مقدمة
بدأت حياتي مهندساً فقد درست الهندسة الكهربائية في بغداد ثم تخصصت في هندسة الإتصالات في الكلية الجامعة (لندن). تركت العراق عام 1980 لأسباب سياسية، وهذا يعني أني لم أعان أياً من الكوارث التي حلت بالعراق منذ عام 1980 حتى يومنا هذا!
حين فرض حصار الإبادة على العراق عام 1990 أدركت يومها أن الحلقة الأولى للمشروع الصهيوني في هدم المشرق العربي والتي كتب عنها هنري كيسنجر عام 1975 وضعت موضع التنفيذ. كانت لدي خيارات محدودة لمواجهة المعركة القادمة وغير المتكافأة، فقررت يومها أن أدرس القانون ليكون وسيلتي في حربي ضد الظلم. هكذا فعلت وبتضحية كبيرة تركت الهندسة ودرست القانون واكملت المتطلبات الأساس حتى دعيت للبار الإنكليزي عام 1996 مما أتاح لي فرصة الترافع أمام كل المحاكم البريطانية والمحكمة الأوربية. لكني برغم أني كنت يومها حاصلاً على سبع شهادات في أربعة من فروع المعرفة (الهندسة الإلكترونية، العلوم السياسية، هندسة المعرفة والقانون) إلا أن عدداً لا يقل عن عشرين مكتباً من مكاتب محامي المرافعة لم يرض بي زميلاً لهم!
اصدرت في لندن بين عامي 1992 و 1996 مجلة فصلية سياسية ثقافية باللغة الإنكليزية كانت الوحيدة وربما الأولى في لندن التي كشفت جريمة استعمال اليورانيوم المنضب في غزو العراق الأول وجريمة حصار الإبادة.
كنت وما زلت أحتقر أي شخص، خصوصاً اذا كان عراقياً، وقف مع حصار العراق!
حاولت من لندن مرتين في عام 1999 وعام 2002 دعوة الحكومة العراقية لمقاضاة المعتدي أمام محكمة العدل الدولية ضد الحصار الجائر على شعب العراق والقصف الجوي المستمر وفرض مناطق منع الطيران المدني خلافاً لقواعد القانون الدولي لكن دون جدوى. ليس هذا الوقت ولا المكان الصحيح لبحث سبب رفض حكومة العراق الإنتفاع بالسابقة القانونية التي أوجدها حكم محكمة العدل الدولية في قضية (نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية).
ساعدت بالنصح القانوني عدداً من الأصدقاء الإنكليز الذين حاولوا عن طريق القضاء التصدي للإستعدادات البريطانية الجارية لغزو العراق. لكن المحاكم البريطانية رفضت الطلبات بحجة أنها لا تنظر في دعاوى افتراضية ما دام اي عمل عسكري لم يقع بعد.
لكن ما أن بدأ الغزو حتى قمت بما يلي:
- كتبت يوم 24 آذار 2003 (أربعة أيام بعد بداية الغزو) للمدعي العام البريطاني طالباً، كما يلزم القانون في كل جرائم القانون الدولي، الإذن لمباشرة دعوى ضد توني بلير وحكومته خلافاً للفصل الخامس من قانون محكمة الجنايات الدولية 2001. لكن المدعي العام والذي كان هو نفسه من قدم النصح للحكومة بشرعية الغزو لم يرد على الطلب القانوني وإنما كتب لي إنشاءً حول أهداف الغزو. فكتبت له ان سلوكه يخرق قواعد العدالة الأساس في أنه يحكم في قضيته لأنه هو أحد المتهمين. وحين طعنت برفض المدعي العام عن طريق المراجعة القضائية فان كلاً من قاضي العليا (تكر) وقاضي الإستئناف (روز) رفض طلب المراجعة القضائية دون الرد على طعني الأساس في عدم جواز أن يكون للمدعي العام حق تقرير اي أمر في قضية هو متهم فيها.
- وكتبت للمدعي العام البريطاني يوم 7 نيسان 2003 طالبا الإذن بمباشرة دعوى ضد جورج بوش بتهمة خرقه قانون اتفاقية جنيف 1957 في غزو العراق. رد المدعي العام أن جورج بوش يتمتع بحصانة، مع انه لم يكن.
- طلبت يوم 28 كانون الثاني 2004 من المدعي العام البريطاني الإذن لمباشرة دعوى ضد الحكومة البريطانية بتهمة الإبادة في الحصار على العراق. وتقدمت بطلب المراجعة القضائية بعد رفض طلب المدعي العام منح الإذن، لكن قاضي العليا (كولنز) رفض الطلب يوم 22 حزيران 2004.
- كتبت يوم 4 شباط 2004 الى رئيس الوزراء توني بلير أعلمه، كما يقضي القانون، بأني سأتقدم للمحكمة العليا بطلب المراجعة القضائية لخرق الحكومة البريطانية قواعد القانون الدولي في قيام “هيئة الحكم الإنتقالي” باصدار قوانين غيرت فيها تشريعات العراق خلافاً للقانون الذي يمنع المحتل من تغيير قوانين الأرض المحتلة. وحين عجز بلير عن الرد تقدمت بطلب المراجعة القضائية لكن قاضي العليا (كولنز) رفض الطلب يوم 10 حزيران 2004.
إن سبب عدم متابعتي للدعاوى أعلاه حتى نهاياتها، اياً كانت، سبب سهل: وهو المال أو بالأحرى انعدامه. ذلك لأن من الخيال الحديث عن وجود عدالة في أي نظام رأسمالي، وبريطانيا مثال جيد لذلك. فالمواطن يمكن له أن يصل للقضاء اذا كان غنياً أو في موقع قوة. أما الفقير الضعيف فلا نصيب له فيها، فكيف والخصم هو الحكومة البريطانية! لقد منعنا من الإستمرار بطريقين أولهما احتمال إلزامنا بدفع كلفة محامي بلير في أي مرحلة من مراحل التقاضي قد نخسرها والثاني الزامنا بوضع ضمانة مالية كبيرة في المحكمة قبل التحرك للإستئناف. أما توني بلير فلا يخشى أياً من هذه العقبات.
ما بين 2007 و 2015
تم غزو العراق واحتلاله على يد مجموعة شريرة من الأمريكيين والبريطانيين لم يسبق جمع مثلهم في التأريخ، ثم قسم سياسياً على أسس عرقية ومذهبية وغيرت قوانينه ونظامه الإقتصادي والمالي والعسكري والقضائي وترك في خراب وفساد ليس له مثيل في العالم وفي حرب أهلية طاحنة.
يكفي أن نتذكر أنه بعد أربعة عشر عاماً من “التحرير والديموقراطية” ما زال المواطن العراقي يعاني حرارة قيض العراق لإنعدام الكهرباء رغم أن نظام البعث نجح عام 1987 بتصدير الكهرباء.
لقد أصبح طلب العدالة لشعب العراق رسالتي في الحياة!
فلم أتوقف عن دعوة العراقيين من ضحايا الحصار والتلوث بالإشعاع والغزو والإحتلال الذين خسروا كل شيء أن يتقدموا باجراء قضائي، لكني فوجئت برد بائس. لقد كشف لي العراقيون طبيعة هشة من اليأس وعدم المبالاة.
فقررت أن أصرف جهدي ووقتي في البحث من أجل توثيق الأحداث والجرائم سجلاً للتأريخ وأدلة لأي عمل قانوني في المستقبل. وقاد هذا البحث لتأليفي أو مشاركتي في تأليف أربعة كتب بين عامي 2007 و 2014 وباللغة الإنكليزية للمواضيع التي تبدو واضحة من عنوانيها كما يلي هذا الى جانب عدد كبير من المقالات التي نشرت في مواقع مختلفة وفي مدونتي:
- The Trial of Saddam Hussein, 2008, Clarity Press Inc. Atlanta.
- Uranium in Iraq: The Poisonous Legacy of Iraq Wars, co-authored with Joanne Baker, 2009, Vandeplas Publishing.
- Genocide in Iraq, The Case Against the UN Security Council and Member States, co-authored with Tarik Al-Ani, 2012, Clarity Press Inc. Atlanta,
- Genocide in Iraq II, The Obliteration of a Modern State, co-authored with Tarik Al-Ani, 2014, Clarity Press Inc. Atlanta.
لم أتوقف أثناء البحث والتأليف عن البحث عن ضحايا راغبين في مقاضاة المعتدي.
دعوى الغزو أمام المحكمة العليا
أبدى الفريق الأول الركن عبد الواحد شنان آل رباط، رئيس اركان الجيش العراقي الأسبق، عام 2015 رغبته في مقاضاة المعتدين ليس فقط للتعويض، وإن كان هذه حقه الطبيعي فقد فقد كل شيء، ولكن كرد على الغزو يقول فيه إنه لا يحق لأحد أن يسلبه كرامته كانسان. فليس صحيحاً ما جرى قوله بان الدعوى الحالية ضد توني بلير وأصحابه سببها صدور تقرير “تشلكوت”. فالإعداد للمباشرة بالدعوى جرى منذ عام 2015 لكنه تأخر لأسباب ليس مهماً لما نحن فيه معرفتها. وهذا لا يعني أن تقرير “تشلكوت” لم يساعد فالتقرير الذي قرأته كله شمل كثيرا من المقابلات والنتائج التي تساعد في دعم دعوانا.
لقد جاءت في وسائل الإعلام تفاصيل وتصريحات وتعليقات عن دعوى الغزو بعضها غير دقيق وبعضها صادر عن أناس لا يعرفون عن القضاء أو القانون شيئاً. ولا بد من أجل الأمانة أن نضع الأمور في نصابها.
- تقدمت يوم 28 أيلول 2016 (ذكرى وفاة البطل القومي جمال عبد الناصر) بطلب لمحكمة جزاء ويستمنستر في لندن باسم الفريق الأول الركن عبد الواحد آل رباط لإصدار مذكرة استدعاء لكل من توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وجاك سترو وزير خارجيته واللورد غولدسمث، المدعي العام للمثول أمام المحكمة والرد على جريمة غزو العراق عام 2003 خلافاً للقاعدة القسرية في القانون الدولي التي تمنع العدوان كما أقرتها محكمة نورمبرغ التي ساهمت بريطانيا وحلفاؤها فيها بعد الحرب العالمية الثانية.
- ضم الطلب مطالعة من 100 صفحة تفصل الحقائق والقانون الذي يشكل أركان الجريمة.
- رفض قاضي الجزاء (سنو) يوم 24 تشرين الثاني 2016 اصدار المذكرة مستنداً لأسس لا علاقة لها بالقانون.
- أرسلت يوم 6 كانون الأول 2016 لقاضي الجزاء، كما يلزم القانون، برسالة دعوته فيها إعادة النظر في قراره قبل اللجوء للمحكمة العليا لطلب المراجعة القضائية لقراره.
- رفض قاضي الجزاء في 29 كانون الأول 2016 إعادة النظر في قراره الصادر في 24 تشرين الثاني 2016.
- إن سبب قيامي لوحدي بمباشرة الدعوى لم يكن بسبب بحث عن مجد موهوم أو طلبا ً لمال غير موجود ولكن بسبب أني وجدت قليلاً من الناس كانوا يصدقون أن ما أريد القيام به سيقود لعمل جدي. وهذا شمل حتى عدداً من المحامين الذين بحثت موضوع المقاضاة معهم. لكني حين وصلت لمرحلة المراجعة القضائية اصبح الأمر جدياً يستدعي معاملة جدية من المحامين.
- وحين وصلت لمرحلة المراجعة القضائية فقد اصبح من الصعب أن أقوم بالعمل لوحدي. فاتصلت بصديقي القديم محامي المتابعة (سولستر) عمران خان والذي ابدى اهتماماً بالدعوى واستعداداً للمساهمة معي بخبرته.
- واتفقت مع عمران خان على الحاجة لمحامي مرافعة من أعلى درجة ممارسة ممن يسمون “مستشار الملكة” فاخترنا المحامي (مايكل مانسفيلد) والذي لم يتأخر في ابداء الإستعداد للمساهمة في الدعوى.
- تقدمنا يوم 22 شباط 2017 للمحكمة العليا بطلب الإذن للمراجعة القضائية لقرار قاضي الجزاء رفض إصدار مذكرة الإستدعاء.
- أعلمنا يوم 24 آذار 2017 بأن المدعي العام البريطاني تدخل في الدعوى لأهميتها للراي العام، وان المدعى عليهم يدعمون تدخله وأنهم سيمثلهم القسم القانوني للحكومة.
- قدم المدعي العام يوم 11 نيسان 2017 للمحكمة العليا مذكرة يعارض فيها طلبنا وذلك حتى قبل أن توافق المحكمة على تدخله في الدعوى.
- لم يضف المدعي العام في مذكرته جديداً على ما قدمناه في مطالعتنا. فقد استند في طلب الرفض إلى أن محكمة مجلس اللورات أصدرت عام 2006 حكماً في قضية “جونز” قضى بأن العدوان ليس جريمة بموجب القانون الإنكليزي.
- كنا قد أقررنا بالسابقة القانونية القائمة لكننا عرضنا ان الحقائق والقانون قد تغيرا مما يستدعي اعادة النظر بالحكم الصادر في قضية “جونز”.
- أصدر قاضي العليا (أوسلي) يوم 25 أيار 2017 قراراً بعرض طلب الإذن للمراجعة القضائية على محكمة الإستئناف الفرعية.
- قرر القاضي (أوسلي) انه ما دام الحكم في قضية “جونز” ملزماً لكل المحاكم دون المحكمة الأعلى فان محكمة الإستئناف الفرعية ستنظر في أمر واحد فقط وهو ما إذا كان يجوز إعادة النظر في الحكم الصادر في قضية “جونز”.
- سمعت محكمة الإستئناف الفرعية يوم 5 تموز 2017 ما نريده وما يعترض عليه المدعي العام. دعونا نحن المحكمة أن تقضي بأن الوقت حان لإعادة النظر في “جونز”. أما المدعي العام فقد طلب من المحكمة رفض طلبنا لأن المحكمة الأعلى سوف لن تعيد النظر في الحكم الصادر في “جونز”.
- طلبت محكمة الإستئاف الفرعية منا تقديم عدد من الوثائق في مدة اسبوع. وقد قدمنا ما طلبته المحكمة.
- إن محكمة الإستئناف الفرعية يمكنها اصدار أحد قرارين: إما أن ترفض طلبنا فتغلق الدعوى أو تقرر أن تحيل الطلب للمحكمة الأعلى كي تعيد النظر في الحكم الصادر في “جونز”.
ما هي الخطوة القادمة؟
إن هذه هي الدعوى الجدية الأولى أمام القضاء بعد 27 عاماً من جريمة فرض حصار الإبادة على شعب العراق. إن هناك عدداً من الجرائم مما يمكن المقاضاة بها أمام المحاكم في بريطانيا اذا وجد ضحايا عراقيون مستعدون لذلك ويمتلكون الجرأة والشعور بالظلم لعمل ذلك.
اعتقد ان هذه الدعوى أيقظت كثيراً من العراقيين للإمكانية الجدية وربما ستشجع الناس أن يساهموا في القضايا بشكل فعال ويدعموها بالطرق السلمية والقانونية.
أما بالنسبة لي فقد يلفقون لي قضية ويعتقلونني من جديد كما فعلوا عام 2003 حين اعتقلوني بعد مباشرتي لمقاضاة المدعي العام بدعوى خرقي للحصار على العراق ولم أكن قد فعلت وحبذا لو كان بمقدوري أن افعل إذ كنت قد فعلت!
لكن مهما حدث فإني لن أكف عن بحثي عن العدل لشعب العراق.
الدكتور عبد الحق العاني
محام
(بارستر)
عضو في البار الإنكليزي
14 تموز 2017
تحياتي وتمنياتي لك بالتوفيق في سعيك لإدانة بلير وبوش وفضح جرائمهم بحق الشعب العراقي التي تمثلت في حصار ظالم عانى فيه الشعب من آثاره الاقتصادية بمرارة ، ثم الحرب واحتلال العراق وتنفيذ سياسات عدوانية لزرع الفتنة ونشر الإرهاب والفساد وتخريب البنى التحتية والعمل على تقسيم العراق .. ربما تتعثر خطواتك القانونية ولكن إصراركم ومواصلة المحاولة ونشر التفاصيل إعلاميا يساعد على إدانتهم معنويا وتاريخها ، علما بأن أميركا استخدمت السلاح الكيمياوي في ضرب فرق عسكرية عراقية مدرعة حاصرت قواتهم في مطار بغداد قبل شروعها في الهجوم علي قواتهم وشاهد الناس في المناطق السكنية القريبة من المطار تصاعد حلقات الدخان الأسود من هذه القنابل مما أدى إلى تفحم جثث جميع ضباط وجنود هذه الفرق في دباباتهم وسارعوا إلى دفنهم ومسح آثار الجريمة . ولازالت أميركا وبريطانيا تتآمر على العراق وسوريا وتغذية الإرهاب وتخرب الحياة فيهما ..