إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم.
(م ج)
فإن من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب. ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته اليها. (الثعالبي)
قل: حكاية عن غيره
ولا تقل: حكاية عن الغير
كنت قد تساءلت في الحلقة السابقة مستغرباً عن سبب وقوع عالم للعربية مثل المرحوم الشيخ ابراهيم اليازجي ضحية الخطأ الذي وقع فيه عدد ممن كتبوا في العربية وذلك حين أجاز دخول “الـ” على كلمة “غير”.
فرد علي صديقي الشاعر والذي عودني بكرمه أن يعلق ويصحح وينقد لإهتمامه بالعربية أولاً ولاهتمامه بمساهمتي المتواضعة في خدمة اللغة التي نعتز كلانا بالإنتماء لها، فكتب:
“استغربت أخي الكريم اذ رأيت اليازجي يدخل الألف واللام على “غير” ظناً منك أن ذلك غير جائز. “غير” من حروف المعاني تعني “سوى” وتأتي أيضاً نعتاً فتقبل التعريف بالألف واللام. قال صاحب القاموس: التعادي: الأمكنة الغير المتساوية وقال أيضاً: والعدواء كالغلواء: الأرض اليابسة الصلبة والمركب الغير المطمئن وقال مثل ذلك هو وسواه”.
ففكرت أن أكتب له لكني وجدت أن أكتب للجميع مما قد يحقق نفعاً عاماً.
وأول ما استوقفني هو أني تساءلت كيف أمكن لأذن عربي سليم السمع واللسان كمثل صاحب القاموس أن ينقل عن غيره القول “الأمكنة الغير المتساوية” وليس “الأمكنة غير المتساوية” كما تقتضيه سلامة السمع العربي دون حاجة لقواعد أو نظريات في اللغة؟ وكيف يمكن لعربي سليم الذوق واللسان أن يرتضي القول بـ “المركب الغير المطمئن” حين يكون الأطيب للسمع القول “المركب غير المطمئن”؟.
لكني ابن القرن العشرين وقد يكون سمعي قد تلوث فلم أعد أميز بين السليم والدخيل. فبحثت بين ما يتوفر لدي من معاجم العربية فلم أجد من قال بما نسب للفيروزأبادي في القاموس. فقد جاء في الصحاح للجوهري قوله: “العُدَواءُ على وزن الغُلَواءِ: المكان الذي لا يطمئنُّ من قَعد عليه. يقال: جئتُ على مركبٍ ذي عُدَواءَ، أي ليس بمطمئنٍّ ولا مستوٍ. الأصمعي: نمتُ على مكان مُتَعادٍ، إذا كانَ متفاوتاً ليس بمستوٍ.”
أما ابن منظور صاحب اللسان فكتب: “والعُدَواءُ، على وَزْن الغُلَواءِ: المكان الذي لا يَطْمَئِنُ مَن قَعَد عليه.”
فلم يأت أي منهما بـ “غير” لا بالف ولام ولا بدونهما.
فقلت في نفسي ربما فاتني شيء وقد يكون غيره ممن جمع معجماً للعربية قد أتى بـ “الغير” في مكان آخر أو أن تصحيفاً وقع في النقل عن الفيروزأبادي، فبحثت عن استعمال كلمة “الغير” في معاجم العربية الرئيسة التي بين يدي وهي “العين” و “الصحاح” و “اللسان” و” القاموس”.
فما وجدت أحداً غير الفيروزأبادي جاء باستعمال “الغير”. مما يعني أن الفيروزأبادي انفرد بن جامعي المعاجم بالإتيان باستعمال “الغير” وانه لم يقع تصحيف في النقل عنه.
فقد جاء في القاموس ما يؤيد تمسكه بهذا القول الفاحش ما يلي:
“الدَّلَهْمَسُ، كسَفرجلٍ: الجَرِيءُ الماضي، والأسَدُ، والأمرُ المُغَمَّضُ الغيْرُ المُبَيَّنِ،”
“الوَخْضُ، كالوَعْدِ: الطَّعْنُ يُخالِطُ الجَوْفَ ولم يَنْفُذْ، أو الغَيْرُ المُبالَغِ فيه”
“والزَّلَحْلَحُ: الخفيفُ الجِسمِ، والوادي الغَيْرُ العَميقِ، وبهاءٍ: الرَّقِيقَةُ من الخُبْزِ، والمُنْبَسِطَةُ من القِصاع.”
“الوَلْثُ: القَليلُ من المَطَرِ، والعَهْدُ الغَيْرُ الأَكيدِ”.
وكلها تبين تعلقاً للفيروزأبادي باستعمال “الغير” ما لم يشاركه به أحد من أصحاب المعاجم العربية. وهذه ليست حجة له بل حجة عليه.
إن الخلاف حول دخول “ألـ” على “غير” من عدمه ليس جديداً بل يعود لمرحلة دخول العجمة للعربية. ولو ظل الخلاف بين علماء العربية لهان الأمر وأمكن حسمه لكن دخول رجال الحديث والتفسير والقراءات والفقه أثر في ذلك كثيراً. وحيث إن هؤلاء كان لهم مقام بين الناس لم يجرؤ علماء العربية الرد عليهم بل وجدوا أنفسهم يرضون ولو على مضض بأخطاء أولاء الدخلاء على العربية فترسخ، مما ترسخ، القول بجواز دخول (الـ) على “غير”.
فلم يسمع من كلام فصحاء العرب استعمال “الغير” لتدل على معنى المغايرة. وبرغم ما أجاز الشعراء لأنفسهم فلم يصلنا بيت شعر واحد جاءت فيه “الغير”. أما قول ابن كثير “كأكل مال الغير للمضطر” وقول الفقيه “حكاية عن الغير” فلا يعتد بها لأن علماء العربية أجمعوا أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية.
ولست أريد في هذه العجالة أن أجمع ما قيل في الخلاف. لكني على قناعة تامة بعدم جواز دخولها كما سبق وقلت في الحلقة السابقة. ودليلي في هذا ما كتبه اثنان من علماء العربية الذين لم يطعن أحد بعلمهما بها وهما سيبوبه صاحب “الكتاب” وابن هشام الأنصاري صاحب “مغني اللبيب عن كتب الأعاريب”.
فكتب سيبويه في الكتاب: “و غير … ليس باسم متمكن، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام وكذلك حَسْبك .”
اما ابن هشام الأنصاري، الذي قال عنه ابن خلدون: “ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه”، فقد كتب في مغني اللبيب: “غير: اسم ملازم للإضافة في المعنى، ويجوز أن يقطع عنها لفظاً إن فهم المعنى وتقدمت عليها كلمة ليس…..ولا تتعرف “غير” بالإضافة لشدة ابهامها”.
واضاف الصبان في حاشيته على شرح الأشموني: “ينبغي أن هذه الكلـمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فـيما استثنى لا تتعرف بـ ( ألـ ) أيضاً، لأن الـمانعَ من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها بـ ( ألـ)”.
والعقل يقضي بأن من تمسك بالأصل ما احتاج لدليل أما من خرج عن الأصل فعيله أن يأتي بالدليل. وحيث إن الأصل كما قال سيبويه وابن هشام هو عدم جواز دخول “الـ” على “غير” فان على من قال خلاف ذلك أن ياتي بالدليل، ولم يأت أحد بشاهد واحد مسموع من كلام العرب دخلت فيه (ألـ) على “غير”.
فلا يحتج أحد بالفيروزأبادي على سيبويه ولا يطعن أحد على ابن هشام بقول ابن كثير.
قل: ينبغي استجماع الشروط المقتضاة
ولا تقل: هي الشروط المقتضية
كتب مصطفى جواد: “وذلك لأن الأمر أو العمل أو المنصب هو الذي يقتضي الشروط أي يستوجبها وهو على سبيل الإستعارة من اقتضاء الدين، فالأمر أو العمل أو المنصب هو المقتضي على صيغة اسم الفاعل والشروط هي المقضاة على وزن اسم المفعول، لأنها قد اقتضيت. قال الزمخشري في أساس البلاغة: “ومن المجاز (إفعل ما يقتضيه كرمك) أي ما يطالبك به”. فكرمك هو المقتضي بالياء وما تفعله أنت هو المقتضى بالألف المقصورة. وكنت ذكرت ما يشبه هذا التنبيه في “المبتلى”، تقول: ابتلاه الله فالله تعالى هو المبتلي بالياء والأنسان هو المبتلى بالألف المقصورة. وتقول: ابتلاها الله فهي مبتلاة وابتلاهن الله فهن مبتليات وعلى هذا يجري القياس.”
قل: سِرْ الى فلان بِأمارة
ولا تقل: سِر الى فلان بِإمارة
وكتب الزبيدي: “ويقولون سر الى فلان بِإمارة كذا فيكسرون والصواب “بِأَمارة” بفتح الهمزة، وهي العلم والسَمة، وقال الأفوه الأوديّ:
أَمارة الغي أن تلقى الجميع……
ويقال “الأمَرُ” أيضاً بمعناه. و”الأمَرُ” الحَجَر يكون علامة، من هذا قال أبو زبيد يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه:
إن كان عُثمانُ أمسى فوقَهُ أمَرٌ كَراقِبِ العُون فوق القُبَّة المُوفي
وإنما عني ما فوق قبره من الحجارة والطين، شبهه بالعَلَم، فأما “الإمارة” فالولاية. و “الإمارة”: المؤامرة، قالت صفية الجاهلية:
ألا أبلِغْ بني عمرو رَسُولاً يُقيِمُ الكئِدَ فينا والإمارَة
كتب الضبي: يقال: صار فلان أُحْدوثة. والعامّة تقول: حَدُّوثة.
قل: هو رجل نصيح
ولا تقل: هو رجل نصوح
وكتب اليازجي: “ويقولون رجل جلود أي صاحب جلد يأتون به على وزن فعول وكذا رجل شفوق ورحوم ونصوح وكل ذلك خطأ والصواب جليد وشفيق ورحيم ونصيح”.
قل: المشكلة مطروحة
ولا تقل: المشكلُ يَفرض نَفْسَه
وكتب عبد الهادي بوطالب: “للإعلام العالمي أكثر من لغة. وأكثر اللغات انتشارا هي الإنجليزية. وتأتي الفرنسية بين اللغات متوسطة الانتشار، لا تحتل مكان الصدارة ولا تأتي في آخر القائمة.
والإعلام العالمي يُترجم إلى العربية في غالب الأحيان ما تبثُّه مصادر الإعلام العالمي باللغتين المذكورتين. والترجمة تُخضِع أحيانا تراكيبَ اللغة العربية لتراكيب اللغات المترجَم عنها، بل تذهب أحيانا إلى ترجمة سوابق الكلمات (Préfixe) ولواحقها (Suffixe) وإخضاع بنية الكلمة العربية إلى ذلك.
وهذا الاتجاه الذي أصبح سائداً ليس ترجمة حتى لو أضفنا إلى كلمة ترجمة نعت حرفية، بل هو شَطَط لغوي غير مقبول.
ومما يدخل في هذا الشطط جعل ما هو مؤنث في اللغة المترجم عنها مؤنثاً في العربية كذلك، وما هو مذكر في اللغة المترجَم عنها مذكراً كذلك، مما يُحدِث خَلْطاً مَشيناً في العربية.
المشكلُ يَفرض نَفْسَه: (هو) ترجمة حرفية للتركيب الفرنسي: “Le problème se pose” وقد أصبحت المشكلة (بصيغة التأنيث) هي المشكل (بصيغة التذكير)، لمجرد أن المشكلة في الفرنسية تصاغ بصيغة التذكير (le problème). وكاد تأنيث الكلمة (المشكلة) يضيع تحت هذا التأثير أو هذا الخلْط الذي لا داعي له.
لم يكن معروفاً في اللغة العربية الحديث عن قَضية مُشْكِلَةٍ بلفظ المشكل، بل دائما بلفظ مشكلة: ” مشكلة إصلاح التعليم” “مشكلة ضحايا السير” “مشكلة انقطاع الكهرباء”. أما المشكل في الفقه فهو الذي يوصَف به الخُنْثَى. وهو إنسان يجمع بين خاصِيات الذكورة والأنوثة. وإذا كان لا يتمحَّص لنوع منهما يُنعَت بالمُشكل لأنه يبقى لغزاً لا هو ذكر ولا هو أنثى. وقد قرأنا في كتاب الشيخ خليل الجامع لأحكام الفقه : “إن بال الخُنْثى فلا إشكال”. أي أن بوله من الذكر، أو بوله من الفرج يجعلانه يتمحص بدون إشكال للذكورة أو الأنوثة”.
وأما تعبير “يفرض نفسه” فهو ترجمة من الفرنسية لتعبير .”se pose” وهو في الفرنسية فعل ضميري “Pronominal”أي فعل يُصَرَّف مع ضمير الفاعل ويسبق فيه حرفُ (se) ضميرَ الغيبة في المفرد. فترجمه مرتكبو الشطط اللغوي بكلمة “نفسَه”.
ومن الأفضل أن يقال في العربية : “المشكلة مطروحة”. ونقول بناء على ذلك : “المشكلة النَّوَوية” “ومشكلة التسلح النووي”، “ومشكلة الصراع العربي الإسرائيلي”، “والمشكلة الأفغانية”. وليس المشكل الأفغاني كما يُعَبَّر عنه هذه الأيام في لغة الإعلام.
ومما هو مشهور في الاستعمال للدَّلالة على ما كان لعلي ابن أبي طالب من مؤهلات فكرية وعلمية لحل المشكلات المقولة: “مُشْكِلةٌ ولا أبا حَسنٍ لها” أي مشكلة لا يوجد شخص مؤهّل لحلها وتدبير شأنها، من نوع أبي الحسن علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه).”
وكتب المرحوم الدكتور ابراهيم السامرائي في مقاله ” ضرب من التطور في الصحافة العربية”: وقرأت أيضاً :” …. وكما أشار الرئيس فلان إلى هذه “الإشكالية” فإن أية دولة بمفردها مهما كانت لن تستطيع الوصول إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية ….
أقول: إن “الإشكالية” مصدر صناعي أقيم على مصدر آخر للفعل “أشكَلَ” وهو “إشكال”، وهذا المصدر الصناعي جديد في العربية المعاصرة، وقد شقي المعاصرون في الوصول إليه ليكون مؤدياً ما يؤديه مثله في اللغات الأعجمية، وهو غير كلمة “مشكلة” بل إن في “الإشكالية” شيئاً من المشكلة. ويراد بها ضرب من الوضع فيه إشكال وفيه وضع خاص. وإنك لا تجد هذه “الإشكالية” في العربية التي نعرفها قبل خمسين أو ثلاثين سنة، فهي جديدة.
أما استعمالهم “بمفردها” فمعناه “وحدَها”، وهو من هذا الجديد الذي حفلت به العربية المعاصرة.
ثم إن ابتداء الكلام بـ “كما” يأتي بعدها جملة طويلة معلَّقة في فهم المراد منها على كلام آخر مبدوءاً بقولهم: “فإن أيّة دولة … “ يُشعر القارئ إن القائل أراد بـ “كما” ما يراد من أدوات الشرط، وان الأسلوب شرطي، ومجيء الفاء يشعر بهذا. وليس هذا مما نعرفه في العربية، ولكنه جديد حفلت به العربية المعاصرة.”
قل: فلان قبيح الأفعال
ولا تقل: فلان قبيح الفعائل
وكتب اليازجي: “ويقولون فلان قبيح الفعائل يريدون جمع فعل أو أفعال وكلاهما لا يجمع هذ الجمع وقد جاء من هذا قول الحاجي رواه له في خزانة الأدب:
وحاكت في فعائلها المواضي
فيا لك مقلة غزلت وحاكت”
قل: نقل الصَّحَفي الخبرَ
ولاتقل: نقل الصُّحُفي الخبرَ
كتب الحريري: “ويقولون لمن يقتبس من الصُحف: صُحفي، مقايسة على قولهم في النسب إلى الأنصار: أنصاري، وإلى الأعراب أعرابي، والصواب عند النحويين البصريين أن يوقع النسب إلى واحدة الصحف وهي صحيفة، فيقال: صَحفي، كما يقال في النسب إلى حنيفة: حَنفي، لأنهم لا يرون النسب إلا إلى واحد الجموع، كما يقال في النسب إلى الفرائض: فرضي، وإلى المقاريض: مقراضي، اللهم إلا أن يجعل الجمع إسما علما للمنسوب إليه، فيوقع النسب حينئذ إلى صيغته، كقولهم في النسب إلى قبيلة هوازن: هوازني، وإلى حي كلاب: كلابي، وإلى مدينة الأنبار: أنباري، وإلى بلدة المدائن مدائني.
فأما قولهم في النسب إلى الأنصار أنصاري فإنه شذ عن أصله والشاذ لا يقاس عليه، ولا يعتد به.
وأما قولهم في النسب إلى الأعراب: أعرابي فإنهم فعلوا ذلك لإزالة اللبس ونفي الشبهة، إذ لو قالوا فيه: عربي لاشتبه بالمنسوب إلى العرب، وبين المنسوبين فرق ظاهر لأن العربي هو المنسوب إلى العرب، وإن تكلم بلغة العجم، والأعرابي هو النازل بالبادية، وإن كان عجمي النسب.”
قل: هذه مجرد فَرْضية
ولا تقل: هذه مجرد فَرَضية
وكتب عبد الهادي بوطالب: “فعل فرَض يَفرِض مصدره فَرْضاً بسكون الراء لا بفتحها. والأصل فيه أن يُطلق على ما لا يُستغنَى عنه أو ما لا يجوز تركه. فنقول: “الصلوات الخمس فَرْضٌ (أو واجب) على المسلمين”. والجمع فُروض. (جمع فَعْل على فُعول قياسي مطرد بشروط يوجد تفصيلها في كتب القواعد اللغوية). ثم أدخلت ياء النسب وتاء التأنيث على فرْض فأصبحت الكلمة فرْضية بسكون الراء كما هي في المصدر قبل النسبة.
ومن معاني فَرض فَرْضاً احتمال الشيء. وهنا تُستعمل مرادفة لافترض. ويقال : “لم يقع هذا الأمر، إلا أن الكثيرين فرضوا (أو افترضوا) وقوعه”.
ونقول : “على فرْض (بسكون الراء) وقوع هذا الأمر فإن هذا لا يترتب عليه كذا أو كذا”.
ومن قواعد علم المنطق أخذ الفرْض في الاعتبار. وهو يعني تصور أمر أو فكرة أو قضية ووضعها للنظر قبل التحقق من صدقها أو خطئها أو استحالة وقوعها، ثم اختبارها عن طريق الملاحظة والتجربة لإثبات صحتها أو عدم صحتها.
وعليها نطلق كلمة الفرْضية (بسكون الراء) كما هي في المصدر: (الفرْض). ونقول إذن: “هذه مجرد فَرْضية لا فرَضية (بفتح الراء)، أو هذا مجرد فرْض لم يقم عليها أو عليه دليل”. وفي علم الفلسفة نطلق فَرْضية على قضية مسلَّمة أو موضوعة للاستدلال بها على غيرها.
وفي جميع استعمال اشتقاقات فعل فَرَض فَرْضاً نجد أن تسكين الراء ثابت مما يجعل كلمة فَرَضية (بفتح الراء) خطأ شائعاً خاصة على ألسنة بعض المثقفين في المشرق والمغرب العربيين على السواء.
لكن توجد أيضاً كلمة فريضة بمعنى واجبة ونقول: “الصلاة فريضة بين الفرائض الأخرى” وجاء في القرآن الكريم: “فما اسْتَمْتَعتُم به مِنْهنَّ فأتوهن أجورهن فريضة. ولا جُناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة”.
وتُطْلَق الفريضة أيضا على نِسَب الميراث التي فرضها الله للورثة في تركة الهالك. وعلم الفرائض هو علم قَسْم التَّركة بين الورثة حسبما جاء به الشرع. ويقال عن الفقيه الذي يتقن هذا العلم “فَرَضي” بفتح الراء. وفي هذا وحده تفتح الراء. لأن الفَرَضي منسوب إلى الفريضة، أَيْ قَسْم التركة.”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
15 شباط 2017