إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
إن اللغة العربية هي أعظم تراث للعرب وأقدسه وأنفسه، فمن استهان بها فكأنما استهان بالأمة العربية نفسها وذلك ذنب عظيم ووهم جسيم أليم. (م ج)
قل: الهندسة العِمارية والمهندس المِعمار
ولا تقل: الهندسة المعمارية ولا المهندس المعماريّ
وذلك لأن الأشياء، من الفنون والعلوم والآداب، ينبغي أن تنسب عند إرادة النسبة الى الفن نفسه والعلم نفسه والأدب نفسه، وليس في الفنون والعلوم فن أو علم يسمى “المعمار”، حتى ينسب اليه، فالمعمار صفة مشتقة من الفعل “عَمَر يَعمر عمراناً وعمارة”، وإن أردت الحقيقة فالمعمار اسم آلة استعيرت صيغته لتأدية المبالغة كالمفضال والمحواج والمذياع للكثير الفضل والكثير الحاجة والكثير الإذاعة. فأنت لا تقول “الشؤون التاجرية” بل “الشؤون التجارية”، ولا تقول “الأحوال الصانعية” بل “الأحوال الصناعية”، فكذلك ينبغي أن يقال “الهندسة العِمارية” نسبة الى العمارة لأن الفن والصناعة هي العَمارة.
وإذا كان المعمار يراد به الوصف في الأصل، ثم نقل الى الإسمية، يكون كالتاجر والصانع والمهندس والطابع والمنجم، فلا يقال لهؤلاء “التاجري والصانعي والمهندسي والطابعي والمنجمي” حتى يقال “المعماري”. فالصواب “المهندس المعمار” أو “المعمار” وحده. ومما يحضرني من شواهد استعماله وصفاً للمبالغة قول أبي الفوارس سعد بن محمد التميمي يمدح الوزير جمال الدين أبا جعفر محمد بن علي الأصفهاني ثم الموصلي:
وتقر عين محمد بمحمد محي دريسي علمه والمنزل
مِعمار مرقده وحافظ دينه ومُعين أمته بجود مـــسبل
ومن شواهد استعماله إسماً من الأسماء ما ذكره ياقوت في معجم الأدباء في أخبار الأمير ابن أبي حصينة الشاعر مع الأمير محمود بن صالح بن مرداس في بناء دار: “يا مولانا هذا الرجل تولى عمارتها ولا أدري كم صرف عليها؟ فسأل المعمار فقال: غرم عليها ألفي دينار مصرية”. ومن ذلك أبو عبد الله محمد بن أبي بكر البغدادي المعروف بابن المعمار مؤلف كتاب الفتوة وقد نشرناه مع جمعية من الفضلاء، ويجمع المعمار على معامير كالمذياع والمذاييع والمفضال والمفاضيل، ولا يجوز معمارون لأنه اسم آلة في الأصل كما ذكرت فلا يجمع جمع مذكر سالم. (م ج)
قل: أمره فأطاع أمره وأذعن له وائتمر بأمره
ولا تقل: انصاع له
وذلك لأن “انصاع” بمعنى انفتل راجعاً ومر مسرعاً ونكص نكوصاً سريعاً وبمعنى تفرق وبمعنى ذهب سريعاً. وكل هذه المعاني لا تدل على الطاعة والإذعان والإئتمار. قال ابن فارس في المقاييس: “الصاد والواو والعين أصل صحيح وله بابان أحدهما يدل على تفرق وتصدع والآخر إناء. فالأول قولهم: تصوّعوا إذا تفرّقوا، قال ذو الرمة:
عَسَفت إعتساف الصدع كل مهيبة تّظل بها الآجال عني تّصَوّع
ويقال: انصاع القوم سراعاً: مرّوا”. قال الجوهري في الصحاح: “صنعت الشيء فانصاع أي فرقته فتفرق ومنه قولهم: يصوع الكمي أقرانه إذا أتاهم من نواحيهم…. وانصاع: أي انفتل راجعاً ومر مسرعاً والتصوع: التفرق…”.
وقال الزمخشري في أساس البلاغة: “يحوذهم ….. ومنه انصاع القوم إذا مروا سراعاً”. وعلق الأزهري على التفسير القديم قال: “ومعنى الكمي يصوع أقرانه أي يحمل عليهم فيفرق جمعهم”. وقال الفيروزأبادي في القاموس: “انصاع: انفتل راجعاً مسرعاً”.
هذا ما ذكره اللغويون الذين ذكرناهم ومن سواهم من معاني “انصاع” وينبغي لنا أن نبحث عن الواقع اللغوي لهذا الفعل فلعل فيه ما يفيد الطاعة والإنقياد والإئتمار والإذعان، قال أبو ذؤيب الهذلي يصف الثور الوحشي:
فانصاع من حذر فسد فروجه غضف ضوار وافيان وأجدع
قال أبو زيد محمد بن ابي الخطاب القرشي في جمهرة أشعار العرب “إنصاع: انحرف”. ونحن نعلم أن الإنحراف ضد الطاعة والإذعان. وقال الأخطل التغلبي:
فانصاع كالكوكب الذري ميعته غضبان يخلط من معج وإحضار
قال أبو زيد أيضاً “انصاع: انحرف” فأكد قوله السابق وقال ذو الرمة:
فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت يلجن لا يأتلي المطلوب والطلب
قال أبو زيد: “فانصاع اي انحرف”. وهذه المرة الثالثة التي يفسر فيها الفعل المكذور بكلمة واحدة.
ونعود الى استعمال “أطاع” بدلاً من “انصاع” فنجده صواباً ونلفي أطاع من الوضوح بحيث يكون شرحه من تحصيل الحاصل، وكذلك الإئتمار ويبقى “أذعن”، قال ابن فارس في المقاييس: “الذال والعين والنون أصل واحد يدل على الإصحاب والإنقياد، يقال: أذعن الرجل إذا انقاد، يذعن إذعاناً، وبناؤه ذ ع ن إلا أن استعماله “أذعن” هو الراجح ويقال ناقة مذعان سلسة الرأس منقادة”.
وجاء في لسان العرب: “قال الله تعالى: وان يكن لهم الحق يأتوا مذعنين، قال ابن الأعرابي مذعنين: مقرين خاضعين. وقال أبو اسحاق جاء في التفسير: مسرعين. قال والإذعان في اللغة الإسراع مع الطاعة. وقال الفرار: مذعنين: مطيعين غير مستكرهين. وقيل مذعنين منقادين، الإذعان الإنقياد، وأذعن الرجل: انقاد وسلس”، انتهى” وذكر استعمالاً آخر إلا أن المعنى العام هو كما ذكر آنفاً: الإسراع مع الطاعة، مع أن الإنصياع إسراع وانحراف ونكوص ومرور سريع فلا يشعر بالطاعة. جاء في كليلة ودمنة قوله: “بما يدعوه اليه من طاعته والإذعان لدولته”. فقل: أطاع أمره وائتمر به وأذعن له إذعاناً، ولا تقل: انصاع لأمره. (م ج)
قل: أذعن له
ولا تقل: رضخ له
وكتب اليازجي: “ويقولون رضخ له اي أذعن وانقاد ولم يرد رضخ في شيء من هذا المعنى وإنما الرضخ كسر الشيء اليابس يقال رضخ الجوزة ورضخ رأس الحية ويقال رضخ له من مال إذا أعطاه عطاءً يسيراً.”
قل: أذعن له يُذعن إذعاناً وخضع له خضوعاً وأطاعه إطاعة وائتمر بأمره وما أشبه ذلك
ولا تقل: رضخ له بهذا المعنى
وذلك لأن “رضخ يرضخ رضخاً” معناه كسر أو حطّم أو أعطى قليلاً من المال أي كسر من المال، فلا صلة بالإذعان والطاعة والإستسلام والخضوع والإئتمار وما اشبه ذلك. جاء في لسان العرب: “وَرَضَخْتُ رأْسَ الحية بالحجارة.ورَضَخ النوى والحصى والعظم وغيرها من اليابس يَرْضَخُه رضخاً: كسره.والرَّضْخُ كسر رأس الحية….. والرَّضْخُ: كسر الرأْس، ويستعمل الرَّضْخُ في كسر النَّوَى والرأْس للحيات وغيرها…. والرَّضْخُ أَيضاً: الدَّقُّ والكسر وكذلك العطاء. يقال: فيه الرَّضْخُ، بالخاء المعجمة، ورَضَخَ له من ماله يَرْضَخُ رَضْخاً: أَعطاه.
ويقال: رَضَخْت له من مالي رَضِيخَةً وهو القليل.” وجاء في أمالي الشريف الرضي “رضخ له فلان بشيء من المال” بالباء.
ولقائل أن يقول: إن باب المجاز في العربية مفتوح لكل فصيح مجتاز أفلا يكون بقولهم “رضخ له” وجه من وجوه المجاز؟ فأقول: إذا تساهلنا فقلنا “رضخ له بشيء من الطاعة” بذكر الطاعة أو “رضخ له بشيء من الإذعان” فإنه لا يؤدي المعنى المقصود، فالمقصود هو الطاعة والإذعان لا الشيء القليل منهما. ثم ان الراضخ في العادة له اليد العليا والمرضوخ له اليد السفلى فلا يصح الإذعان للصغير المحتاج والراجي المسترفد، فلا وجه إذن للمجاز. (م ج)
وكتب الحنفي: ومما يُوْهَمُونَ في لفظ ” الإذعان” حيث يستعملونه بمعنى الإدراك ، فيقولون: أذعنته بمعنى فهمته، والصحيح أَنَّ معناه الخضوع والإنقياد. كذا ذكره بعض الأفاضل.
قل: أمره أن يصنع كذا فأطاع الأمر
ولا تقل: أمره أن يصنع كذا فصدع بالأمر
وكتب اليازحي: “ويقولون أمره أن يصنع كذا فصدع بالأمر يعنون أنه أطاع وأمضى ما أمر به، ولم يات صدع في شيء من هذا المعنى، ولكن أصل هذا التعبير ما جاء في سورة الحجر من قوله “فاصدع بما تؤمر”. قال البيضاوي اي فاجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً أو فأفرق به بين الحق والباطل. وقيل غير ذلك وكله بعيد عن المعنى الذي يذهبون اليه.”
قل: شَلَّت يده
ولا تقل: شُلَّت يده
وكتب إبن قتيبة: “وتقول ” شَلَّت يده ” بالفتح تَشَلُّ شَلَلاً.”
وكتب المقدسي: “ويقولون: إذا ضَرَبَهُ في يَدِهِ فشُلَّتْ، بضَم الشينِ. وصوابُهُ: فشَلَّتْ بفتحِ الشينِ.”
وجاء في لسان العرب قول ابن منظور:
“الشَّلَلُ: يُبْسُ اليَدِ وذَهابُها، وقيل: هو فَساد في اليد، شَلَّتْ يَدُه تَشَلُّ بالفتح شَلاًّ وشَلَلاً وأَشَلَّها اللهُ”.
وكتب الجووهري في الصحاح:
“والشَلَلُ: أثر يصيب الثوبَ لا يذهب بالغَسْل. يقال: ما هذا الشَلَلُ في ثوبك؟ والشَلَلُ: فسادٌ في اليد. شَلِّتْ يمينه تَشَلُّ بالفتح، وأَشَلَّها الله. يقال في الدعاء: لا تَشْلَلْ يَدُك ولا تَكْلَلْ!”.
وتوسع ابن فارس في المقاييس فكتب:
“الشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تباعُد، ثم يكون ذلك في المسافة، وفي نسج الثَّوب وخياطته وما قارب ذلك. فالشلُّ: الطرْد، يقال شَلَّهم شَلاًّ، إذا طَرَدهم.
ويقال أصبح القوم شِلاَلاً، أي متفرِّقين. قال الشاعر:
أما والذي حَجَّت قريشٌ قَطينةً شِلالاً ومولَى كلِّ باقٍ وهالكِ
والشَّلل: الذي قد شُلّ، أي طُرِد.
ومنه قوله: ويقال شَللت الثوب أشُلُّه، إذا خِطته خياطةً خفيفة متباعدة. ومن الباب الشلل: فساد اليد، يقال: لا تشْلل ولا تَكْللْ، ورجلٌ أَشَلُّ وقد شَلَّ يَشَلّ.”
قل: هو يملك رَجعة المرأة
ولا تقل: هو يملك رِجعة المرأة
وكتب المقدسي: ويقولون: “هو يملكُ رِجْعَةَ المرأةِ، بكسرِ الراء. والأَفْصَحُ: رَجْعَة، بفتحِ الراءِ. وكذلكَ: طلاقٌ رَجْعِيٌّ. وكذلكَ: فُلانٌ يؤمِنُ بالرَّجْعَةِ، أي بالرجوعِ إلى الدنيا بَعْدَ الموتِ.”
ولم تتفق معجمات العربية مع المقدسي في ما كتبه فأجازت الإثنين فكتب ابن فارس في المقاييس:
“الراء والجيم والعين أصلٌ كبيرٌ مطّرد مُنْقاس، يدلُّ على رَدّ وتَكرار. تقول: رَجَع يرجع رُجوعاً، إذا عادَ.
ورَاجَعَ الرّجُل امرأتَه، وهي الرَّجْعَة والرِّجْعَةُ.”
وكتب ابن منظور في اللسان:
“وارتجع إِلي الأَمرَ: رَدَّه إِليّ؛ أَنشد ثعلب: أَمُرْتَجِعٌ لي مِثْلَ أَيامِ حَمّةٍ، وأَيامِ ذي قارٍ عَليَّ الرَّواجِعُ؟ وارْتَجَعَ المرأَةَ وراجَعها مُراجعة ورِجاعاً: رَجَعها إِلى نفسه بعد الطلاق، والاسم الرِّجْعة والرَّجْعةُ. يقال: طلَّق فلان فلانة طلاقاً يملك فيه الرَّجْعة والرِّجْعةَ، والفتح أَفصح.” واضاف ابن منظور في وصف من يؤمن بالرجعة فكتب:
“والرَّجْعةُ مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم، ومذهب طائفة من فِرَق المسلمين من أَولي البِدَع والأَهْواء، يقولون: إِن الميت يَرْجِعُ إِلى الدنيا ويكون فيها حيّاً كما كان، ومن جملتهم طائفة من الرَّافضة يقولون: إِنَّ عليّ بن أَبي طالب، كرم الله وجهه، مُسْتتِر في السحاب فلا يخرج مع من خرج من ولده حتى ينادِيَ مُنادٍ من السماء: اخرج مع فلان.”
قل: هذا خوان لتقديم الطعام
ولا تقل: هذه مائدة لتقديم الطعام
وكتب الحريري “ويقولون لما يتخذ لتقديم الطعام عليه: مائدة، والصحيح أن يقال له خوان إلى أن يحضر عليه الطعام، فيسمى حينئذ مائدة، يدل على ذلك أن الحواريين حين تحدوا عيسى عليه السلام بأن يستنزل لهم طعاما من السماء، قالوا: “هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء”، ثم بينوا معنى المائدة بقولهم: “نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا”.
وحكى الأصمعي قال: غدوت ذات يوم إلى زيارة صديق لي، فلقيني أبو عمرو بن العلاء، فقال لي: إلى أين يا أصمعي فقلت: إلى صديق لي، فقال: إن كان لفائدة، أو عائدة، أو مائدة، وإلا فلا.
وقد اختلف في تسميتها بذلك، فقيل: سميت به لأنها تميد بما عليها، أي تتحرك، مأخوذ من قوله تعالى: “وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم”، وقيل: بل هو من ماد، أي أعطى، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى، فكأنها تميد من حواليها مما أحضر عليها.
وقد أجاز بعضهم أن يقال فيها: ميدة، واستشهد عليه بقول الراجز:
وميدة كثيرة الألوان ** تصنع للجيران والإخوان
وفي كلام العرب أشياء تختلف أسماؤها باختلاف أوصافها فمن ذلك أنهم لا يقولون للقدح: كأس ألا إذا كان فيها شراب، ولا للبئر: ركية إلا إذا كان فيها ماء، ولا للدلو: سجل إلا وفيها ماء ولو قل، ولا يقال لها: ذنوب إلا إذا كانت ملأى، ولا يقال أيضا للبستان: حديقة، إلا إذا كان عليه حائط، ولا للإناء: كوز إلا إذا كانت له عروة، وإلا فهو كوب، ولا للمجلس: ناد إلا وفيه أهله، ولا للسرير: أريكة إلا إذا كانت عليه حجلة، ولا للمرأة: ظعينة إلا ما دامت راكبة في الهودج، ولا للستر: خدر إلا إذا اشتمل على امرأة، ولا للقدح سهم: إلا إذا كان فيه نصل وريش، ولا للطبق: مهدى إلا ما دامت فيه الهدية، ولا للشجاع: كمي إلا إذا كان شاكي السلاح، ولا للقناة رمح إلا إذا ركب عليها السنان، وعليه قول عبد القيس بن خفاف البرجمي:
وأصبحت أعددت للنائبات عرضا بريا وعضبا صقيلا
ووقع لسان كحد السنان ورمحا طويل القناة عسولا
ولو كان الرمح هو القناة لقال: رمحا طويلا، لأن الشيء لا يضاف إلا إلى ذاته.
ومن هذا النمط أيضا أنه لا يقال للصوف: عهن إلا إذا كان مصبوغا، ولا للسرب: نفق إلا إذا كان مخروقا، ولا للخيط: سمط إلا إذا كان فيه نظم، ولا للحطب: وقود إلا إذا اتقدت فيه النار، ولا للثوب: مطرف إلا إذا كان في طرفه علمان، ولا لماء الفم: رضاب إلا ما دام في الفم، ولا للمرأة: عانس ولا عاتق إلا ما دامت في بيت أبويها، ولذلك لا يقال للأنبوبة: قلم إلا إذا بريت.
وأنشدني أحد شيوخنا رحمه الله لأبي الفتح كشاجم:
لا أحب الدواة تحشى يراعا تلك عندي من الدوي معيبه
قلم واحد وجودة خط فإذا شئت فاستزد أنبوبه
هذه قعدة الشجاع عليها سيره دائبا وتلك جنيبه.”
قل: هذا الكتاب نفسه قرأت
ولا تقل: هذا الكتاب إياه قرأت
وكتب عبد الهادي بوطالب: أخذ يشيع في الاستعمال “هذا الكتابُ إيَّاه قرأته”. و”هذا الموضوعُ إيّاه طرحه باحث آخر”. وهذا خطأ، فلا تأتي إيّا – وهي ضمير منفصل يقع موقع النصب – نعتاً أو توكيداً لاسم مرفوع، لأنها ضمير منفصل في موضع النصب.إيَّاي، وإيَّانَا، وإيَّاكَ، وإيَّاكِ، وإيَّاكُمَا، وإيَّاكُمْ، وإيَّاكُنَّ، وإيَّاهُ، وإيَّاهَا، وإيَّاهُمَا، وإيَّاهُمْ، وإيَّاهُنَّ، لا تقع جميعُها إلا في موضع النصب.
ويقصد من يقولون: هذا الكتابُ إيَّاه استعمالَ كلمة إيَّاه للتوكيد. والصواب في هذه الحالة التوكيد بالاسْم أو العين، فنقول: الكتابُ نَفْسُه، أو عَيْنُه. ولا نقول إيَّاه. وتوكيد المرفوع بإياه خطأ شائع بالأخص في لبنان. ويروج في الأحاديث والكتب والإعلام السمعي والإعلام المرئي وينطق به خطأ حتى بعض الجامعيين.
ففي سورة الفاتحة نقرأ “إيَّاكَ نعبد وإيَّاكَ نستعين”. فالأولى مفعول به لفعل نعبد، والثانية مفعول به لفعل نستعين. وفي القرآن أيضاً: “وإيَّاي فاتَّقون” “وإيَّايَ فارْهَبون” “نحن نرزقكم وإيَّاهُمْ” “أَمَرَ أن لا تعبدوا إلا إيَّاه”. وفي المثل العربي: “إيّاكَ أعْني واسمعي يا جارة”. ونقول أعطيتك إيَّاه فتأتي إيَّاه في موضع النصبمفعولاً به ثانياً لأعطى التي تنصب مفعولين.
عبد الحق العاني
27 تشرين أول 2014