قل: قُتلَ فُلان صبراً
ولا تقل: قُتلَ فُلان بدمٍ بارد
فقد إنتشر في وسائل الإعلام العربية إستعمال “قتل بدم بارد”. وقد دخل هذا الإستعمال المقيت والمنفر للسمع بعد أن قامت إحدى الصحف التي تصدر في بريطانيا بترجمة المصطلح الإنكليزي (Cold-blooded Murder) ترجمة حرفية. وهذه الترجمة البائسة تفترض أن العرب لم يعرفوا فعلاً أو صفة للتعبير عن قتل مثل هذا حتى جاء به الإنكليز متأخراً، فأضطررنا في جهالتنا أن نستعيره ونترجمه هذه الترجمة البائسة.
لكن هذه اللغة الثرية بمفرداتها وتراثها الكبير لم تغفل حالة القتل هذه.
فقد جاء في لسان العرب:
“وكلُّ من قُتِل في غير مَعْرَكة ولا حَرْب ولا خَطَإٍ، فإِنه مَقْتول صَبْراً.”
وهذا هو ما أراده المصطلح الإنكليزي مما ينفي الحاجة للترجمة.
وجاء في الصحاح في اللغة في باب “صبر”:
“وَكلُّ ذي روحٍ يُصبَرٌ حيّاً ثم يُرمى حتى يُقتَلَ قُتِلَ صَبْراَ”
فلستَ بحاجة بعد اليوم لإستعمال الترجمة البائسة ما دمت تعرف أن العرب استعملت لفظاً واحداً للدلالة على المعنى. كما ان هذا الإستعمال يغنيك عن محاولة فهم ما أراده المصطلح الإنكليزي والذي غاب عن المترجم، الذي أشك في أن يكون له إلمام جيد باللغة الإنكليزية، ذلك لأن العبارة الإنكليزية هي استعارة رمزية من الإشارة للحيوانات ذات الدم البارد وتعني في هذا الإستعمال أن القتل جرى بدون أي إحساس من قبل القاتل. وغاب على المترجم أن الإستعارات لا تترجم لأنها مختصة باللغة، وحيث إن كل لغة لها خصوصيتها وصورها يصبح من المتعذر ترجمتها. فأذن الإنكليزي سرعان ما تربط بين العبارة وبين الحيوان ذي الدم البارد لكن مثل هذا الربط لا يقع في أذن العربي والذي لا تبعث العبارة على هذا المعنى في ذهنه.
فقل: قتل صبرا
ولا تقل: قتل بدم بارد (ع ع)
قل: هؤلاء السُيّاح جواسيس
ولا تقل: هؤلاء السُوّاح جواسيس
وذلك أن السُيّاح جمع تكسير “للسائح” والسائح اسم فاعل من الفعل “ساح في الأرض سياحة وسيوحا وسيحا وسيحاناُ” كما في لسان العرب. والمصدر المشهور هو “السياحة” لزيادة أحرفه المستوجبة زيادة معناه. وليس السائح من ساح يسوح المفقود حتى يجمع على سواح، مثل قائد وقواد. بل هو مثل “غائب وغياب” و “عائب وعياب” وأما الجمع المصحح للسائح فهو السائحون والسائحين بحسب أنواع الإعراب. ويعمد الى جمع المذكر السالم عند إرادة الحدث كأن يقال “كان السُيّاح سائحين في أمريكا” و “إنا السائحون اليوم وإنكم السائحون غدا”. وغير الفصيح في مثل هذا المعنى أن يقال “كان السُيّاح سّياحا في أمريكا” و “إنا السّياح اليوم وإنكم السّياح غدا”. إذا أريد فعل السياحة أيضا. (م ج)
قل: هذا رجل رُجعي ورجوعي
ولا تقل: رَجعي
ويقولون للرجل المتمسك بالأمور القديمة العقيمة وللأمر القديم العقيم “رَجعي” لبيان أنه ضد التقدمي وذلك خطأ لأن “الرَّجعي” منسوب إما الى “الرَّجع” وهو مصدر الفعل المتعدي “رجعه يرجعه رجعاً” وإما إلى “الرًّجعة” وهي الحياة الثانية في الدنيا، ومنها قولهم: فلان يؤمن بالرَّجعة ويعتقدها وهو من أهل الرَّجعة، أي ممن يؤمنون بأن ناساً من الموتى سيعودون الى الحياة بعد الموت ويحيون حياة ثانية.
جاء في مختار الصحاح “وفلان يؤمن بالرَّجعة أي بالرجوع الى الدنيا بعد الموت”.
فالرَّجعة صارت مصطلحا، وذلك ضد ما يريد القائل، لأن الحياة بعد الموت هي تجدد وتقدم، فاستعماله خطأ مبين.
والذي منع من استعمال “الرَّجعي” منسوباً الى مصدر الثلاثي المتعدي هو أن المراد الفعل اللازم لإفادة النكوص والتأخر، ومصدره “الرجوع والرُّجعي” ليقابل الفعل اللازم “تقدم” ومصدره “التقدم” وهما غير “تقدم” المتعدي ومصدره التقدم أيضاً غير المرادين هنا. فالرجوعي واضح المعنى. وبقي “الرُّجعي” وهو منسوب الى “الرُّجعى” على وزن الدنيا وهو مصدر الفعل اللازم “رجع”. جاء في مختار الصحاح: “والرُّجعى: الرُّجوع”. ومنه قوله تعالى “إن إلى ربك الرُّجعى”. (م ج)
قل: يُوحي ذلك بجمال الشعر وروعته
ولا تقل: يُوحي ذلك بجمال وروعة الشعر
عند تعدد المعطوفات بعد كلمة مضافة في الجملة نجد الكثير منا يجعل المضاف اليه في آخر العبارة ويقدم عليه تلك المعطوفات، ومثال ذلك الجملة التالية: “يُوحي الإنشاد بجمال وروعة الشعر” أو “يُحدثك هذا الكتاب عن سمو ورفعة وروعة الإسلام”. فكما ترى من الجملتين تقدم المعطوف على المضاف اليه، وهذا خطأ والصواب أن يأتي المضاف اليه مضافا الى أول كلمة ثم تتوالى بعد ذلك المعطوفات ويُلحق بها ضمير يعود الى المضاف اليه.
فالصواب في العبارة السابقة أن يقال: “يُوحي ذلك بجمال الشعر وروعته” وفي العبارة الثانية أن نقول: “يُحدثك هذا الكتاب عن سمو الإسلام ورفعته وروعته”.
وقد أشبع السيوطي المسألة بحثاً في كتابه “همع الهوامع في شرح جمع الجوامع”. إذ يقول في فصل عقده لذلك- مسألة: (لا يُفصل بين المتضايفين)، أي بين المضاف والمضاف اليه اختياراً، لأنه من تمامه، ومنزل منه منزلة التنوين (إلا بمفعوله وظرفه على الصحيح)…. وقيل لا يجوز بهما وعلى المفعول أكثر النحويين….
وقال في موضع آخر من الفصل نفسه: “(وجوزه) أي الفصل (الكوفية مطلقاً) بالظرف والمجرور وغيرهما وجوزه (يونس بالظرف والمجرور) غير المستقل وجوزه (ابن مالك بالقسم) …ويجوز الفصل ضرورة لا اختياراً (بنعت)… و(إما)… و(نداءٍ)…. و(فاعلٍ)… و(فعلٍ ملغى)… و(مفعولٍ له)……
وكما ترى فإنه ……. لم يذكر الفصل بالمعطوف لا اضطرارا ولا اختيارا، ولا نقول إنه لا يجوز اضطراراً لأن السيوطي لم يذكره لكن نقول إن عدم ذكر السيوطي له يؤيد أن الفصل بين المتعاطفات لا يقاس عليه، وأنه قد يجوز اضطراراً في الشعر دون النثر. (خ ع)[1]
قل: فلانة عضوة
ولا تقل: فلانة عضو
والسبب في ذلك أن “العضو” نقل من الإسمية الى الوصفية كما قيل في الشلو وهو العضو “شلوة” وفي الثبج وهو الوسط “ثبجة”. قال النبي (ص) لأبي بن كعب وقد أعطاه الطفيل ابن عمرو الدوي قوساً جزاءً على إقرائه القرآن “تقلدها شلوة من جهنم”. قال الشريف الرضي في المجازات النبوية “وإنما قال شلوة ولم يقل شلواً لأنه حمل على معنى القوس وهي مؤنثة، والشلو: العضو”.
وجاء في كتاب النبي (ص) لوائل بن حجر الحضرمي “واعطوا الثبجة”. قال مجد الدين ابن الأثير في النهاية ” أي أعطوا الوسط في الصدقة لا من خيار المال ولا من رذالته، وألحقها هاء التأنيث لأنتقالها من الإسمية الى الوصفية”.
ثم ان العرب يتساهلون في التأنيث. قال الجوهري في الصحاح: “الكوكب: النجم يقال كوكب وكوكبة كما قالوا بياض وبياضة وعجوز وعجوزة”. ثم ذكر أنهم قالوا منزل ومنزلة. وعلى هذا يجب أن يقال للممثلة البارعة أي الحاكية الماهرة “كوكبة” لا كوكب. (م ج)
قل: توغّل ووغّل في البلاد وتخلّل البلاد
ولا تقل: تسلّل فيها واليها
وذلك لأن التسلّل هو خروج وتفصّ وتخلّص من زحام أو غمار أو جمع، وليس هو بدخول ولا وغول ولا اندساس، فأقرب الكلمات معنى من المراد اليوم بالدخول سرّاً في البلاد من حدودها الخارجية هو التوغل والوغول والإيغال والتخلل. فهذه الكلمات أربع تؤدي المعنى المراد. يقال: وغل في الشيء يغَل وغولاً: أي دخل فيه وتوارى به وأوغل القوم أي أمعنوا في سيرهم داخلين في أرض العدو أو بين الجبال. وتوغّل في البلاد” دخل فيها وأبعد، وتخلل القوم: دخل فيهم وبينهم ، وتخلّل الشيءُ الشيءَ: نفذ فيه. ولو كان في معنى التسلل ما يفيد الدخول والتخلل والوغول ولو مجازاً لصح التعبير عن المعنى المقصود ولكن حركة التسلل معاكسة للدخول فهي خروج واستخفاء. (م ج)
وهذا لسان العرب يخبرنا عن معنى تسلل:
“السَّلُّ: انتزاعُ الشيء وإِخراجُه في رِفْق، سَلَّه يَسُلُّه سَلاًّ واسْتَلَّه فانْسَلَّ وسَلَلْتُه أَسُلُّه سَلاًّ….
“وانْسَلَّ وتَسَلَّل: انْطَلَق في استخفاء. الجوهري: وانْسَلَّ من بينهم أَي خرج.”..
“وفي التنزيل العزيز: يَتَسَلَّلون منكم لِوَاذاً؛ قال الفراء: يَلُوذُ هذا بهذا يَسْتَتِر ذا بذا؛ وقال الليث: يَتَسَلَّلون ويَنْسَلُّون واحدٌ.”
“ويقال: سَلَلْت السيفَ من الغِمْد فانْسَلَّ.” أي أخرجته من الغمد فهو سبيف سليل أو مسلول.” وفي كل هذا شاهد على خطأ استعمال لفظة “تسلل” بمعنى توغل أو تغلغل. (ع ع)
وللحديث صلة….
عبد الحق العاني
7 حزيران 2013
[1] أخطاء لغوية شائعة، خالد بن هلال بن ناصر العبري – مكتبة الجيل الواعد – عمان 2006
جميل استاذ وبارك الله بك