إذا كنا نعاقب من يعتدي على الأثر التأريخي أو البيئة ألا يجدر بنا أن نعاقب من يهدم لغتنا؟
قل: جندي ماشٍ وجنود مُشاة
ولا تقل: (جنودٌ) مَشاة
فالماشي يُجمع على المُشاة كالرامي والرُّماة والقاضي والقُضاة والساقي والسُّقاة والعاتي والعُتاة والباني والبُناة والهادي والهُداة والغالي والغُلاة، وهو جمع قياسي في كل وصف للإنسان على وزن فاعل معتل الآخر بالياء. (م ج)
قل: في الأقل وفي الأعم وفي الأغلب وفي الغالب
ولا تقل: على الأقل وعلى الأعم وعلى الأغلب وعلى الغالب
قال القاضي الأديب أبو علي المحسن التنوخي: “فـإني في الأقل ربما كتبت شيئاً أعلم أنه موجود في الدفاتر”. وكذلك يقال: “في الأعم الأغلب” لا على الأعم الأغلب. قال عز الدين بن أبي الحديد: “ومنتهى بقاء هذه القوة في الأعم الأغلب مائة وعشرون سنة”. ثم قال: “ويقال للأنثى ابنة اللبون لأن أمهما في الأغلب تُرضع غيرهما فتكون ذات لبن”.
قال الرضي الإسترباذي: “بكون المقتضي أمراً خفياً معنوياً وما يقوم به المقتضي أمراً ظاهراً جلياً في الأغلب”. وقال: “وإنما يجرد المضاف في الأغلب عن التعريف لأن الأهم من الإضافة الى المعرفة تعريف المضاف وهو حاصل للمعرفة”. فهذا النحوي الكبير قد اتبع الفصحاء في هذه العبارة، ونيابة حروف الجر بعضها عن بعض نادرة وليست قياسية ألا ترى أنك لا تقول “دخلت على الدار” بمعنى “دخلت فيها” ولا “شرعت على العمل” بمعنى “شرعت في العمل” ولا “فكرت على الأمر” بمعنى “فكرت في الأمر” ولا “هو على الدار” بمعنى “هو في الدار” ولا “المال على الصندوق” بمعنى “المال في الصندوق”، فلكل معنى وقد مر مثل هذا. (م ج)
قل: هو عائل على غيره وهم عالة على غيرهم
ولا تقل: هو عالة على غيره
وذلك لأن “عالة” جمع عائل مثل قادة وقائد وذادة وذائد وساقة وسائق. والعائل ها هنا بمعنى المفتقر الذي يعيش بكسب غيره، وجمعه العالة. قال مرداس:
وكنا يداً حتى سعى الدهر بيننا فصرّفنا والدهر فيه الدوائر
يفرق آلافاً ويترك عالة أناساً لهم وفر من المال دائر
وقال النبي (عليه الصلاة والسلام): “انك إن تدع أو تترك عيالك أغنياء خير من أن تدعهم يتكففون الناس”، قاله لسعد بن أبي وقاص حين استأذنه سعد أن يتصدق بجميع ماله. رواه البخاري في جامعه ومسلم في كتابه واقتبسه الجاحظ في كتاب البخلاء ونقله جار الله الزمخشري العلامة في كتابه الفائق، قال الزمخشري: العالة جمع عائل وهو الفقير. ولا يقال: فلان عالة بل فلان عائل، قال الله تعالى “ووجدك عائلاً فأغنى”، والجمع عالة. (م ج)
قل: دعا لكم بالرفاء والبنين
ولا تقل: بالرفاه والبنين
وذلك لأن “الرفاء” مأخوذ من مادة “رفأ”، والرفاء هو الإلتئام والإتفاق. قال السيد محمد مرتضى الزبيدي في تاج العروس، يقال: “رفأ فلان المملك ترفئة وترفيئاً: إذا قال له بالرفاء أي بالإلتئام والإتفاق، والبركة والنماء، وجمع الشمل وحسن الإجتماع. قال ابن السكيت: وأن شئت كان معنى الرفاء السكون والهدوء والطمأنينة، فيكون اصله من غير الهمز من قولهم رفوت الرجل إذا سكنته وعليه قول أبي خراش الهذلي:
رفوني وقالوا يا خويلد لا تُرَع فقلت: وأنكرت الوجوه همُ همُ
وفي حديث النبي (ص) أنه نهى أن يقال: بالرفاه والبنين، وانما نهى عنه كراهيته إحياء سنن الجاهلية، لأنه كان من عادتهم. وفي حديث شريف أنه قال له رجل: قد تزوجت، فقال: بالرفاء والبنين. وفي حديث بعضهم أنه إذا رفّأ رجلاً قال له: بارك الله عليك وبارك فيك وجمع بينك وبين زوجك في خير، إنتهى. (م ج)
قل: حيث إنّ الأمر كذلك
ولا تقل: حيث أنّ الأمر كذلك
أما “فتح همزة “إنَّ” بعد حيث فخطأٌ والصواب أن نكسر همزة إنَّ في كل موضع ترد فيه بعد حيث ففتحها في العبارة السابقة خاطئ سواء كانت العبارة – باستعمال إنَّ – صواباً أو خطأً.
وقد صرح كثير من النحاة واللغوين بذلك، فقد ذكروا أن من المواضع التي يجب كسر همزة إن فيها وإن حكى بعضهم جواز الكسر والفتح معاً على ضعفه ضعفاً شديداً بعد حيث.
يقول ابن عقيل في المواضع التي أضافها على ما ذكره ابن مالك من المواضع التي يجب كسر همزة إن فيها: “الثاني: إذا وقعت بعد حيث نحو :أجلس حيث إنّ زيداً جالس”.
ويقول الفيروزأبادي في القاموس المحيط في معرض كلامه عن المواضع التي تكسر فيها همزة إن: “…. وبعد حيث إجلس حيث إنّ زيداً جالس.” ” (خ ع)
قل: حقوق الطبع محفوظة على المؤلف وعلى الناشر
ولا تقل: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ولا للناشر
يقال: “حَفِظ فلان عليه الشيء حفظاً فالشيء محفوظ عليه. قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) “فإن نسيت مقالتي حفظها عليك غيرك فإن الكلام كالشاردة يثقفها هذا ويخطئها هذا”[1] ، هذا هو كلام الفصحاء. وكان الإمام زين العابدين على بن الحسين (ع) يقول في دعائه: “اللهم احفظ عليّ سمعي وبصري الى انتهاء أجلي”.
ولما انصرف رسول الله (ص) الى خيبر فكان ببعض الطريق قال من آخر الليل: “من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام، فقال بلال: أنا يا رسول الله أحفظه عليك”. وقال محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور يعني أباه: “وكان يحفظ عليكم ما لا تحفظون على أنفسكم”.
وقال عمرو بن بانه لمحمد بن جعفر بن موسى الهادي – على ما روى الأصفهاني في الأغاني – “أنا أتحمل هذه الرسالة وكرامة على ما فيها حفظاً لروحك عليك فإني لا آمن من أن يتمادى بك هذا الأمر”.
وقال ابو الحسن علي بن محمد الصغاني في كتاب الفرائد والقلائد: “ومما يديم لك نصحهم ووفاءهم ويحفظ عليك ودهم وولاءهم قلة الطمع فيهم وحسن المقابلة لمساعيهم”، يعني المال.
وقال الحجاج بن علاط السلمي للعباس بن عبد المطلب: “احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى الطلب ثلاثاً”. وجاء في رفعه لأبي الفتح بن العميد “فإن لم يحفظ علينا النظام بإهداء المدام عُدنا كبنات نعش والسلام”.
وقال المقدسي محمد بن معشر: “الشريعة طب المرضى والفلسفة طب الأصحاء والأنبياء يطبون للمرضى حتى لا يتزايد مرضهم وحتى يزول المرض بالعافية فقط، أما الفلاسفة فإنهم يحفظون الصحة على أصحابها حتى لا يعتريهم مرض أصلاً”.
وقال أيو حيان التوحيدي نفسه: “ولما لم يرد من الإنسان أن يكون حكاراً حُفظ عليه ما هو إنسان ودرج الى كمال الملك الذي هو به شبيه”. وقال أبو القاسم الكاتب الأديب الشاعر:
وكم ملك قد خصني بكرامة حفظت عليه أمره وهو ضائع
ولا نود أن نطيل بذكر الشواهد أكثر مما فعلنا، وإنما نذكر أن لقولهم “حفظ له كذا” معنى آخر كقولك: “أحسنت الى فلان فحفظ لي ذلك” أي ذكر الإحسان ورعى ذكراه، فهو كالكفاء والجزاء. (م ج)
قل: حار الرجل في الأمر
ولا تقل: إحتار الرجل في الأمر
كتب إبراهيم اليازجي في (لغة الجرائد): “ويقولون إحتار في الأمر من الحيرة ولم يسمع افتعل من هذا وإنما يقال حار يحار فهو حائر وحيران وحيرته فتحير.”
لإن الفعل “إحتار” لا وجود له في معجمات اللغة ولم يرد عن العرب إستعماله قبل عصرنا هذا.
فقد جاء في لسان العرب:
“حار بَصَرُه يَحارُ حَيْرَةً وحَيْراً وحَيَراناً وتَحيَّر إِذا نظر إِلى الشيء فَعَشيَ بَصَرُهُ. وتَحَيَّرَ واسْتَحَارَ وحارَ: لم يهتد لسبيله.
وحارَ يَحَارُ حَيْرَةً وحَيْراً أَي تَحَيَّرَ في أَمره؛ وحَيَّرْتُه أَنا فَتَحَيَّرَ.”
ولم ترد في لسان العرب كلمة “إحتار”.
وكذلك الأمر في الصحاح فقد جاء في باب “حير”:
“حارَ يَحارُ حَيْرَةً وحَيْراً، أي تحَيَّرَ في أمره، فهو حَيْرانُ، وقوم حَيارى.
وحَيَّرْتُهُ أنا فَتَحَيَّر.”
وليس في الصحاح لفظ “إحتار”.
فقل: حار الرجل في أمره حَيرة شديدة.
ولا تقل: إحتار الرجل في أمره حَيرة شديدة.
قل: تساهل عليه وتجاهل عليه
ولا تقل: تساهل معه ولا تجاهل معه
وذلك لأن ” تفاعل” من أوزان الظهور بفعل غير حقيقي الرغبة في الفاعل ولا صادقها، كما قلت في موضع آخر وكما هو مشهود في أفعال الرياء كتمارض و تناوم وتخارز، فالتساهل ليس بسهولة طبيعية إرادية، وإنما هو إظهار لسهولة مصطنعة، ولذلك استعملت معه “على” فقيل “تساهل على خصمه تساهلاً”. ومن أجله لم يجر استعمال “مع” لأنها تفيد المشاركة. والمراد هو بيان سهولة مصطنعة من جانب واحد، فإذا أريد وقوع المساهلة من كل جانب من الجانبين قيل: ساهَلَ محمد قاسماً، وساهَلَ قاسم محمداً، وقد تساهل محمد وقاسم، وقد تساهلا وتساهل القوم وتساهلوا.
والتساهل هو التسامح، قال الجوهري في الصحاح يقال: غمّض عنه إذا تساهل عليه في بيع أو شراء”. قال: تساهل عليه ولم يقل: تساهل معه، لأنه خطأ. وقال محمد بن داود الأصفهاني:
هب العروض تساهلنا عليك به فأي نحو بهذا العقل يحتقب
(م ج)
قل: هذا هَويُّ طوابع، وهؤلاء هُوو طوابع، وهو الهَويّ وهم الهُوون ولم يكونوا هوُين من قبل
ولا تقل: هذا هاوي طوابع، ولا هؤلاء هُواة طوابع، ولا هم الهُواة، بهذا المعنى
وذلك لأن “الهوى” أقرب الى العادات منه الى الحالات العارضات، فينبغي أن تصاغ له صفة مشبهة على وزن “فَعِل” والمثنى منه “فَعِلان” والجمع “فَعلون” نحو فرح وهما فَرِحان وهم فَرِحون وتقول: هَوِيَ فلان يَهوي هوىً، مثل جَوِيَ يَجوي جَوَىً، وشَجي يَشجي شَجَىً. فالأول الهَويّ والثاني الجَويّ والثالث الشَّجيَ.
وجاء في لسان العرب “والهوى مقصور هوى النفس وإذا أضفته اليك قلت هَوايَ. قال ابن بري: وجاء هوى النفس ممدوداً في الشعر يعني للضرورة قال:
وهان على أسماء أن شطت النوى نحن اليها والهواء يتوق
وقال ابن سيدة: الهوى العشق، يكون في مداخل الخير والشر…، وهو ىالنفس إرادتها والجمع أهواء.
وفي التهذيب قال اللغويون: الهوى محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه. قال الله عز وجل: ونهى النفس عن الهوى، معناه نهاها عن شهوتها، وما تدعو اليه من معاصي الله عز وجل. وقال الليث: الهوى مقصور هوى الضمير، تقول: هَويَ يهوى أي أحب، ورجل هوٍ: ذو هوى مخامر، وامرأة هَوية لا تزال تهوى على تقدير فَعِلة…. وفي حديث الخيار: يأخذ كل واحدٍ من البيع ما هوى أي ما أحب، وما تُكلم بالهوى مطلقاُ لم يكن إلا مذموماً حتى يُنعت بما يُخرجُ معناه كقولهم: هَوى حسن موافق للصواب. وأثبت سيبويه الهوى لله عز وجل فقال: فإذا فعل فقد تقرَّب الى الله بهواه وهذا الشيء أهوى إلي…والجمع أهواء وقد هَويَه هوى فهو هَوٍ…واستهوته الشياطينُ…. جعله الزجاج من هَويَ يَهوي أي زّيَّنت له الشياطين هواه” انتهى المراد نقله من لسان العرب.
وقال يزيد بن الحكم بي أبي العاص يعاتب ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص:
أراك إذا لم أهوَ أمراً هوِيته ولست لما أهوى من الأمر بالهَوِيّ
وقال عمرو بن كلثوم في معلقته:
وإنّا التاركون لما أردنا وإنّا الآخذون لما هَوينا
وقال المبرد في الكامل: “تقول: هَوِي يهوى كما تقول فَرِق يَفرَق وهو هَوٍ كما تقول هو فَرق كما ترى”.
وأما الهاوي فهو اسم فاعل من هَوى يَهوي هُوياً أي سقط الى اسفل، فالهاوي هو الساقط والهواة هم السقاط.
فقل: هذا هوي غناء وهؤلاء هوو غناء، وهو من الهَوين للغناء لا من الهواة أي السقاط وهم اللؤماء. (م ج)
قل: إن بعض المحاضر تكشف أن جهات إستخبارتية إقليمية تعهدت بكف يد فلان
ولا تقل: إن بعض المحاضر تشي أن جهات استخبارية اقليمية تعهدت بكف يد فلان. (حسين أيوب موقع قناة المنار 11-11-2013)
كما شاع في الإعلام اللبناني إستعمال الفعل “وشى يشي” بمعنى كشف يكشف أو أخبر يخبر أو بشر يبشر وهذا الإستعمال الخاطئ يتكرر بشكل يومي ومطرد دون معرفة السبب حيث إن العربية غنية بالأفعال التي تعبر عن المراد حسب سياق الجملة. وأورد هنا مثالين من الكثير الذي توقفت عنده خلال الشهرين الماضيين. فقد جاء في موقع قناة الميادين يوم 27/9/2013
“وما يحصل على الأرض يشي بالكثير”. وأحسب الكاتب أراد أن يقول “يخبر بالكثير”
وكتب عماد مرمل على موقع قناة المنار يوم 1/10/2013
“وتشي بان هناك خصوصية أمنية للوضع في العاصمة”. وأظنه أراد باستعماله الفعل “تشي” هنا “تخبر” أو “تنبي”.
ولا أدري لماذا يستعمل الإعلاميون اللبنانيون الفعل “وشى” بهذا المعنى. فهل ذلك بسبب أنهم تعلموا هذا المعنى في منهاج تعليمي خاطئ أم أنه من الإستعمال العامي اللبناني والذي لا يعرف أحد كيف نشأ. ذلك لأن العرب لم تستعمل الفعل “وشى” بهذا المعنى إطلاقاً.
فقد كتب إبن فارس في مقاييس اللغة:
الواو والشين والحرف المعتل: أصلانِ، أحدُهما يدلُّ على تحسينِ شيءٍ وتزيينه، والآخر على نَماءٍ وزيادة.الأوَّل: وشَيْتُ الثَّوبَ أشِيهِ وَشْياً.
ويقولون للذي يَكْذِب ويَنُمُّ ويُزخرِفُ كلامَه: قد وَشَى، وهو واشٍ.والأصل الآخر: المرأة الواشية: الكثيرة الوَلَد.
كما جاء في الصحاح للجوهري في باب “وشى”:
ويقال: وَشى كلامَه، أي كَذَبَ.
ووَشى به إلى السلطان وِشايَةً، أي سعى.
وجاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي:
وشى كلامَهُ: كَذَبَ فيه،
وشى به إلى السُّلْطانِ وَشْياً ووِشايَةً: نَمَّ، وسَعَى،
وشى بنو فلانٍ: كَثُرُوا.
وهكذا يتضح من معجمات اللغة أنه لم يرد إستعمال للفعل “يشي” بالمعنى السائد الإستعمال في لبنان. وحيث إن العربية غنية فليس هناك ما يدفع الإعلامي اللبناني لإستعمال الفعل “يشي” حين يمكنه أن يستعمل “ينبي” أو “يخبر” أو “يكشف” أو “يبشر” أو “ينذر” حسب المعنى المراد في الجملة.
فقل: ما حصل على الأرض ينبئ بالكثير
ولا تقل: ما حصل على الأرض يشي بالكثير.
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
16 تشرين ثاني 2013