إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: أسِّسَت هذه المدرسة في السنة الأولى من حكم فلان وأسِّس المسجد على عهد فلان
ولا تقل: تأسَّست المدرسة ولا تأسّس المسجد
وذلك لأن الفعل “تأسَّس” خاص بما يقوم بنفسه والمدرسة وأشباهها من العمارات والمسجد وأمثاله من البنيان لا تقوم بأنفسها، أعني أنها لا تكون كوناً طبيعياً كالنبات والبشر والحيوان، وليس من شيء مصنوع يقوم أساسه بنفسه لأن الأساس بعينه معمول ومصنوع لأي ناشئ عن العمل والصناعة، ولذلك لم تستعمل العرب قط الفعل “تأسَّس” وإنما هو من اللغة العامية، لأن اللغة العامية فقدت الفعل المبني للمجهول منذ عصور كثيرة
فلا يقول العوام “أكِل الطعامُ” بل “انئكل أو إنكل أو انوكل” على اختلاف لهجاتهم، ولا يقولون “أُسِّست الدار” بل تأسَّست. فالصواب “أُسِّست المدرسة وأسِّس المسجدُ”. قال تعالى: “لمسجد أسِّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. وذلك لأن النبي محمداً (عليه الصلاة والسلام) هو الذي أسَّس المسجد. وقال تعالى: “أفمن أسَّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسَّس بنيانه على شفا جرف هارٍ”.
وجاء في لسان العرب قال الليث: “أسَّستُ داراً إذا بينت حدودها ورفعت من قواعدها”. وجاء في القاموس: “والـتأسيس بيان حدود الدار ورفع قواعدها وبناء أصلها”. وقال الزمخشري في أساس البلاغة: “من لم يؤسس ملكه بالعدل فقد هدمه”.
وهذا الفعل وأمثاله تؤيد دعواي بأن المطاوعة المزعومة في اللغة حديث خرافة، فان العربي الفصيح لا تطاوعه نفسه على أن يقول “تأسَّس المسجد والمدرسة” وإنما يقول أسِّس المسجد والمدرسة وعلى ذلك يقاس. (م ج)
قل: لَجْنة ولِجان ولَجَنات
ولا تقل: لُجنة ولُجان ولُجُنات
وذلك لأن الَّلجنة سمعت وأثبتت في كتب اللغة بفتح اللام الأصلية وليس لنا أن نجعل فتحتها ضمة. قال مجد الدين الفيروزأبادي في القاموس: ” الَّلجنة الجماعة يجتمعون في الأمر ويرضونه” انتهى. ولا أحسب كلمة “الَّلجنة” عربية الأصل بل أراها معربة من إحدى اللغات الأعجمية، فالجوهري لم يذكرها في الصحاح ولا ذكرها غيره ممن رجع إلى كتبهم اللغوية مؤلف لسان العرب فلإنه لم يثبتها في اللسان، فصاحب القاموس نقلها من أحد كتب اللغة الأخرى. وقد يجوز أن يتكلف لها أصل عربي من الفعل “لجن” أي خلط، ومنه قولهم “لجَنَ ورقَ الشجر ونحوه أي خلطه بشعير أو دقيق حتى يثخن فتعلفه الإبل”.
وجمع الَّلجنة للكثرة أي ما تجاوزت عدته عشراً هو لِجان كحَربة و حِراب وظبية و ظِباء ، وللقلة أي من الثلاث الى العشر هو لَجَنات كعَرصة و عَرَصات، فلا تقل: لُجنة لُجان بل قل: لَجنة لِجان. (م ج)
قل: جَهْورَيّ الصوت وجَهيرُ الصوت
ولا تقل: جَهُوري الصوت
هو الصوت الرفيع الذي ينتبذ صوته بعيداً، فالجَهْوَري كأنه منسوب الى جَهْور، ولو كان صفة مبالغة لقيل “جَهُور” مثل عفور وغفور ولم يحتج الى ياء النسبة، والواو في جَهْوَريّ للمبالغة كواو كوثر ونوفل وحوصلة وروسم وروشم وحَوشبة. (م ج)
وجاء في لسان العرب في باب “جهر”:
” ورجلٌ جَهيرُ الصوتِ أَي عالي الصوت، وكذلك رجل جَهْوَرِيُّ الصوت رفيعُه…..والجَهْوَرِيُّ هو الصوت العالي.”
وكتب مؤلف الصحاح في باب “جهر”:
” وجَهَرَ بالقول: رفَعَ به صوتَه، وجَهْوَرَ. وهو رجلٌ جَهْوَرِيُّ الصوت، وجَهيرُ الصوت”
قل: خِطبة الزواج
ولا تقل: خُطبة الزواج
يقال: خَطب المرأة يخطُبها خِطبة فهو خاطِب وخِطّيب وهي مخطوبة ويقال هي خِطّيبة إذا كانت قد خَطَبت الرجل على نفسها. أما الخُطبة فهي الكلام الذي يلقيه الخطيب من على المنبر أو غيره. يقال خَطَب فلان القومَ وفي القوم بخُطبة بليغة. (م ج)
وكتب إبن منظور في باب “خطب” من لسان العرب:
” وخَطَب المرأَةَ يَخْطُبها خَطْباً وخِطْبة، بالكسر…… وخَطَب الخاطِبُ على المِنْبَر، واخْتَطَب يَخْطُبُ خَطابَةً، واسمُ الكلامِ: الخُطْبَة.”
أما إبن فارس فكتب في مقاييس اللغة:
” الخاء والطاء والباء أصلان: أحدهما الكلامُ بين اثنين، يقال خاطبهُ يُخاطِبه خِطاباً،والخُطْبة من ذلك. وفي النِّكاح الطّلَب أن يزوّج، قال الله تعالى:لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساء “.
قل: يود فلان أن يفنى في خدمة الوطن، ويود الفناء في خدمة الأمة
ولا تقل: يريد أن يتفانى في خدمة الوطن ولا يريد التفاني في خدمة الوطن
وذلك لأن الفعل “تفانى” من أفعال الإشتراك في اللغة العربية فلا يصدر إلا من جهتين مختلفتين، يقال: تفانى القوم والقوم تفانوا أي أفنى بعضهم بعضاً، قال زهير بن أب سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم
قال ابن مكرم في لسان العرب: “تفانى القوم قتلاً: أي أفنى بعضهم بعضاً، وتفانوا اي أفنى بعضهم بعضاً في الحرب”. فالعرب لم تستعمل “تفانى” إلا للإشتراك والإهلاك والإبادة، ولقائل أن يقول: وأين أنت من القياس وهو سبيل من سبل حياة اللغة؟ فأقول له: إذا أخذنا من الفعل “فني” فعلاً على وزن تفاعل وجب أن يقاس على طائفة من الأفعال، ذوات المعنى القياسي الصيغة، فيكون تفانى مثل تمارض وتماوت وتهالك وتعامى، وهي أفعال رياء وإظهار لغير الحقيقة، فيصير التفاني مُراآةً ومداجاةً ومخادعةً، وهي غير مرادة فضلاً عن كونها عيوباً ولو كان التفاني للنار أو للبخار أي لغير الإنسان لجاز ذلك بعض الجواز. فالصواب “الفناء في خدمة الوطن وهو يَفنى في خدمة الأمة”. (م ج)
قل: هذا الأمر لافِتٌ للنظر
ولا تقل: هذا الأمر مُلفِتٌ للنظر
نستعمل كثيراً لفظة “مُلفِت” فنقول مثلاً: “هذا الأمر مُلفِتٌ للنظر” فهل كلمة “مُلفِت” صحيحة؟
نقول: لو تأملنا هذه الكلمة لوجدناها اسم فاعل من الفعل “ألفت”، فاسم الفاعل من الفعل غير الثلاثي يُصاغ بقلب حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل آخره، نحو أقبل يُقبِلُ مُقْبِلٌ، والعرب لم تستعمل الفعل “ألفَت” قطُّ. فالصواب أن يقال “لافِتٌ” وهي اسم الفاعل من الفعل “لَفَتَ” التي تعني صرفه عن وجهه، فـ “لافِتٌ” تعني إذن: الأمر الذي يصرف الوجوه والتفكير نحوه، يقول المولى عز وجل: “قالوا إجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا” أي لتصرفنا. فالصواب في العبارة السابقة أن نقول “هذا الأمر لافت للنظر”. (خ ع )
قل: قابلته مُصادَفَةً
ولا تقل: قابلته صُدفَةً
الأصل: صَدَفَ عنه يَصدِفُ صَدْفَاً و صُدُوفاً أي عدل ومال، وأصدفه عنه: مال به، وصدف عني: أعرض عني.
وفي كتاب الله: “سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون”، فمعنى يصدفون في الاية: يعرضون.
والصَّدُوفُ من النساء التي تعرض عن زوجها. والصَّدَف: كل شيء مرتفع كالهدف والحائط والجبل. والصَّدف والصَّدَفة: الجانب والناحية.
والصٌّدْفان: ناحيتا الشعب أو الوادي، ويقال لجانبي الجبل إذا تجاذبا صُدُفان أو صَدَفان لتصادفهما أي لتلاقيهما، وفي كتاب الله : “حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا”. ومن هذا يُقال: صَادَفت فلاناً إذا لاقيته ووجدته، ولا نقول صَدَفت فلاناً.
إذن نقول: صادفته مُصَادَفَةً ومصادفة مصدر ميمي من صادف،
ولا نقول: صَادَفتُه صُدفَةً، ولا نقول: صَدَفْتُه. (ع ن)
قل: هو شاعر بليغ فضلاً عن شجاعته
ولا تقل: هو شاعر بليغ ناهيك عن شجاعته
وكتب إبراهيم اليازجي في (لغة الجرائد) “ويقولون هو شاعر بليغ ناهيك عن شجاعته أي فضلا عن شجاعته مثلاً. ولا يستعمل ناهيك بهذا المعنى إنما يقال زيد رجل ناهيك من رجل كما يقال كافيك من رجل وحسبك من رجل أي هو كاف لك فكأنه ينهاك عن طلب غيره”.
وقال إبن منظور في لسان العرب: “وفي قولهم: ناهِيكَ بفلان معناه كافِيكَ به، من قولهم قد نَهيَ الرجلُ من اللحم وأَنْهَى إِذا اكْتَفى منه وشَبِع.
أما إبن فارس فقد ذكر في مقاييس اللغة في باب (نهي): “وفلانٌ ناهِيكَ من رجلٍ وَنَهْيُك، كما يقال حسبك، وتأويله أنَّه بِجدِّه وغَنَائه ينهاك عن تطلُّبِ غيره.
وذكر القاموس المحيط تحت باب (نهاه): “وناهيكَ منه،
ونَهاكَ منه، بِمَعْنَى: حَسْبُ.
وهكذا يتضح أن العرب لم تستعمل “ناهيك” بالمعنى الذي يستعمله العامة اليوم. فاعدل عنه الى الصحيح من القول.
وقل: فضلاً عن شجاعته
ولا تقل: ناهيك عن شجاعته.
قل: فعلت هذا لمَصلَحَة فلان
ولا تقل: فعلت هذا لِصالِح فلان
وكتب إبراهيم اليازجي في (لغة الجرائد) “ومثله قولهم فعلت هذا لصالح فلان أي لمصلحته ومنفعته وهذا الأمر من صالحي وهي الصوالح ولم يأت الصالح في شيء من اللغة بهذا المعنى وانما هو من كلام العامة”.
وقال إبن منظور في باب (صلح):
“الصَّلاح: ضدّ الفساد؛ صَلَح يَصْلَحُ ويَصْلُح صَلاحاً وصُلُوحاً…….. وهو صالح وصَلِيحٌ…….. ورجل صالح في نفسه من قوم صُلَحاء ومُصْلِح في أَعماله وأُموره…….. والمَصْلَحة الصَّلاحُ…واحدة المصالح.”
وقال إبن فارس في المقاييس: “الصاد واللام والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِلاف الفَساد. يقال صلُحَ الشَّيءُ يصلُحُ صلاحاً.”
وهكذا نرى في ما أوردت معجمات اللغة أن العرب لم تستعمل “صالح” إلا كإسم الفاعل. والصحيح القول “مصلحة” لهذا المعنى.
قل: هذا حبل كهربائي
ولا تقل: هذا كيبل أو كابل أو قابلو كهربائي
فقد شاع في الوطن العربي في القرن العشرين إستعمال عبارة “كيبل كهربائي” أو “كيبل إتصالات” أو تحويرات منها مثل “القابلو المحوري” كما يشار له في العراق. وجميعها تعريب للكلمة الإنكليزية (Cable) . ذلك لأن أول إستعمال للكلمة في اللغة الإنكليزية كان بمعنى الحبل الغليظ. وحين برزت حاجة العلم والتقنية لإستحداث وسيلة لنقل الكهرباء أو الإتصالات فإنهم لم يترددوا في إستعارة لفظة الحبل لهذا الغرض.
فما هو العيب لو أن العرب إستعاروا كلمة “الحبل” للتعبير عن وسيلة نقل الكهرباء أو الإتصالات أو البيانات كما فعل الإنكليز مما يوفر عليهم الحاجة لتعريب اللفظ الإنكليزي.
وما دمنا بصدد الحبل فلا بأس أن نعرج على تصحيح خطأ شائع عند العرب وهو تفسير الاية الكريمة ” لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ”. فقد نشر المفسرون بين الناس أنه تعالى أراد في كلمة “الجمل” البعير المعروف. وقد علل أحد المفسرين ذلك بالقول انه تعالى استعمل الجمل لحجمه الكبير. لكن هذا التفسير لا يليق برب العزة، ذلك لأن الأمثال تضرب على شاكلتها ونحن نتعلم منه تعالى، فما علاقة البعير بسم الخياط؟
والصحيح عندي في تفسير معنى “الجمل” في الآية الكريمة هو ما جاء في لسان العرب في باب “جمل”:
“وهي قراءة ابن مسعود: حتى يلج الجُمَل، مثل النُّغَر في التقدير.
وحكي عن ابن عباس: الجُمَّل، بالتثقيل والتخفيف أَيضاً، فأَما الجُمَل، بالتخفيف، فهو الحَبْل الغليظ، وكذلك الجُمَّل، مشدد. قال ابن جني: هو الجُمَل على مثال نُغَر، والجُمْل على مثال قُفْل، والجُمُل على مثال طُنُب، والجَمَل على مثال مَثَل؛ قال ابن بري: وعليه فسر قوله حتى يلج الجَمَل في سَمِّ الخياط”.
وهكذا يتضح أنه تعالى أراد في إستعمال “الجمل” في الآية الكريمة “الحبل الغليظ” وليس البعير كما قال المفسرون. وفوق كل ذي علم عليم.
فقل: هذا حبل محوري
ولا تقل: هذا كيبل أو قابلو محوري.
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
3 تشرين ثاني 2013