ليس غريباً أن يصرح كل من السيد على خامنئي ووليد المعلم في يوم واحد عن عدم رضاهما عما نتج عن مؤتمر فيينا الأخير حول سورية!
فخلف كل اللغو عما حققه المؤتمر تبرز أهم حقيقة: وهي أن كل الدول التي شاركت في المؤتمر قبلت بالرأي الصهيوني الأمريكي بنزع الشرعية عن الحكومة السورية سواء أقيل هذا في البيان أم لم يقل. وهذا يعني أن الولايات المتحدة وتركيا والسعودية ومن معها من دول الأقزام في العراق ولبنان والأردن أجبرت من يدعون تمسكهم بشرعية الحكومة السورية أن هذا لم يعد ممكناً. وهذا النصر السياسي الكبير يفسر سبب أن البيان الختامي للمؤتمر قدمه “داعية السلام” الأمريكي بلغة تحاول أن تخفي النصر بكلمات معسولة توحي بأن الخلافات قد وضعت جانباً في الوقت الحاضر.
حيث إن العقل وحده، إذا لم نرد الخوض في قواعد النظام الدولي الذي ثبته ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، يقضي انه إذا أريد بحث مشكلة تخص طرفاً فلا بد أن يدعى ذلك الطرف لإعطاء رأيه فيها، فحتى المجرم له أن يدافع عن نفسه. فكيف والحال هذا أن يعقد مؤتمر لبحث الأزمة السورية ويدعى له كل من هب ودب ولا تدعى الحكومة السورية إلا إذا كان المجتمعون يعتقدون أن الحكومة السورية لا تمتلك شرعية تمثيل الشعب السوري.
وإذا كان رفض الصهيونية، المتمثلة في أغلب الدول التي شاركت في المؤتمر، قائم على أساس عدم اعترافها بشرعية حكومة دمشق فما هو سبب قبول روسيا وإيران بذلك وهي التي تدعي تمسكها بشرعية الحكومة السورية؟ فإذا كان رد هاتين الدولتين أنه لا يمكن دعوة الحكومة السورية دون دعوة المعارضة فإن ذلك مردود لأن المعارضة حاضرة بكل ثقلها في المؤتمر في حضور الولايات المتحدة والسعودية وتركيا، وإلا فلأي سبب تحضر هذه الدول مؤتمراً يقرر مستقبل سورية إن لم يكن لأنها مشتركة في المعركة؟
إن ما اتفق عليه في المؤتمر هو إجبار الحكومة السورية على الجلوس مع من يحضرهم الآخرون ممن يسمون بالمعارضة والتصديق على الصفقة التي اتفق عليها الروس والأمريكيون. ومصداق هذا هو أن البيان الختامي أغفل جانباً رئيساً من المعركة ضد الإرهاب والتي ادعى البيان أنها تشكل أهم جزء من حل الأزمة السورية.
فلو ان المؤتمر أقر حقاً مواجهة الإرهاب لكان قد تصدر البيان إلزام كل الأطراف بالتوقف عن دعم الإرهاب. لكن أيا هذا لم يحدث!
وانتهى المؤتمر وهو يقر ضمنياً بحق أي طرف شارك فيه بدعم الإرهاب، وذلك في الوقت نفسه الذي يدعو فيه سورية للتفاوض مع الإرهابيين وأسيادهم!
وهناك أكثر من مؤشر لهذا الإستنتاج، وأورد هنا أمثلة منها:
فقد صرح وزير الخارجية الروسي عقب المؤتمر ما مفاده أنه لم يقل ببقاء الأسد أو رحيله!
أما الجانب الإيراني فقد أخبرنا أن وزير خارجيته اعترض على وضع جدول زمني لرحيل الأسد!
ولا بد هنا من التوقف عند أمر نجح الإعلام الصهيوني العربي والغربي فيه. فقد تم تحويل الصراع من معركة بين المشروع القومي الذي يمثله البعث في سورية وبين المشروع الصهيوني الذي يمثله الإسلام السياسي السني الى انه صراع لإزاحة بشار الأسد عن الحكم، وتهويل الأمر حتى يصل الناس للإقتناع بانه إذا كان الأمر كذلك فليرحل بشار إذن!
وليت الأمر كذلك، ولو كان كذلك لأقنعت بشار بالرحيل. لكن الهدف الحقيقي هو في انهاء المشروع القومي في سورية. ويبدو ذلك واضحاً للأعمي حيث إن جميع من يقفون ضد حكومة بشار هم من المعادين للمشروع القومي ليس في السر ولكن في العلن. ولو أن بشار وافق على ما عرضه عليه كولن باول بعد غزو العراق في قطع العلاقة مع إيران والتخلي عن فلسطين لكان اليوم ممن تفرش له السجادة الحمراء في كل عواصم الغرب فيقدم على أنه أكثر الحكام العرب حضارة وتقدماً في ثقافته الأوربية وتحصيله العلمي وبلاغته (وأكثر حكام العرب أميون) وعلمانيته (فهو علوي متزوج من سنية فكم وهابي تزوج شيعية)، ووووو.. إلا ان سورية تدفع اليوم ثمن رفضها للهيمنة الصهيونية كما دفعها العراق وليبيا من قبل!
ثم طلع علينا بوغدانوف وهو الروسي صاحب رأي ضرورة تغيير النظام السوري بأن لديه قائمة بأسماء المعارضة السورية التي ستدعى للحوار مع الحكومة السورية. فمن أين جاء بها بوغدانوف حقاً؟ فهل هناك أحد قادر على أن يحدد من يمثل المعارضة السورية وما الذي يمتلكه ذلك الشخص ليدعي تمثيل من يدعيه؟ أليست هذه القائمة هي في الحقيقة أسماء الأشخاص المرتبطين بالجهات المشاركة في الحرب على سورية؟
ثم طلع علينا حسين عبد الله يان ليقول إن إيران لم تعقد صفقة حول سورية! فمن دفعه لهذا القول. وأين هذا القول من قول الخامنئي في عقم أية مباحثات مع الولايات المتحدة حول قضايا المنطقة؟
وهل ان تصريحات الخامنئي، المناقضة لسياسات روحاني، صادقة أم هي توزيع أدوار؟ وإذا كان صادقاً فلماذا لا يوقف هذا المسلسل من التنازلات، وإذا كان الاتفاق النووي محصوراً به فقط فلماذا تعطي إيران هذه التنازلات إذن؟ أم أن الخامنئي لم يعد قادراً على مسك الأمور مما ألجأه مؤخراً للعديد من الخطب والتصريحات؟
عبد الحق العاني
1 تشرين الثاني 2015