نشر موقع قناة المنار الإلكتروني يوم 17 أيار 2013 مقاطع من خطاب السيد علي الخامنئي في جمع جاء ليبارك للمسلمين يوم ولادة الإمام علي بن أبي طالب. ولو لم أكن أعرف أن قناة المنار تمثل الذراع الإعلامي لحزب الله وأن حزب الله يدين بالولاء والبيعة للسيد علي الخامنئي لأنه يمثل الفقيه الذي يجب اتباعه وفق نظرية ولاية الفقيه التي وضعها السيد الخميني موضع التنفيذ بعد أن بقيت نظرية هامشية في الفكر الشيعي لفترة من الزمن، أقول لو أني لم أعرف كل هذا لتوقفت عند الخطاب خوفاً من أن يكون منسوباً دون عناية أو رقابة لأن هذا هو حالنا… لكني حيث إني تيقنت صدق النقل فقد وجب علي التوقف عند فقرة واحدة جاءت في الخطاب وذلك لخطورتها من حيث كونها رسالة موجهة للشيعة عموماً وللقيادات الدينية والسياسية خصوصاً.
فقد نقل الخبر عن السيد الخامنئي قوله:
“هناك من يدّعون بأنّ الإمام علي (عليه السلام) إمامهم ولكنّهم غير مستعدّين لأن يقولوا كلمة واحدة تزعج الاستكبار وأميركا.. يقول هؤلاء إنّهم شيعة علي وأنّه إمامهم!! فماذا يعني الإمام!؟”
فمن أراد السيد الخامنئي بهذه العبارة وما مدلولها؟
ولا بد قبل الإجابة على هذا أن نبين، ولو بإيجاز، شيئاً عن نظرية ولاية الفقيه ونجاحها ودورها في الفكر الشيعي المعاصر.
فنقول إن نظرية ولاية الفقيه ليست ظاهرة شيعية صرفة حيث لها مقابل في الفقه السني وهي تقوم على أساس أن للفقيه حق الولاية العامة على الناس في أمور الدين والدنيا وقراره لا يخضع لرأي العامة لأنه مستمد من تكليف إلهي وصله بسبب كونه ممثلاً للإمام الغائب. وقد كتب عدد محدود من فقهاء الشيعة في دعم هذه النظرية لكنها بقيت في الكتب حتى جاء السيدالخميني فوضعها موضع التطبيق الفعلي في جعلها أساس دستور الجمهورية الإسلامية في إيران. لكن هذا لم يغير حقيقة أن أكثر المراجع الدينية عند الشيعة كانت وما زالت تعارض ولاية الفقيه وترى أن واجب الفقيه أن ينصرف لأمور الدين ويترك السياسة لأهل السياسة.
فقد عارض الخميني ونظريته أغلب المجتهدين من شيعة إيران والعراق ولبنان منهم على سبيل المثال لا الحصر: حسين علي منتظري ومرعشي نجفي في إيران ومحسن الحكيم وابو القاسم الخوئي وعلي السيستاني في العراق ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله في لبنان. وقد لا يكون المرء متجاوزاً إذا قال بأن معارضي نظرية ولاية الفقهاء من بين فقهاء الشيعة أكثر من مؤيديها…إلا أن سبب صعودها وشهرتها أنها تبنت مشاريع سياسية لها تجاوب شعبي كبير مثل التخلص من شاه إيران ومحاربة إسرائيل في لبنان في تصدر حزب الله لحرب التحرير والدفاع والمقاومة…
بعد هذا لا بد من التوقف عند عبارة السيد علي الخامنئي في خطابه الأخير…. فهو لا شك لم يقصد رجال الدين من أهل السنة ولا أعني أي انتقاص في هذا القول، إذ ان السيد الخامنئي لا بد أنه أراد في هذا القول التخصيص وليس التعميم عن كل المسلمين الذي يكنون التقدير لعلي بن أبي طالب. أي انه أراد بها الشيعة بشكل خاص. ولا أدعي أني أعرف ما يدور في ذهن الرجل عندما قال ما قاله أو بعد ما قاله. لكن لي أن أحكم على الأمور بمدلولاتها السياسية ذلك لأن المقولة سياسية وليست دينية صرفة بنظر الأغلبية، وإن كان من يؤمن بولاية الفقيه لا يرى فصلاً بين السياسة والدين، فأجد أن السيد الخامنئي أراد بخطابه غمز طرفين في الساحة الدينية في داخل إيران وخارجها.
فالطرف الأول الذي أراده هو زعماء المرجعية الشيعية الذين يرفضون التعليق على أية سياسة أمريكية في المنطقة بحجة أنهم يؤمنون بفصل الدين عن السياسة، وله في إيران أكثر من مرجع يقف هذا الموقف. لكني أعتقد أن السيد الخامنئي أراد بشكل مباشر المرجعية الدينية في النجف وذلك لأهميتها في العالم الشيعي عموما ولأن السيد علي السيستاني ما زال أوسع المراجع تقليداً ويتبعه حتى في إيران عدد قد يتجاوز أتباع السيد الخامنئي نفسه.
والمتابع للحدث لا بد أن يتوقف عن هذه الإشارة من السيد الخامنئي عن تقاعس السيدالسيستاني ويتعامل معها بالقدر الممكن من الموضوعية إذا افترضنا أن المرء يمكن أن يكون موضوعياً صدقاً في أمر كهذا! فنقول لو أن السيد السيستاني وقف بشكل تام ومتسق بعيداً عن كل الأمور السياسية لكان غمز السيد الخامنئي له فيه تجاوز لأنه ابتعد عن السياسة صدقاً. لكن السيد السيستاني لم يفعل ذلك حقاً….. فهو لم يصرح بوقوفه ضد غزو الصهاينة للعراق وإن كان الشرع لا يختلف على وجوب الوقوف بوجه من يغزو أرض الإسلام بل هو لزم الصمت. وحين اتصل بول بريمر به فإنه لم يرفض إقامة العلاقة معه، وحين تعقدت الأمور بعض الشيء ركب الطائرة واختفى في لندن…
لكنه ما أن وضع المحتل دستوراً للعراق حتى أفتى لمقلديه بوجوب التصويت عليه.. ثم ألزمهم بوجوب التصويت على مجلس نيابي في ظل الإحتلال وهو على يقين بأن الشرع يرفض هذا..
ثم صمت بعد ذلك… وحين جاء موعد إتفاقية الذل المسماة بالإتفاقية الأمنية بين حكومة الأجراء في بغداد والصهاينة في واشنطون فإن السيد السستاني رد بأنه لا رأي له في هذا الأمر لأنه من اختصاص الساسة….
أي بعبارة أوجز فإن السيد السيستاني أعطى رأياً سياسياً حين لم يكن فيه انتقاد لأمريكا وسكت حين كان الموقف يتطلب منه انتقاداً لأمريكا… وهنا يصبح سؤال السيد الخامنئي موجهاً له…. فكيف تقول أن علياً أمامك وأنت لا تجرؤ على كلمة واحدة ضد أمريكا وأنت تعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس! فمنهاج علي في جملته وتفصيله يجب أن يجعلك في الخط الأمامي لمواجهة أمريكا فإن لم يكن بالسيف فبالقول في أضعف الإيمان…
ولا بد من تدارك هذا بالقول ان السيستاني ليس وحده في هذا فإن المراجع الدينية الرئيسة في النجف وقفت وتقف مثله… وهذا يعني أن السيد الخامنئي أراد بغمزه مؤسسة شيعية واسعة وذات نفوذ كبير. فهو لم يرد بهذا غمز كل من لا يؤمن بولاية الفقيه فقد وقف السيد محمد حسين فضل الله ضد المشروع الصهيوني طيلة حياته وإن لم يكن يؤمن بولاية الفقيه….
وقد لا يكون خطاب السيد الخامنئي موجهاً ضد المرجعية الدينية المهادنة للصهيونية فقط…فعندي أنه أراد بخطابه طرفاً ثانياً وهي الحركة السياسية الشيعية التي تحكم العراق اليوم والتي يتزعمها المجلس الأعلى وحزب الدعوة. وحتى لا يتحول هذا المقال لتحليل الوضع السياسي العراقي نوجز فنقول إن المجلس الأعلى، والذي كان يسمي نفسه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لكنه غير اسمه لأن الغزو الصهيوني للعراق كفاه الحاجة للثورة، فهو حزب آل الحكيم الذين يعتقدون أن تراث أبيهم في خدمة المشروع الإستكباري يعطيهم حق حكم العراق…. أما حزب الدعوة والذي أسسه شاه إيران عام 1959 والذي لا يمتلك أي برنامج سياسي سوى الوصول للسلطة شأنه في ذلك شأن الأحزاب السياسية السنية في مصر وتونس، هذا الحزب انتقل من بيعته لشاه إيران لبيعته للسيد الخميني لكن لا بد أنه تخلى عن هذه البيعة حين بايع جورج بوش كي يوليه حكم العراق..
فلا بد أن السيد الخامنئي يشعر بالإحباط أمام سكوت هذه الحركات الشيعية السياسية في العراق حتى عن انتقاد أمريكا فهي عالة عليه لكنها لا تقدم شيئاً يمكن له أن يباهي به الناس.. فهو لا يستطيع أن يفعل كما يفعل البسطاء من أدعياء التحليل السياسي في الإدعاء بأن هناك حلفاً بين طهران وبغداد ودمشق ولبنان، لأنه يعرف جيداً أن الحلف لا يمر ببغداد ذلك لأن بغداد ما زالت منذ غزوها في 2003 قاعدة للصهيونية أو الإستكبار كما يسميه هو…فماذا يقول المهرجون الذي يدعون أن إيران تحكم العراق بعد قراءة هذا الإحباط؟
عبد الحق العاني
18 أيار 2013