إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (مصطفى جواد)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)
قل: أصبت مشفَرَ البعير
ولا تقل: أصبت شفة البعير
ونأخذ مما كتبه ثعلب في “باب من الفرق” ما يلي: “تقول: هي الشَّفَة من الإنسان، ومن ذوات الخُفِّ: المِشْفَر، ومن ذوات الحافر: الجَحْفَلَة، ومن ذوات الظِّلف: المِقَمَّة والمِرَمَّة، ومن الخنزير: الفِنْطيسة، ومن السباع: الخَطْمُ والخُرطوم، ومن ذوي الجناح غير الصائد: المِنقَار، ومن الصائد: المِنْسَر.
وهو الظُّفْر من الإنسان، ومن ذي الخُفِّ: المَنسِم، ومن ذي الحافر: الحافر، ومن ذي الظلف: الظُّلف، ومن السباع والصائد من الطير: المِخْلَب، ومن الطير غير الصائد والكلاب ونحوها: البُرثُن، ويجوز البُرثنُ في السباع كلها.
وهو الثَّدي من الإنسان، ومن ذوات الخُفِّ: الأخلافُ والواحد خِلْف، ومن ذوات الحافر والسباع: الأطْباءُ والواحد طُبي بالضم ويقال بالكسر (أيضاً)، ومن ذوات الظلف: الضرع.
ويقال: مات الإنسان، ونفقت الدابة، وتَنَبَّلَ البعير إذا مات. وقال ابن الأعرابي: تَنَبَّلَ الإنسان وغيره إذا مات.”انتهى
وربما جاءت الكلمة العامية والمستعملة اليوم “تَنْبل” في وصف الإنسان الكسول وغير المنتج من هذا الأصل!
قل: حرم عليهم كل ذي ظُفُر (بضم الظاء)
ولا تقل: حرم عليهم كل ذي ظِفْر (بكسر الظاء)
كتب الزبيدي: “يقولون لواحد الأظفار “ظِفْر” والصواب “ظُفُر” (بضم الظاء) و “أظْفُور” قال الشاعر:
ما بينَ لُقْمَتِه الأولى إذا انحَدَرَتْ وبين أخرى تَلِيِها قيْدُ أُظْفُورِ
ويجمع “الأظفور” على “أظافير” وقد يجوز أن يكون “أظافير” جمع “أظفار”.
قل: في هذه الدار خمس حجر وثلاث غرف (إذا كانت ذات أبيات خمسة على وجه الأرض وأبيات ثلاثة في الطبقة الأولى)
ولا تقل: في هذه الدار ثماني غرف
كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الحجرة غير الغرفة والغرفة غير الحجرة ولو كانت كل منهما تسمى بيتاً، تشبيهاً ببيت الشعر الذي هو الأصل. والسبب في هذا الغلط المبين هو أن الذين ترجموا كلمة Room الإنكليزية كثيرون جدا حتى ليستكثر الموازن بينهما أن يستعمل اسم تفضيل بينهم.
فالغرفة يجب أن تكون في الطبقة الأولى والحجرة ينبغي أن تكون مبنية على وجه الأرض. قال مؤلف لسان العرب ناقلاً: “الغُرْفة العِلِّيّةُ، والجمع غُرُفات وغُرَفات وغُرْفات وغُرَف.” وقد وصفوا العِلّية بأنها بيت مفصول عن الأرض ببيت ونحوه والجمع عِلّيات وعلالي. فتسمية الحجرة باسم الغرفة هي كتسمية السرداب باسم القبة، وهو عبث باللغة العربية وعبث بالمصطلحات العربية فالغرفة هي بيت الطبقة الأولى أو ما فوقها.”انتهى
وقد جاء في الكتاب الكريم ذكر الحجرة والغرفة كل في موضعه. فقال عز من قائل في الغرفة. “لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الانهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد” (الزمر/20). فذكرنا تعالى أن الجنة درجات من غرف بعضها فوق بعضها وهي جميعاً مرتفعة عن الأرض سواء أأخذنا المعنى الحرفي أم المعني الحسي للآية. وأعاد العزيز الحكيم تذكرينا بغرفات الجنة فقال: “وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات امنون”. (سبأ/37).
أما الحجرة فقد جاءت مرة واحدة بصيغة الجمع في قوله تعالى: “ان الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون” (الحجرات/4). فيتضح من ذلك أن نبينا الأكرم (ص) كان يعيش في حجرة على سطح الأرض. ولم يتخذ له قصراً بغرف فوقها غرف كما فعل عدد من الخلفاء والملوك والسلاطين الذين حكموا المسلمين وادعوا أنهم يمشون في سنته.
قل: سار به المركب
ولا تقل: سارت به المركب
وكتب اليازجي: “ويقولون سارت به المركب فيؤنثون المركب وهو عجيب وقد ورد مثل هذا في سياقة ألف ليلة وليلة ولا يدرى ما أصله.” انتهى
وكتب صاحب اللسان: “والـمَرْكَبُ الدَّابة. تقول: هذا مَرْكَبي، والجَمْع المراكِبُ.” أما الجوهري فعرفه في الصحاح في قوله: “والمركَبُ واحدُ مراكبِ البرِّ والبحرِ.”
قل: وضعَ راسه على المِخَدَّة
ولاتقل: وضع رأسه على المَخَدَّة
كتب الزبيدي: ” يقولون “مَخَدَّة” للتي تُوضع تحت الخدِّ. والصواب “مِخَدَّة” بالكسر وهي أعظم من “المِصْدَغة”. انتهى
والمصدغة هي ما يوضع تحت الصُّدْغ، والصُّدْغ هو ما بين العين والأذن. وبرغم أن أكثر المعاجم تقول إن المخدة هي المصدغة إلا أن قول الزبيدي يبدو أسلم لأن الخد أكبر من الصدغ.
قل: ما رأيتُه منذ أوَّلَ من أمس
ولا تقل: ما رأيتُه منذ أوَّلَ أمس
كتب الزبيدي: “يقولون ما رأيته منذ أوَّلَ أمسِ، يعنون اليوم الذي قبل أمس. والصواب: ما رأيته منذ أوَّلَ من أمسِ. وقال يعقوب ابن السكيت: تقول ما رأيته منذ أمس، فإن لم تره يوماَ قلت: ما رأيته من أوَّلَ من أمس. وقال أحمد بن يحيى فإن لم تره يومين قلت: ما رأيته مُذْ أوَّل من أوَّل من أمس، قال والعرب لا تزيد على هذا.
قال أبو بكر فأما قول العامة “منذ أوَّل أمس” فهو بمنزلة “مذ أمس” لأن أوَّل أمس صدر النهار فكأنه قال “من صَدرنهاره”. فاذا قلت “أوَّل من أمس” كان معناه: النهار الذي هو قبل أمس.”
قل: هي البالوعة
ولا تقل: هي بلُّوعة
كتب الضبي: في باب ما تثبت فيه العرب الألف، والعامّة تسقطها منه: “هي البالوعة. ولا تقل: بلُّوعة.” انتهى
وجاء في مقاييس اللغة: “الباء واللام والعين أصلٌ واحد، وهو ازدراد الشيء. تقول: بلِعْتُ الشيءَ أبْلَعُه… والبالوع من هذا لأنه يَبْلَعُ الماء.” أما الجوهري فعرفها في قوله: “والبالوعَةُ ثَقْبٌ في وسط الدار.” واختلف صاحب اللسان مع الضبي في قوله: “والبالُوعة والبَلُّوعةُ، لغتان: بئر تحفر في وسط الدار ويُضَيَّقُ رأْسها يجري فيها المطر، وفي الصحاح: ثقب في وسط الدار، والجمع البَلالِيعُ، وبالُوعة لغة أَهل البصرة.” وهذا يوحي أن الضبي اعتمد لغة أهل البصرة حيث إن البلوعة صحيحة عند غيرهم من العرب.
قل: اتقوُا فِراسَةَ المؤمنِ
ولا تقل: اتقوُا فَراسَةَ المؤمنِ
كتب البستي: “وقالَ، عليه السلامُ: اتقوُا فِراسَةَ المؤمنِ فإنَّهُ ينظرُ بنورِ اللهِ”.انتهى
وتوسع الجوهري في ذلك فكتب في الصحاح: “والفِراسَةُ بالكسر: الاسم من قولك تَفَرَّسْتُ فيه خيراً. وهو يَتَفَرَّسُ، أي يتثبَّت وينظر. تقول منه: رجلٌ فارِسُ النظر. وفي الحديث: “اتَّقوا فِراسَةَ المؤمنِ………..وبالفتح: مصدر قولك رَجلٌ فارِسٌ على الخيل بيِّن الفَراسَةِ والفُروسَةِ والفُروسيَّةِ. وقد فَرُسَ بالضم: يَفْرُسُ فُروسَةً وفَراسَةً، أي حَذِقَ أمر الخيل.”
قل: رِيمة ابنة الغزال
ولا تقل: رِيم ابنة الغزال
وكتب عبد الهادي بوطالب: “رِيم هو ولد الغزال الذكر، ومؤنثه ريمة، أي ابنة الظبي (الغزال). وأصلهما رِئْمٌ ورِئْمةٌ فوقع التسهيل في الهمزة بنطقها وكتابتها ياء. وتسهيل الهمزة وارد في اللغة. وفي جميع الأحوال لا ينبغي أن يُطلَق لفظ ريم (أو رئم) ريم وريمة على الذكر والأنثى. فلكل منهما إطلاقه الخاص. وقد بدأ أحمد شوقي قصيدته الميمية التي عارض بها قصيدة البردة للبوصيري بهذا البيت:
رِيمٌ على القاع بين الْبان والعَلَم
أحَلَّ سفْكَ دمي في الأَشْهُر الحُرُمِ
ولم يقل أحلَّتْ. والقصيدة كانت تغنيها أم كلثوم. البعض يسمي البنت رِيم غلطا فيحسن تجنب ذلك فالذكر ذكرٌ والأنثى أنثى. وريم المذكر غير ريمة المؤنث.”
قل: هو رجل مُوسوِس
ولا تقل: هو رجل مُوسوَس
وكتب الحريري: “ويقولون: باقلاء مُدَوَّد، وطعام مُسَوَّس، ومتاع مقارَب، ورجل موسوَس. فيفتحون ما قبل الحرف الأخير من كل كلمة، والصواب كسره، فيقال: طعام مًسَوِّس ورجل موسوِس ونظائرهما.
ويقال في فعل من المدود: قد داد وأداد ودود وديد.”
ومن هذا النوع قولهم للبسرة إذا بدا الإرطاب في أسفلها: مُذَنَّبَة بفتح النون، والصواب أن يقال فيها مُذَنِّبَة بكسر النون.
ويحكى أن الرشيد رحمه الله لما جمع بين أبي الحسن الكسائي وأبي محمد اليزيدي ليتناظرا عنده، علم اليزيدي أنه يقصر عنه في النحو فابتدره وقال: كيف تقول: تمرة مذنَّبة أو مذنِّبة فلم يأبه الكسائي لقوله: بل ظن أنه قال: بسرة، فقال: أقول مُذنِّبة، فقال له: إذا كان ماذا، قال: إذا بدا الإرطاب من أسفلها.
فضرب اليزيدي بقلنسوته الأرض، وقال: أنا أبو محمد اليزيدي وقد أخطأت يا شيخ، التمرة لا تُذّنِّب وإنما البسرة تذنب ، فغضب عليه الرشيد، وقال: أتكتني بمجلسي وتسفه على الشيخ والله إن خطأ الكسائي وحسن أدبه أحب إلي من صوابك مع قبح أدبك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن حلاوة الظفر أذهبت عني التحفظ، فأمر بإخراجه.
وليس سهو الكسائي فيما أزلقه فيه اليزيدي مما يقدح في فضله، أو ينبئ عن قصور علمه، إذ لا خفاء باشتمال علمه، على أن البسرة إذا أرطبت من قبل ذنبها قيل لها: مُذَنِّبة، فإذا بلغ الإرطاب نصفها قيل لها مجزعة، فإذا بلغ ثلثيها الإرطاب قيل لها: حلقانة ومحلقنة، وإذا أرطبت جميعها قيل لها: معوة.” إنتهى
وكتب صاحب اللسان: “وفلان المُوَسْوِس، بالكسر: الذي تعتريه الوَساوِس. ابن الأَعرابي: رجل مُوَسْوِس ولا يقال رجل مُوَسْوَس. ……ومتاعٌ مُقارِبٌ: ليس بنَفيسٍ”. وكتب الجوهري: “ودادَ الطعامُ يَدادُ، وأَدادَ، ودَوَّدَ، كله بمعنىً، إذا وقع فيه السُوس.”
قل: هو فاكهي
ولا تقل: هو فاكهاني
وكتب الحريري: “ويقولون في المنسوب إلى الفاكهة والباقلاء والسمسم : فاكهاني وباقلاني وسمسماني فيخطئون فيه لأن العرب لم يلحقوا الألف والنون في النسب إلا بأسماء محصورة زيدتا فيها للمبالغة كقولهم للعظيم الرقبة: رقباني وللكثيف اللحية لحياني وللوافر الجمة جماني وللمنسوب إلى الروح روحاني وإلى من يرب العلم رباني، وإلى بائع الصيدل والصيدن – وهما في الأصل حجارة الفضة، ثم جعلا اسمين للعقاقير: صيدلاني وصيدناني، ووجه الكلام في الأول أن يقال في المنسوب إلى السمسم: سمسمي، كما يقال في المنسوب إلى ترمذ: ترمذي، وأن يقال في المنسوب إلى الفاكهة : فاكهي ، كما ينسب إلى السامرة سامري، فأما المنسوب إلى الباقلى، فمن قصره قال في النسب إليه: باقلي لأن المقصور إذا تجاوز الرباعي حذفت ألفه في النسب، كما يقال في النسب إلى حبارى حباري وإلى قبعثرى قبعثري.
ومن مد الباقلاء أجاز في النسب إليه باقلاوي وباقلائي ، كما ينسب إلى حرباء وعلباء حرباوي وحربائي وعلباوي وعلبائي.
وأما قولهم في النسب إلى صنعاء وبهراء ودستوا: صنعاني وبهراني ودستواني فهو من شواذ النسب، والشاذ لا يعاج إليه ولا تحمل نظائره عليه.
قل: أصبح القوم يشكون الجوع والعُرْي
ولا تقل: أصبح القوم يشكون الجوع والعراء
كتب اليازجي: “ويقولون أصبح القوم يشكون الجوع والعراء كذا بالمد والصواب العُرْي بالضم وسكون الراء”.انتهى
وكتب الفيروزأبادي في القاموس: “العُرْيُ، بالضم: خِلافُ اللُّبْسِ. عَرِيَ، كَرَضِيَ، عُرْياً وعُرْيَةً…… والعَراءُ: الفَضاءُ لا يُسْتَتَرُ فيه بشيءٍ”. وقال العزيز الحكيم: “لولا ان تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم “.
قل: وجدنا القومَ في فقرٍ مُعْدِم
ولا تقل: وجدنا القومَ في فقرٍ مُعْدَم
وكتب عبد الهادي بوطالب: “استمعت إلى برامج إذاعية وتلفزية تحدث فيها مثقفون وإعلاميون عن وضعية شعب أفغانستان المزرية ووصفه بعضهم بالفقير المُعْدَم، والبعض الآخر بالمعدوم. وهم يريدون أن يقولوا عنه إنه في حالة الفقر المعدِم (بكسر الدال). مُعْدِم اسم فاعل من الفعل الرباعي أَعْدَم الشخصُ يُعْدِم إعداماً إذا أصبح فقيراً. ويأتي وصفه للفقر في حالة تفاحشه :”فقرٌ مُعدِم” بمعنى يؤدي إلى الموت جوعا. أما المُعدَم بفتح الدال فهو من
نُفِّذ فيه الموت (أو الإعدام). والمعدوم هو غير الموجود. ونقول :” أصبحت هذه السلعة مَعْدومة (أو مُنْعدِمة) في السوق. ونستعمل كلمة عديم (صيغة فعيل تعني مفعولا) بمعنى معدوم فنقول في مدح شخص :” إنه عديم النظير” أي لا نظير له، أو نظيره غير موجود.”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
15 نيسان 2017