إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: عقدوا صَفْقَةً جديدة
ولا تقل: عقدوا صَفَقَةً جديدة
كنت أستمع قبل أيام لبرنامج على قناة المنار اللبنانية فاستوقفني قول مقدمة البرنامج إن “صَفَقَةً” (بفتح الفاء) قد تمت. وليست مقدمة البرنامج تلك وحيدة في هذا الفحش من القول حيث إن هذا الجهل بلسان العرب هو السائد اليوم في الإعلام العربي حتى أني لا أعرف إذاعة واحدة أو قناة تلفاز في بلاد الشام كلها فيها مذيع واحد أو مقدم برامج واحد لا يلحن. فهل يعقل أن شام العروبة قد خلت كلياً من سلامة اللسان؟ فإذا كان ذلك هو الحال فهل نعجب لما يجري فيها من خراب؟
وقد عاتبني أحد الأصدقاء في أنني أتشدد كثيراً في التأكيد على سلامة اللغة. فما كان مني إلا أن اساله: ترى ما الذي يفهمه حين يسمع مذيعاً في قناة الميادين، والتي تفخر بعروبتها، وهو يقول “إن هذا يتقاطع مع المصالح الأمريكية”؟ أليس لسان العرب يقضي أنه عنى “أن هذا يناقض المصالح الأمريكية”؟ فقال نعم. فقلت: ما بالك إذا كان المذيع أراد “إن هذا يتطابق مع المصالح الأمريكية”. كيف يمكن للمستمع أو المشاهد أن يفهم الرسالة إذا كان هذا المذيع الأمي يستعمل فعلاً عربياً واضحاً بعكس معناه. فهل يعقل أني سأتعلم ممن لا يحسن لغتي شيئاً في السياسة أو القانون أو أياً من العلوم؟ ألا يقضي العقل والمنطق ألا يخاطب الناس إلا من يحسن لسانهم فمن لا يحسن لسانهم عليه أن يتعلم قبل أن يعلمهم!
والفحش في لفظ كلمة “صفقة” لا يختلف في ذلك عن لفظ كلمة “حلقة” والتي سبق أن كتبنا عنها في حلقة سابقة. فالجهل بالصرف، وهو أخطر داءاً من الجهل بالإعراب، سببه هنا أن هؤلاء اعتقدوا أنه ما دام الجمع هو “صَفَقَات” فلا بد أن يكون المفرد منها “صَفَقَة”. لكن الأمر ليس كذلك. فالعرب جمعت “فَعْلَة” على وزن “فَعَلات”. فمن ذلك “حَلْقَة” على “حَلَقات” و “صَفْقَة” على “صَفَقَات”. ألا ترى أنك لا تقول “ضَرَبَة” وان كان الجمع “ضَرَبَات” ولا “لَطَمَة” وان كان الجمع “لَطَمَات” ولا “فَتَرَة” وان كان الجمع “فَتَرات” ولا “نَظَرَة” وان كان المجع “نَظَرَات”.
وكتب ابن فارس في مقاييس اللغة في باب “صفق”: الصاد والفاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاقاةِ شيءٍ ذي صَفْحةٍ لشيءٍ مثله بقُوَّة. من ذلك صَفَقْتُ الشَّيءَ بيدي، إِذا ضربتَه بباطن يدكِ بقُوّة.
والصَّفْقَة ضربُ اليدِ على اليدِ في البَيْعِ والبَيْعةِ، وتلك عادةٌ جاريةٌ للمتبايِعين.”
وكتب الجوهري في الصحاح: “وَصَفَقْتُ له بالبيع والبَيعةِ صَفْقاً، أي ضربت يدي على يده. ويقال: ربحتْ صَفْقَتُكَ للشراء، وصَفْقَةٌ رابحةٌ وصَفْقَةٌ خاسرةٌ.”
قل: فعلت ذلك به خَصُوصيَّة
ولا تقل: فعلت ذلك به خُصُوصيَّة
كتب ابن قتيبة: “فعلت ذلك به خَصُوصيَّة.”
وكتب الجوهري في الصحاح: “خَصَّهُ بالشيء خُصوصاً، وخَصوصِيَّةً والفتحُ أفصحُ، وخِصِّيصي.” وجاء في لسان العرب: “خصّه بالشيء يخُصّه خَصّاً وخُصوصاً وخَصُوصِيّةً وخُصُوصِيّةً، والفتح أَفصح، وخِصِّيصَى وخصّصَه واخْتصّه: أَفْرَدَه به دون غيره…….. وفعلت ذلك بك خِصِّيّةً وخاصّة وخَصُوصيّة وخُصُوصيّة.”
قل: فعلت خِصِّيصي وخاصة وخُصوصاً
ولا تقل: فعلت هذا خَصيصاً
وكتب مصطفى جواد: “وذلك لأن “الخِصِّيص” صدر الفعل “خصّ يخصّ” كما يقال: خلف يخلُف خليفيّ ودلّ يدل دليليّ وهو من المصادر النادرة نحو “بزّ بزيزيّ وخلس خليسيّ وخلب خليبيّ وشمّ شميميّ وقتّ قتيتي ونفض نفيضي ومكث مكيثي وزل زليلي ورد رديدي وفخر فخيري ومس مسيسي ودس دسيسي وسب سبيبي وهجر هجيري أي هذي هذياناً وغير ذلك، واستعمال “خاصة” و “خصوصاً” أسهل من “خصِّيصي”.
أمّا خَصيص فهي صفة مولدة بمعنى المختص والقريب والمقرب والخليل، تقول: كان هذا الرجل خَصيصاً بأبي وأنا خَصيص بابنه، وجمع الخصيص أخصّاء كحبيب وأحبّاء. جاء في كتاب الديارات للشابشتي “وكان خَصيصاً به أثيراً عنده”. وجاء في تجارب الأمم لمسكويه “وكان خَصيصاً بأبي محمد الحسن”.
قل: خصَصَته به فهو مُخصّص به وخاص به
ولا تقل: خصَصَته له ولا هو خاص له
كتب مصطفى جواد: وذلك لأن “خصّ” في الأصل فعل متعد بدلالة وجود الضمة في المضارع فهي العلامة الفارقة بين الفعل المتعدي والفعل اللازم من الثلاثي المضعف. تقول “عَزَّ فلانٌ عزَّاً وعزَّةً وعزيزةً”، وهو ضد ذَلَّ يَذلُّ. وهو لازم ومكسور الوسط الذي ألغيت كسرته على أوله من أجل الإدغام فإن أصله “يعزز” وادغامه واجب وتقول “عَزَّه يَعزه عِزَّاً” أي غلبه فهم مضموم الوسط الذي ألغيت ضمته على أوله.
وإذا حذف المفعول للعلم به قيل: خّصَّ به” ثم حذف حرف الجر إيجازاً فقيل “خَصَّه: فليس فيه إذن “خَصَّ له” حتى يقال “خاص له” وانما “خاص به” على الأصل ويقال “خَصَصته بكذا تَخصيصاً”. وتقول “خَصَصت ألف دينار بالتبرع”. فالدنانير مخصصة بالتبرع فلا تقل “مخصصة للتبرع” ولا تتهاون بلغتك فما أسهل وضع الباء في مكان اللام!”
و كتب عبد الهادي بو طالب: “خصوصاً وَأَنَّ” هو خطأ ثالث يجري على بعض الألسنة والأقلام، ويجري عليه ما يجري على مثالي: سَبَق، وحَصَل. يقال خطأ: “أنا مستاء من تصرفه خصوصاً وأني نبهته مراراً”. إن كلمة خصوصاً في هذا التركيب مفعول مطلق منصوب بتقدير أخُصّ خصوصاً. وكل الأسماء التي تأتي بعد فعل خصَّ ومشتقاته تُنصَب على أنها مفعول مطلق وقد يُحذف المفعول المطلق، ولكن يبقى عملُه. وكما نقول: “صبراً جميلاً” بتقدير اصْبِر. وحمداً لله بتقدير فعل أحْمُدُ، أو احمدْ، وشكراً لله بتقدير فعل شكر. نقول خصوصاً، وخاصة، وبالأخص. ويأتي المفعول المطلق بعدها منصوبا بتقدير خَصَّ أو أَخُصُّ. ولكن لا تُقْحَم الواو التي لا تفيد معنى بل تشوّش على المعنى.”
قل: دَمَعَتْ عيني
ولا تقل: دَمِعَتْ عيني
وكتب الكسائي: “وتقول دَمَعَتْ عيني، بفتح الميم”. إنتهى
إلا ان الجوهري كتب في الصحاح ان دمِعَت لغة: “ودَمَعَتِ العينُ تَدْمَعُ دَمْعاً، ودَمِعَتْ بالكسر دَمَعاً: لغةٌ حكاها أبو عبيدة.”
قل: استعملت الحَلَفَةَ لعمل الحبل
ولا تقل: استعملت الحَلْفةَ لعمل الحبل
كتب الزبيدي: ” يقولون “حَلْفَة” (بسكون اللام) للنبت الذي يتخذ منه الحبال، والصواب “حَلَفَة” (بفتح اللام). ويجمع على “حَلْفاء” مثل “قَصَبَة قَصْباء” ويجمع أيضاً “حَلَف” مثل “قَصَبَة قَصَب”. وقال بعض اللغويين: واحد الحلفاء “حَلفاءَة” ويجمع الحلفاء “حَلافِيّ” مثل “بَخاتِيّ” مشددة وإن شئت خَفّفْت. وقال سيبويه الحلفاء واحد وجمع. وروى عن الأصمعي أنه قال: واحد الحلفاء: حَلِفَة” ويقال أرضٌ حَلِفَةٌ إذا أنبتت الحلفاء.”
قل: ألقيتُ في النار كثيراً من الطَرَفَة (بفتح الراء)
ولا تقل: ألقيتُ في النار كثيراً من الطَرْفَة (بسكون الراء)
كتب الزبيدي: “ويقولون لضرب من الشجر “طَرْفَة” والصواب “طَرَفَة” و “طَرْفاء” للجمع، و “طَرَافِيّ”. وقال سيبويه في الطّرفاء كمقالته في الحَلفاء.
قل: ذهبت إليه
ولا تقل: ذهبت إلى عنده
وكتب الحريري “ويقولون ذهبت إلى عنده، فيخطئون فيه، لأن عند لا يدخل عليه من أدوات الجر إلا من وحدها، ولا يقع في تصاريف الكلام مجرورا إلا بها، كما قال سبحانه: “قل كل من عند الله” وإنما خصت من بذلك لأنها أم حروف الجر، ولأم كل باب اختصاص تمتاز به وتنفرد بمزيته، كما خصت إن المكسورة بدخول اللام في خبرها وخصت كان بجواز إيقاع الفعل الماضي خبراً عنها، وخصت باء القسم باستعمالها مع ظهور فعل القسم، وبدخولها على الاسم المضمر، فأما قول الشاعر:
كل عند لك عندي لا يساوي نصف عند
فإنه من ضرورات الشعر، كما أجرى بعضهم ليت وسوف – وهما حرفان – مجرى الأسماء المتمكنة فأعربهما في قوله:
ليت شعري وأين مني ليت إن ليتا وإن سوفا عناء
وقد تستعمل عند بعدة معان، فتكون بمعنى الحضرة كقولك: عندي زيد،
وبمعنى الملكة كقولك: عندي مال، وبمعنى الحكم كقولك: زيد عندي أفضل من عمرو، أي في حكمي، وبمعنى الفضل والإحسان كما قال سبحانه وتعالى إخبارا عن خطاب شعيب لموسى عليهما السلام: “فإن أتممت عشرا فمن عندك” أي من فضلك وإحسانك.”
قل: جَهَّزَ العروسَ بِجَهازِها
ولا تقل: جَهَّزَ العروسَ بِجِهازِها
وجاء في ملحق أوهام الخواص: ويقولون لما يحمله المسافر، ولما تحمله العروس معها إلى بيتها من متاع مما تحتاج إليه: جِهاز (بخفض الجيم بدل فتحها) فيوهمون لأن الجِهاز (بالخفض) هو الآلة كالهاتف والمذياع والمرياء، بينما الصواب أن يقال جَهاز العروس (بالفتح). ويقول الليث: سمعت أهل البصرة يخطئون الجهاز بالكسر.
وقال الأزهري: القراء كلهم على فتح الجيم في قوله تعالى: “فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه” وبالكسر لغة رديئة. ومنه قول الشاعر:
تجهزي بجهاز تبلغين به ** يا نفس قبل الردى، لم تخلقي عبثا
قل: نطت الأمر بفلان
ولا تقل: أنطته بالأمر
وكتب اليازجي:”قولهم نوطته بالأمر وأنطته بالأمر فيغيرون صيغة الفعل وعمله جميعاً والصواب نطت الأمر بفلان أنوطه، وهذا الأمر منوط بك بلفظ الثلاثي لا غير.”
وكتب بو طالب: “وبهذه المناسبة نصحح خطأ مشهورا يقع في كلمة ناط فيقال: “نُطْتُ فلانا بهذا الأمر” أي كلفته به. والصواب هو: “نُطْتُ الأمرَ بفلان” أي عهدتُ بالأمر إليه. لأننا نعهد -كما جاء في بعض كتب اللغة – بالأمر إلى الإنسان لتدبيره وتسويته وحلّه إذا كان مشكلة، ولا نعهد بالإنسان إلى الأمر.”
قل: أخاف عليكم رَعاعَ الناس
ولا تقل: أخافُ عليكم رُعاع الناس
وكتب عبد الهادي بوطالب: “الرَّعاع: السافلون من الناس الذين لا يتميزون بميزة يفضُلون بها غيرهم. والبعض يضُم أوَّلها (العين) خطأ. وقد جاءت مفتوحة في الحديث: “إني أخاف عليكم رَعاع الناس”.
وتُستعمل الرَّعاع للتحقير. مثلها مثل الغوغاء. وتأتي مؤنثاً رَعاعة بمعنى قليل العقل والفهم. وبهذا المعنى تطلق على النَّعامة المشهورة بقلة الفهم حيث تضع رأسها في التراب متوهمة بذلك أنها اختفت عن الأنظار. وهذا ما يشار إليه بتعبير سياسة النَّعامة.”
قل: يا شباب البلد أو يا شبان البلد
ولا تقل: يا شبيبة البلد
كتب خالد العبري: شاع في عصرنا الحاضر استعمال كلمة “شبيبة” جمعاً لـ “شاب” فتسمع مثلاً “يا شبيبة البلد”، وهذا خطأ بَيّنٌ، فالشبيبة مصدر من “شبَّ” تقول يَشِبُّ شباباً وشبيبة، وشابُّ تُجمع على “شبّان” و “شباب”. يقول الكميت بن زيد الأسدي (من البسيط):
ليت الشبيبةَ لم تظعن مقفية وليت غائبها المألوفَ لم يغب
ويُستأنس هنا بقول أبي الطيب المتنبي (البسيط):
أتى الزمانَ بنوه في شبيبته فسرَهم وأتيناهُ على الهرَمِ
قل: زَاد عددهم على مئة
ولا تقل: زاد عددهم عن مئة
كتب عدنان النحوي: “الصواب “زاد على” فعلى حرف الجر الذي يأتي مع زاد ومشتقاتها.
فالزيد: الزيادة والنمو وكذلك الزوادة.
زاد الشيء: يزيدُ وزيداً وزيادة وزياداً ومزيداً ومَزَاداً، وهم زيدٌ على مئة.
وقال الأصبع العدواني:
وأنتم معشر زيدٌ على مئة فاجمعوا أمركم طُرَّاً فكيدوني
وإذا أعطي رجلٌ شيئاً فطلب زيادة على ما أعطي قيل: قد استزاده.
والخطأ الذي يقع فيه بعضهم أن يقولوا: يزيد عن مئة، فستعمل حرف الجر عن بدلاً من على، وهذا لا يصح، فالصواب: يزيد على.”
وفوق كل ذي علم عليم!
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
30 تموز 2015