قل: يرأَس اللجنة والقوم
ولا تقل: يرئِسهم
ويقولون رأس اللجنة أو القوم يرئِسها ويرئِسهم بكسر الهمزة، أي صار رئيسها أو رئيسهم، وانما اقتدوا في ذلك بالضبط الوارد في المنجد، تأليف الأب النصراني لويس معلوف اليسوعي، والرجل لم يكن لغوياً بل اختار كلم معجمه من محيط المحيط للبستاني وزينه بصور، بله ان المنجد لا يُعتمد عليه في ضبط الكلم وبخاصة الأفعال الثلاثية فأمرها عسير، ولم أعلم أنّى له كسر عين المضارع من الفعل “رأس” فالمسموع المدوّن والمقيس فيه فتحها. أما المدون فقد جاء في مختار الصحاح “رأس القوم يرأسهم بالفتح رئاسة فهو رئيسهم ويقال أيضاً ريّس بوزن قيَم”.
وورد في المصباح المنير “ورأس الشخص يرأس مهموز بفتحتين رآسة: شرف قدره فهو رئيس والجمع رؤساء مثل شريف وشرفاء”.
وفي لسان العرب “ورأس القوم يرأسهم بالفتح رآسة وهو رئيسهم، رأس عليهم فرأسهم وفضلهم….. قال ابن الإعرابي: رأس الرجل يرأس رآسة إذا زاحم عليها وأرادها…. وفي حديث القيامة: ألم أذرك ترأس وتربع؟ رأس القوم: صار رئيسهم ومقدمهم”.
فالنصوص المسموعة المدونة مجمعة على أن عين مضارع الفعل “رأس” أي يرأس مفتوحة وأما القياس فهو فتح عين المضارع الثلاثي إذا كانت العين أو اللام من أحرف الحلق وهي الهاء والحاء والعين والغين والهمزة، مثل نهج ينهَج، ونده يندَه، وقحل يقحَل، ومنح يمنَح، وفعل يفعَل، ونفع ينفَع، وشغل يشغَل، ودمغ يدمغ، وسأل يسأَل، ودرأ يدرَأ، إلأ ما نص اللغويون على خلافه.
والمكسور العين من غيرالمثال قليل أو نادر مثل رجع يرجِع، ونزع ينزِع، وحطأ يحطِئ على احدى لغتين ودمغ يدمِغ على احدى ثلاث لغات. ومما ذكروا من الوارد بلغتين: فتح العين وضمها: برأ يبرَأ ويبرُؤ، وجنح يجنح، ورعدت السماء ترعد، ورعف يرعف، وسلخ يسلخ، وشجب يشجب، وصلح يصلح، وفرغ يفرغ، ومخض يمخض، ومضغ يمضغ، وهنأ الإبل يهنأها ويهنؤها. وقيل ورد فيه أيضاً الكسر وزأر الأسد يزأر ويزئر، وشحج البلغ يشحج، وشهق الرجل يشهق ورضع الطفل يرضع ونطح ينطح، ومنح يمنح، ونبح ينبح.
وزادت لغة ثالثة: نحت ينحت، ونبغ ينبغ، ونهق ينهق، ورجح يرجح، ونحل ينحل، وسحاه يسحوه يسحيه، وشح يشح، ولغى يلغى ويلغي ويلغو.
ولم يكن “يرأس” من هذا النادر المنصوص عليه، فالمنجد هو الذي أفشى هذا الغلط، فينبغي للأديب أن لا يعتمد عليه عند الإلتباس واختيار الصحيح من الضبط والتصريف. (م ج)
قل: هو الأمر الرئيس بين الأمور وهي القضية الرئيسة بين القضايا
ولا تقل: الأمر الرئيسي والقضية الرئيسية
وذلك لأن “الرئيس” و “الرئيسة” في هاتين العبارتين وأمثالهما هما من الصفات المصوغة على وزن “فَعيل” ومؤنثه “فَعيلة” كالشريف والشريفة والنجيب والنجيبة والعظيم والعظيمة.
قال ابن مكرم الأنصاري في لسان العرب: “رأس القومَ يرأسهم بالفتح اي بفتح الهمزة رآسة وهو رئيسهم ورأس عليهم فرأسهم وفَضَلهم، رأس عليهم كأمر عليهم يعني صار أميراً عليهم”. ثم قال: “قال ابن الأعرابي: “رأس الرجل يرأس رآسة، إذا زاحم عليها وأرادها وكان يقال ان الرئاسة تنزل من السماء فيُعصّب بها رأس من لا يطلبها”.
وقال الزمخشري في أساس البلاغة: “ومن المجاز رأست القوم رآسة، قال النمر بن تولب:
ويوم الكلاب رأسنا الجموع ضراراً وجمع بني منقر
وقد استُعيرت الرّآسة من الإنسان لغيره على سبيل المجاز أيضاً فقيل الأمر الرئيس والقضية الرئيسة. أما إضافة الياء المشددة الى الصفة كأن يقال “الرئيسي والرئيسية” فليست من الإستعمالات العربية. ثم ان إضافة الياء المشددة التي هي ياء النسبة ليست قياسية في غير النسبة، وقول الراجز “والدهر بالإنسان دواري” هو من قبيل الضرائر، وإلا فكيف يقال للشريف شريفي وللعجيب عجيبي وللكبير كبيري، فذلك عبث باللغو فظيع.
قال الشريف الرضي في كتابه المجازات النبوية: “لأن القلب سيد الأعضاء الرئيسة والأحناء الشريفة”. وقال أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: “ولكل واحد من الحيوان ثلاثة أرواح في ثلاثة أعضاء رئيسة”. وذكر ابن النديم في الفهرست كتاباً اسمه “سير العضو الرئيس من بدن الإنسان”. وذكر الخوارزمي في مفاتيح العلوم “الأعضاء الرئيسة في الإنسان” وذكر الثعالبي في كتاب الطرائف قول الشاعر:
وجدت رئيسة اللذا ت أربعة متى تحسب
وقال نصر الله بن الأثير في رسائله: “فلم يرض إلا بالرأس من الأعضاء الرئيسة”. وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: “فان الجوع المفرط يورث ضعف الأعضاء الرئيسة واضطرابها واختلال قواها”. وقال العلامة الصاغاني في كتابه مجمع البحرين: “والأعضاء الرئيسة عند الطباء أربعة: وهي القلب والدماغ والكبد والأنثيان ويقال للمتقدمة رئيسة من حيث الشخص على معنى وجود (الإنسان) بدونها أو بدون واحد منها لا يمكن، والرابع رئيس من حيث النوع ومن قال ان الأعضاء الرئيسة هي الأنف واللسان وغيرهما فقد سها”.
وقد رأيت هذا الخطأ، أعني استعمال النسبة بغير باعث عليها ولا ملجئ اليها، في كلام القلقشندي مؤلف “صبح الأعشى في صناعة الإنشا”. قال: “وأما استيفاء الدولة فهي وظيفة “رئيسية” وعلى متوليها مدار أمور الدولة في الضبط”. والصواب “وظيفة رئيسة” كما قدمناه. واستعمل الأتراك العثمانيون هذا الغلط في عباراتهم فقد كانوا يقولون “رئيسي جمهور” بمعنى “رئيس جمهورية” وسرى هذا الخطأ من الجهتين الى الكتاب حتى أعثرنا الله تعالى على الصواب. (م ج )
وهكذا نرى مصطفى جواد يعيب على صاحب “المنجد” أنه قاد الناس للغلط لأنه لم يكن عالماً بالعربية، وقد يكون هذا حال اي معجم حديث من معاجم القرون المتأخرة بما في ذلك “المعجم الوسيط”. وقد ذهب عالمنا الجريء لأبعد من ذلك حين عاب على الجوهري، وهو صاحب الصحاح، أنه أخطأ حين ذكر الفعل “إنطرد” لأنه من رديء اللغة. ثم أخذ على القلقشندي، وهو أديب وفقيه من رجال القرن الثامن الهجري، أنه أدخل ياء النسبة على “الرئيس” دون سبب. وهذا من عبقرية العربية وروعتها التي تمكن الخلف أن يجد خللاً في إجتهاد السلف. وقد سبق جواد عدد من علماء اللغة الذين عابوا على سابقيهم، فقد عاب ابن هشام الأنصاري الزمخشري، وهو العالم المشهود له، أكثر من مرة بل انه اتهمه أنه أخذ عن جاهل. فماذا يفعل المتأدب اليوم حين يواجه كلمة أو عبارة جديدة لا علم له بها أو لم يسمعها من قبل؟ والحل عندي أن يعرضها على اي من المعجمات التالية: العين أو الجمهرة أو القاموس أومقاييس اللغة وأخص منها مقاييس اللغة لأن ابن فارس اتبع منهجية واضحة في تحري اصل كل كلمة وكيف استعملها العرب. فإن وجد المتأدب معناها أخذ به فإن لم يجد لها استعمالاً واضحاً توقف عندها، وفوق كل ذي علم عليم. (ع ع)
قل: اختلفوا في الشيء
ولا تقل: اختلفوا على الشيء
“نخطئ عندما نقول عن المتعاقدين اختلفا على الثمن أو عن المتشاركين: اختلفوا على تقسيم الربح، فما الخطأ وما الصواب إذن؟
الخطأ: أن حرف الجر “على” لا يفيد المعنى الذي نريده في العبارتين السابقتين، فنحن نريد أنهم اختلفوا بسبب الثمن أو بسبب الربح فما حرف الجر الذي يصلح هنا؟ إنه حرف الجر “في” ففيه معنى السببية أو التعليل. والدليل الى ما ذهبنا اليه آيات كثيرة من كتاب الله ومنها قوله تعالى “ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه”، وقوله “وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه”، وقوله “وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه” (خ ع)
قل: اقتبس الكاتب من فلان بعض آرائه
ولا تقل: اقتبس الكاتب عن فلان بعض آرائه
“نستعمل العبارة التالية بكثرة فنقول: “اقتبس الكاتب عن فلان بعض آرائه” وهذا خطأ بين. فالفعل اقتبس يتعدى بـ “من” لا بـ “عن”. يقول المولى عز وجل “يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم”. وفي الحديث أن الرسول (ص) قال: “من اقتبس علماً من النجوم إقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد”. والسبب أن من هنا للتبعيض وعن لم تأت للتبعيض قط. فالصواب في العبارة السابقة أن نقول: اقتبس الكاتب من فلان بعض آرائه”. (خ ع)
قل: تَمَيَّز منه
ولا تقل: تَمَيَّز عنه
وأصل الكلمة: المَيْز وهو التمييز بين الأشياء، فنقول مِزتُ بعضَه من بعض، فأنا أميزه مَيْزاً وكذلك مَيَّزته تمييزاً.
وفي كتاب الله: “ليميز الخبيث من الطيب” والفعل: مازَ يَميزُ و مَيَّز يُميِّزُ.
وتميَّز القوم: صاروا في ناحية وانعزلوا عن غيرهم.
وفي كتاب الله: “وامتازوا اليوم أيها المجرمون” أي تميزوا وانفردوا عن المؤمنين ولذلك نقول: تَمَيَّز منه وليس عنه. (ع ن)
قل هذا هو المشهد السياسي المحتمل
ولا تقل هذا هو السيناريو السياسي المحتمل
وشاع استعمال كلمة “سيناريو” الأعجمية بين الكتاب والمحللين حتى لا تكاد تسمع خبرا سياسيا أو تعليقاً إلا وتذكر فيه الكلمة وكأنها من فصيح لسان العرب أو كأن العرب في السابق لم تشعر بحاجة للتعبير عن ما تعنيه العبارة حتى ذهب أبناؤنا للتعلم في الغرب فتعلموا الكلمة وأدخلوها لغتنا.
والكلمة الدخيلة على العربية هي الإنكليزية (Scenario) والتي أستعملت لأول مرة في الإنكليزية عام 1878 مأخوذة عن الإيطالية باللفظ ذاته والتي هي بدورها مأخوذة عن الكلمة اللاتينية (scenarius) وتعني (مشاهد مسرح). وهكذا يبدو واضحاً أن الكلمة لم تستعمل في الإنكليزية أو الإيطالية أو اللاتينية الأم إلا بمعنى “المشهد”. فما الذي يلجئنا لأن نعدل عن الكلمة العربية السليمة التي تعطي المعنى بالكامل إلى كلمة أعجمية ثقيلة على السمع.
قل: هذا هو المشهد السياسي المرتقب في مصر. (ع ع)
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
26 تموز 2013
جزاك الله كل خير ووفقك في خدمة العربية