قامت الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، ضمن سياستها العدوانية المستمرة في كل بقاع الأرض من أجل فرض هيمنة الرأسمالية الصهيونية، بتسليح وتدريب وتموين قوات من معارضي جمهورية نيكاراغوا، وهم الذين عرفوا بـ “الكونترا”، ومكنتهم من العبور من دول الجوار للعدوان على الدولة والقتل والتخريب. ثم أتبعت الولايات المتحدة ذلك العمل الإجرامي بوضع الألغام في المياه الإقليمية لجمهورية نيكاراغوا لمنعها من إستعمال مياهها للملاحة والتجارة.
وقاومت نيكاراغوا تلك الهجمة البربرية بكل السبل الممكنة لها عسكرياً وسياسيا وقضائياً. فرفعت في 9 نيسان 1984 وضمن الإجراء القضائي دعوى ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية.
وقررت محكمة العدل الدولية رفض طعن الولايات المتحدة بعدم اعترافها بسلطة المحكمة في الخصومة وسمعتها وأصدرت حكمها الشهير في القضية يوم 27 حزيران 1986. وقد أصبح ذلك الحكم والمكون من 16 قراراً مرجعاً عالمياً يرجع له القضاة والقانونيون والمحامون والكتاب في عرضهم لقواعد القانون الدولي. ذلك لأنه خلق سابقة مهمة في القانون الدولي تدين دولة عظمى وتنتصر لدولة مستضعفة مما فتح الباب أمام تظلم جديد وإمكانية تحقيق عدل قضائي ولوعلى المستوى النظري والأخلاقي!
فحكمت محكمة العدل في صالح نيكاراغوا في أن الولايات المتحدة خرقت القانون الدولي في دعمها للكونترا في تمردهم المسلح ضد الحكومة وبتلغيمها مياه نيكاراغوا… وقضت المحكمة بتعويض الولايات المتحدة لنيكاراغوا.
ويمكن تلخيص أهم قرارات محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة بما يلي:
1 . ان الولايات المتحدة بتدريبها وتسليحها وتجهيزها وتمويلها وتشجيعها لقوات الكونترا ضد نيكاراغوا خرقت القانون الدولي العام القاضي بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
2. إن الولايات المتحدة بقيامها بسلسلة من الأعمال العدوانية ضد نيكاراغوا تكون قد خرقت القانون الدولي العام القاضي بعدم إستعمال القوة ضد بلد آخر.
3. ان قيام الولايات المتحدة بزرع الألغام في المياه الإقليمية لجمهورية نيكاراغوا هو خرق للقانون الدولي العام القاضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى وبمنع خرق سيادتها وبعدم قطع التجارة البحرية المدنية.
4. ان الولايات المتحدة ملزمة بالتوقف والإمتناع عن كل هذه الأعمال التي يمكن أن تشكل خرقاً لإلتزامات الولايات المتحدة على وفق القانون الدولي.
5. ان الولايات المتحدة ملزمة قانوناً بدفع التعويض لنيكاراغوا عن كل الضرر الذي لحقها بسبب الخرق للقانون الدولي العام كما تم تفصيله أعلاه.
فما أشبه اليوم بالبارحة!
فالولايات المتحدة فعلت أكثر من ذلك ضد سورية كما أنها أمكنت وسهلت لوكلائها في المنطقة من جمع شذاذ الآفاق من مزابل الأرض، والذين لا يتميزون عن أية بهيمة في لصق جبهاتهم بالأرض إلا في شيء واحد وهو أنهم يحسنون غسل مؤخراتهم، وأرسلوهم عبر حدودهم وبمالهم لتخريب سورية وقتل أهلها في واحدة من أكثر الهجمات البربرية في العصر الحديث والتي تجعل الصهيونية، رغم جرائمها، تبدو حملاً وديعاً!
فلماذا لا تقاضي سورية هؤلاء المجرمين أمام محكمة العدل الدولية؟
وإذا كان قرار القيادة السورية ما زال اليوم يقوم على عدم إثارة الولايات المتحدة فإن سورية يكفيها أن تقاضي الدول التي سماها نائب الرئيس الأمريكي بلسانه أنها داعمة للإرهاب في سورية. فهل تحتاج سورية أن تثبت لمحكمة العدل الدولية ما أقرت به الولايات المتحدة على لسان نائب رئيسها بأن الإرهاب في سورية تمونه وتدعمه تركيا والسعودية والإمارات؟ هذا كما أن تركيا اشترطت علناً بأن يكون استهداف النظام السوري ثمناً لمشاركتها في التحالف المزعوم الذي أقامته الولايات المتحدة ضد داعش.
فلماذا لا تقاضيهم الدولة السورية؟
أدري أن أكثر من سائل سوف يسأل ما الفائدة من المقاضاة. لكنه رغم ان المظلوم لا يسأل عن الفائدة المرجوة من المقاضاة لكنه يسأل عن الضرر الذي قد ينتج عن فشل المقاضاة، فإني سوف أجيب عن السؤال عن فائدة المقاضاة.
- إن القاعدة الذهبية في فقه القانون هي أن يطعن بالظلم اينما وقع مهما كانت فرص النجاح أو تنفيذ الحكم.
- إن سورية تؤكد في كل مناسبة ضرورة الإحتكام للقانون الدولي وقواعده فلماذا لا تستعين به لدفع الظلم أو إدانته في أقل حال.
- إن سورية في عزلة دولية ظهرت جلية في عدد اللقاءات التي أتيحت لوليد المعلم في حضوره الدورة الأخيرة للأمم المتحدة. وأي نظر من قبل محكمة العدل الدولية في شكوى من الدولة السورية سوف يثبت إعترافها بالدولة السورية بنظامها السياسي القائم.
- سيكون من العسير على قضاة محكمة العدل الدولية في ضوء القواعد القانونية التي اثبتتها دعوى نيكاراغوا أن يصدروا حكماً ليس في صالح الدولة السورية.
- إن اي حكم يصدر من محكمة العدل الدولية في دعوى ترفعها سورية لا يسقط أثره بمرور الزمن فإذا لم يكن بالإمكان تنفيذه اليوم فقد يكون غدا، وهذا الكون دوار وقال تعالى “كل يوم هو في شان”.
- إن مجرد رفع الدعوى أمام العدل الدولية سيكون سبباً يدفع عدداً من الدول الصغيرة أو المستضعفة أو الجبانة للتحجج أمام الصهيونية في أنها لا تريد أن تكون طرفاً في قضية قد تحكم فيها محكمة العدل الدولية في صالح سورية مما يعيد للدولة السورية بعضاً من العلاقات مع العالم الذي أرهبته الصهيونية وإعلامها.
- إن أي حكم يصدر عن محكمة العدل الدولية بتجريم المعتدين سوف يضع الأشخاص المسؤولين في كل تلك الدول موضع المساءلة الجنائية في عدد كبير من دول العالم وهذا وحده كفيل بكف أيدي الكثيرين من المسؤولين في تلك الدول المعتدية عن المشاركة خوف وقوعهم تحت طائلة القانون الدولي أو القوانين الوطنية بصفتهم الفردية.
- إن أي حكم يقضي بقيام المعتدين بتعويض سورية عما لحقها من خراب بسبب الإرهاب الذي خلقوه وغذوه سوف يعطي سورية حق إسترداده بأي سبيل. فإذا لم تدفع الدول المعتدية التعويض المحكوم به فإن سقوط الصواريخ على أبو ظبي أو الدوحة أو الرياض سوف لن يكون عدواناً لأنه سيكون الأداة الوحيدة لتنفيذ حكم محكمة العدل الدولية. وعنده سيدفع الأعراب رغم أنوفهم!
بعد كل هذا أيمكن لأحد أن يجيب عن سبب تقاعس الدولة السورية عن رفع الدعوى إذا كان أقل ما يمكن أن ينتج عنها هو تثبيت حق وإعتراف بوقوع عدوان في وقت لا تخسر فيه سورية أي شيء؟
والسلام
عبد الحق العاني
دكتوراه في القانون الدولي
12 تشرين أول 2014