مقدمة
أعتقد أني من القلة العرب الذين يعتقدون بأن القانون والقضاء سلاح له أهمية في أية معركة. وهذا ينطبق على أمتنا المهزومة. وحين أقول هذا فلست من السذاجة حتى أقول بأنه سوف يحقق المعجزات ولست من الغباوة حتى أعتقد أنه لا ينفع. فالقضاء مسيس دون شك خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالعلاقات الدولية. لكن لكل شيء حدود ومن تلك الحدود أن الظلم والعدوان قد يكون بالدرجة التي لا يمكن للقضاء ستره وتجاهله.
لكن هذه الأمة لا تعرف قيمة القانون والقضاء لأنها نشأت وتربت على طغيان الحاكم منذ الدولة العثمانية مروراً بالإستعمار المباشر حتى الحكم “التقدمي” الذي فشل في فهم التأريخ وفشلت جماهيره في فهم معنى الثورة والتقدم.
فقد سلبت فلسطين كلها عام 1948 (وليس عام 1967 كما يعتقد البعض) ولم يقم أحد بمقاضاة بريطانيا على ما فعلت بالناس وأملاكهم. وحين وصل موضوع الجدار العازل أمام محكمة العدل الدولية، في إجراء نادر، جاء القرار بادانة اسرائيل مما يعزز قولي بجدوى المقاضاة.
وقامت حرب 1967 ولم يقاض أحد اسرائيل أو من دعمها في الغرب.
وحوصر العراق حصار إبادة ولم تتقدم حكومة العراق بشكوى!
ثم غزي العراق واحتل، وفعل بوش بالبعثيين ما فعله هولاكو بالعباسيين لكن بعثياً واحداً لم يقاض لرد كرامته التي سلبتها بريطانيا والولايات المتحدة.
وخرب حلف الأطلسي ليبيا الآمنة ولم يتقدم ليبي واحد بدعوى لما لحقه من ضرر وخراب ببلده.
واجتمع وحوش الأرض لخراب سورية، قلب الأمة، وشارك في العدوان عدد من الدول وأعلنوا ذلك جهاراً فلم تتقدم الحكومة السورية بشكوى واحدة كما أن سورياً واحداً لم يتقدم بدعوى.
واليوم تشهد اليمن عدوان ابادة سافرة ولم أسمع عن يمني واحد تقدم بشكوى.
وهذه ليست سوى نماذج من العدوان وهناك غيرها كثير وهي لا تحتاج لأي إيضاح. فما سبب عجز الإنسان العربي في الدفاع عن كرامته المهدورة وحقه الضائع، بل حقه في الحياة؟
إن الأحداث التي أوردت أعلاه وقعت خلافاً للقانون الدولي الذي وضع قواعده المعتدون على الأمة العربية وثبتوه في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد قاضت دول عديدة في قضايا اقل خطورة وضرراً مما لحق بالأمة العربية وكسبت دعاواه. فليس حديثي عن مقاضاة المعتدين على الأمة العربية بدعة.
وقد كتبت لأكثر من عشرين عاماً حول هذا الأمر وتساءلت عن سبب عجز الحكومات العربية فلم اسمع إلا القليل وما سمعته من أسباب لا يليق حتى ذكرها.
وحين كتبت عن سبب عجز الإنسان العربي عن المقاضاة فإن ما سمعته من ردود يصب في جوابين أولهما ضعف الوعي العربي بالقانون والسبل المتاحة وثانيهما هو انعدام المال لتمويل إجراءات القضاء، وإن كانت اجراءات القضاء لو قامت في كل الجرائم أعلاه لا تعادل كلفة طائرة حربية واحدة تسقط في العراق أو في سورية أو في اليمن، وهي ليست حتى قريبة من معشار معشار مقدار الخراب الذي لحق بأرض العرب خلال السنوات العشرين الماضية مما كان يمكن تحجيمه إن لم نقل منعه.
الوعي القانوني
ليس مطلوبا من الضحية أو المعتدى عليه أن يفهم القانون لكن المطلوب هو أن المظلوم يحس بالظلامة التي تعرض لها فان فعل فلا بد أن يعتقد أن هناك سبيلاً لإنصافه. وهنا يلجأ لرجل القانون الذي يضع التكييف القانوني لإجراءات الإنصاف.
ولا أريد الدخول في تفاصيل الإجراءات القضائية المتاحة أمام المواطن العربي للمقاضاة لكن يكفي القول أن عدداً من دول أوربا شرعت لمحاكمها سلطات قضائية دولية مما يعني أن بالإمكان مقاضاة من يخرق القانون الدولي في أي مكان في العالم أمامها. وبريطانيا، التي أفهم شيئاً من قوانينها، واحدة من تلك الدول مما يعني أن أي مواطن عربي تعرض لعدوان خلافاً للقانون الدولي له حق المقاضاة أمام حاكمها حتى اذا لم تكن هي مشاركة في ذلك العدوان.
وهذا ما أعتقده كافيا للإنسان العربي من غير أهل القانون أن يعرفه. فان فهم ذلك وكان ضحية عدوان أو مظلوماً ولم يلجأ للمقاضاة فعليه أن يسأل نفسه لماذا، وكيف يرى نفسه عاجزاً حتى عن طلب رد اعتباره الإنساني.
حملة “ادفع دولاراً تنصر عربياً”
قام الصهاينة في أربعينيات القرن الماضي بحملة في الولايات المتحدة تحت شعار “ادفع دولاراً تقتل عربياً”، جمعوا فيها أموالا كثيرة من أجل قتل أبنائنا دون أن نكون قد قتلنا أحداً منهم.
فكم هو حري بنا أن نطلق حملة تحت شعار “ادفع دولاراً تنصر عربياً” يكون هدفها ليس قتل أحد وانما جمع مال يكفي لتبني دعاوى أمام المحاكم الأوربية يرفعها عرب خسروا من أهليهم أو أموالهم في العدوان المستمر على الأمة.
إن هدف الدعاوى ليس فقط في انصاف المظلومين من ضحايا العدوان ولكنه سيكون ردعاً لأي عدوان قادم، ذلك لأن كل معتد يرى امكانية استدعائه أمام القضاء سيفكر ألف مرة قبل المباشرة بعدوانه. وهذا وحده اذا تحقق فهو أغلى من كل مال تمتلكه هذه الأمة.
فهل هناك من مجيب؟
عبد الحق العاني
17 آذار 2017