إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)
قل: علم إجتماع الهوية: جدليات الوعي
ولا تقل: سوسولوجيا الهوية: جدليات الوعي
نشر مركز دراسات الوحدة العربية كتاباً بعنوان “سوسولوجيا الهوية: جدليات الوعي”. ولعمري لا أدري كيف يمكن للعجمة أن تعزز الوحدة العربية. فأول ما يوحد القوم لسانهم ومن لا يحرص على سلامة اللسان لا يمكن أن يحرص حقاً على وحدة الأمة. فاذا لم يكن بالإمكان إصدار الكتاب بعنوان عربي فلا خير فيه ولا في صدوره!
وهذا الإستعمال، شأنه في ذلك شأن المفردات التي لا تعد لكثرتها والتي دخلت لغة العرب المكتوبة والمسموعة، يكشف تغرب العقل العربي المتسارع حتى أصبح مطلوباً من القارئ العربي أن يلجأ للقواميس العربية/الإنكليزية/ الفرنسية كي يعرف ما يريده الكاتب، وكأن هذا لا يكفي مطلباً مثبطاً كي يكتشف القارئ ان استعمال المفرد الأعجمي يختلف من كاتب لآخر.
فمن أين جاءت “سوسولوجيا” وما تعنيه؟ إن ملاحظة أن هذه الكلمة تستعمل هكذا في أغلب اللغات الأوربية يوحي أن أصلها لا بد أن يكون يونانياً/لاتينياً.
ولم يكن إستعمال الكلمة حتى في أوربا قديماً حيث يبدو أن أول من أدخل استعمالها كان الكاتب الفرنسي ايسودور كومته وذلك عام 1830. واشتقها من كلمتين الأولى لاتينية (شوكوز) وتعني اشتراك أو إجتماع والثانية هي اللاحقة اليونانية (لوجي) وتعني العلم فاصبحت الكلمة تعني “علم الإجتماع” والذي يعرف اليوم على أنه علم دراسة القوانين الأساس للعلاقات الإجتماعية بدراسة أصل وتطور وتنظيم وعمل المجتمع الإنساني.
فاذا كانت العربية مجزية لهذا المعنى فما هي الحكمة من استعمال الكلمة اللاتينية والتي لا تضيف جديداً؟
فقل: علم الإجتماع
ولا تقل: سوسولوجيا
قل: سبق أن قلنا ان البرد قاس كما أن الريح شديدة ولا بد من أن تتغير
ولا تقل: سبق وقلنا ان البرد قاس ولا تقل: كما وأن الريح شديدة ولا تقل: ولا بد وأن تتغير
كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الفعل “سبق” يحتاج الى فاعل ظاهر أو مؤول فإذا قلنا “سبق أن قلنا” فيكون المصدر من أن والفعل قلنا فاعلاً له والتقدير “سبق قولنا”. اما سبق وقلنا فخطأ لأن الواو ليست من الأحرف المصدرية فلا يجوز أن تؤول مع الفعل بمصدر.
وقولهم “كما وأن الريح شديدة” غلط لأن واو العطف لا تدخل بين كاف التشبيه والمشبه به، فكما لا تقول “ليس الغافل وكالمستيقظ أو المتيقظ” فكذلك لا تقول “كما وأن الريح شديدة”. وقولهم “لا بد وأن تتغير” فيه واو زائدة مقحمة بين اسم “لا” وصلته المجرورة أو المنصوبة بعد حذف الجر فالصواب “لا بد أن تتغير” وقولهم “ولا سيما وكذا وكذا” خطأ فلا يصح أبداً إقحام الوا بين ما وما يليها في جملة “ولا سيما” لأن ذلك يقطعها عما يليها متمماً لها ومحققاً معناها.”
قل: رأيت الشيء يهوي هَوِيَّاً إذا هَبَطَ
ولا تقل: رأيت الشيء يهوي هُوَيَّاً إذا هَبَطَ
وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “هوى الشيء هُوِيَّاً (بالضم): إذا صَعِدَ. وهَوَى الشيء هَوِيَّاً (بالفتح): إذا هَبَطَ.”
وجاء في اللسان: ” وهَوَى هَوِيًّا وهَى (* قوله« وهوى هوياً وهى إلخ» كذا في الأَصل، وعبارة المحكم: وهوى هوياً، وهاوى سار سيراً شديداً، وأَنشد بيت ذي الرمة.) ، وكذلك الهُوِيّ في السير إِذا مضى. ابن الأَعرابي: الهُوِيُّ السَّرِيعُ إِلى فَوْقُ، وقال أَبو زيد مثله، وأَنشد: والدَّلْوُ في إِصْعادِهَا عَجْلَى الهُوِيُّ وقال ابن بري: ذكر الرياشي عن أَبي زيد أَنَّ الهَوِيّ بفتح الهاء إِلى أَسفل، وبضمها إِلى فوق؛وأَنشد: عَجْلَى الهُوي؛ وأَنشد: هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَها الرِّشاء فهذا إِلى أَسفل؛ وأَنشد لمعقر بن حمار البارقي: هَوَى زَهْدَمٌ تحْتَ الغُبارِ لِحاجِبٍ، كما انْقَضَّ بازٍ أَقْتَمُ الرِّيشِ كاسِرُ وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كأَنَّما يَهْوِي مِن صَبَبٍ أَي يَنْحَطُّ، وذلك مِشية القَوِيّ من الرجال. يقال: هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا، بالفتح، إِذا هبط، وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، بالضم، إِذا صَعدَ.”
كتب الحريري: ومن أوهامهم أن هوى لا يستعمل إلا في الهبوط، وليس كذلك بل معناه الإسراع الذي قد يكون في الصعود والهبوط، وفي حديث البراق: فانطلق يهوي به أي يسرع.
وذكر أهل اللغة أن مصدر الصعود الهُوي بضم الهاء ومصدر الهبوط الهَوي بفتحها، فأما قوله تعالى: “كالذي استهوته الشياطين” فقيل فيه: ذهبت به، وقيل: استمالته بالإضلال واختلبته بالإغواء.
قل: امتلأ بطنه
ولا تقل: إمتلأت بطنه
وكتب البغدادي في ذيل فصيح ثعلب: “ومما تؤنثه العامة وهو مذكر البطن والرأس وشاه الشطرنج، فتقول إمتلأ بطنه وأوجعه رأسه، ولا تقل أوجَعَته. وتقول: شاه ماتَ ولا تقول ماتت.”
وكتب اليازجي: ” ومن الأخطاء الشائعة على أقلام بعض الكُتّاب تأنيث ما ينبغي تذكيره مثل ألفاظ : الرأس ، والبطـن ، والحَشا.”
وردَّ سليم الجندي على ما ذهب إليه اليازجي في كتابه “لغة الجرائد” من أن لفظ (البطن) لا يكون إلا مذكَّرًا، فأورد ما جاء في التاج في مادة (بطن): وهو: وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة أن تأنيثه لغة.
قل: رايت طائرَ الغُرنِيِق
ولا تقل: رأيتُ طائرَ الغَرنوُق
كتب الزبيدي: “يقولون للطائر “غَرنُوق”، و “الغَرنوق” و “الغِرنوق” و “الغُرانق”: الرجل الشاب الناعم ويجمع على “الغَرانِق” و “الغَرانِقَة”. قال الأعشى:
فقدْ كان في شُبَّان قَومِكَ مَنْكَحٌ وفِتيانِ هِزّانَ الطِّوالِ الغَرانِقَه
وأمّا الطائر فهو “الغُرْنَيْقُ”، قال الهذلي:
أجازَ إليها لُجَّةً بعد لُجَّةٍ أزَلُّ كَغُرْنَيق الضُّحُولِ عَمُوجُ
والعموج: السابح المتلوي في سباحته.
وقال أبو حنيفة الإصبهاني في “الغُرنُوق” نبت ينبت في أصل العَوسَج وهو “الغُرانِقُ” أيضاً، وقال بن ميادة:
سَقَى شُعِبَ الممدور يا أمَّ جَحْدَرٍ ولا زال يسقي سِدرَهُ وغُرانِقَهْ
قال: ومن ذلك قيل للشاب الغض الناعم: غُرنُوق.”
وكتب المقدسي: ويقولون للحصِيرِ الذي يُصَلَّى عليهِ: مُصَلاَّتٌ. والصوابُ: مُصَلَّى.
قل: حَرَصَ فلان على الدنيا
ولا تقل: حَرِصَ فلان على الدنيا
وكتب عبد الهادي بوطالب: “حَرَص بفتح الراء يَحْرِص ينطق بها البعض في الماضي بكسر الراء. والأصوب فتح الراء في الماضي وكسرها في المضارع. مثلما نقول ضرَبَ يَضْرِب.”
قل: الشَّمال هو الجهة التي تقابل الجَنوب
ولا تقل: الشِّمال هو الجهة التي تقابل الجَنوب
وكتب عبد الهادي بوطالب: الشَّمال (بفتح الشين) الجهة التي تقابل الجَنوب. وكسر الشين خطأ يجري على الألسنة في المشرق العربي. والشَّمال أيضا هو الريح التي تَهُبّ من هذه الجهة.
أما الشِّمال (بكسر الشين) فهو ما يقابل اليمين. ويُطلق عليه اليسار أيضا.
وجاء في القرآن : “عن اليمين وعن الشِّمال عِزين” وتحدث القرآن عن “أصحاب اليمين، وأصحاب الشِّمال”.
قل: قال فلان ذيت وذيت
ولا تقل: قال فلان كيت وكيت
كتب الحريري: “ويقولون: قال فلان كيت وكيت، فيوهمون فيه، لأن العرب تقول: كان من الأمر كيت وكيت، وقال فلان: ذيت وذيت، فيجعلون كيت وكيت كناية عن الأفعال، وذيت وذيت كناية عن المقال كما أنهم يكنون عن مقدار الشيء وعدته بلفظة كذا وكذا فيقولون: قال فلان من الشعر كذا وكذا بيتاً، واشترى الأمير كذا وكذا عبداً، والأصل في هذه اللفظة ذا فأدخل عليها كاف التشبيه إلا أنه قد انخلع من ذا معنى الإشارة، ومن الكاف معنى التشبيه بدلالة أنك لست تشير إلى شيء ولا تشبه شيئاً بشيء وإنما تكني بها عن عدد ما، فتنزل الكاف في هذا الموطن منزلة الزائدة اللازمة، وصارت كقولهم: فعله إثرا ما أي أولا، ويقال: آثرتك بهذا فخذه، ولفظة ذا مجرورة بها إلا أن الكاف لما امتزجت بذا، وصارت معه كالجزء الواحد منه، ناسب لفظهما لفظة حبذا التي لا يجوز أن تلحقها علامة التأنيث، فتقول: عنده كذا وكذا جارية، ولا يجوز أن تقول كذه، كما لا يقال: حبذه هند.
وعند الفقهاء أنه إذا قال من له معرفة بكلام العرب: لفلان علي كذا كذا درهما. ألزم له أحد عشر درهماً، لأنه أقل الأعداد المركبة، وإن قال: له علي كذا وكذا درهما ألزم واحداً وعشرين درهما لكونه أول مراتب الأعداد المعطوفة، وذاك ان المقر بالشي المبهم لا يلزم إلا أقل ما يحتمله إقراره، ويشتمل عليه اعترافه كما أنه إذا قال: له علي دراهم لزمه ثلاثة لأنها أدنى الجمع.” انتهى
فاذا قبلنا ما كتبه الحريري فإن ما كتبه البستي: “ومن هذا قولُهُ، صلّى الله عليه وسلّم: “لا يقولن أحَدُكُم نسيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيْتَ، إنَّما نُسِّيَ”. يصبح حديثا موضوعا، وما أكثر الأحاديث الموضوعة، ذلك لأن نبينا الأكرم وهو سيد لسان العرب لا يمكن له أن يقول ما لم تعرفه العرب من فصيح القول.
قل: بينا زيد قام جاء عمرو
ولا تقل: بينا زيد قام إذ جاء عمرو
وكتب الحريري: “ويقولون: بينا زيد قام إذ جاء عمرو، فيتلقون بينا بإذ، والمسموع عن العرب: بينا زيد قام جاء عمرو، بلا إذ لأن المعنى فيه: بين أثناء الزمان جاء عمرو، وعليه قول أبي ذؤيب:
بينا تعانقه الكماة وروغه ** يوما أتيح له جريء سلفع
فقال: أتيح، ولم يقل: إذ أتيح، وهذا البيت ينشد بجر تعانقه ورفعه، فمن جره جعل الألف في بينا ملتحقة لإشباع الفتحة كالألف في قول الشاعر:
فأنت من الغواية حين تدعى ** ومن ذم الرجال بمنتزاح
لأن الأصل فيها بين، وجر تعانقه على الإضافة، ومن رفع رفعه على الابتداء، وجعل الألف زيادة ألحقت ببين لتوقع بعدها الجملة، كما زيدت ما في بينما لهذه العلة. وذكر أبو محمد بن قتيبة قال: سألت الرياشي عن هذه المسألة، فقال: إذا ولي لفظة بين الاسم العلم رفعت فقلت: بينا زيد قام جاء عمرو، وإن وليها المصدر فالأجود الجر كهذه المسألة.
وحكى أبو القاسم الآمدي في أماليه عن أبي عثمان المازني قال: حضرت أنا ويعقوب بن السكيت مجلس محمد بن عبد الملك الزيات، فأفضنا في شجون الحديث، إلى أن قلت: كان الأصمعي يقول: بينا أنا جالس إذ جاء عمرو. فقال ابن السكيت: أهذا كلام الناس قال: فأخذت في مناظرته عليه وإيضاح المعنى له، فقال لي محمد ابن عبد الملك: دعني حتى أبين له ما اشتبه عليه، ثم التفت إليه وقال له: ما معنى بينا فقال: حين، قال: أفيجوز أن يقال: حين جلس زيد إذ جاء عمرو فسكت.
فهذا حكم بينا، وأما بينما فأصلها أيضا بين، فزيدت عليه ما لتؤذن بأنها خرجت عن بابها بإضافة ما إليها. وقد جاءت في الكلام تارة غير متلقاة بإذ مثل بينا واستعملت تارة متلقاة بإذ وإذا اللذين للمفاجأة، كما قال الشاعر:
فبينما العسر إذ دارت مياسير **
وكقوله في هذه القطعة:
وبينما المرء في الأحياء مغتبط ** إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
فتلقى هذا الشاعر بينما في البيت الأول بإذ وفي الثاني بإذا، وليس ببدع أن يتغير حكم بين بضم ما إليه لأن التركيب يزيل الأشياء عن أصولها ويحيلها عن أوضاعها ورسومها ألا ترى أن رب لا تدخل إلا على الاسم، فإذا اتصلت بها ما، غيرت حكمها وأولتها الفعل كما جاء في القرآن: “ربما يود الذين كفروا”، وكذلك حرف لم فإذا زيدت عليها ما – وهي أيضا حرف – صارت لما اسما في بعض المواطن بمعنى حين ووليها الفعل الماضي نحو قوله تعالى: “ولما جاءت رسلنا لوطا” وهكذا قل وطال لا يجوز أن يليهما الفعل، فإن وصلا بما وليهما الفعل، كقولك: طالما زرتك وقلما هجرتك.”
ليتني أعطيت منه بدلا ** بنصيبي شر أولاد المعز
قد رضينا بيضة فاسدة ** عوضا منه إذا البيع نجز”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
14 أيلول 2017