كنت قد كتبت في 25 أيلول متسائلا “أفشل بوغدانوف في اقناع بوتين حول الأسد؟”. ويمكن الرد اليوم وبعد اسبوع من ذلك التساؤل بـ “نعم”. فقد سكت بوغدانوف تصريحاً أو همزاً في الحديث عن حكومة أقزام من وجوه لا تقدم ولا تؤخر. إذ انتصر جناح الحسم العسكري في المؤسسة الروسية وأصبح الحديث للقادة العسكريين ولمكتب الرئيس بوتين وليس لعصابة بوغدانوف في الخارجية الروسية والذين عجزوا عن تقديم شيء سوى الكلام بينما سورية تبتلع ويستشري الخطر على الأمن القومي الروسي.
إن استمرار الحديث في روسيا عن حل سلمي في سورية لا بد أن يكون ما دام يهدئ من مخاوف الآخرين لكن الحقيقة التي اصبحت واضحة بينة هي أن القيادة الروسية قررت أن الحل في سورية هو الحل العسكري كما كتبت وأكدت منذ أربع سنوات!
ذلك لأنه بعد تدمير قيادات ومخازن السلاح والتموين وطرق الإمداد للجماعات المسلحة في سورية، وهو الهدف المعلن من قبل روسيا، فسوف ينتصر البعث في المعركة التي كلفته كثيراً، وإذا انتصر فلماذا يعطي خائناً مثل حسن عبد العظيم أي شيء؟
وكتبت في المقال أعلاه أن الصهيونية فوجئت بالقرار الروسي بالتدخل المباشر… وقد تبين حجم المفاجأة من الإضطراب في التصريحات بين المسؤولين في دول التحالف الصهيوني.. فتارة يشكون أن ذلك سيؤجج التطرف وكأنهم لم يرعوه لأربعة أعوام كما صرخ بذلك نائب الرئيس الأمريكي نفسه، وتارة يدعون أن الروس لم يعلموهم عن العمليات في وقت ملائم وكأن الطائرات الروسية تطير فوق أنقرة أو واشنطون، وتارة يقولون إن الروس يقصفون المعارضة المعتدلة وكأن حاملي السلاح على الأرض والذي يعيشون في خنادق مجاورة يحملون أعلاماً تعرف كلاً منهم أو أن الصهاينة لم يعترفوا أنفسهم بأن السلاح الذي أعطي للمعارضة المعتدلة أنتهى في يد داعش!
إن سبب الذعر الذي دب في عواصم التحالف الصهيوني هو أن المشاركة الروسية في المعركة سوف تكشف ما يلي:
1. كذب إدعاء التحالف الصهيوني أنه يقاتل داعش في سورية منذ سنة حيث سوف تحقق القوة الجوية الروسية في اسبوع واحد خراباً في مواقع داعش في إدلب والرقة وحمص أضعاف ما حققه التحالف في سنة كاملة.
2. فشل حسابات الإرهابيين بأن ضعف أو انعدام سلاح الجو السوري سوف يتيح لهم التحرك والتنقل والتموين بدون خطر كبير، إذ ان دخول سلاح الجو الروسي المتطور سوف ينسف تلك الحسابات المغلوطة.
3. فشل حسابات الإرهابيين في الإعتقاد بأن ضعف سلاح الجو السوري سوف يؤمن لهم العمل تحت الأرض. ذلك لأن روسيا تمتلك في أقل حال ما كانت تمتلكه الولايات المتحدة عام (1991) حين دمرت ملجأ العامرية المدني رغم كونه بني محصناً تحت الأرض. وهذا يعني في أقل الأحوال أن روسيا قادرة على تدمير القيادات ومواقع الإتصال والتموين تحت الأرض مما ينهي حلم الإرهاب بالحصانة الوهمية.
فأين العراق من كل هذا؟
ما أن باشرت روسيا عملياتها الجوية فوق سورية حتى أعلنت للعالم استعدادها لعمل الشيء نفسه في العراق…. وحين أعلنت روسيا ذلك فإنها كانت تؤكد من جديد ما تحدث عنه بوتين مرات ومرات من أن روسيا تريد إعادة تثبيت قواعد النظام الدولي الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية في ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي التي تبنتها الدول الأعضاء عن طريق المعاهدات والمواثيق أو من قواعد القانون العامة… ومن أهم تلك القواعد الحفاظ على سلامة واستقلال ووحدة الدول. وهكذا فإن روسيا ما فتأت تقول بأن عمل التحالف في سماء سورية دون موافقة الحكومة الشرعية في دمشق مخالف للنظام الدولي في خرق الميثاق وعدوان على سورية كما نصت على ذلك قواعد القانون الدولي والذي أيدته محكمة العدل الدولية. وإن تدخلها في سورية تم بناء على طلب رسمي من الحكومة السورية طبقاً لميثاق الأمم المتحدة في حق أية دولة في طلب مساعدة دولة أخرى للدفاع عن نفسها.
وهكذا فإنها حين صرحت عن إستعدادها لمساعدة العراق في محاربة الإرهاب إنما كانت تؤكد أنه لو طلبت حكومة العراق (والتي يعدها العالم حكومة شرعية وإن لم تكن) فإن روسيا سوف تعمل على وفق قواعد القانون وتستجيب لطلب حكومة بغداد لتدمر مواقع داعش في الموصل والأنبار.
فماذا كان رد حكومة بغداد؟
خرج علينا البهيمة السياسية ليقول بانه يرحب بمشاركة روسيا في محاربة الإرهاب في العراق وانه سوف يدرس اي طلب يقدم بهذا الصدد؟
بالله عليكم أسمع أحد في حياته رئيس وزراء أغبى وأجهل من هذا؟ إن هذا البهيمة السياسية يفوق من سبقوه من المالكي والأشيقر وعلاوي في الغباوة والجهالة، وكنت أظن أن أحدا لن يبزهم في تلك الصفات الحميدة!
فهل يعقل أن يقف رئيس وزراء دولة لكي يعلن أنه مستعد لدراسة طلب دولة أخرى للتدخل في شؤون دولته؟ وهل يمكن لروسيا وهي دولة مؤسسات وقانون وسمعة أن تهبط لهذا المستوى المتدني في العمل السياسي الدولي؟
وقد يكون العبادي معذوراً بعض الشيء في إظهار هذه الجهالة السياسية. فهو قد تعود من سلوك أسياده الصهاينة، والذين جاؤوا به ليحكم العراق، أن للكبار أن يفعلوا ما يشاؤون… وهو الحرامي اللطام لم يقرأ ميثاق الأمم المتحدة ولا علاقة له بالقانون الدولي حتى يفهم الخلل في ذلك السلوك فعممه على الروس.
لكن السبب الأهم من كل ذلك هو أن رئيس وزراء العراق كما كان سابقوه منذ مجلس الحكم العميل عام 2003 وحتى وصوله يعرف جيداً أنه لا يمتلك سلطة اي قرار سياسي لا توافق عليه الصهيونية التي جاءت به للحكم.
وليس صعباً فهم سبب رفض الصهيونية للتدخل الروسي في العراق فهو إلى جانب أنه يعطي العراقيين اليوم أو غداً خياراً آخر في تخفيف الهيمنة الصهيونية على العراق، فانه سوف يعني إنهاء داعش على يد روسيا وهو أمر لا تريده الصهيونية. فهي لا تريد سقوط داعش ما دامت داعش تحقق هدف الصهيونية في عدم استقرار المنطقة واستنزافها وابتزاز شعوبها وحكامها.
هكذا يتبين وبكل بساطة أن تدخل روسيا في سورية سوف يجبر داعش ومن معهم من الإرهابيين، الذين لم يعودوا يعرفون شيئاً سوى القتل والتخريب غير المميز(وهو تعريف الإرهاب)، على الإنتقال للعراق بديلاً وحيداً عن فنائهم بالقصف الجوي أو بتقدم الجيش السوري.
إن تدخل روسيا المباشر في سورية وعدم طلب العراق منها مد القصف لأجوائه سوف يعني تمكن داعش من أجزاء جديدة في العراق ومزيداً من التجزئة والخسران!
فمن أين جاء هؤلاء البهائم الخونة لحكم العراق؟ ألا تعساً لهم ولمن جاء بهم ولمن صوت لهم!
واخيبة العراق أن ينتهي بأيدي هؤلاء!
عبد الحق العاني
3 تشرين أول 2015