ دون أن ينسوا التأكيد على أميته وجهله ثم ارتعابه عند التبليغ! ولا يمكن أن ننسى أنه تعالى أخبرنا في أكثر من موضع في القرآن أنه كلم موسى (ص) تكليما دون وسيط. فقال فاطر السموات والأرض “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ” (البقرة/253)، فجعل التكليم في مقام التفضيل.
وكأني اسمع أكثر من معترض يردد أنه تعالى كرم نبينا على بقية الأنبياء بالقرآن. وليس عندي شك أنه كرم الرسول النبي الأمي بكتابه الجامع. لكني أقرأ في كتابه الجامع لنا أنه آتى موسى في الألواح كتابا جامعا مقدسا مثل القرآن، فقال تعالى: “وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ”(الأعراف/145). وقد وصف تعالى كتابه الجامع المطلق في قوله “وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”(الكهف/49). فكما جمع القرآن لنا في العربية كل شيء فقد جمع لبني اسرائيل، الذين فضلهم على العالمين، كل شيء في ألواح موسى (ص).
“فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا”(النساء/78)
“أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”(محمد/24)