إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)
قل: سألتقي أنا وفلان ونلتقي نحن والقادمون والتقيا هما وأصحابهما
ولا تقل: سألتقي فلاناً وسألتقي وإياه وما أشبه ذلك
وقل: نلتقي نحن وأنتم
ولا تقل: نلتقي واياكم
كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الفعل “التقى” يأتي تارة للفردية وتارة للإشتراك. فالفردية تكون في نحو قولنا “التقيت فلاناً في المجلس” و “التقيت الشيء في الطريق” أي لقيتهما. قال الشاعر:
لما التقيت عميراً في كتيبته عاينت كاس المنايا بيننا بددا
وإذا جاء الفعل “التقى” للإشتراك فهو بمعنى تفاعل المشترك. ومن البديهي في العربية أن تكون أفعال الإشتراك فيها صادرة عن فاعلين مختلفين أو أكثر منهما. أن الشركة لا تصدر عن واحد. وكذلك ما ينوب عن الفاعلين، وإذا عطف الإسم الظاهر أو الضمير على الضمير المستتر المرفوع وجب الفصل بينهما بفاصل لفظي كالضمير وغيره. كقوله تعالى “ويا آدم اسكن انت وزوجك الجنة”. فالفاصل هو “أنت”. وكقوله تعالى “سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء”. فالاصل هو “لا” ولا يجوز العطف بغير الفاصل في الكلام المنثور. وقد ورد في العشر نادرا كقول بعض الشعراء:
زعم الأخيطلُ من سفاهة رأيهِ ما لم يكن وأب له لينالا
وإذا كان الفعل مشتركاً في مثل “سألتقي أنا وفلان” و “نلقي نحن والقادمون” فالعطف واجب كما ذكرت آنفاً. ولا يجوز أبداً أن يكون المعطوف مفعولا معه. ولذلك لا يصح أن يقال “سألتقي وفلاناً ونلتقي واياكم”، و “وهذا يتفق والأصول”، و “وهذا يتناسب والتعاليم”، و “وهذا يتعارض والقانون”. فالصواب: “سألتقي أنا وفلان”، و “نلتقي نحن وأنتم”، و “هذا يتفق هو والأصول”، و “هذا يتناسب هو والتعاليم”، و “هذا يتعارض هو والقانون”، برفع المعطوف أو جعله ضمير رفع إن لم يكن اسماً ظاهراً.
أما قولهم “نلتقي بكم” فهو تعبير مولد جائز، لم يعرفه الفصحاء، والياء فيه نابت عن كلمة “مع” والأصل “نلتقي معكم”، وكلمة “مع” نابت عن الواو العاطفة. وذاك مثل اجتمع فلان وفلان ثم قيل “اجتمع فلان مع فلان” ثم قيل “اجتمع فلان بفلان”.”
قل: الْتقَى فلانٌ وفلانٌ أو الْتقَى فلانٌ بفلانٍ
ولا تقل: التقى فلانٌ فلاناً
وكتب عبد الهادي بوطالب: “تَعِجُّ الإذاعات والتلفزات والكتب بأخطاء في استعمال هذه الأفعال. والأصوب اتِّباع الطرائق التالية:
إن الأفصح في استعمال التقى هو الربط بواو العطف فنقول: “الْتقَى فلانٌ وفلانٌ على رأي واحد” مثلما نقول: “اجتمع فلانٌ وفلانٌ في مأدُبة واحدة”. لكن يجوز استعمال الباء أو مع فنقول: “التقى فُلانٌ بفُلان، أو التقى فُلان مع فُلان” مثلما نقول : “اشترك فلان مع فلان في شركة واحدة” ونقول: “تباحث فلان مع فلان في أمر يهُمهما”. لكن أخذ يشيع على الألسنة والأقلام: “التقى فلانٌ فلاناً” وهذا خطأ. ففعل التقى لازم بينما فعل لقِيَ متعدٍّ. ولذلك يجوز: “لقِيَ فلان فلانا على الطريق”.
أما التقاه فلم ترد في اللغة إلا بمعنى رآه.
قل: عَضِضْتُ اللقمة
ولا تقل: عَضَضْتُ اللقمة
كتب الكسائي: “وتقول عَضِضْتُ اللقمة بكسر الضاد، وكذلك غَصِصْتُ بالطعام. وكذلك صَمِمْتُ (عن الكلام) أيضاً ومَسِسْتُ بكسر السين، وبَرِرْتُ والدي.
قال الشاعر في شاهد عَضِضْتُ:
الآن لما أبْيَّضَ مَسْرُبَتي وَعَضِضْتُ من نابي على جِذْمِ
(مسربة: شعر وسط الصدر. جذم الأسنان: منابتها.)
وقال آخر في شاهد صَمِمْتُ:
ألمْ تَرَني صَمِمْتُ وكدتُ أعمى عن الخَبَرِ الذي حُدِّثْتُ أمسِ
وقال آخر في شاهد مَسِسْتُ:
تَكادُ يَدي تَندى اذا ما مَسِسْتُها وينبُتُ في أطرافها الوَرَقُ الخُضْرُ
قل: هو خَيْرٌ من زيد
ولا تقل: هو أخيرُ من زيد
وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “هو خير من زيد وشر منه ولا يبنى على “أفعل”. وكذلك جميع الألوان والعيوب الظاهرة والخلق الثابتة لا يقال في شيء منها “ما أفعله” ولا “هو أفعل من كذا”. فلا يقال ما أبيضه ولا ما أصفره ولا ما أسوده ولا ما أعماه وأعرجه، ولكن يقال: ما أشدَّ سواده وما أقبحَ عماه وعَرَجَه، وهو أشدُّ بياضاَ وصفرةً ونحو ذلك.”
قل: شَبِعَ فلان شِبَعَاً حَسَناً
ولا تقل: شَبِعَ فلان شِبْعَاً حَسَناً
كتب الزبيدي: “ويقولون هم في “شِبْعٍ” والصواب “شِبَعٍ”، تقول شَبِعَ شِبَعَاً حَسَناً. قال امرؤ القيس:
فَتَوسِعَ أهلنَا أقِطَاً وسِمْناً وَحَسْبُكَ من غِنَى شِبَعٌ وَرِيُّ
قل: أُجرِي امتحان القَبُول (بفتح القاف) في وظيفة التعليم
ولا تقل: أُجرِي امتحان القَبول (بضم القاف) في وظيفة التعليم
وكتب عبد الهادي بوطالب: “نفس الخطأ الذي يقع في كلمة الجَنوب يقع في كلمة القَبول (بفتح القاف) وهو الصحيح. ويقع بعض المتحدثين في المشرق العربي في الخطأ فيَضُمُّون القاف. يقال : “إما القَبول وإما الرفض” و”أُجرِي امتحان القَبول في وظيفة التعليم”.
وجاء في بعض معاجم اللغة العربية ذكر القبول بضم القاف، لكن فتح القاف هو الأصوب. ففي القرآن :”فَتَقَبَّلها ربُّها بقَبول حسنٍ وأنْبَتَها نَباتا حَسَنا”.”
قل: بذلَ قُصارَى جهده للإصلاح
ولا تقل: بذلَ قَصارَى جهده للإصلاح
وكتب عبد الهادي بوطالب: في مناظرة بين أساتذة جامعيين قدمتها قناة تلفزيونية عربية تبثُّ من لندن نطق أحدهم بكلمة قُصارى محرفة إذ نطقها بفتح القاف، بعد أن تقدمه محاور ونطقها بالضم كما يجب أن تُنطَق، فلم يسع الذي نطق بالضم في البداية إلا أن “يصحح” وينطقها بالفتح وتوالت الكلمة بخطأها طيلة الندوة. قُصارَى بضم القاف تستعمل في هذا التعبير وأمثاله : “بذلَ قُصارَى جهده للإصلاح”، أي أشد الجَهد وأقصاه. كما نقول: “بذل غاية الجهد للإصلاح”. وتأتي الكلمة بمعنى حَسْب، أي كفى. ونقول : “قُصاراك أن تفعل كذا”.
قل: ساغ لي الشراب
ولاتقل: انساغ لي الشراب
كتب الحريري: “ويقولون: انساغ لي الشراب، فهو منساغ، والاختيار فيه ساغ، فهو سائغ كما قال الشاعر:
فساغ لي الشراب وكنت قبلا ** أكاد أغص بالماء الحميم
وفي القرآن: “لبنا خالصا سائغا للشاربين”، وقد جاء في تفسيره أنه لم يغص به أحد قط، ومن حكى أنه سمع في بعض اللغات انساغ لي الشيء، أي جاز فإنه مما لا يعتد به، ولا يعذر من استعمله في ألفاظه وكتبه.”
قل: قام الرجلان
ولا تقل: قاما الرجلان
كتب الحريري: “ويقولون: قاما الرجلان وقاموا الرجال فيلحقون الفعل علامة التثنية، والجمع، وما سمع ذلك إلا في لغة ضعيفة لم ينطق بها القرآن ولا أخبار الرسول عليه السلام، ولا نقل أيضا عن الفصحاء، ووجه الكلام توحيد الفعل، كما قال سبحانه في المثنى: “قال رجلان”، وفي الجمع: ” إذا جاءك المنافقون”. فأما قوله تعالى: “وأسروا النجوى الذين ظلموا” فالذين بدل من الضمير الذي في لفظة أسروا، وقيل: بل موضعه نصب على الذم، أي أعني الذين كفروا، وكذلك قوله تعالى: “ثم عموا وصموا كثير منهم”، فكثير بدل من الضمير الذي في لفظتي “عموا وصموا” فإن تأخر الفعل ألحق علامة التثنية والجمع، فقيل: الرجلان قاما، والرجال قاموا، ويكون الألف في قاما والواو في قاموا اسمين مضمرين، والفرق بين الموضعين انك إذا قدمت الفعل كانت علامة تثنية الفاعل وجمعه تغني عن إلحاق علامة في الفعل، وإذا أخرت الفعل صار الفاعل بتقدمه مبتدأ، فلو أفرد الفعل فقيل: الناس خرج لجاز أن يتوهم أنك تريد منهم جزءا ، لجواز أن يقال : الناس خرج سيدهم .”
قل: لن تبلغوه إلا بشِقِّ الأنفسِ
ولا تقل: لن تبلغوه إلا بشَقِّ الأنفسِ
وجاء في ملحق مفردات أوهام الخواص: ومن أوهامهم أنهم لا يفرقون بين الشق (بفتح الشين)، ويعني الصدع، والشق (بخفض الشين)، ويعني المشقة والعنت، فيضعون هذا مكان ذاك ويقعون في الوهم، لأن الأول مأخوذ من: شق الجدار يشقه شقا، أي صدعه وجعل فيه شقوقا. ومنه قولهم: شق الخوارج عصا المسلمين، أي فرقوا جمعهم وكلمتهم، وصدعوا تلاحمهم ووحدتهم.
أما الثاني (بخفض الشين) فمأخوذ من شق عليه الأمر يشق شقا ومشقة، أي ثقل وصعب ومنه قوله تعالى: “لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس” أي بالتعب والجهد، ونظيره قول الشاعر:
والخيل قد تجشم أربابها الشق ، وقد تعتسف الراوية
ومثله من الفعل قول شوقي:
لحاها الله أنباء توالت ** على سمع الولي بما يشق
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….