لن أكتبَ عن تعريفٍ سياسيٍّ للإرهاب. لأن ذلك سوف يَعني أن اتعاملَ مع تناقضٍ بين من يُسمي إرهابياً من قاتلَ دفاعاً عن نفسهِ ضِدَّ غزوٍ أجنبيٍ وبين من يُسمي من يذبحُ الأطفالَ ويغتصبُ النساءَ مُجاهداً في سبيلِ إلهٍ لم يسمعْ أحدٌ بِه.
لكني سوفَ أكتُبُ عن التعريفِ القانونيِّ له حتى يُمكنَ لي الإجابةُ على السؤال. وآخذُ هذا من حُكمِ المحكمةِ الأعلى في لندن. وهذا لا يعني أنه أفضلُ تعريفٍ أو أنهُ الوحيد. لكني الجأ إليه لأسبابٍ عِدّةٍ ليس أقلّها أهميةً مساهمةُ المملكةِ المتحدةِ في دعمِ الإرهابِ في سورية. لكن الأهميةَ القُصوى تأتي من حيثُ إنَّ المحكمةَ الأعلى في لندن هي أعلى سلطةٍ قضائيةٍ في المملكة المتحدة وكلُّ حكمٍ تُصدرهُ يُصبحُ قانوناً مُلزماً لكل مؤسسةٍ في البلد. كما إن احكامَ هذه المحكمةِ ملزمةٌ في عددٍ من دولِ الكومنويلث وهاديةٌ في عددٍ آخر، ويُستشهدُ باحكامها في عددٍ من المحاكمِ خارجَ الكومنويلث وخصوصاً في محكمةِ العدلِ الدوليةِ والمحكمةِ الأوربية. لهذه الأسبابِ سأعتمدُ حكمَ المحكمة الأعلى في تعريفِ الإرهاب.
لكني حين أقولُ فهذا فإني لا أعني أني أتفقُ مع كلِّ أحكامِها حيث إني في الواقعِ أختلفُ معها في عددٍ منها. لكن الواقعَ الذي نعيشُ فيه يقضي تقييدَنا بالقوانينِ الوضعيةِ حولَنا سواءً اتفقنا معها أم لم نتفق.
فما الذي قضتْ به المحكمةُ الأعلى في لندن في معنى الإرهاب؟
إن القضيةَ التي وصلتْ لها لإبداءِ الرأيِّ القانونيِّ تتعلقُ بمواطنٍ بريطانيٍّ من أصلٍ ليبي وجدتْ السُلطاتُ الأمنيةُ في بيتهِ عدداً من مقاطعِ الفيديو تبدو فيها عملياتٌ للقاعدةِ في أفغانستان ومقاومةٌ عراقيةٌ لقواتِّ الإحتلالِ وشيءٌ من مقاومةٍ فلسطينيةٍ مما عَدتْهُ تلك الأجهزةُ الأمنيةِ دعماً للإرهابِ وذلك خلافاً لقانون الإرهاب لعام 2006. وبعد أن أحيلَ المتهمُ للقضاءِ حكم عليه بالسجن لخمسِ سنواتٍ وحين استأنفَ الحكمَ صدقتْ محكمةُ الإستئنافِ الحكم.
ثم وصلتْ القضيةُ للمحكمةِ الأعلى والتي طُلبَ منها البتُّ في سؤالٍ قانونيٍّ مضمُونُهُ:
“هل إن تعريفَ الإرهابِ في المادة (1) من قانونِ الإرهابِ لعام 2000 يَشْمل أياً أو كلاً من أعمالِ الهجومِ العسكريِّ التي تقومُ بها جماعاتٌ مسلحةٌ غيرُ حكوميةٍ ضِدَّ جزءٍ أو أيٍّ من مؤسسات الدولةِ أو قواتِها المسلحةِ أثناءَ نزاعٍ غيرِ دُولِي؟”
وخلاصةُ ما قضتْ المحكمةُ الأعلى في لندن به هو:
أولاً: إن المادةَ الأولى من قانونِ الإرهابِ لعام 2000 جعلتْ للإرهابِ ثلاثةَ مكونات: أولُها أنه يعني: القيامُ او التهديدُ بعملٍ داخلَ المملكةِ المتحدةِ أو خارجَها حين يتضمنُ ذلك العملُ عُنفاً جدياً أو ضرراً جديا بالممتلكاتِ أو يَخْلُقُ خطراً جدياً على سلامةِ وصحةِ الجمهور. وثانيها أن التهديدَ أو القيامَ بالعملِ يجبُ أن يكونَ مُخططاً لهُ في أن يُؤثرَ على حكومةِ المملكةِ المتحدةِ أو أيةِ حكومةٍ أخرى أو على ايةِ منظمةِ حكوماتٍ دُولية أو أن يُرعبَ الجمهورَ. وثالثُ المكوناتِ هو أن يكونَ التهديدُ أو القيامُ بالعملِ واقعٌ لتحقيقِ هدفٍ سياسيٍّ أو دينيٍّ أو عِرقيٍّ أو عقائدي.
ثانياً: إن تعريفَ الإرهابِ، بموجبِ المعنى الطبيعيٍّ للغةِ التي جاءَ بها، يبدو شاملاً لكلِّ عنفٍ أو ضررٍ بالممتلكاتِ إذا جرى ذلك بهدفِ التأثير على حكومةٍ أو منظمةِ حكوماتٍ دُولية لتحقيقِ أهدافٍ متعددة. وهكذا يبدو أنه، أي الإرهاب، يشمَلُ النشاطَ العسكريَّ أو شبهَ العسكريِّ الهادفِ لإسقاطِ حكومةِ دولةٍ أجنبيةٍ حتى اذا كان هذا النشاطُ مدعوماً بشكلٍ رسميٍّ أو غيرِ رسميّ من قبلِ حكومةِ المملكةِ المتحدة.
هكذا وجدتْ المحكمةُ الأعلى أن القانونَ الإنكليزيَّ يلزمها بأن تقضي بأن نشاطَ الحكومةِ البريطانيةِ في دعمِ أي عملٍ عسكريٍّ يسعى لإسقاطِ حكومةِ دولةٍ أجنبيةٍ هو عملٌ إرهابيٌّ يعاقِبُ عليه القانونُ الإنكليزي، ويسري هذا على ما فعلته حكومةُ المملكةِ المتحدةِ من عملٍ إرهابيِّ في غزوِ العراقِ أو في دعمِ الإرهابِ كما تفعلُ اليومَ في سورية.
فما الذي يعنيه حكمُ المحكمةِ الأعلى في لندن بقدرِ ما يتعلقُ الأمرُ بسورية؟
إنه يعني أولا أن كلَّ حركةٍ تحملٍ السلاحَ في سورية ضِدَّ حكومةِ دمشقَ هي حركةٌ إرهابيةٌّ ايا كان اسمُها أو وصفُها. وهذا يعني أن وصفَ عددٍ من الحركاتٍ على أنها حركاتٌ معتدلةٌ وغيرُ متطرفةٍ، كما هو الحالُ في ما يُسمى بالجيشِ الحُرٍّ ومن على شاكلتِهِ، لا يغيرُ من احتسابِها حركاتٍ إرهابيةً على وفقِ القانونِ الإنكليزي.
إنه يعني ثانياً أن ايةَ حكومةٍ أو جهةٍ غيرِ حكوميةٍ تدعمُ ايةَ مجموعةٍ تقاتلُ الحكومةَ السوريةَ إنما هي تدعمُ الإرهابَ وتتعرضُ للعقوبةِ المنصوصِ عليها في القانونِ الإنكليزي. فتكونُ بريطانيا والولاياتُ المتحدةُ وفرنسا وتركيا، والسعوديةُ وقطرُ والإماراتُ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ، داعمةً للإرهابِ وعُرضةً للمقاضاةِ والإدانةِ أمامَ القضاءِ الإنكليزيِّ في لندن.
إنه يعني ثالثاً أن بمقددورِ الحكومةِ السوريةِ أن تُقاضيَ اياً من هذه الحركاتِ التي تقاتلها أمامَ القضاءِ الإنكليزي لإرتكابها الإرهابَ خلافا للقانون فاذا لم تحصلْ على حكمٍ ضدِّ أحد من أعضائها فإنها قد تتمكنُ من حجزِ أموالِ تلك الحركة.
إنه يعني رابعاً أن للحكومةِ السوريةِ الحقَّ القانونيَّ لمقاضاةِ كلِّ دولةٍ ساهمتْ أو دعمتْ ايةَ حركةٍ قاتلتْ أو ما زالتْ تقاتلُها أمامَ المحاكمِ في لندن.
وهي أي الحكومةُ السوريةُ اذا لم تفعلْ ذلك فانها ولا شكَّ مُقصِّرةٌ في حَقِّ شعبِها في عدمِ تمكينه من الإقتصاصِ القانونيِّ من الذين الحقوا هذا القتلَ والخرابَ بهِ وذلك بموجبِ قوانين تلك الدولِ التي تدعمُ الإرهاب!
فاذا عجزتْ الحكومةُ السوريةُ عن هذا لإعتباراتٍ مازلتُ أجهلُها، فان واجبَ أيِّ مواطنٍ سوريٍّ أن يفعلَ ذلك فيقاضي من يقاضي من الحكوماتِ التي دعمتْ الإرهابَ أمامَ القضاءِ الإنكليزي.
وبرغمِ أني أشُكُّ في أن يفعلَ أيُّ مواطنٍ سوريٍّ ذلك، إلا أني لا بُدَّ أن اذكِّرَ بأن هذا متاحٌ لمن أراد أن ينتصرَ لنفسهِ وكرامتهِ التي استباحَها مَغولُ القرنِ الحاديِ والعشرين!
عبد الحق العاني
24 أيلول 2017